الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الصوت قصة للكاتبة سنية عبد عون
هاشم معتوق
2025 / 11 / 4الادب والفن
الصوت قصة قصيرة للكاتبة سنية عبد عون رشو
تُعدّ القصة القصيرة فناً نثرياً يقوم على التكثيف والترميز والاقتصاد في اللغة، ويُعنى بتصوير لحظة إنسانية مكثفة أو أزمة وجودية تتجلى في حدثٍ صغير لكنه يفيض بالمعنى.
في هذا الإطار تأتي قصة «الصوت» للكاتبة سنية عبد عون رشو لتقدّم نصاً رمزيّاً عميق الدلالة، يجسّد أزمة الإنسان المعاصر في فقدان ذاته وصوته، في عالمٍ صاخبٍ تضيع فيه الأصوات الحقيقية وتتعالى فيه الضوضاء الزائفة. القصة تتجاوز الحكاية البسيطة لتتحول إلى رحلة وجودية داخل الذات، تنطوي على بعدٍ فلسفي وإنساني وجمالي.
الموضوع المركزي في القصة هو فقدان الصوت بوصفه رمزاً لفقدان الهوية والذات والقدرة على التعبير.
حين تصرخ البطلة لإنقاذ طفلٍ من خطر الموت، تفقد صوتها فجأة، وكأنها فقدت قدرتها على التواصل مع العالم الخارجي. هذا الحدث الرمزي يتحول إلى محورٍ تأملي يكشف عن انقطاع الصلة بين الذات والواقع، وعن اغتراب الإنسان في مجتمعٍ خانقٍ، يفرض عليه الصمت والإذعان.
الصوت في القصة ليس مجرد أداة فيزيائية للكلام، بل هو رمزٌ للحرية، والكرامة، والوجود الإنساني الفاعل. وعندما تفقد الشخصية صوتها، فإنها تفقد قدرتها على التعبير والمقاومة، لتتحول إلى كائنٍ خاضع، تائهٍ في عالمٍ مسلوب الإرادة.
القصة بهذا المعنى تطرح إشكالية الاغتراب والانسلاخ عن الذات في واقعٍ اجتماعيٍ مضطربٍ، تُهدر فيه الأصوات الحقيقية، وتُكمم الأفواه باسم الأعراف أو الخوف أو التبعية.
اعتمدت الكاتبة بنيةً سردية ذات طابع داخلي تأملي، حيث تتكثف الأحداث في ضمير المتكلمة، وتُروى القصة بلسان الشخصية الرئيسة، ما يمنح السرد طابعاً اعترافياً يقترب من المونولوج الداخلي.
فالراوية لا تسرد حكاية تقليدية، بل تحاور ذاتها وتستعرض عالمها الداخلي في صورٍ متلاحقة من القلق والدهشة والتساؤل
من الناحية الشكلية، جاءت القصة خالية من الحبكة التقليدية (بداية – وسط – نهاية)، لتتبنى بنية دائرية مفتوحة، تبدأ بالاغتراب وتنتهي بنوعٍ من المصالحة الرمزية بين البطلة وصوتها.
الزمن السردي في القصة زمنٌ نفسي لا يخضع للتتابع الخطي، بل يتداعى وفق مشاعر الراوية واستحضاراتها الداخلية، ما يعزز الطابع الشعوري الوجداني للنص.
القصة غنية بالرموز التي تنفتح على أكثر من تأويل:
الصوت: رمز الهوية، الذات، الحرية، والقدرة على المقاومة.
الطفل: براءة العالم المهددة، والنقاء الإنساني الذي يكاد يُدهس تحت عجلات الواقع المادي.
الرافعة والجدار المنهار: رمزان للخراب الخارجي والداخلي، حيث يسقط الجدار في الخارج كما ينهار شيء في داخل البطلة.
المرآة الفارغة: فقدان الهوية، تلاشي الوجه الإنساني في عال
مٍ فقد الصدق.
النخلة: رمز للحياة العراقية، للثبات والجذور والحضارة. عودة الصوت إليها في النهاية تعني عودة الوعي إلى منبعه الأصلي، النقيّ، المتجذر في الأرض والكرامة.
لغة القصة شعرية عالية الكثافة، تتسم بالإيحاء والرمز أكثر من السرد الوصفي المباشر. توظف الكاتبة صوراً حسية ومجازية تعبّر عن الاضطراب النفسي والشعور بالعزلة.
مثلاً في قولها:
«كأن البرق سكن جمجمتي للحظة»
يتجلى توتر داخلي مكثف في صورة فنية موحية تجمع بين الدهشة والألم.
كما تمتاز اللغة بـــإيقاعٍ داخلي قائم على التكرار والترادف والتوازي، مما يضفي على النص نغمة موسيقية تتناسب مع ثيمة “الصوت” المفقود.
الكاتبة توظف أسلوب التداعي الحر، فينساب السرد بين الماضي والحاضر، الحلم والواقع، في لغةٍ تجمع بين البساطة والعمق.
تهدف الكاتبة من خلال هذا النص إلى إثارة وعي القارئ حول معنى أن يمتلك الإنسان صوته في عالمٍ يعج بالضجيج لكنه خالٍ من الحقيقة.
القصة دعوة إلى التحرر من الصمت المفروض، وإلى استعادة الذات المسلوبة.
إنها ليست مجرد مأساة فقدان الصوت الجسدي، بل مأساة فقدان القدرة على قول "لا" في وجه القهر والخذلان.
تتجلى أدبية النص في انزياحه عن التقرير والمباشرة نحو الرمز والتكثيف الشعري، وفي قدرته على تحويل تجربة شخصية إلى رؤية إنسانية شاملة.
تخلق الكاتبة عالماً متخيلاً لكنه صادق في عمقه النفسي والوجداني، مما يحقق شرط الخلق الفني والإبداعي.
كما أن التناص مع الواقع العراقي (من خلال النخلة، المقهى، الفقر، الاضطراب الاجتماعي) يمنح القصة بعداً محلياً أصيلاً، في حين أن موضوعها (فقدان الصوت/الذات) يمنحها بعداً إنسانياً كونياً.
قصة «الصوت» نصّ رمزيّ متقن يجمع بين الصدق الشعوري والعمق الفلسفي والابتكار الفني.
من خلال تجربة فقدان الصوت، ترسم الكاتبة خريطةً داخلية لوعيٍ مأزومٍ يبحث عن خلاصه عبر استعادة إنسانيته.
إنها قصة عن الاغتراب، الصمت، الخذلان، والبحث عن الذات، مكتوبة بلغةٍ أدبيةٍ راقية تنطوي على حسٍّ شعري ووعيٍ نقدي بالواقع.
تُبرز القصة قدرة الكاتبة على تحويل الألم الشخصي إلى تجربة فنية عامة، وعلى تجسيد مأساة الإنسان العربي المعاصر الذي يعيش بين الضجيج والصمت، بين الخوف والرغبة في الحرية.
إنها قصة عن الإنسان الذي يريد أن يسمع صوته من يسمع
|
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ 46 بعرض فيلم ال
.. من هو أحمد تيمور خليل الذي خطف قلب برنسيسة الوسط الفني؟!
.. -الحياة فيها لعبة ومافيش تعبان لدغني??-.. لعبة السلم والتعبا
.. الفنانة المصرية مي عز الدين تزفّ لجمهورها خبر زواجها من أحمد
.. مي عز الدين تعلن عقد قرانها من خارج الوسط الفني