الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
هل شوّه المسلمون الإسلام أم أنه وُلِد مشوّهًا؟
منصور رفاعي اوغلو
2025 / 11 / 5العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
منذ القرون الأولى للإسلام، نشأ جدل لا ينتهي بين النصّ والممارسة، بين المثال والمجتمع، بين ما نادى به الدين وما آل إليه حال أتباعه.
ومع كل حقبة من الانحطاط أو العنف باسم الإسلام، يتجدد السؤال القديم:
هل المشكلة في المسلمين الذين شوّهوا دينهم، أم في بنية الإسلام نفسه التي حملت بذور الإشكال منذ البداية؟
1. الإسلام كنصّ ومثال
النصّ القرآني قدّم، في سياقه التاريخي، مشروعًا لتحرير الإنسان من عبودية البشر، وتأسيس مجتمع يقوم على العدل والمساواة والتقوى.
لكن النصّ وحده لم يكن يومًا كافيًا لصناعة التاريخ؛ فالتطبيق خضع دومًا لسلطة السياسة، وللصراع بين التأويلات المختلفة.
منذ مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان، تداخل الدين بالسلطة، وتحوّل الإسلام من رسالة إلى مؤسسة، ومن نصّ مقدس إلى أداة شرعية للحكم.
من هنا بدأت التشوهات لا في الدين ذاته، بل في استخدامه كوسيلة للسيطرة.
2. السلطة والسياسة: من الخلافة إلى الملك العضوض
حين تحوّلت الخلافة الراشدة إلى مُلكٍ وراثي في عهد الأمويين، دخل الإسلام طورًا جديدًا: طور التبرير السياسي باسم الدين.
أُنتجت فتاوى تُحرّم الخروج على الحاكم ولو كان جائرًا، وظهرت مدارس فقهية تؤصّل للطاعة المطلقة.
بهذا المعنى، لم يُشوّه الإسلام من الخارج، بل من داخله، على أيدي من استخدموه لتثبيت سلطتهم.
فالفساد لم يكن في الآية، بل في القراءة؛ ولم يكن في الدين، بل في توظيفه لخدمة دنيوية.
3. الإسلام التاريخي والإسلام المعياري
ينبغي التمييز بين الإسلام كما هو في النصوص والإسلام كما عاشه الناس.
فالإسلام المعياري، في خطابه القرآني، يدعو إلى الرحمة والعقل والحرية:
“لا إكراه في الدين”
“ولقد كرّمنا بني آدم”
لكن الإسلام التاريخي، في ممارسات بعض خلفائه وفقهائه، احتوى على الحروب، التمييز، والجمود العقلي.
وهذا لا يعني أن الإسلام “وُلد مشوّهًا”، بل أن تطبيقه لم يرقَ أبدًا إلى مستوى مبادئه.
فكما يقول المفكر مالك بن نبي: “المشكلة ليست في الإسلام، بل في المسلمين الذين لم يفهموه بعد.”
4. الإسلام اليوم: نسخة “خالٍ من الدسم”
أما الإسلام المعاصر، فقد تحوّل — في كثير من المجتمعات — إلى دين شكلي بلا جوهر.
تُمارس شعائره وتُرفع شعاراته، لكن القيم التي جاء من أجلها غابت: العدل، المساواة، كرامة الإنسان، وحرية العقل.
أصبح الإسلام اليوم — في كثير من الخطابات الدينية والإعلامية — إسلامًا خالي الدسم: مفرغًا من معناه الإنساني، ومختزلًا في الطقوس والمظاهر.
بل إن بعض التيارات حولته إلى أداة لتبرير الإرهاب والظلم؛ فباسمه تُقمع الحريات، وتُبرّر الديكتاتوريات، وتُرتكب الجرائم.
لم يبق من الإسلام القديم إلا قشرته، أما جوهره — ذلك المشروع الأخلاقي الثوري الذي حرّر الإنسان من الخوف والطغيان — فقد تآكل تحت ركام السياسة والجهل.
5. نحو وعي إصلاحي جديد
الإسلام لم يُولد مشوّهًا، لكنه فُقِد في الطريق.
وإصلاحه لا يعني “تجديد الدين” بقدر ما يعني إحياء مقصده الأول: تحرير الإنسان من الاستبداد والجهل والخرافة.
فالله لا يحتاج من يدافع عنه، بل من يُعيد اكتشاف نوره في حياة الناس.
أما الإسلام الحقيقي، فلن يعود بالكلام عن السلف، بل بالعمل على إحياء جوهر الرسالة:
“وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين.”
الإسلام فكرة عظيمة، لكن أتباعه صنعوا منها صورة باهتة، حتى بات الناس ينفرون من الدين لا لأنه قاسٍ، بل لأن من يتحدثون باسمه جعلوه كذلك.
فالدين الذي بدأ بتحرير الإنسان، انتهى بتقييده؛ والذي نزل رحمة، استُعمل أحيانًا كسيف.
الإسلام لم يولد مشوّهًا — بل وُلد نقيًا، ناصعًا، عظيمًا — غير أن أيدي البشر سكبت عليه غبار السلطة والجهل، حتى صار ظله هو الأصل، ونوره استثناءً.
|
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. ترمب: الواعظ إيريك ميتاكساس سيدخلني الجنة
.. تفاصيل اللقاء التاريخى بين شيخ الأزهر والمفكر العالمى جيفري
.. تغطية خاصة | مستوطنون يحرقون مسجداً في سلفيت: تصاعد العدوان
.. كل أجراس الكنائس تقرع في باريس بوقت واحد تكريما لضحايا 13 نو
.. مستوطنون يحرقون مسجدا شمال غرب سلفيت ويخطون شعارات عنصرية عل