الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كندا ضد أمريكا: من يبتلع من؟

هيثم ضمره

2025 / 11 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


في عالمٍ يزداد فيه الجشع الاقتصادي ضراوة، تقف كندا في منطقة رمادية بين الرأسمالية المتوحشة والرعاية الاجتماعية، تحاول أن تحافظ على إنسانية السوق دون أن تفقد قدرتها على المنافسة.

منذ السبعينيات، تطبق كندا ما يُعرف بنظام الإمداد المدار، وهو منظومة حكومية تنظم إنتاج الحليب والدواجن والبيض.
بموجب هذا النظام، تُحدد لكل مزارع حصة إنتاج لا يمكن تجاوزها، مقابل أن تضمن الحكومة شراء منتجاته بسعر ثابت وعادل يغطي التكلفة ويوفر ربحًا مستقرًا.
هذا النظام يُعتبر أحد أهم أركان الأمن الغذائي الكندي، إذ يمنع انهيار المزارع الصغيرة ويحمي السوق من استحواذ الشركات الكبرى، لكنه في الوقت ذاته يُثير غضب جارتها الولايات المتحدة التي ترى فيه انتهاكًا لمبدأ حرية التجارة، خصوصًا ضمن اتفاقيات مثل نافتا وUSMCA.

ورغم ضغوط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والدعوات الدولية لرفع الحماية عن هذا القطاع، تصر كندا على موقفها: الأمن الغذائي خط أحمر.
فرفع يد الدولة عن هذا النظام يعني ببساطة تسليم الزراعة الكندية لشركات أمريكية عملاقة، وهو ما تعتبره أوتاوا خطرًا استراتيجيًا على سيادتها.

لكن التحدي لا يقف عند الزراعة.
فالولايات المتحدة تمد أذرعها الاقتصادية في قطاعات عديدة داخل كندا: النقل، السوبرماركت، البترول، مواد البناء، السيارات، والخدمات اللوجستية.
شيئًا فشيئًا، أصبحت كندا تعتمد على جارتها الجنوبية في كل شيء تقريبًا.
ذلك أن النظام الأمريكي رأسمالي حر إلى حد الوحشية؛ وحش على شكل شركة، يبتلع منافسيه بأناقة قوانين السوق الحرة.
أما كندا، فواقعية بما يكفي لتدرك أنها إن قاومت، فسيكون الثمن اقتصاديًا باهظًا، وإن خضعت، فستخسر استقلالها الاقتصادي تدريجيًا.
إنها بين خيارين كلاهما مُرّ: إما أن تُسلّم اقتصادها بالكامل للهيمنة الأمريكية، أو أن تبحث عن توازن جديد مع قوى أخرى مثل الصين وروسيا.

لكن هذا التوازن صعب المنال.
فروسيا ترزح تحت العقوبات الدولية بسبب الحرب في أوكرانيا، وأي تقارب معها يُعد انتحارًا سياسيًا لأي حكومة غربية.
أما الصين، فهي شريك محتمل لكن محفوف بالمخاطر، إذ تواجه بدورها قيودًا وضغوطًا غربية متزايدة تجعل التعامل معها مشيًا على حبل دبلوماسي مشدود.
وإذا استسلمت كندا لهيمنة واشنطن، فسيتبعها عاجلاً أم آجلاً الاقتصاد الأوروبي، لتتحول القارة الغربية بأكملها إلى حديقة اقتصادية خلفية للولايات المتحدة.

الحرب الروسية الأوكرانية كشفت هذه الحقيقة بوضوح، فالولايات المتحدة خرجت المستفيد الأكبر، إذ أحكمت قبضتها على أسواق الطاقة الأوروبية، وفرضت نظامًا عالميًا جديدًا باسم محاربة الإرهاب وحماية الديمقراطية، بينما كانت في الواقع تعيد توزيع خريطة النفوذ الاقتصادي لصالحها.
وفي المقابل، تُمارس إسرائيل حرب إبادة جماعية منذ أكثر من عام، ومع ذلك لم تُفرض عليها أي عقوبات اقتصادية، ولا تزال تمارس تجارتها بحرية.
فأي عالم حر هذا؟ وأي منظمة تجارة دولية تلك التي تصمت أمام جرائم الإبادة وتتحرك فقط حين تُمسّ مصالح واشنطن؟

لقد تحولت منظمة التجارة العالمية من مؤسسة لتنظيم الاقتصاد إلى منصة استفزاز دولي تحمي المصالح الأمريكية وتُعاقب كل من يحاول الخروج من فلكها.
كندا اليوم تقف عند مفترق طرقٍ حاسم، إما أن تواصل الدفاع عن نموذجها الاقتصادي المتوازن الذي يربط بين السوق والإنسان، أو أن تنجرف إلى منطق الرأسمالية المتوحشة التي لا تعترف إلا بالقوة.
في عالمٍ تُدار فيه الحروب بالعملة والعقوبات، ربما يكون الحفاظ على بقرة كندية تنتج الحليب داخل مزرعة صغيرة، أكثر أهمية من توقيع اتفاق تجاري بمليارات الدولارات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بريطانيا: الحق في اللجوء الدائم انتهى • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مطعم يستفيد من مياه الفيضانات لاستقطاب مزيد من الزبائن




.. لقطات جوية تظهر فيضانات تغمر طرقات ومباني في مقاطعة ويلز بال


.. كيف وصل 160 فلسطينيا من سكان غزة إلى جنوب إفريقيا؟




.. وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني يتوجه إلى بكين لإجراء مبا