الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صداع على حبل الغسيل -قصة سريالية

غالب المسعودي
(Galb Masudi)

2025 / 11 / 4
الادب والفن


في محترفه الفوضوي المضاء بضوء خافت، جلس أرتميس، الرسام المشهور بلوحاته التي تشبه الأحلام، وهو يضغط بيديه على صدغيه. كان صداعًا لزجًا، شبيهًا بفرشاة غارقة في الطلاء الأسود تحاول محو فكرة من على قماش دماغه.

"هذا يفوق طاقتي...! ،" تمتم أرتميس بغيظ، وهو ينظر إلى تمثال نصفي قديم من الجص على الرف. فجأة، لمعت فكرة غريبة في عقله المرهق. إذا كانت اللوحة السيئة تُغسل من القماش بالتربنتين، فلماذا لا يُغسل الألم من الراس بالصابون والماء لماذا نستخدم الويسكي والباراسيتول
وقف أرتميس بهدوء غير مبرر، واتجه إلى طاولة العمل. مد يده بلا تردد، ومسك رأسه بكلتا يديه كما لو كان ثمرة ناضجة، وبحركة خاطفة لم يشعر بها، فصل رأسه عن عنقه. لم يكن هناك دم، بل فقط صوت "طقطقة" جافة كصوت فتح كتاب قديم.
حمل أرتميس رأسه، ذو الوجه العابس من شدة الصداع، واتجه نحو المطبخ.
أحضر طشتًا بلاستيكيًا أزرق، وملأه بالماء الفاتر
أضاف حفنة من صابون الغار مبشورًا، وصنع رغوة غنية ذات رائحة عطرة وأضاف مزيل الدهون الى الشامبو.

وضع الرأس في الطشت. غطس الرأس بهدوء، مثل قذيفة مدفعية ثقيلة، وبدأ الصداع يطفو على السطح كزيت أسود يتكتل.
بدأ أرتميس يغسل الرأس بعناية، مستخدمًا قطعة إسفنج ناعمة. دلك فروة الرأس جيدًا، ثم غسل الوجه بتركيز، منتبهًا للمناطق تحت العينين وخلف الأذنين. كانت عملية مُرضية بشكل غريب؛ وكأنما كان يغسل فكرة سيئة أو ذكرى مؤلمة.
كان جسد أرتميس، الذي لا رأس له، يتصرف ببراعة متناهية، كما لو أن عينيه تقعان على أطراف أصابعه.
بعد الانتهاء من الغسل والشطف، اتجه إلى الشرفة. هناك، أخذ من حقيبة الدبابيس دبابيس غسيل خشبية قديمة. رفع الرأس المبتل جيدًا، وعلقه بعناية من أذنيه على حبل الغسيل المشدود بين عمودين.
تأرجح الرأس قليلاً في الهواء الطلق، وبدأ الصداع يتبخر منه مع قطرات الماء المتساقطة. بدا الوجه يبتسم الآن وكأنه أُعيد صقله، نظيفًا ولامعًا. الرأس، المعلق بين قميص قديم وبنطال جينز، تحول إلى تحفة فنية سريالية مجففة.
شعر أرتميس (الجسد) براحة لا توصف. كانت غرفة الرأس خالية وهادئة ومضاءة بضوء أبيض نقي. عاد إلى سريره، واستلقى.
بدون ثقل التفكير، بدون ضجيج الوعي المزعج، نام أرتميس نومًا عميقًا ولذيذًا، وهو يعلم أن رأسه في الخارج يجف ببطء تحت ضوء القمر، وسيصبح جاهزًا لصباح مليء بأفكار مُنعشة ونظيفة.
استيقظ أرتميس بعد سبع ساعات من النوم الهادئ، وشعر بخفة مطلقة لم يعهدها من قبل. كان جسده يطير تقريباً من فرط النشاط، وكأنما أُزيل منه مرساة ضخمة.
في الصباح، وجد رأسه على حبل الغسيل يتوهج تحت أشعة الشمس الباردة. كان نظيفاً جداً، لدرجة أن عروقه الزرقاء أصبحت أكثر شفافية، وعيناه تلمعان كحجرين مصقولين. لم يعد هناك أي أثر للصداع، ولا حتى شبح الافكار الرديئة ولا معاناة الوعي المفرط ولا مشاكسة الفرشاة القديمة والخط المائل الرفيع.
مد أرتميس (الجسد) يديه والتقط رأسه برفق. بدا الرأس مثالياً، تحفة من المادة والفكر. بحركة تلقائية ومألوفة، أعاده إلى عنقه، فاندمج الطرفان بلا ألم، كما تندمج حافتا ورقتين مبللتين.
وفي تلك اللحظة...!
هوى جسد أرتميس فجأة على ركبتيه
لقد عاد الصداع، لكن هذه المرة لم يكن ألماً، بل كان ثقلاً كارثياً
اكتشف أرتميس السر: الصابون لم يغسل الصداع فحسب، بل غسل الغموض والضبابية التي كانت تخفف من وطأة الحياة. عندما أعاد رأسه نظيفاً، لم يعد فارغاً، بل أصبح مليئاً بالحقائق المطلقة، والأفكار المتبلورة، والأوزان المحددة لكل شيء.
كل فكرة نقية وزنها كيلوغرام. كل حقيقة نظيفة لها كثافة الرصاص. الرأس، وقد تجرد من هواء التخمينات والأوهام، أصبح أثقل من صخرة من الجرانيت الأسود.

صرخ أرتميس بصمت (الحركة كانت صعبة)، محاولاً رفع رقبته، لكنها كانت ترتعش تحت ثقل الرأس الذي أصبح بمثابة كتلة نحاسية مصقولة. لم يستطع المشي، ولم يستطع الوقوف. كان رأسه يضغط على عموده الفقري بعنف، ويدفعه نحو الأرض الباردة.
شعر أرتميس باليأس. لقد تخلص من الصداع، لكنه استبدله بثقل الحقيقة القاسية التي لا تحتمل.
في لحظة سريالية أخيرة
تذكر أرتميس شيئاً في مخزنه، فزحف جسده (وهو يسحب الرأس الثقيل على الأرض كالكرة الحديدية المُقيدة) ببطء نحو الباب. دفع الباب بكتفه الأيمن، ووصل إلى المخزن حيث كانت تُخزن الأدوات القديمة
بجهد أخير، استخدم جسده ليخرج عربة أطفال خشبية قديمة ومتهالكة ذات أربع عجلات.
بمساعدة قوة الدفع والجاذبية، دفع أرتميس رأسه بعناية، وسحبه الى العربة خلفه. استقر الرأس، النظيف والمثقل بالحكمة النظيفة، داخل العربة.
نهض أرتميس (الجسد الخفيف) أخيراً، وشعر بارتياح خفيف. ثم، أمسك بمقبض العربة وبدأ يجر رأسه الثقيل خلفه.
منذ ذلك اليوم، أصبح أرتميس الفنان الأشهر والأغرب في المدينة. كان يتجول في الشوارع، يحضر المعارض ويشتري الخبز، بينما يجر رأسه النظيف والمعرفي الثقيل في عربة أطفال خشبية وقديمة ذات أربع عجلات، يستخدمها كمنصة للمشاهدة ورسم اللوحات التي صارت أعمق وأكثر ثقلاً من أي وقت مضى، تحمل ثقل أفكاره الجديدة دون أن يحملها فعلياً
كانت العربة تحتاج باستمرار إلى تشحيم، لأن الثقل المُركز للرأس كان يهشم عجلاتها باستمرار (هذه ملاحظة سريالية اكتشفها ارتميس عندما كان يمر قرب محل تشحيم سيارات الأجرة).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ 46 بعرض فيلم ال


.. من هو أحمد تيمور خليل الذي خطف قلب برنسيسة الوسط الفني؟!




.. -الحياة فيها لعبة ومافيش تعبان لدغني??-.. لعبة السلم والتعبا


.. الفنانة المصرية مي عز الدين تزفّ لجمهورها خبر زواجها من أحمد




.. مي عز الدين تعلن عقد قرانها من خارج الوسط الفني