الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زيارة احمد الشرع إلى البيت الابيض بين الواقعية السياسية ومخاطر الشرعنة

حجي قادو
كاتب وباحث

(Haji Qado)

2025 / 11 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


زيارة أحمد الشرع إلى البيت الأبيض وخطوته نحو الانضمام إلى التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب تثير تساؤلاتٍ جوهرية حول دلالات هذه الخطوة ومدى مسؤوليتها السياسية والأخلاقية تجاه الشعب السوري. فكيف يمكن لشخصٍ مارس العنف والإرهاب لعقدين من الزمن أن يتحوّل فجأةً إلى داعيةٍ لمحاربة رفاق الأمس؟ وهل تمثل هذه الزيارة اعترافًا أميركيًا بواقع السلطة الجديدة في سوريا، أم هي اعتراف ضمني بـ"الحكومة المؤقتة" التي لم تنجُ من تهم التطرف منذ نشأتها حتى وصولها إلى دمشق؟
من خلال قراءةٍ متأنية للمشهد، يمكن تناول عدد من الفرضيات والتداعيات المترتبة على هذه الزيارة:

أولًا: الاعتراف بواقعٍ جديد
زيارة شخصية سياسية ذات خلفية مسلّحة ومتطرفة إلى البيت الأبيض يمكن قراءتها كاعترافٍ عمليٍّ من واشنطن بوجود فاعلٍ محليٍّ يمثل قوى الأمر الواقع في الساحة السورية. هذا لا يعني بالضرورة اعترافًا رسميًا بالحكومة المؤقتة، لكنه قد يعكس استعدادًا أميركيًا للتعامل مع من يُظهر قدرة على إدارة ملفاتٍ حساسة كالإرهاب أو ضبط الأمن في مناطق محددة، ولو مرحليًا.
ثانيًا: التحوّل الشخصي أم الحسابات السياسية؟
التحول المعلن للشرع يفتح الباب أمام احتمالين متناقضين: إما أنه تحولٌ حقيقي نابع من مراجعة ذاتية ورغبة وطنية لإنهاء دوامة العنف والتطرف، أو أنه مناورة تكتيكية تهدف إلى تحسين موقعه السياسي والحصول على مكاسب شخصية أو إقليمية.
والتاريخ السياسي حافلٌ بأمثلة مماثلة؛ لذا لا بد من تقييم الأفعال لا الأقوال، والبرامج لا الشعارات.
ثالثًا: مصالح واشنطن بين القيم والمكاسب الإدارة الأميركية اليوم أمام مفترق طرق: فإما أن تنحاز إلى مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان وتدعم انتقالًا سياسيًا حقيقيًا نحو دولة القانون والمواطنة، أو أن تواصل نهجها البراغماتي القائم على مصالح آنية ضيقة تخدم أولويات اقتصادية وأمنية محدودة الأفق.
يبقى السؤال: هل ستغامر واشنطن بدعم شخصية مثيرة للجدل ومتهمة بالإرهاب سابقًا من أجل تحقيق استقرارٍ مؤقت، أم ستربط تعاونها بإصلاحٍ حقيقي يضمن استدامة السلام؟
رابعًا: التطبيع والتنازلات الإقليمية المحتملة
تتزايد المخاوف من أن تكون زيارة الشرع مقدمةً لتطبيعٍ سياسي يرافقه ترتيب ملفات حساسة تتعلق بجنوب سوريا، مثل اتفاقات أمنية مع إسرائيل، أو تسوياتٍ تخص السويداء وجبل الشيخ، أو عمليات نزعٍ للسلاح الثقيل في مناطق محددة.
إن حدث ذلك دون وجود ضماناتٍ سياسية ودستورية واضحة، فسيكون الأمر انتكاسةً كبرى لآمال السوريين في بناء دولةٍ ديمقراطيةٍ عادلة.
خامسًا: مصير “الرفاق” المصنّفين إرهابيين .
تصريحات الشرع التي أعلن فيها استعداده لمحاربة رفاق الأمس تطرح إشكالًا أخلاقيًا وقانونيًا. إذ لا يمكن معالجة هذا الملف عبر تصفياتٍ سياسية أو انتقائية، بل ضمن إطارٍ قانوني دولي ووطني يضمن العدالة والمساءلة.
فاستبعاد فئاتٍ واسعة تحت شعار "مكافحة الإرهاب" دون تمييزٍ دقيق بين الفكر والممارسة سيخلق فراغًا سياسيًا وأمنيًا خطيرًا قد يعيد إنتاج التطرف نفسه.

الخلاصة والتوصيات:
1. ينبغي على المجتمع الدولي، وخصوصًا الولايات المتحدة، أن يربط أي تعاون مع أحمد الشرع أو غيره من الشخصيات المثيرة للجدل بضوابطٍ شفافة ومكتوبة، وآلياتٍ رقابيةٍ تضمن تحوّلًا فعليًا نحو العمل السياسي السلمي.
2. لا يمكن تحقيق سلامٍ دائم دون مساءلةٍ حقيقية لكل من تلطخت أيديهم بدماء السوريين؛ فالتسامح دون عدالة هو وصفةٌ لتكرار المأساة.
3. الحل السياسي في سوريا يجب أن يكون وطنيًا جامعًا، يضمن تمثيل جميع المكونات السورية ويحمي الحريات والحقوق المدنية والدستورية.
4. على الإعلام ومنظمات المجتمع المدني متابعة التطورات بدقة، والتحذير من أي محاولات لتبييض الوجوه المتورطة بالإرهاب تحت لافتة "التحالف الدولي".
ختامًا
قد تشكل زيارة أحمد الشرع إلى البيت الأبيض فرصةً لإعادة صياغة الملف السوري على أسسٍ جديدة إذا ارتبطت بإصلاحاتٍ حقيقية ومحاسبةٍ واضحة، لكنها قد تتحول أيضًا إلى محطةٍ أخرى من محطات تزييف الوعي وتدوير الوجوه ذاتها التي تسببت في مآسي السوريين.
يبقى الحكم للتاريخ، ولوعي السوريين الذين يدركون أن طريق الخلاص لا يمر عبر التسويات الملتبسة، بل عبر بناء دولةٍ حرةٍ عادلةٍ تستند إلى دستورٍ ديمقراطي ومواطنةٍ متساوية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العفو عن صنصال بعد طلب ألماني


.. -تقبلت فكرة الموت بهدوء-... سيباستيان يروي لفرانس24 لحظات رع




.. فرنسا: الجمعية الوطنية تصادق على -تعليق- تعديل نظام التقاعد


.. ترامب لفوكس نيوز عن تهديده بمقاضاة BBC: لدي التزام بذلك




.. هل تنجح حكومة العراق الجديدة في تجاوز ألغام الداخل وضغوط الخ