الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
قراءة في كتاب:رسائل حب بالأزرق الفاتح للدكتور محمد صابر عبيد
أديب حسن محمد
2007 / 2 / 27قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
لم يكن كتاب د.محمد صابر عبيد "رسائل حب بالأزرق الفاتح" في حاجة إلى تقديم الشاعر الراحل نزار قباني حتى يفصح عن تميز كلماته،وعلو قامة رسائله...
ربما الشيء الجوهري ..أو القاسم المشترك بين محتوى الكتاب وبين تقديم الشاعر قباني هو ذلك العنوان العريض (رسائل حب بالأزرق الفاتح) هذا العنوان الذي يشي بتقاطع روحي بين القاموس النزاري وبين محتوى رسائل د.محمد صابر عبيد..
لكن وبعد قراءة متأنية للكتاب نلمح وراء الكلمات شخصية رهيفة تمزج بين الروائي والقاص والشاعر وصائد اللحظات والخواطر الجميلة..فالرسائل بهذا المعنى فن من الصعوبة بمكان خلق نموذج متفرد منه يفترق عن التقريرية والمباشرة اللتان لا تكاد تنجو منهما كتابة الرسائل.
استطاع المؤلف تقديم فن نبيل..زاخر باللحظات الموحية دون الوقوع في فخاخ السردية والمباشرة، وما كان له أن يفعل ذلك لولا إخلاصه لموضوع الرسالة التي هو في صددها،إضافة إلى تسلحه بموهبة أدبية لا غبار عليها تمكّنه من العبور إلى موضوع الرسالة بشيء من سحر المفردات التي تتميز بموسيقاها،وبفضائها الحساس الذي يتجاوز القاموس الأحادي إلى فضاءات أكثر رحابة وسحراً..
نقرأ مثلاً في الرسالة السابعة المعنونة"بيان أبيض بقامة النهار":
"شكراً لأصدقائي الأدباء الكرد الذين أتوهج بهم الآن،وآمل أن يتوهجوا بي...شكراً لهم من أقصى نرجسة في كردستان إلى أقصى نرجسة في أقصاها...
شكراً لعروبة الكرد وكردية العروبة.."....ص60
ويقول في الرسالة الثانية عشرة المعنونة"ثلج ناعم وأفكار لا تحسن الرقص":
"لا تنشغل بالتفكير حين تعمل الأحاسيس،واقطع أصابع المنطق حين يفور الحليب وتمتلئ فقاعاته بالأنوثة والبياض..إنما خلقت الحياة للرقص وليس لأذرع الكمبيوتر وسيقان الرياضيات الحديثة".....ص82
إن لغة الرسائل التي نحن بصددها لغة متوثبة تستفز المعاني ولا تطمح إلى مغامرات الإلغاز وفي نفس الوقت لا تقع في الاستسهال والكلام المياوم،إنها لغة قادرة على تقديم فضاء أو حقل دلالي تتنفس فيه المعاني بشيء من سحر البيان الذي يضفي على الصور مسحة من روح الكاتب بحيث تدخل المشاهد والصور في مزيج ساحر مع الوجدان وتمتزج بنفثات الروح الإنسانية التي تطلق الأمكنة والمواقف من عقالها الرتيب الاعتيادي،وتخرجها في صور أكثر إشعاعاً،وأشد تأثيراً وخلباً لذائقة القارئ،ومن الملاحظ أن كل مفردات اللغة وتراكيبها يجندها الكاتب لخدمة الموضوع..موضوع الرسالة ونادراً ما تخرج المفردات ساهية عن خلق فضاء المعنى إلى شأن آخر،وهذا يعني أن الكاتب يمسك بخيوط الموضوع من أول حرف في رسالته إلى نقطة النهاية،دون أن يخرج اللغة إلى مهمات أخرى لا تزيد فنية النص شيئاً،ودون أن يستعرض مواهبه في الإطالة السمجة،أو الاستعراض الكمي الفارغ لمفردات لغوية خارجة عن قياس الموضوع.
ولأن الأسلوب في رأيي لا ينفصل عن التكوين الشخصي الداخلي للكاتب فإن رسائل الدكتور محمد صابر عبيد تعتبر انعكاساً صادقاً لشخصيته البسيطة البعيدة عن التكلف والصنعة ومن هنا فإن الانعكاس الأهم يجيء على صعيدي اللغة والمواضيع،فمواضيع الرسائل بعيدة عن التفلسف والتعقيد،وهي موضوعات بسيطة يتناولها الكاتب بكاميرا داخلية تلتقط أدق التفاصيل،وتضعها في سياقها المكمل للبناء الجمالي العام،واللغة من الجهة الثانية تساير الموضوع فلا تسرف في التقوقع والمعجمية بل تنساب انسياباً كما لو أنها نفثة أو تنهيدة عميقة صادقة لا تبتغي شيئاً سوى كينونتها العفوية،يقول في الرسالة الثامنة المعنونة:ليس للحب طريق مختصر
"الطريق إلى بغداد قصيرٌ جداً لا يتسع حتى لهمسة،فسرعان ما قفلت راجعاً أمسح الحروف وألغي النقاط وأمحو آثار الأقدام،وأطلق سراح جياد الوقت وأحرر الأرصفة،وألون الأشجار الهاربة بالأخضر الغامق الضارب إلى السواد..وأمشط شعر جموحي وأربت على كتفه،وأعزي أشيائي التي أتنفّسها وتتنفّسني.."..ص67
لكن الاقتراب من المواضيع الحياتية المياومة لا يعني إغفال الكاتب لنقد الواقع العربي،لكنه يشخص هذا الواقع المريض بعدسته الخاصة التي لا ترى الأشياء كما يراها الآخرون..فنقرأ في الرسالة التاسعة عشرة"هواء مضبب لدم الزرقة":
(لقطار العرب الذي ما زالت طفولتنا تغني له،وهو يطوف من الشام لبغدان،ومن نجد إلى يمن،إلى مصر فتطوان...على الورق لا على الأرض....،لأن لعبته ليست سوى لعبة حلم تنتظر ديكتاتورية النهار لكي تجهز عليها،وتعلّقها إلى ليل قادم..في حلم قادم..)......ص132
في الرسائل الكثير من التأريخ لأشخاص تقاطعوا في حياتهم العجولة مع وجدان الشاعر الذي حفظ الكثير من اللحظات الحميمة وسطرها بالأزرق الفاتح بكلمات تفوح منها رائحة الوفاء،وفي الرسائل إخراج لبعض المناسبات الأدبية من إطارها الشكلاني الرتيب،بحيث تتحول إلى إشراقات متاحة للذاكرة المتوثبة للكاتب الذي يحوّل كل تلك الموجودات في مستودعات الذاكرة إلى كنوز تسبح على بياض الورق،وبحيث تغدو مادة هذا الكتاب أرشيفاً أدبياً رفيع المستوى يستحق القراءة لأكثر من مرة،ويستحق مبدعها أن ترفع له قبعات الحبر،وهو الذي يقول عن نفسه في إحدى الرسائل:
(أعترف أنني لست كائناً خارقاً أو أسطورياً،ولا أحمل في طيات قمصاني،ولا تحت إبطي خرزاً أو زعفراناً أو مسكاً يجلب الحظ،صحيح أن أصابعي أرفع قليلاً مما يجب،وقلبي أرهف،وجسدي أكثر اتقداً وحزناً،وحبي بالدرجة الأولى مسألة عطش،إلا أنني خلاف ذلك لا أتميز بشيء واضح يجعلني عرضة للانتباه ومركزاً للاستقطاب..)...ص143
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رسائل حب بالأزرق الفاتح
أ.د.محمد صابر عبيد
الطبعة الأولى 2006-12-22 دار كلمات سورية حلب
168 صفحة من القطع المتوسط
لوحة الغلاف للفنانة سارة شما
سيرة ذاتية مختصرة للأستاذ الدكتور محمد صابر عبيد
أ.د.محمد صابر عبيد
ـ دكتوراة في الأدب العربي الحديث والنقد عام1991/جامعة الموصل/العراق
ـ حصل على درجة الأستاذية عام2000
ـ أستاذ النقد الأدبي الحديث في الدراسات الأولية
ـ أستاذ المناهج النقدية الحديثة والنقد التطبيقي في الدراسات العليا
ـ عضو هيئة استشارية في بعض المجلات الأدبية
ـ عضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق
ـ عضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب
ـ عضو مؤسس في جماعة المشروع النقدي الجديد في العراق
ـ حظي بالتكريم لعدة سنوات بوصفه أفضل أستاذ متميز في الجامعة في النشر والتأليف.
ـ فاز بالعديد من الجوائز وصدرت له العديد من الكتب في الشعر والنقد.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الانتخابات الرئاسية في السنغال: باسيرو فاي ينال 54,28% من ال
.. إسبانيا: النيابة العامة تطالب بسجن روبياليس صاحب القبلة القس
.. نتنياهو يأمر بشراء عشرات آلاف الخيم من الصين لإنشاء مخيم في
.. كامالا هاريس تصفق لأغنية إسبانية داعمة لفلسطين خلال زيارتها
.. قناة إسرائيلية: إدارة بايدن طلبت من إسرائيل السماح لضباط أمر