الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ا لمشروع الطائفي في العراق ... والمجتمع المدني المعاصر

هادي فريد التكريتي

2007 / 3 / 1
الحوار المتمدن - الكتاب الشهري 2007 شباط : مستلزمات بناء مجتمع مدني علماني ديمقراطي في العراق


..!! سمات المجتمع المدني في العراق ، من أحزاب ومنظمات سياسية ، وهيئات وجمعيات ، مختلفة الأغراض والإتجاهات ، بدأت بالظهور والتشكل ، منذ بداية الإنتداب البريطاني ، وطيلة مسار ما سمي بالحكم الأهلي ، أغلب هذه الأحزاب والجمعيات ذات مرجعيات فكرية وسياسية وطنية ، أهدافها بالأعم الأغلب اصطبغت بالهم الوطني المتمحور حول الخلاص من الانتداب ، ورغبتها في تأسيس دولة مؤسسات ديموقراطية ودستورية فاعلة ومؤثرة في حياة المجتمع ، ينبثق عنها نظام حكم ينهج نهجا دستوريا وديموقراطيا ، تتعاون معه في بناء مجتمع تسوده مبادئ حقوق الإنسان ، وحرية هذا الإنسان في عيش كريم ، في مجتمع مدني يوفر له الحرية والعدالة والأمن ، وتكافؤ الفرص في إشغاله للوظائف العامة ، إلا أن الرغبة والطموح لتحقيق هذه المثل كانت تصطدم في بداية المشوار من تأسيس الدولة العراقية ، بكثير من العوائق ، الإجتماعية _ الطبقية والسياسية ، ورغبة الحكم في التفرد وفرض سياسات لا مصلحة للعراقيين فيها ، نزولا عند رغبة المحتل ، رغم وجود مجلس نيابي منتخب ، ودستور دولة يقر حقوقا لمواطنيه لا تقل عما تقره أكثر الدول الديموقراطية آنذاك ، وبرغم جهود الحكومة يومئذ ، في تعطيل مسار الحياة الديموقراطية ونصوص الدستور لفترات ليست قليلة من عمر الدولة الوليدة ، إلا أن مؤسسات المجتمع المدني كانت تمارس نشاطها الديموقراطي وفقا للظرف السياسي ، والإمكانيات المتاحة أمام القوى السياسية الوطنية ، ومنظمات المجتمع المدني رغم محدوديتها ، في ممارسة نشاطاتها المختلفة ، ورغم كل تعقيدات الوضع السياسي ، خلال الحكم الوطني ، لم يعدم العراق نشاطا لمنظمات المجتمع المدني ، فنقابات العمال والمحامين والصحفيين ، ومنظمات الطلبة والمعلمين ، والأحزاب السياسية ، العلنية والسرية ، كانت تمارس نشاطا معترف به جماهيريا ووطنيا ، وتساهم فيه الكثير من الطبقات والجماعات العرقية والأثنية ، عن طريق منظماتها ، إلا أن هذه الأنشطة كانت تتسم بطابع وطني وقومي ديموقراطي ، ولم يكن هناك ما يدلل على بروز اتجاهات ذات منحى طائفي ، لا على مستوى الدولة ولا بين المواطنين ، طيلة فترة الحكم الوطني ، وحتى سقوط جمهورية 14 تموز في العام 1963 ، بتعاون قومي عنصري مع دول أجنبية . وحتى حكم البعث ومسيرته منذ العام 1968 لم يكن هناك إجماع وطني ـ سياسي على وصمه بالطائفية ، إنما انفردت بهذه التسمية له ، أحزاب دينية ذات نهج طائفي ،تحكم العراق وتقوده حاليا، وهي نفسها اليوم تنهج المنهج الذي كانت تدينه وتعيبه على نظام البعث المقبور، ، ولا تمتلك هذه الأحزاب سوى مشروعا طائفيا ـ تقسيميا يتيح لها الإنفراد بالشعب وتضليله بأن حقها المغدور في السلطة ، منذ الف وأربعمائة عام ، قد عاد إليهم ، على الرغم من تعدد المرجعيات واختلافها وتناحرها.
ما كانت هناك قدرة للأحزاب الإسلامية ـ الطائفية ، بكل فصائلها ، على تصدر السلطة بعد سقوط النظام البعثي الصدامي وفرض مشروعها الطائفي ، كما هو حاصل اليوم ، لولا دعم ومساندة إدارة قوات الاحتلال لها في مشروعها الطائفي ، بالضد مما أعلنته هذه القوات من أن هدفها إقامة حكم ديموقراطي بدلا من الحكم القومي الفاشي والديكتاتوري ، فنظام المحاصصة الطائفي الذي شرعته إدارة الإحتلال يتناقض كليا مع أهدافها المعلنة عند البدء في غزو العراق واحتلاله وسقوط النظام ، وهذا ما ساعد وًدعم توجهات القوى الطائفية والقومية العنصرية ، نحو حكم ديني ـ طائفي ـ عنصري يخل بالمعادلة الوطنية والتعددية العراقية ، التي ترسخت منذ بداية الحكم الوطني .
المشروع الطائفي عمليا بدأ ُيجهز على كل القيم الوطنية والإنسانية والحضارية التي ترسخت في المجتمع العراقي منذ عقود طويلة من السنين، والدستور النافذ حاليا ، صنع في المطبخ الطائفي ، بنوده تحد من الحريات العامة والخاصة للمواطن العراقي ، وتخضعها لأحكام الدين ، ونصوص القرآن ، وهي حمالة أوجه متعددة في النص الواحد ، باعتراف جميع المراجع، وتقف حجر عثرة أمام أية حقوق مدنية ، أو حريات ديموقراطية ، حقيقية للمواطن ، كما يحد من كل الممارسات الحضارية التي يمثلها عصرنا الراهن في الفكر والأعتقاد والرأي المخالف ، وتحول دون إطلاق حرية العمل لمؤسسات المجتمع المدني ، التي لا تخضع للمنهج الطائفي ، أو تدين بدينه وبمذهبه ، فالموقف المتدني من المرأة والمناهض لها ، ولحريتها و مساواتها بالرجل ، خطوط حمر ، يغلق كل نقاش أو جدل في هذا المحور ، كما انه ُيؤجج المشاعر العاطفية والدينية الطائفية ، ليس ضد الأديان والطوائف غير المسلمة ، وإنما بالدرجة الأولى بين الطوائف الإسلامية نفسها ، وهذا ما نلمسه ونعيشه في العراق منذ سيطرة هذه الطوائف الدينية ، بكل تنوعها ، على الدولة والحكومة ، فالواقع لا يكذب من يدعي أن العراق منذ أن سيطرة الدين على التشريع والسلطة ، أدخل الوطن والشعب العراقي في دوامة العنف والقتل والإرهاب ، والعراقيون بكل طوائفهم واثنياتهم العرقية يعيشون حالة خوف ورعب ، على النفس والمال والعرض والوطن ، فالجثث البشرية ، التي يحترم الدين قدسيتها ، مقطوعة الرؤوس ومشوهة الأبدان ، تنهشها الكلاب في شوارع العاصمة وغيرها من المدن ، على الرغم من كل مشاريع المصالحة ، الكاذبة ، وعلى الرغم من كثرة الخطط الأمنية الزائفة ، والشروع بتنفيذ و تطبيق خطة " سلطة القانون " ، على المواطنين الغلابة ، وليس على المليشيات التي هربت السلطة قادتها وكوادرها ، وهي المعتمدة والمسؤولة عن كل ما يعانية العراقيون ، فلا زال الأمر كما هو عليه سابقا ، إن لم يكن في إزدياد ، ليس في الشوارع والأسواق فقط ، إنما التفجيرات والسيارات المفخخة طالت المؤسسات حتى التعليمية والوزارات والمقرات الأمنية ، فماذا سيحمل لنا المشروع الطائفي غير المحن والفتن ، والتقسيم هو الهدف المطلوب الذي تنفذه أجندة هذا المشروع الطائفي ، بدعم ومشورة من قوات الإحتلال .
العراق لوضعه الجغرافي وتعدد قومياته وأديانه وطوائفه ، بحاجة لمؤسسات وقوانين مجتمع مدني معاصر يمثل الحداثة والتطور ، يوفر للمواطن الحرية الكاملة ، للمرأة وللرجل على حد سواء ، والأمن والسلم والعمل للجميع دون تمييز، وبناء مؤسسات مجتمع مدني ، بعيدا عن تدخل الدولة وسلطتها التنفيذية ، تدافع عن حرية الرأي والفكر والمعتقد ، وتعمل على تعميقها وتنشيطها وتطورها وفق ما يستجد في العالم ويتماشى مع ما تقره المنظمات الدولية والعالمية ، وهذا لم ولن يكون عن طريق دولة يقر دستورها المحاصصة الطائفية والقومية ، ويجعل من الدين رقيبا وسيفا مصلتا على رقاب المواطنين ، ويعطي الكلمة الفصل لمراجع الدين في كل ما يهم المواطن من أمور عيشه وحياته . لا يصلح أمر العراق والعراقيين دون العمل موحدين ، على اختلاف آرائهم وأفكارهم ومعتقداتهم ، وبكل تنوع قومياتهم وأديانهم وطوائفهم ، للنضال من أجل تحرير العراق من الأجنبي ومن الطائفية والعرقية ، وإقامة مجتمع مدني علماني وديموقراطي معاصر، مرجعيته وحدة الوطن واحترام المواطن .

28 شباط 2007








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جيش الاحتلال يستهدف النازحين الذين يحاولون العودة لشمال قطاع


.. إسرائيل تواصل الاستعدادات لاقتحام رفح.. هل أصبحت خطة إجلاء ا




.. احتجوا على عقد مع إسرائيل.. اعتقالات تطال موظفين في غوغل


.. -فيتو- أميركي يترصد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة | #رادار




.. مؤتمر صحفي مشترك لوزيري خارجية الأردن ومالطا والمفوض العام ل