الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دور جديد للدولة لدعم التعاونيات

محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي

2007 / 3 / 2
الادارة و الاقتصاد


دور جديد للدولة لدعم التعاونيات
بسم الله الرحمن الرحيم
ورقة عمل عن
آثار القرار السياسي
على دور ومستقبل التعاون الزراعي
مقدمة الي ورشة عمل
"دور ومستقبل التعاون الزراعي والزراعة التعاونية"

المقدمة
الحركة التعاونية تتطلب معرفة وعيا ثقافيا و إيمانا عميقا داخل لمجتمع. فالتعاون في نظر الأمم المتحدة ومنظماتها الدولية يعتبر أداة تصحيحية وإصلاحية هامة و فعالة في المجتمع. ولذلك وعت الأمم المتحدة الدور الكبير للحركة التعاونية في العالم وإمكانية مساهمتها في الخطط التنموية الاجتماعية والاقتصادية فأصدرت القرار رقم 47/50 تاريخ 19/12/1992 تحت عنوان " دور التعاونيات في ضوء الاتجاهات الاقتصادية والاجتماعية الجديدة " الذي تضمن إعلان أول يوم سبت من يوليو عام 1995 يوما دوليا للتعاونيات احتفاء بالذكرى المئوية لتأسيس التحالف التعاوني الدولي بلندن عام 1895 وإمكانية اعتباره يوما سنويا للتعاونيات , وتشجيع الحكومات على إشراك التعاونيات في حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والبيئية واخذ ذلك بعين الاعتبار عند دراسة الاستراتجيات الإنمائية الوطنية وتعزيز دورها من خلال الوكالات الحكومية والمنظمات الوطنية الممثلة للتعاونيات , والطلب إلى الأمين العام أن يواصل في حدود الموارد المتاحة دعم الأمم المتحدة لبرامج وأهداف الحركة التعاونية الدولية وزيادة هذا الدعم وتقديم تقارير دورية للجمعية العامة عن مركز التعاونيات ودورها. وقد تقدم الأمين العام بعدة تقارير ركز فيها على أهمية دور التعاونيات الواسع في معظم المجتمعات وما لها من قدرة على الإسهام في حل المشاكل الرئيسية وتأكيد دعم الجمعية العامة للتعاونيات وإيجاد البيئة المشجعة لتنميتها وتوجيه اهتمام الحكومات في كافة بلدان العالم ( وخصوصا التي تجري في دولها تغيرات هيكلية ) هامة لمغزى التعاونيات الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والانتقال لدعمها والاستفادة منها في بناء مجتمعها , وحث الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة ذات المصلحة الكبرى في التعاونيات مثل البنك الدولي والصندوق الدولي للتنمية الزراعية ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية وغيرها من المنظمات الحكومية المعنية والمنظمات التعاونية الدولية على الانتماء مبكرا للجنة تعزيز التعاونيات والنهوض بها وعلى ضمان فعاليتها وتقديم إسهاماتها لها من الموارد المناسبة كما فعل ذلك المجلس الاقتصادي والاجتماعي في قراره 1668 (د-53) .
وقد اهتمت منظمة العمل الدولية بالتعاونيات حيث ورد في الوثيقة التي عرضت على الدورة التاسعة والثمانين لمؤتمر العمل الدولي عام 2001 إطارا عاما لمسيرة التعاونيات في القرن الحادي والعشرين تمهيدا لصدورها عن الأمم المتحدة .هذه الوثيقة تؤكد تحرير التعاونيات من سيطرة الحكومات ومسايرة المتغيرات العالمية السريعة المتلاحقة التي سادت العالم في السنوات الأخيرة حيث أصبح للتعاونيات دورا مهم جديدا في البلدان الصناعية وفي البلدان الشيوعية السابقة بالإضافة للبلدان النامية وخصوصا في مواجهة عدد من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية الجارية كالبطالة والتنمية الاجتماعية وخصوصا أنه لم يعد ينظر للتنمية على أنها تقليد للبلدان الصناعية.

وعلى الرغم من أن التراث السوداني بعاداته وتقاليده و أعرافه العريقة السمحة يجسد في بقاع السودان المختلفة صورة حية و ناصعة لصور التعاون والعون المتبادل ، والمساعدة الذاتية و الاعتماد على النفس، بصورة حققت الكثير من الفوائد والأهداف الاقتصادية والاجتماعية للأفراد والمجتمع السوداني، إلا أن التعاون في شكله الحديث لا يعبر عن نظام اقتصادي واجتماعي يضم عدداً من الوحدات الاقتصادية المرتبطة ببعضها البعض والقائمة على أساس مبادرات شعبية طوعية وفقاً للأسس الديموقراطية .. هذا الشكل الحديث للتعاون فشل إلى حد كبير في تحقيق أهدافه المعلنة ، وصاحب ذلك الفشل الكثير من المشاكل المتراكمة منذ العهد الاستعماري وفي ظل الحكومات الوطنية المتعاقبة لنواجه اليوم بأزمة تعاونية مستفحلة تحتاج لتضافر جهود التعاونيين والدولة على السواء لمواجهتها والخروج منها.
أن من أهم أسباب هذه الأزمة ، المشكلة المتعلقة بقصور وتراجع دور الحكومة في علاقتها بالحركة التعاونية و يظهر هذا القصور منذ المحاولة الأولى لحكومة المستعمر الإنجليزى في أواخر العشرينيات من القرن العشرين للاستفادة من الإرث التعاوني العميق في نفوس السودانيين لإدخال التعاون بشكل حديث و ذلك بإنشاء جمعيات التسليف الزراعي بدلتا طوكر بعد التوسع في زراعة القطن بدعوى حماية المزارعين من جشع التجار والمرابين و الحيلولة دون استغلالهم لجهود المزارعين البسطاء ، ولكن في الواقع كان هدف الحكومة الاستعمارية الأساسي الحرص والعمل على التوسع في زراعة القطن كمحصول تصديري تعتمد الحكومة في عائداته على إنفاقها العام و بالتالي تعتبر الاهتمام بالعمل في التعاون وإنشاء التعاونيات الزراعية لحماية المزارعين هدفاً ثانوياً ،سرعان ما تخلت عنه الحكومة الاستعمارية بعد فشل التجربة التعاونية في دلتا طوكر و استبدلت النظام التعاوني بصيغة المشاركة الذي طبقته في مشروع الجزيرة لإنتاج القطن طويل التيلة. وحتى التعاونيات التي قامت بعد ذلك في المجال الاستهلاكي والخدمي والزراعي في ظل وجود المستعمر لم تجد الدعم والسند الكافي من الحكومة حتى بعد صدور قانون التعاون لعام 1948م لقصور القانون و ضعف ثقة التعاونيين فيه وفي المستعمر مما أدى إلى سيطرة زعماء العشائر على التعاونيات التي تكونت ، وعلى نفس المنوال سارت الحكومات الوطنية بعد الاستقلال حيث لم يجد التعاون اهتمام يذكر في خطط وسياسات الحكومة حتى العام 1969م ، بقيام حكومة مايو الانقلابية ، والتي اهتمت بالحركة التعاونية باعتبارها أداة من أدواتها ، وتم استغلال إمكانياتها و مواردها في سد العجز والنقص التي عانت منه خاصة في وقت الذروة والأزمة الاقتصادية في منتصف السبعينيات ، وكان واضحاً وجلياً ان الاهتمام لم يكن من أجل نهضة و تطور الحركة التعاونية باعتبارها نظام حر ، وشعبي يتبع الأسلوب الديموقراطي في الإدارة ، وخير دليل عل ذلك ان الحكومة عادت والغت قانون التعاون لعام 1973م الذي تميز بكثير من المزايا والافضليات واستبدلته بقانون 1982، المجحف. وفي رأينا هذا التراجع يمثل نقطة البداية لانهيار الحركة التعاونية السودانية والذي ساهمت فيه حكومة الانتفاضة و حكومة الديمقراطية الثانية ، حتى أنقضت "الإنقاذ" بشراسة على البقية الباقية في محاولة لإغتيال الحركة التعاونية مع سبق الإصرار والترصد.

هذه الورقة محاولة لتسليط الضوء الساطع علي الآثار السالبة والمدمرة لتدخل الدولة السافر في أخص وأعمق شئون العمل التعاوني ، بقرارات سياسية متعارضة ومتضاربة مع الرأي الفني والعلمي ، مما كان له سود العواقب علي الحركة التعاونية السودانية وخاصة التعاون الزراعي. وكان هذا التدخل السافر للدولة سمة ملازمة لكل الحكومات التي حكمت السودان علي تفاوت فيما بينها ، وقد بلغ مدى بعيداً وخطيرا في العهد المايوي البغيض ، أما في عهد "الإنقاذ" فلقد كان هذا التدخل في شئون الحركة التعاونية أشد سفورا وشراسة وضراوة ، وأستهدف مقوماتها ومكتسباتها في محاولة بائسة ويائسة لإغتيال الحركة التعاونية السودانية معنويا وماديا ، وذلك بإضعافها وتفتيتها وبالسطو علي مكتسباتها وتحويل مهامها الي المنظمات الإنقاذية ، وتشريد الكفاءات الديوانية والشعبية ، وتسليم دفة الأمور الي غير أهلها من خلال لجان التسيير المعينة في مخالفة واضحة وسافرة لكل الأعراف والمواثيق والأسس والمبادئ التعاونية المعروفة والمعمول بها عالميا.

لقد تناولنا هذا الموضوع في ستة محاور: المحور الأول خلفية تاريخية للحركة التعاونية ، المحور الثاني تعرضنا فيه لواقع الحركة التعاونية السودانية بما يخدم الغرض الذي من أجله كتبت الورقة ، المحور الثالث العلاقة بين الدولة والحركة التعاونية ، المحور الرابع انتشار الحركة التعاونية الزراعية والتصور الجديد لدور ومستقبل التعاون الزراعي ، المحور الخامس تقييم واقع التعاون الزراعي في السودان ومتطلبات عملية التقييم حتي تكون عملية التقييم لواقع التعاون الزراعي في السودان أقرب للحقيقة فلا بد من مراعاة الجوانب المتعلقة بدليل العمل والشفافية وعملية التطبيق الخاطئ و المتعجل لسياسات الخصخصة ، بالإضافة لدور التعاونيات في مكافحة الفقر. المحور السادس حول النهوض بالقطاع التعاوني ومحاولة لوضع "الإستراتيجية التعاونية القومية" ، من خلال خطوات فورية عاجلة وأخري لاحقة وآجلة.





مدخل
"التعاونيات تقوّي الناس عبر تمكين أكثر الفئات السكانية فقراً من المشاركة في التقدّم الاجتماعي، كما أنّها تخلق فرص العمل لأصحاب المهارات الذين يفتقرون إلى الرأسمال أو يملكون القليل منه، وتؤمّن الحماية من خلال تنظيم المساعدة المتبادلة في المجتمعات المحلية" خوان سومافيا - مدير عام منظمة العمل الدولية ILO. هذا الحديث لمدير عام منظمة العمل الدولية ILO ليوضح وليشدّد على الطبيعة التشاركية للعمل التعاوني. و ذلك لأن التعاونيات تضطلع بدورٍ أساسيّ في الحدّ من الفقر، وتساهم في جدول أعمال "العمل اللائق" الصادر عن منظمة العمل الدولية الذي يركز و يدعوا لتنمية أنسأن الريف خاصة المنتجين في المجال الزراعي ، وبصورة أخص التعاونيات الإنتاجية الزراعية. فالتعاونيات تستطيع أولاً أن تساعد على خلق الوظائف، وخصوصاً في القطاعات الاقتصادية أو المناطق الجغرافية و الزراعية حيث تناضل المجموعات التقليدية والفقيرة لخلق قيمة كافية لحياتهم بالتمكّن من تحقيق الأرباح المناسبة. كما أنّ التعاونيات تستطيع أيضاً أن تنقذ الوظائف الحالية للمجتمع الريفي عبر السماح للمنتجين الحقيقيين بتجاوز الصعوبات الكثيرة التي تعاني منها بتوحيد جهودها لإنقاذ أعمالها التعاونية والتنموية الهامة و المفيدة. إلى ذلك تُقدّم التعاونيات مدخل فريد من نوعه للمواطنين الأكثر فقراً الذي يبحثون عن الخدمات الاجتماعية الأساسية كالخدمات الصحية، وتأمين العناية بالأطفال وحضانات الأطفال، والاهتمام بالمسنّين وخدمات المجتمع المحلي كتوفير المياه الصالحة للشرب وتنمية الثروة الحيوانية إلي غيره من الخدمات الأخري، تحديداً في البلدان النامية (منطقة حزام الصمغ العربي كما في السودان الآن). وتستطيع التعاونيات أن تؤمّن أيضاً جسراً يصل الأشخاص العاملين حالياً في المجال الزراعي، في منطقة حزام الصمغ العربي وذلك من خلال زيادة قدرتهم على المشاركة في عملية صنع القرار، والتفاوض حول الشروط والأسعار التي تحقق أكبر عائد ممكن. أمّا الاتحاد الدولي للتعاونيات ICA الذي يخوض الآن مرحلة تجديد، فهو يرى في توصية منظمة العمل الدولية أداةً قيّمةً في عمله. وفي هذا السياق يقول آيان ماكدونالد الخبير العالمي للاتحاد الدولي للتعاونيات ICA "إنّها المرة الأولى منذ زمنٍ بعيدٍ التي عملت فيها منظمة دولية بمكانة منظمة العمل الدولية على صياغة سياسة رسمية نظامية". وهو يعتبر أنّ مهمّته الآن تتمثّل بالمساعدة على نشر الرسالة التالية: "البراعة تتمثّل بلفت انتباه الحكومات إليها". وتعتبر هاتان المنظمتان العالميتان من أهم المنظمات التي تقدم الدعم و المساعدة إلي التعاونيات في مختلف أرجاء العالم وفقا للمبدأ التعاوني الأصيل "التعاون بين التعاونيات". هذا إلي جانب بعض المنظمات الأخري ،مثل منظمة الأغذية والزراعة FAO، وصندوق التنمية الزراعية IFAD ، المنظمة العربية للتنمية الزراعية التابعة لجامعة الدول العربية.
فلقد حدد برنامج مكافحة الجوع في منظمة الأغذية والزراعة FAO الأعمال الرئيسية التي ينبغي تنفيذها على المستوى الدولي وبواسطةاالبلدان ذاتها لتحقيق هدف مؤتمر القمة العالمي بخفض إعداد من يعانون من نقص التغذية المزمن بمقدار النصف بحلول عام 2015 .ويعتبر تعزيز البحوث والإرشاد في القطاع الزراعي من بين المواضيع خمس الرئيسيات التي وضعها البرنامج لتحقيق هذا الهدف.اما المواضيع الأربعة الأخرى التي تحظى بالأولوية فهي (1)تحسين الإنتاجية الزراعية وتعزيز سبل المعيشة والأمن الغذائي للمجتمعات الريفية الفقيرة و(2) تنمية وحماية الموارد الطبيعية(3) توسيع البنية الأساسية الريفية وزيادة قرص الوصول إلي الأسواق (4)ضمان حصول اشد الفئات احتياجا على الأغذية من خلال شبكات الأمان والمساعدات المباشرة الاخري وينبغي النظر إلى هذه المواضيع الخمسة ذات الأولوية على أنها مترابطة ويدعم بعضها الأخر.ومن هنا ينبغي النظر إلى البحوث والإرشاد في القطاع الزراعي لا على أساس ما يقوم به من أعمال لتكوين الثروة فحسب بل وعلى ما يساهم به في الأمن الغذائي والحد من الفقر واستدامة البيئة. وللتعاونيات والإتحادات التعاونية الزراعية دور أساسي و محوري لتحقيق أهداف الألفية المعلنة ، مما يمكن التعاونيات والإتحادات الزراعية المختلفة في المستقبل القريب من المساهمة في تحقيق أهداف الألفية وهذا يتطلب منذ الآن العمل علي عرض ما يمكن تقديمه في خطة واضحة المعالم لجهات الإختصاص السودانية للإستفادة من دعم هذه الجهات المرصودة لتحقيق أهداف الألفية. و ذلك في ظل الإلتزام بالمبادئ التعاونية ، وهي:
(1) عضوية طوعية ومفتوحة: فالتعاونيات منظمات طوعية، ومفتوحة لكافة الأعضاء دون تمييز.
(2) مراقبة ديموقراطية من قِبل الأعضاء: فالتعاونيات هي منظمات ديموقراطية، يتحكّم بها أعضاؤها الذين يشاركون بفعالية في وضع السياسات واتخاذ القرارات.
(3) المشاركة الاقتصادية للأعضاء: يساهم الأعضاء بشكلٍ عادلٍ في رأسمال تعاونياتهم، ويديرونه بشكلٍ ديموقراطي.
(4) الحكم الذاتي والاستقلالية: التعاونيات هي منظمات تتمتّع بالحكم الذاتي، والمساعدة الذاتية، ويديرها أعضاؤها.
(5) التعليم، والتدريب، والمعلومات: تؤمّن التعاونيات التعليم والتدريب للأعضاء، والممثِّلين المنتخَبين، والمدراء، وأصحاب العمل.
(6) التعاون بين التعاونيات: تضافر جهود التعاونيات على المستويات المحلية، والوطنية، والإقليمية، والدولية هو الذي يمكنّها من خدمة أعضائها بأقصى فعالية، ومن تقوية الحركة التعاونية.
(7) الاهتمام بالمجتمع المحلي: تعمل التعاونيات علي تحقيق التنمية المستدامة للتواصل في ما بينها.

إن عدم مراعاة التقيد والتنفيذ الصارم لهذه المبادئ يؤدى إلي عواقب وخيمة وضارة تذهب بالصفة التعاونية والشعبية والديمقراطية التي تتميز بها التعاونيات ، كما أنها تؤدي إلي الفشل و الإخفاق الذر يع. ويذكر الباحث محمد عثمان جودة أحمد إن عدم إتباع المبادئ والأسس التعاونية التي أنشأ علي أساسها مشروع الجموعية الزراعي التعاوني وبصفة خاصة الجانب الإداري ، انعكس سلبا علي الأداء بالمشروع وبصفة خاصة في المجال التسويقي ، إذ إعتمد المشروع في إدارته علي أساس التعيين من قبل الوزير المختص مما يتنافى مع المبادئ والقوانين التعاونية. وذلك لأن التعاونيات ووفقا للمبدأ الثاني من المبادئ التعاونية ، منظمات ديموقراطية، يتحكّم بها أعضاؤها الذين يشاركون بفعالية في وضع السياسات واتخاذ القرارات.

تجارب عالمية ناجحة
وفي إطار مبادرة منظمة العمل الدولية الهادفة إلى تشجيع فكرة العمل التعاوني، جاءت توصية منظمة العمل الدولية رقم 193 المتعلّقة بتعزيز التعاونيات و التي تهدف من خلال تعاون المنظمة مع الحكومات والهيئات التعاونية المختلفة لقيام التعاونيات و الإتحادات بدور أكثر فاعلية لتحقيق الأهداف المرجوة على أرض الممارسة على المستوى الوطني. ومن جهةٍ أخرى، يعتبر أنطونيو بينيالوسا، أمين عام مجموعة أصحاب العمل في مؤتمر العمل الدولي، (المنظمة الدولية لأصحاب العمل) أنّ
التعاونيات تستطيع أن تضطلع بدورٍ أساسي في اقتصاد بلدانها وفي عددٍ من البلدان، أصبحت التعاونيات تشكّل قطاعاتٍ ناجحة، ونذكر كمثالٍ على ذلك مجموعة "ميغروس" في سويسرا، ومجموعة "موندراغرون" في أسبانيا، ومصرف الاعتماد الزراعي في فرنسا. وغالباً ما تكون هذه التعاونيات من الأعضاء الناشطين في منظمات أصحاب العمل، وتؤدّي دوراً مهماً في التنمية الوطنية.
ويستعرض الصحافي أندرو بيبي بعض النتائج الناجحة للتعاونيات و التي تشكّل عنصراً ضخماً في الاقتصاد العالمي. وعالمياً، تشير التقديرات إلى أنّ عدد أعضاء التعاونيات يبلغ حوالي 800 مليون شخص، وإلى أنّ 100 مليون منهم يعيشون من التعاونيات في مجالات التمويل الزراعي، والإسكان، والبيع بالتجزئة، وغيرها من القطاعات. ويعتبر آيان ماكدونالد، المدير العام للاتحاد الدولي للتعاونيات ومقرّه جنيف، أنّ الأرقام تروي الواقع: في بوركينا فاسو مثلاً، تسيطر التعاونيات على 77% من إنتاج القطن؛ وفي مالطا، تملك التعاونيات 90% من قطاع مصائد الأسماك؛ وفي الولايات المتحدة الأميركية، شخصان من أصل خمسة أشخاص هم أعضاء في التعاونيات. وفي خلال العام الذي انقضى منذ اعتماد مؤتمر العمل الدولي التوصية حول التعاونيات، بدأت النتائج تظهر على المستويات الوطنية والمحلية. في جنوب أفريقيا مثلاً، قدّمت منظمة العمل الدولية المساعدة في إطار صياغة استراتيجيةٍ لتطوير التعاونيات. وبدأ العمل على وضع قانون تعاوني جديد يُضاف إلى مجموعة القوانين، وهي خطوة من شأنها التأسيس لتقوية تطوير التعاونيات هناك. كما أنّ غينيا- بيساو اعتمدت أيضاً سياسةً وطنيةً تستند إلى توصية منظمة العمل الدولية. وتشهد كلٌّ من إثيوبيا وزامبيا وزمبابواي مبادراتٍ مماثلة. وفي أميركا اللاتينية، نظّمت الحركات التعاونية عشر ندوات وطنية لتعريف أعضائها بهذا الصكّ الجديد. وعلي المستوي العربي وفي هذا السياق عقدت بصنعاء مؤخراً خلال (6-7 ديسمبر 2005) الدورة الاعتيادية الثانية والعشرين للمجلس المركزي لاتحاد الفلاحين والتعاونيين الزراعيين العرب تحت شعار من أجل تضامن الفلاحين العرب لمواجهة التحديات . حضرت هذه الفعالية والتقت عدداً من رؤساء الوفود المشاركة في أعمال المؤتمر وناقشت معهم جملة من القضايا المتعلقة بالإنتاج الزراعي ودور الجمعيات التعاونية الزراعية والإتحادات النوعية في الإنتاج الزراعي والمشكلات المتعلقة بالتبادل التجاري بالإضافة إلى تحديات العولمة وتفعيل الوحدة و التعاون بين التعاونيات.




























المحور الأول
خلفية تاريخية
التعاون كظاهرة اجتماعية، قديم قدم البشرية، وشمل العديد من أنماط النشاط الجماعي بين الأفراد المتمثل في العون والتضامن والمساعدة المتبادلة وذلك لتحقيق أهداف اقتصادية لا يمكن أن تتحقق بالمجهود الفردي، ولسنا هنا بصدد الحديث عن التعاون في صورته (الفطرية)، إنما ينصب حديثاً عن التعاون المنظم كوسيلة وأداة أصلاحية وتصحيحية في المجتمع والذي برز بصورة واضحة في أعقاب الثورة الصناعية بأوربا في منتصف القرن الثامن عشر كرد فعل للمساوئ الناجمة عن فشل الرأسمالية، خاصة بالنسبة للفلاحين والطبقة العاملة، وتمثلت هذه الآثار السيئة للنظام الرأسمالي المتدهور في الاستغناء عن أعداد كبيرة من العمال، وانتشار العطالة انخفاض وتدني في مستوى المعيشة، استغلال النساء والأطفال في الإنتاج الرأسمالي لانخفاض أجورهم وظهور كثير من الأمراض والعلل الاجتماعية الخطيرة، ويعتبر روبرت أوين 1771-1858 الأب الروحي للتعاون والذي حاول تطبيق أفكاره الإصلاحية عن طريق جمع جهود العمال تعاونياً، وعلى الرغم من الإخفاقات التي لازمت التجربة إلا أنها كانت كافية لانطلاق التجربة التعاونية العالمية الرائدة لرواد روتشيديل، حيث اجتمع في 15 أغسطس 1843، 28 عاملاً من بينهم امرأة بمدينة روتشيديل الإنجليزية معلنين أول جمعية تعاونية في العالم.. ومن ثم انتقلت التجربة الناجحة إلى بقية المدن البريطانية وإلى بقية دول أوروبا والعالم.
وفي السودان شهدت أواخر العشرينات من القرن الماضي، المحاولات الأولى لإقامة شكل تعاوني منظم، وذلك بتشجيع من حكومة المستعمر آنذاك، ولا جدال في أن البدايات الأولى للحركة التعاونية السودانية كانت زراعية بظهور جمعيات التسليف الزراعي بدلتا طوكر، وبتشجيع من الحكومة لحماية المزارعين من استغلال التجار والمرابين الذين يقدمون سلفيات مجحفة لزراعة القطن الذي توسعت فيه الحكومة، والغرض الأساسي ليس حماية المزارعين ومصالحهم بل ضمان تحقيق إنتاجية عالية مع إمكانية تسويق هذا الإنتاج بما يعود بالمصلحة والدفع للحكومة، ولقد أدى ذلك إلى فشل التجربة واتجاه الحكومة إلى زراعة وإنتاج القطن طويل التيلة بمشروع الجزيرة بالتعامل مع المزارعين مباشرة دون تنظيمهم في شكل جميعات تعاونية، وفي عام 1937 تكونت أول جمعية تعاونية بمبادرة شعبية سميت بالشركة التعاونية توالت بعدها التعاونيات في المديرية الشمالية ثم ظهرت أول جمعية تعاونية لمشروع الجزيرة بقرية ودسلفاب لطحن الغلال واستجلاب الجرارات والمحاريث وكان ذلك في عام 1944، وفي العام 1948 اتخذت الحركة التعاونية شكلها القانوني اثر المذكرة التي قدمها المستر كامل للإدارة البريطانية معلنة صدور أول قانون للتعاون بالبلاد، والذي اكتمل في العام 1952 لقد ركز هذا القانون على الجانب الاقتصادي أكثر من الجانب الاجتماعي، لذلك ولعدة أسباب أخرى لم ينل هذا القانون ثقة الحركة التعاونية الوطنية، فعلى الرغم من أنه في العام 1948 نفسه قد شهد تسجيل أول جمعية تعاونية وهي جمعية ودرملي التعاونية الزراعية، إلا أن ما تم تكوينه من جمعيات تحت هذا القانون قليل ، بالإضافة لقلة وضعف العضوية ومن ثم ضعف أثر التعاونيات اقتصادياً واجتماعياً. لقد كانت البدايات الأولى للحركة التعاونية السودانية، زراعية في شكل تعاونيات تخدم صغار المزارعين بالريف حيث بلغت نسبة التعاونيات الزراعية 59% في العام 52-1953 من إجمالي العدد الكلي والتعاونيات الاستهلاكية 3% فقط، ولكن منذ العام 55-1956 انقلبت وأصبحت النسبة 34% للتعاونيات الاستهلاكية وتقلصت نسبة التعاونيات الزراعية إلى 48%. على أن القفزة الكبرى فيما يتعلق بالكم دون الكيف، كانت في منتصف السبعينات إبان الحكم المايوي.. حيث تضاعفت في العام 1975 عدد التعاونيات إلى 9 مرات عما كانت عليه في العام 54-1955 وتضاعفت العضوية 14 مرة ثم توالى التضاعف في العام 79-1980 ليصل عدد التعاونيات إلى 4868 جمعية تعاونية بعد ما كان 2135 عام 1975، ثم قفز العدد إلى 8332 عام 1993 ثم إلى أكثر من 9000 جمعية عام 1995 وبلغ عدد التعاونيات الاستهلاكية حوالي 80% من إجمالي العدد الكلي للتعاونيات السودانية فأين الخلل؟!

لا يخالجنا أدني شك في أن التدهور الحقيقي للحركة التعاونية السودانية ، قد بدأ في نهاية فترة السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي، بالتدخل السياسي السافر والقاصر، تحديداً عند صدور قانون التعاون لسنة 1982 في العهد المايوي والذي كرس امكانات الحركة التعاونية ومواردها لخدمة إغراض السلطة المايوية الحاكمة بعيداً عن مصالح العضوية التعاونية خاصة في الريف منبع الفكرة التعاونية، والمهد الأول لتطبيقها لتبدأ بعدها الحركة التعاونية في السقوط نحو الهاوية خاصة في ظل غياب دور حيوي وفعال للقيادات التعاونية مع استمرار حكومة الانتفاضة والديمقراطية الثالثة على التوالي في إسقاط دور التعاون كأداة من أدوات الإصلاح في الحياة السودانية، ثم جاءت (الإنقاذ) لتغتال الحركة التعاونية خاصة الشعبية.. وذلك من خلال حزمة من القرارات السياسية الغير مدروسة
فلقد (حبكت) الإنقاذ خطة محكمة لاغتيال (التعاون) في إطار مشروعها الحضاري الذي يستند على (التمكين) والولاء قبل الكفاءة، فجاءت بمنسوبيها على قمة الحركة التعاونية السودانية، القطاع التعاوني، مركز التدريب التعاوني، الاتحاد التعاوني القومي.. الخ وذلك من خلال لجان التسيير المعنية سياسيا مخالفة بذلك كل المبادئ والأسس والمواثيق التعاونية العالمية .ثم اتجهت الإنقاذ إلى تفتيت الحركة التعاونية مما أدى إلى تقلص في عدد التعاونيات بدأً من العام 1995 وفاقم من ذلك تطبيق سياسات السوق الحر، في ظل سحب الدعم و الامتيازات التي يتمتع بها القطاع التعاوني، وسلب مؤسساته وتصفيتها وتشريد الكفاءات التعاونية.. والآن تقف الحركة التعاونية في مفترق الطرق في أن تكون أو لا تكون بعدما ضربت المكونات الرئيسية للمنظمات التعاونية في مقتل.
المكونات الرئيسية للمنظمات التعاونية
الجمعية التعاونية منظمة عادلة ينشئها الأفراد لتباد المساعدة بقصد رفع مستواهم الاقتصادي والاجتماعي . فالتعاون هو تجميع واتحاد ، لبعض الأشخاص وجهودهم بغرض تحقيق هدف سنترك وذلك عن أقصر طريق وبأقل تكلفة وعلي أسس وجه وهذا الهدف ينتهي إلي رفع المستوي الاجتماعي للأعضاء عن طريق زيادة الدخل أو الاقتصاد في التكاليف. و السبيل إلي تحقيق هدف الأعضاء المتعاونين هو إنشاء منظمة اجتماعية تعمل بوسائل اقتصادية يطلق عليها اسم الجمعية التعاونية والمنظمة التعاونية ليس هدفها التخفيف من الموقف الذي خلقه الاقتصاد التجاري بل هو أكثر من ذلك – إذ يتلخص هدفها في ماهية وتحرير أعضائها من السيطرة الاجتماعية والاستغلال الاقتصادي اللذين يتمتع بهما المسيطرون علي المواقع الاستراتيجية التي خلقها الاقتصاد التجاري بذلك لرفع مستوي معيشة أعضائها المتعاونين بزيادة دخولهم الحقيقية بمختلف الوسائل الإنتاجية والتسويقية الاقتصادية. ولذلك تتميز المنظمة التعاونية عن المنظمات الاخري من حيث أهدافها ومن حيث الطرق التي تتبعها لتحقيق هذه الأهداف . وتحقيقا لهذه الأهداف يجب أن تقوم اية منظمة تعاونية علي أساس عنصرين أساسيين احداهما اجتماعي والثاني اقتصادي يفسران علي أن المنظمة التعاونية تتكون من :
(1) ترابط بين أشخاص أدركوا وما زالوا يدركون إن هناك تشابها بين بعض احتياجاتهم وان إشباع هذه الحاجة بالأسلوب التعاوني وبتكوين منشأة تعاونية يكون أحسن بكثير من إشباع هذه الاحتياجات بالطرق الفردية.
(2) منشأة اقتصادية لها هدف مطابقا تماما للحاجيات التي يراد إتباعها وهكذا تري إن الروابط هو اصل الفكرة التعاونية وهو السبب المباشر في وجود المنظمة التعاونية.

كما أن المبادئ العامة للإدارة التعاونية مقارنة بإدارة المؤسسات التجارية الخاصة والمؤسسات الحكومية تختلف اختلافا بيننا وواضحا. فبينما نجد أن المؤسسات التجارية الخاصة تعتبر الحصول على أكبر ربح هو المقياس السائد، فإن الجمعية التعاونية لها حافزان: الربح والخدمة. والفرق بين الجمعية التعاونية والمؤسسة الحكومية قد يكون من الصعب تحديده، إذ أن للمؤسسة الحكومية أيضاً حوافز الربح والخدمة وأيضاً حافز التنمية. ولكن بينما نجد المؤسسات تدار من أعلى، بأن الجمعية التعاونية تتضمن عاملاً قوياً هو اشتراك أعضائها في إدارتها.
ومن المؤكد أن مشاركة الأعضاء هو أهم سمات المؤسسة التي يجب أن يضعها في الاعتبار كل من يهتم بنشر الفكر التعاوني. ولقد فشلت الحركة التعاونية في كثير من الدول النامية لأن الفكر التعاوني قد فرض على الناس فرضاً، حيث نجد أن الأعضاء قد حصلوا على المسئوليات الاقتصادية ولم يحصلوا على المشاركة الضرورية في صنع القرارات أو الشعور الضروري بالمسئولية التضامنية. وكثيراً ما اتفق علي أنه من المستحيل تعليم الفلاحين الأميين كيف يشاركون مشاركة فعالة في إدارة الجمعية التعاونية. ولا اعتقد أن هذا صحيح. زد على ذلك فإن فكرة التعاون تتفق تماماً مع التنظيم التقليدي للمجتمع القبلي. وفي رأي فليس هناك معنى لمحاولة إنشاء حركة تعاونية، ما لم يكن من الممكن دفع أعضائها إلى العمل بطريقة إيجابية. وبالتالي فإن الشروع في إقامة جمعية عملية بطيئة فالأعضاء يحتاجون إلى وقت أطول للتعود على فكرة المشاركة ولكن لا داعي للعجلة. وكثير من البرامج الطموحة جداً والتي نفذت بأسرع مما يجب أساءت لإسم التعاونيات في كثير من الدول النامية. وثمة أهمية أخرى لمشاركة الأعضاء هي أن عدد أعضاء كل جمعية يجب أن يكون محدوداً والحقيقة التي تذكر دائماً هي أنه توجد كثير من المشاحنات بين مجموعات الأعضاء إذا كانت الجمعية أكبر مما يجب، و النتيجة هي انعدام المسئولية تجاه الجمعية.

إن التعاون نظام لتحرير الاقتصاد وإطلاق للقوى المنتجة من عقالها وهو يمكن أن يكون الدواء الناجع لعلاج الكثير من المشكلات اليومية للسوق التي أصبحت اليوم مشكلات مزمنة أدت إلى اختناقات تموينية.. وفي آخر الأمر إلى ضائقة الغلاء.. بل أن الحركة التعاونية بما يمكن أن نضيفه من ثقافة جديدة في الوعي الزراعي والتجاري والإنتاجي، وبما تثري به المواطن من تجارب في المجالات الاقتصادية, وبما تبتدع من وسائل علمية لتطوير الإنتاج والعلاقات الإنتاجية، وبأثرها السلوكي على البناء القومي للمجتمع فإنها وسيلة حية لتعليم الشعب وتربيته... فالشعوب تتعلم بالممارسة وهي تتعلم أسرع عن طريق العمل الجماعي وبصفة خاصة عندما تكون وسيلة العمل الأساسية هي الديمقراطية التعاونية التي تتيح للأعضاء حرية التعبير عن الرأي وتساعد على التوصيل للقرارات الرشيدة عن طريق الحوار الهادف. ثم هي تشعر الأعضاء بأنهم يصنعون مستقبلهم بأفكارهم وتخطيطهم ومجهودهم في العمل مما يجعل الوحدة في الفكر وفي العمل شاملة للتخطيط والتنفيذ.

ويتوقف نجاح الجمعيات التعاونية إلى حد كبير علي مدى دقة وشمول عمليات) البحث أو الدراسة التي قد تسبق عملية تكوينها أو إنشائها ، فكلما تعددت النواحي التي تمسها عمليات البحث أو الدراسة من ناحية ، وكلما كانت الدقة والأمانة هما رائدا القائمين بالاشراف علي هذه العمليات أو تنفيذها من ناحية أخرى ، كلما أمكن تجنب الكثير من الأخطاء , والقضاء علي الكثير من العوامل الهدامة ، التي تسببت فيما مضي في فشل عشرات ، بل مئات الوحدات من الجمعيات التعاونية . ولا تقتصر النتائج السيئة لفشل العمل التعاوني علي مجرد الخسارة المادية أو الأدبية التي قد تلحق بالأعضاء المعنين به بصورة مباشرة فحسب ، بل أنها كثيرا ما قد تتعدي ذلك أيضا إلي إشاعة جو من عدم الثقة في مدي قدره التعاونيات علي تحقيق أهدافها ، ومن شأن مثل هذا الأمر أو ذاك أن يؤدي في النهاية إلي عزوف الأفراد أو الهيئات ، عن مساندة الحركة التعاونية أو تعضيدها من ناحية ، تماماً كما وقد يؤدي كذلك أو بالمثل إلي نجاح التجار أو الوسطاء الرأسماليين ، في التشهير أو التنديد بقدرتها من ناحية أخرى .

هذا ماحدث للحركة التعاونية السودانية ، والتي فقدت نتيجة للتجارب الخاطئة بقيام تعاونيات ضعيفة وعلي أسس غير سليمة وغير علمية وبعيدة عن الواقع ، وخاصة في التعاون الزراعي. ويرجع ذلك بصورة أساسية لغياب الرؤيا السياسية العميقة النافذة ، والتصور العلمي السديد ، ثم بعد ذلك تأتي بقية الأسباب والتي تعتبر في وجهة نظرنا أسباب تابعة للسببين السابقين كما سنري لاحقا.






المحور الثاني
واقع الحركة التعاونية السودانية
إن حوالي 80% من سكان السودان يعملون بالزراعة والرعي.. وتشكل الزراعة قبيل مجيء حكومة "الإنقاذ" حوالي 80% من صادرات السودان المباشرة وغير المباشرة وإليها يرجع الفضل في تحقيق حوالي50 % من دخل الحكومة وحتى بعد "الإنقاذ" لا زال دور الزراعة وأهميتها واضحا بالرغم من الإهمال الذي تجده تعتبر الزراعة المصدر الرئيسي للعملات الأجنبية من الصادرات غير النفطية حيث تساهم بنحو 95% منها. وعلي الرغم من ذلك فهناك غياب للرؤية الإستراتيجية للتنمية الإقتصادية والإجتماعية التي تعتمد علي القطاع الزراعي محركا لها ،حيث يحصل القطاع الزراعي على نسبة منخفضة من الإنفاق العام (5%عام2004) إذا ما قورنت بما تنفقه دول العالم الثالث (كالهند التي أنفقت 23-39% في العام من الميزانية العامة على الزراعة) التي حققت معدلات تنمية عالية ومستدامة. كما تشير بيانات بنك السودان أن نصيب القطاع الزراعي من التمويل التجاري تدنى حتى بلغ 11% من جملة القروض. بالإضافة إلي ضعف وتذبذب الإنفاق على البحث العلمي حيث كان نصيب البحث العلمي الزراعي 10% من حملة الميزانية العامة المخصصة للقطاع الزراعي والقطاعات الأخرى.

لقد تم منذ الإستقلال وضع الكثير من الخطط والبرامج والسياسات الهادفة لتنمية القطاع الزراعي ولكن لم يكتب لهذه الخطط إلا نجاحاً محدوداً وذلك لعدة أسباب أهمها:-
• عدم الإسقرار السياسي، وإتباع منهج التنمية من أعلي إلي أسفل دون الإهتمام بالمشاركة الفاعلة للمعنيين بالتنمية في تحديد الأولويات وإعداد برامج التنمية وتنفيذها.
• عدم الإهتمام بتنمية الموارد البشرية الأمر الذي انعكس في الكفاءة المتدنية للأجهزة التنفيذية المناط بها تنفيذ المشروعات وفي كفاءة القطاع الخاص والمزارعين ومربي الماشية.
• عدم مراعاة الترابط الوثيق بين قطاع الزراعة والقطاعات الأخرى كالصناعة والخدمات والتجارة عند وضع الخطط والسياسات والبرامج.
• المفاهيم الخاطئة التي صاحبت سياسات التحرير والخصخصة والتي أدت إلى تراجع الدولة عن أهم أدوارها وهو توفير السلع العامة Public Goods كالبحوث الزراعية مثلاً والتي لا يرغب أو لا يستطيع القطاع الخاص توفيرها لعدم حصرية المنافع الناتجة عنها.
• تنفيذ برامج الإصلاح الإقتصادي والتكيف الهيكلي بهدف تحقيق التوازن بين العرض والطلب الكليين، وتحديد حجم السيولة الأمثل لتحقيق الإستقرار والنمو وضبط وترشيد للإنفاق العام رغم أنه نجح في كبح التضخم واستقرار سعر صرف العملة الوطنية وتحقيق معدلات نمو عالية، إلا أنه أدى إلى تخفيض الإنفاق على الزراعة والبنيات التحتية مما أثر سلباً على القطاع الزراعي وكذلك القطاع الصناعي وعلى خدمات التعليم والصحة والمياه.
إن المجال الحقيقي للتعاونيات الإنتاجية هو الزراعة.. فما هي حقيقة وضع التعاونيات الزراعية الآن؟ يمكن تصنيف الجمعيات الزراعية القائمة إلى عدة أنواع لكل منها خصائصها المميزة كما يلي:-
أولاً: هنالك بعض التعاونيات الزراعية التي تخص أغنياء المزارعين أو التي تتكون من التجمعات الأسرية والعشائرية، أو أولئك الذين يجدون منفعة وراء تكوين مثل هذه الجمعيات أو يستخدمون التعاون كأداة للانتفاع بمزاياه التشجيعية، ولا يقومون بواجبات الإنتاج الزراعي بأنفسهم بل يعتمدون على العمل الأجير لإنجاز عملية الإنتاج. وقد يكون بعض أعضاء هذه الجمعيات أو القائمين بأمرها
ملاكاً غائبين. وتمثل هذه الجمعيات في حقيقة الأمر تكوينات للزراعة الرأسمالية، وعلى هذا، يمكن اعتبارها وسيلة لتوسيع مقدرة السوق الداخلية على استيعاب مستلزمات الإنتاج الزراعي الحديثة.
ويمكن الإشارة لجمعية ود الكريل التعاونية بمديرية النيل الأبيض وبعض جمعيات الزراعة الآلية بمديرتي النيل الأزرق وجنوب كردفان كنماذج حية لمثل هذه الجمعيات.
ثانياً: هناك بعض التعاونيات التي تتكون من صغار المزارعين ومتوسطي الحال منهم ويدعم من الدولة كمشروع الحصا التعاوني بالمديرية الشمالية.. ولسوء الحظ فإن مثل هذه التعاونيات تواجه منذ نشأتها مصاعب ومشاكل مالية وفنية وإدارية تحد من إمكانياتها على الحركة والانطلاق. وتقوم العلاقات الزراعية في هذه الجمعيات على ذات الأسس والمبادئ التي تسود المشاريع الخاصة إذ تبقى التعاونية على نظام الشراكة أو ضريبة المياه. واستمرار العمل بالنظام الأول أو الثاني لا يعطي الحركة التعاونية الزراعية صفة تميزها عن بقية القطاعات الاقتصادية الأخرى ويقلل ليس فقط من قدرتها على تجميع الفائض الاقتصادي اللازم لتوسيع وتنويع النشاط التعاوني بل من فعاليتها في تحسين المستوى المعيشي للأعضاء وبالتالي من جاذبيتها الشعبية.
ثالثاً هناك القليل من التعاونيات الزراعية التي تكونت بمبادرة السكان المحليين الذين يقومون بخدمة أراضيهم بأنفسهم وبمساعدة ذويهم ممن تيسرت لهم موارد مالية من (المهاجرين) خارج منطقة نشاط الجمعية، وبدون تلقي الدعم الكافي من الدولة أو أجهزتها المتخصصة. والتجربة التي تقدمها هذه التعاونيات لا تدعو للاطمئنان على مستقبلها رغم النجاح النسبي الذي حققته بعض الجمعيات لهذه المجموعة كتلك التي تنتمي لاتحاد الخندق التعاوني.. وذلك لكونها جمعيات صغيرة وفقيرة يقتصر نشاطها على تجميع ما يتوفر لها من موارد الشراء وتشغيل طلمبات الري والآلات الزراعية خاصة أن أعضائها ليست لديهم المقدرة لتحقيق المنفعة الكاملة منها، ولأن الدولة لا تبادر بمساندتها بالمال والإرشاد التعاوني الخ.... حتى تتهيأ لمثل هذه الجمعيات الظروف الملائمة لاستيعاب الجهد البشري المتوفر لديها بما هو أكثر من حاجة عناصر الإنتاج المستثمرة حالياً مثل الأرض على وجه الخصوص.

لقد أهملت الحكومات المتعاقبة التعاونيات وخاصة الزراعية ولم يظهر لها في تلك الخطط والبرامج والسياسات الهادفة لتنمية القطاع الزراعي أي وجود ولذلك ظل القطاع التعاوني محصوراً إلى حد كبير في الجانب الاستهلاكي وفي مجال توزيع السلع التموينية وفقد فعالية وتنوع المشاركة في التنمية الاجتماعية بصورة رائدة. فإذا كانت التنمية الإقتصادية عبارة عن مجموعة من العمليات والإجراءات اللآزمة لأحداث تغييرات جوهرية وعميقة في هياكل وبنيان الإقتصاد القومي وتطويره بصورة يترتب عليها تزايد متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي الحقيقي بحيث يستمر هذا التزايد فترة طويلة من الزمن وينتفع به الغالبية العظمى من الأفراد. وبما أن التنمية الاجتماعية فهي تعني تنمية المجتمع البشرى ، أي تعني في المقام الأول تنمية الفرد البشرى ، وذلك بتجديد مواهبه وإمكاناته وقدراته الفكرية والعقلية. والتنمية تعني الزيادة كما وكيفا ... ولما كان الإنسان هو هدف كل مسعى إلى تطوير الحياة ، فإن التنمية الإجتماعية إنما تعني زيادة الفرد البشرى ، وتحسين نوعه – تنمية الإنسان – وتنمية الإنسان إنما تكون بتنمية موهبتيه الأساسيتين : العقل والقلب ، فهي إنما تعني تنمية حياة فكره وشعوره ... ولذلك كل عمل في إتجاه تحرير الإنسان من الخوف والجوع والفقر والجهل ، بصورة تنمي حياة فكره وشعوره فهذا إتجاه في التنمية في التنمية الإجتماعية ، وللتعاون مميزات و مقومات عدة تجعله يقوم بتوفير الأسباب المواتية للتنمية الإقتصادية و الإجتماعية.
خطط التنمية السابقة فشلت في إحداث تنمية حقيقية ، وذلك لعدم وجود الوسائل الصحيحة التي لم تجد تفاعلا من سكان الريف ، الذين لم نقدم لهم الدوافع التي تجعلهم يواكبون برامج تنمية الريف . إن التنمية الريفية بمفهومها العلمي والعملي ، لا تتلمس فقط مشاكل القطاع الزراعي باعتبار إن سكان الريف مهنتهم الرئيسة هي الزراعة ، بل إن التنمية الريفية تتعدى ذلك إلى جميع الأنشطة الريفية المز رعية منها وغير المز رعية ، فضلا عن الاهتمام عن إن كل ذلك لم ولن يتحقق إلا بخلق ووجود كيان تعاوني فاعل ، وذلك عبر نشر الفكر التعاوني و ممارسته ممارسة حقيقية ، والذي ينشد التنمية الريفية في المقام الأول ، ومن ثم التنمية الاقتصادية والاجتماعية على المستوى القومي ، وبالتالي مساهمة القطاع التعاوني في الناتج القومي ، من خلال القطاع الريفي الذي يستوعب نسبة عالية من الأيدي العاملة ، ويوفر الغذاء ، ويمد قطاع الصناعة بالمواد الأولية ، ويستجلب النقد الأجنبي للبلاد نتيجة صادراته .
لكن مع الأسف ومن الصعوبة بمكان اعتبار التنظيم التعاوني في الزراعة السودانية كنموذج قادر على النهوض بالإنتاج وتحسين المستوى المعيشي للمنتمين إليه. فالغالبية العظمى من الجمعيات التعاونية القائمة في المجال الزراعي تمثل نمطاً متخلفاً للتعاون لا يختلف كثيراً في صفاته الاجتماعية والاقتصادية عن المشروعات الخاصة التي تقوم على أساس الاستثمار الفردي وينحصر نشاطها في تقديم بعض الخدمات الزراعية.. وهي بذلك تختلف عن تعاونيات الإنتاج حتى تتبع مبادئ للتكوين وأساليب في التنظيم والإدارة وتوزيع الدخل لا تتماشى وهدف المشاريع الخاصة وممارسات تعاونيات الخدمات الزراعية.
ففي أواخر الثمانينات وإبان النصف الأول من التسعينيات, تعرضت الحركة التعاونية لانتكاسات خطيرة جراء سياسات الحكومة الجديدة. فقد ألغي نظام الحكومة الجديد جميع أشكال الدعم والتسهيلات الخاصة التي تتمتع بها الحركة التعاونية حتى ذلك الحين. وأمرت الحكومة الجديدة بحل مجالس إدارة الجمعيات التعاونية علي أن تحل محلها لجان تنفيذية تعين الحكومة أعضاءها بدلاَ من انتخابهم. وبصفة عامة كان أعضاء هذه اللجان الجديدة يفتقرون إلي الخبرة اللازمة للتعامل مع النظام التعاوني, وغالباَ ما كانوا يصفون بالعجز عن الاضطلاع بالمسؤوليات التي كانت مناطة بأعضاء مجلس الإدارة السابقة. ولما كان كثير من الأعضاء قد فقد الثقة في قدرة هؤلاء المعنيين علي تمثيلهم لانتهاجهم ثقافات تتنافي مع عمل التعاونيات, فقد اضمحل دور هذه التعاونيات وباتت عاجزة عن القيام بالمهام الموكولة إليها. ونغض الكثيرون من قدامي الأعضاء يدهم من المشاركة في النظام تعبيراَ عن احتجاجهم وسطهم علي اللجان الجديدة. ومنذ ذلك الحين, بدأ كيان التعاونيات في التصدع والانهيار جراء ما اعتراه من نزاعات داخلية.
ومن الأهمية بمكان التأكيد علي أن احدي المشاكل الرئيسة المرتبطة بالسياسات التعاونية في السودان تتمثل في الافتقار إلي الاستمرارية. فلقد تأثر نمو الحركة التعاونية سلباَ والي حد كبير بتواتر التغيرات المفاجئة في السياسات المتعلقة بهذا القطاع.ومن بين هذه التغيرات المتواترة تغيير الوزارات المسئولة عن التعاونيات وتغيير القيادات في الخدمة المدنية وانتقالها من منصب لأخر. إضافة إلي ذلك فان
المؤسسات والأشخاص العاملين في هذا القطاع يزاولون عملهم دون تنسيق ودون تخطيط مدرس للنهوض بشتى الأنشطة في إطار السياسات الوطنية لتنمية التعاونيات.
وفي التسعينيات , ومع تنامي سلطة الحكومة صدر قرار بحل مجلس الإدارة وإحلال لجان تنفيذية محلها في إدارة التعاونيات, الأمر الذي كان يتنافى ـ بشكل مباشر ـمع مباردي الحكة التعاونية. كذلك فقد عمدت الحكومة علي حل بعض التعاونيات ووجهت أموالها لأغراض غير تعاونية وقد ارتبطت هذه الإجراءات بضعف الحركة التعاونية وانحسار نشاطها. ومع ذلك فان هذه الحركة تشوبها نقطتا ضعف رئيسيتان: الأولي انه علي الرغم من إن القانون يفرض شروطاَ وأحكام مفصلة يتعين استيفاؤها قبل التسجيل. فانه يخول الوزير المكلف برعاية المصلحة العامة سلطة إعفاء الجمعيات الجديدة من مثل هذه الأحكام. وتتمثل نقطة الضعف الاخري في أن المسجل مازال يتمتع بسلطة تتجاوز الحد المطلوب. فمن سلطاته, فعلي سبيل المثال , من سلطاته تعيين ربع أعضاء مجلس الإدارة , ومراجعة الحسابات , بل وحل مجلس الإدارة. وهذا لا يتفق البتة مع المعايير القياسية الدولية للمبادئ التعاونية, يتسم وضع الجمعيات التعاونية الراهن في السودان بمنتهي السوء, اذ تواجه صعاباَ اقتصادية جمة وظروفاَ سياسية شاقة نظراَ لسياسة الحكومة إزاء التعاونيات وما تنتهجه من سياسات لتحرير الاقتصاد, إضافة إلي المنافسة لمنشات قوية سواء من حيث التمويل أو الإدارة. وفي بداية الثمانينات, صدر قرار بإلغاء وزارة التعاون والعمل ودمجها في وزارة التجارة والتعاون ولم يجر إي تغيير في وضع الكاتب المحلية. وظل هذا الهيكل قائماَ حتى التسعينيات حيث اكتسب ـ في ظل الحكومة القائمة ملامح جديدة فعلي الصعيد القطري, هناك إدارة التعاونيات التي تعمل تحت إشراف وزارة التجارة الخارجية ، وعلي صعيد الولايات, هناك إدارة للتعاونيات في كل ولاية, ومعظمها يعمل تحت إشراف وزارات المالية ، أما على صعيد المحليات، فهناك إدارة للتعاونيات على مستوى كل مقاطعة. كما أن هناك مؤسسة تعاونية حكومية تكون بمثابة رأس الهرم، وتتمثل مهمتها في تعزيز التعاونيات وربط الحركة التعاونية بالمؤسسات الحكومية المختصة. ومن ألمؤسف فإن هذه الفكرة ظلت مجرد حبر على ورق، لأن هذه المؤسسة لا تعمل كما ينبغي. وما زال هذا الهيكل هو الهيكل الذي يقوم عليه العمل التعاوني الحكومي.
وتجدر الإشارة إلى أن المؤسسات الحكومية المسئولة في الوقت الحاضر عن التعاونيات تعاني من مشاكل عديدة ومواطن ضعف جمة سواء فيما يتعلق بهيكل أو وظائف إدارة التعاونيات والوزارات المختصة (وزارة التجارة الخارجية على الصعيد القطري، وزارات المالية وغيرها من الوزارات على صعيد الولايات) وتتجسد هذه المشاكل ومواطن الضعف في النقاط الآتية:-
1- يشوب العلاقات بين الوزارة المختصة وإدارة التعاونيات على المستوى القطري الضعف الشديد. وفي واقع الأمر فإن هذه الإدارة تتعرض لإهمال بالغ من جانب الوزارة، ربما لأن إدارة التعاونيات لا تشكل-نسبياً- أهمية تذكر بالنسبة للإقتصاد مقارنة بجهات أخرى. كما أن هذه السياسة التي تتبعها الحكومة بأسرها تجاه التعاونيات ومن ثم فقد تقطعت أوصال التعاون والتنسيق الفعليين بين الوزارة وهذه الإدارة. وفي معظم الأحيان تتعارض إستراتيجيات وتدابير التنمية التعاونية مع وجهات نظر الوزارة والعكس بالعكس. إضافة إلى ذلك فإن الوزارة تفتقر إلى العدد الكافي من الموظفين للإهتمام بقضايا التعاون والتنسيق مع الإدارة، الأمر الذي يحول دون إنسياب المعلومات بين الجهتين ويحد من تبادل الآراء بينهما، خاصة في ظل ندرة الإجتماعات الدورية بين المسئولين فيها.
2- أسندت إلى إدارة التعاونيات مجمل الصلاحيات للتعامل مع التعاونيات. ومع ذلك فبالنظر إلى نقص الإعتمادات المالية والمعدات والموظفين المدربين تدريباً جيداً، لم يتسن لها القيام بهذه المهمة، كما أن هذه الإدارة تعاني من النقص في عدد العاملين إلى جانب تدهور أوضاع العاملين فيها من حيث عدم الإهتمام بمشاكلهم وقلة رواتبهم، مما يفسر عدم إقبالهم على العمل وضعف حماسهم له. ويكاد عملها ينحصر في التسجيل والرقابة، بل إن هاتين المهمتين لا تنجزان على النحو المنشود. وثمة وظائف عديدة لا تنهض بها الإدارة مثل التعليم والتدريب وتقديم المشورة وتشجيع العاملين في مجال التعاون والنهوض بأحوالهن ولا تتوافر لديها-في معظم الأحيان-أية بيانات أو إحصائيات بشأن التعاونيات، علاوة على ضعف هيكلها التنظيمي.
3- هناك أيضاً مشاكل تتعلق بالتنسيق بين إدارة التعاونيات الوطنية والإدارات المحلية، بالنظر إلى إختلاف الوزارات المسئولة عن الحركة التعاونية في بعض الولايات عن الوزارة المركزية. كما أن الإفتقار إلى التخطيط السليم للمهام الموكلة إلى كل وزارة، والتنافس القائم فيما بين الوزارات سواء على المخصصات المالية أو إكتساب مزيد من الأهمية والمكانة، قد شكلا عاملين اساسيين فيما أصاب الهيكل المؤسسي من ضعف على المستوى الوزاري.

وعموما يمكن القول إن النتائج التي تحققت بواسطة التعاون في الزراعة السودانية لا تدعو للتفاؤل فالجمعيات الزراعية القائمة لا تستغل سوى نسبة ضئيلة من المساحات المزروعة بالبلاد ولا أثر واسع لها على الإنتاج الزراعي. فالمساحات المعتمدة والمربوطة للتعاونيات الزراعية بولاية الخرطوم تساوي أكثر من 93131 فدان ، وإن المستثمر منها فعلا 17644 فدان ، أي ما يساوي 19% بالنسبة للمساحة الكلية وإن المساحات الغير مستثمرة تساوي 75487 فدان ، أي ما يعادل 81 % بالنسبة للمساحة الكلية. هذا يؤكد غياب الدراسات الأولية للتأكد من جدوى المنشأة والي أي مدي يمكن أن تحقق النجاحات المطلوبة. كما يؤكد أن التخطيط ليس له دور عند قيام هذه الجمعيات و أثناء مسارها ، وإنما الهدف فقط هو عملية حجز الأراضي. وتفيد نتائج الدراسة الميدانية التي قام بها الباحث لوجود أمثلة كثيرة لجمعيات تعاونيات زراعية قامت وكونت وسجلت ومنحت تصديقات الأراضي في أنحاء ولاية الخرطوم المختلفة، وفي مناطق لا تتوفر فيها سبل نجاح مثل هذا النوع من التعاونيات. و لعل منطقة غرب أمدرمان أو المناطق الريفية في منطقة شرق النيل تقف دليلا علي ذلك. فقد قامت بها تعاونيات زراعية عديدة وبواسطة مكاتب التعاون المختصة وبموافقة سلطات الزراعة الولائية والسلطات المحلية وهي لا تتوفر لها أبسط وسائل النجاح وأساس عملها الزراعي ألا وهو الري.
بعد هذا الاستعراض يمكن أن نستخلص الملاحظات التالية:
1- من ناحية الهيكل التنظيمي للإدارة التعاونية فيعتبر في الوقت الحالي غير مناسب وهو يحتاج إلى تعديلات كبيرة وجوهرية و أساسية وإعادة تقسيم العمل بين الإدارات الفرعية وإزالة التشوهات الإدارية في علاقة المركز بالولايات.
2- عدد العاملين في الإدارات الفرعية غير متناسب مع حجم العمل المطلوب عن كل إدارة وخاصة في إدارة التخطيط وإدارة الإحصاء وإدارة التمويل. كما أن كثيرا من العاملين في الإدارات الفرعية لم يتلقوا التدريب المناسب مع طبيعة عملهم مما انعكس على الأداء الوظيفي وخاصة أن عدداً منهم خريجي كليات بعيدة في تخصصها عن طبيعة العمل الذي يقومون به.
3- سياسات الدراسات فوق الجامعية سواء للدبلومات أو الماجستير والدكتوراه والتي يرسل بمقتضاها العاملون للدراسة في الداخل أو الخارج لا تراعي مجالات العمل الحالي للموفدين وضرورة أن تكون الدراسة في نفس مجال العمل في المستقبل بأفضل النتائج، بل يمكن أن يرسل عامل في إدارة التخطيط لدراسة مجال مختلف تماماً عن مجال التخطيط كما هو حادث الآن لبعض العاملين بالإدارة.
4- عدم تسكين واستقرار العاملين في الإدارات المختلفة بالقطاع الإداري المختص مثل الإدارة العامة للتخطيط والبرامج وإداراتها الفرعية للعمل المستمر فيها وأن يقتصر تنقلهم على الإدارات الفرعية، وذلك اكتساباً للخبرة وفهماً للعمل، بل نجد أنه يمكن نقل بعضهم إلى إدارات أخرى أو مكاتب أخرى بعد أن يكونوا قد ألموا بالعمل واكتسبوا الخبرة. فيفقد العمل التخطيطي كادراً مدرباً ويأتي إليه عنصراً جديداً في حاجة إلى تدريب طويل. ولا يخفى على أحد أن العمل التخطيطي بكل فروعه يحتاج إلى ممارسة طويلة ومهارات خاصة.
5- لا توجد خطة عمل واضحة للإدارات الفرعية تعمل بمقتضاها وخاصة في مجال البحوث والإحصاء والتمويل ، ولا توجد تسهيلات فنية ومادية لتسهيل العمل بالإدارة والإدارات الفرعية مثل الكمبيوتر وآلات التصوير. كما لا يوجد نظام توثيق وحفظ للمعلومات جيد حيث لا توجد إمكانيات لذلك بالإدارة من ناحية المكان والأدوات اللازمة لذلك، مع عدم وجود ربط واضح في صورة لجان مشتركة بين الإدارة والاتحاد التعاوني القومي للتنسيق والتشاور ووضع التصورات للعمل المستقبلي.
إن مكاتب التعاون بالولايات المختلفة تمثل قطاع التعاون (المستوى المركزي) على مستوى الولاية وتقوم بكل أعماله وكذلك مكاتب المناطق على المستوى المحلي ونلاحظ في هذا المجال ما يأتي:-
• لا يوجد تقسيم عمل أو تخصص محدد في هذه المكاتب على أساس تخصص بعض العاملين في مجال التخطيط والبعض في مجال الإحصاء والبعض الآخر في مجال المراجعة والتفتيش وهكذا مما يساعد على اكتساب الخبرات في مجال محدد وتحديد المسئولية في العمل وهذا بالطبع يسهل العمل ويساعد على نجاحه.
• هذه المكاتب ليس لديها الإمكانيات البشرية والفنية للقيام بمهامها في مجال التخطيط والتنفيذ والمتابعة والتقييم لنشاطات الحركة التعاونية. وكثير من العاملين في هذه المكاتب غير مدربين وغير مؤهلين للعمل التعاوني في جانبه التخطيطي.
• لا يوجد رابط منظم وواضح بين هذه المكاتب وتنظيمات الحركة التعاونية الشعبية في صورة لجان مشتركة أو أي صورة أخرى حتى يتمكنا سوياً وبالإمكانيات المشتركة من وضع تصورات الخطط المستقبلية للحركة التعاونية وترجمة ذلك إلى خطة عمل والعمل على تنفيذ هذه الخطة.





المحور الثالث
العلاقة بين الدولة والحركة التعاونية
هناك دول تعمل لحماية مصالح السواد الأعظم من الشعب وبالتالي لا خلاف لها مع الحركة التعاونية.. بل العكس هو الصحيح إذ نجد أن مثل هذه الدولة تحتضن الحركة التعاونية وتساعدها في الوقوف على قدميها.. ولا غرابة في ذلك لأن النشاط التعاوني في ظل مثل هذه الدولة هو بالتأكيد نشاط مساعد ومكمل ومتمش مع الخطة الاقتصادية والسياسية للدولة بل هو جزء لا يتجزأ من تلك الخطة. وهناك دول تستولي فيها على وسائل الإنتاج حفنة من الأفراد وهي التي تتحكم في دفة الحكم.. وهذه الطبقة لا تتماشى مصالحها مع مصالح السواد الأعظم للشعب بل تتعارض معها وذلك لأنها لا تقوم بالإنتاج وإنما تسيطر على نتائجه حارمة المنتجين الحقيقيين من ذلك، وذلك لأنها تمتلك وسائل الإنتاج وتضع قوانين ونظم لتحديد علاقات بصورة كافية وكفيلة جداً بأن تضمن لتك الحفنة الاستيلاء على مجهودات المنتجين وابتزازهم.. فإن كانت الجمعيات التعاونية تأتي لتحقيق أو إلغاء ذلك الاستغلال فمما لا شك فيه أنها لن تجد ترحيباً من مثل تلك الدولة للتعارض الواضح في الهدف.
إن أسوء الدول تلك التي تستند علي الأسس الفاشية والشمولية ، ويعرف خلدون النقيب الشمولية بأنها: (ليست نظام للحكم فحسب ، وإنما هي التعبير السياسي عن نظام اقتصادي اجتماعي تمدد الدولة فيه إخطبوط تسلطها إلي النظام الإقتصادي فتحتكر وسائل الإنتاج ، وإلي النظام السياسي فتحتكر وسائل التنظيم ، والي النظام الإجتماعي فتقدم نفسها بديلا عن مؤسساته ، وتستبدل الأيدلوجيات المتنافسة بأيدلوجيات التسلط والإرهاب وقيمه الأصيلة بقيم الإستهلاك ألمتعي ، وحضارته بحضارة الخوف و الرعب) ومن ذلك يتضح أن النظام الشمولي نظام لايعترف بالآخر ويتعسف في معاملة المختلفين معه أيدلوجيا إذ يستند في تفاعله مع أفراد المجتمع علي القمع والقهر. وأن كل نشاط يقع خارج نطاق الحزب أو الدولة لا يحظى بالإعتراف من قبلها ، فضلا عن سيطرتها المطلقة علي وسائل الإعلام كواحدة من القنوات التي تمارس عبرها تأثيرا علي أفراد المجتمع في محاولة لإلغاء ثقافتهم وتذويبها في إطارها الأمر الذي يؤدي لأن تكون الدولة و الحزب وآلياته هي الجهات الوحيدة الموجودة علي الساحة السياسية مما يكرس الأحادية وعدم الإعتراف بالمكونات الأخري التي يمكن أن تشكل عنصرا فرعيا داعما للنظام السياسي الرئيسي وذلك من قبيل الأحزاب والأيدلوجيات المغايرة للأيدلوجية الرئيسية وجماعات الضغط والدستور الذي يساهم كل المجتمع بمختلف قطاعاته في وضعه.
والسمات العامة للنظام الشمولي تتمثل في حزب سياسي مسيطر له أيدلوجية شاملة تحدد شكل الدولة والمجتمع ، من خلال مؤسسة بوليسية ذات طابع تعسفي و سيطرة علي وسائل الإتصال الجماهيري والهيمنة علي المؤسسة العسكرية والإقتصاد والتوسع خارج الحدود.ولكل ذلك فإن إتخاذ القرار السياسي في السودان لايتم عبر المؤسسات الرسمية التي حددها الدستور إنما يتم خارجها. بمعني أن القرارات يتم إتخاذها خارج المؤسسات الدستورية بغض النظر عن النظام الحاكم. وفي هذا الإطار يمكن التمييز بين صناعة القرار Decision Making وبين إتخاذ القرار Decision Taking فصناعة القرار تتم خارج المؤسسات الرسمية وإتخاذ القرار تقوم به المؤسسات المعنية ولكن بدون أن يعطيها صناع القرار إلا خيارا واحدا و من هنا أتت التبعية وأصبح القرار من خارج المؤسسات ، مما يمكن ويزيد من إستبداد الدولة وشخصنتها وتسلطها . ومن معالم الاستبداد أن تنتقل الدولة من كونها تعبيرا عن جماعة وأداة للحكم بين الناس إلى التمركز حول شخص الحاكم، والتعبير عن مصالح نخبة ضيقة من بطانته، دونما اعتبار للناس ومصالح المواطنين، فلا يبقى ثمة وجود لقوى سياسية اجتماعية تتجاوز إرادة الدولة وهيمنتها.
وتعني شخصنة الدولة أن النظام السياسي والاقتصادي والبيروقراطي بمؤسساته يتحول من نظام قانوني يناط به الفصل بين الناس بالعدل وإدارة دولاب الحكم، إلى الاندماج في المؤسسات القائمة على التنفيذ المحض لإرادة الحاكم المستبد، وخاضعة للإرادة الشخصية المتوحدة المتسيدة على قمة هرم الدولة. وتسود في هذا النظام التفسيرات والاجتهادات التي تدعم الوضع القائم، وتفرغ الدلالات القانونية المرتبطة بعمومية القاعدة القانونية وتجريدها، فتفرغ القانون من هذا المحتوى الموضوعي ليصير ذا مؤدى شخصي ومتشخصن لصالح أفراد وأناس بعينهم ذوي علاقات شخصية برأس الدولة ومن يحيطون به.

أما في ما يتعلق بمكانة التعاون في التركيب الهيكلي لأجهزة الدولة يعتبر التعاون قسماً تابعاً لإدارة قطاع الخدمات. ولقد ضعت الحركة التعاونية في قطاع الخدمات تركيزا علي نشاطها الخدمي مما أدي إلي إهمال النشاط الإنتاجي للحركة التعاونية وعدم التركيزعليه. ولقد أدي هذا الوضع الشاذ إلي التركيز علي الجانب الخدمي للتعاونيات وأفقدها علاقاتها مع القطاعات الأخري و التي تتشابه مع منا شطها. فالواقع التعاوني يؤكد عدم وجود صلات حقيقية واضحة للحركة التعاونية بقطاع الصناعة بالرغم من وجود التعاونيات الحرفية ، وصلتها بقطاع الزراعة ضعيفة بالرغم من أنها تضم تعاونيات زراعية منتجة. هذا قبل ظهور "الإنقاذ" أما بعدها فلقد فقد التعاون وخاصة التعاون الزراعي حتى تلك الأهمية النسبية التي كان يتمتع بها سابقا. ويظهر ذلك بصورة واضحة لا لبس فيها , بإسقاط التعاون بإعتباره أداة أونظاما للتغيير والتنمية والنماء ، من أي خطط أو إستراتيجيات تضعها الدولة للتنمية الإقتصادية والإجتماعية مثل: برنامج الألفية الثالثة ، وبرامج محاربة الفقر ، وحتي برامج مايطلق عليه "النهضة الزراعية" أو "النفرة الخضراء".
إن ما نحتاجه في السودان أن يكون التعاون ركيزة من ركائز الاقتصاد الوطني فيساهم بجدارة في الاستثمارات الضخمة في مجالات الصناعة والزراعة والتعدين بعد أن ظل دوره هامشياً في استثمارات ضعيفة وبعيدة من التأثير المباشر والقوى على الحركة لاقتصادية للبلاد. وأن توفر له حرية الحركة بسهولة ضمن البرامج التنموية للبلاد. ويجب أن تحتوي هذه البرامج على اعتبار أساسي لدور التعاون في جميع مناحي العمل بل أن ارتباط التعاون بعملية التنمية الاقتصادية ومشاركته في جهود الاستثمار والبناء ومساعدة الدولة له لهو أمثل أسلوب لتحويل السلطة والفعالية الحقيقة في الجانب الاقتصادي للجماهير. والسلطة الاقتصادية هي السلطة الأقوى إذ بها تكون وسائل الإنتاج مملوكة للجماعة لا للدولة، وبها يتوقف إلى حد كبير دفع روح الحافز للعمل إذ يزداد انتماء الأفراد للعمل الإنتاجي ، ولابد في هذه الحالة ألا تنظر للعمل التعاوني باعتباره عملاً في إطار المنظمات التطوعية لا تتدخل فيه الدولة إلا بمقدار، إذ أنه من الضروري في حالة اعتباره قطاعاً رائداً أن يجمع بين الصفة التطوعية والاختيارية، وبين التدخل من جانب الدولة في عمليات التمويل والخبرة وترشيد الأداء الإداري والحسابي، على أن يحدد ذلك بواسطة قانون لا بتجريد التعاون من صفته كعمل شعبي.
التمويل... وتعارض القرار السياسي مع الرأي الفني والعلمي المتخصص
وباعتبار الأهمية القصوي للتمويل التعاوني باعتباره عصب الحياة لأي عمل إقتصادي وإجتماعي ، فإننا سوف نأخذ تدخل الدولة في هذا الشأن بقرارات سياسية غير واقعية وغير مدروسة ، ومتعارضة مع الرأي الفني والعلمي المتخصص. أن المكون الأساسي لرأسمال الجمعية هو اشتراكات الأعضاء زائداً المساعدة التمويلية التي ترد من مصادر الدولة فلا غرابة إذاً في ضعف رأسمال الجمعيات وذلك لأن العضوية وفي أغلبيتها العظمى تتكون من فقراء المزارعين والعمال الزراعيين وهؤلاء لا طاقة لهم بشراء أكثر من أسهم محدودة ومساهمة الدولة في هذا المجال ضعيفة جداً إذا ما قورنت بالواجبات الملقاة على عاتق الحركة التعاونية لمباشرة التزاماتها نحو أعضائها والمجتمع على الأكمل ويترتب على هذا الوضع إعطاء الفرصة لأغنياء المزارعين والتجار لتملك أغلبية أسهم الجمعية وبالتالي التحكم في سيرها. حتى اختيار مجلس الإدارة أصبح من العسير أن يتم إلا بالصورة التي يرتضيها التجار وأرباب المصالح من أغنياء المزارعين وغيرهم من الأعضاء.

كمثال للتدليل على ذلك إن قانون التعاون لعام 1976م قد زاد الحد الأقصى لامتلاك الأسهم في الجمعية من 5% إلى 10% للأعضاء العاديين إلا أن التحايل على هذا القانون أصبح ميسوراً إذ يكفي أن يتفق 5 أو أقل أو أكثر بقليل من أغنياء التجار والمزارعين ليمتلك كل منهم 10% من أسهم الجمعية وبذلك تكون لهم الغلبة والهيمنة على الجمعية. هذا بالإضافة إلى أن مساعدات الدولة في تمويل الجمعيات رغم شحها باهظة الثمن للغاية. فغالبية البنوك تطالب بسعر فائدة مرتفعة وتزداد قسوة هذه المعاملة وضوحاً إذا وضعنا في الاعتبار أن الجهة الدائنة هي بنوك الدولة والجهة المستدينة هي القطاع التعاوني.. الذي تريد له الدولة التقدم والازدهار. وقد بدأ تاريخ إقراض الحركة التعاونية بعد صدور قانون التعاون لسنة 1948م الذي بموجبه تكونت مصلحة التعاون في عام 1949م... منذ ذلك الوقت شرع بعض الأفراد يتقدمون بطلبات للحكومة بهدف الحصول على سلفيات لدعم مالية جمعياتهم التعاونية وكان ذلك بإيعاز من الحكومة.
وفي عام 1952م أصدرت الحكومة لائحة القروض الموحدة من وزارة المالية في ذلك الوقت حيث وضعت تلك اللائحة الإطار العام لشروط السلفيات وتضمنت في أهدافها تشجيع الزراعة الرأسية والأفقية. وقد استفادت حوالي 1007 جمعية تعاونية من السلفيات بمعدلات بطيئة حتى بلغت في عام 1957م حوالي 600 ألف جنيه ذهب حوالي 53% منها للأفراد وتحصلت التعاونيات الزراعية على 47% من السلفيات الممنوحة ، ونال بعض الأفراد والجمعيات في ثلاث مديريات فقط هي الشمالية والنيل الأزرق والخرطوم 79.5% من مجموع السلفيات. كما أن تعامل الحكومة قد تركز في ذلك الوقت مع قلة من الأفراد شملت كبار رجالات الإدارة الأهلية وأصحاب مشاريع الطلمبات الخاصة بمديريتي النيل الأزرق والخرطوم وبلغ سعر الفائدة للقروض المقدمة 6% وزيدت فترة السداد لأصحاب المشاريع الخاصة إلى 3-6 سنوات، بالنسبة للتعاونيات كان سعر الفائدة أيضاً 6% على أن تسدد القروض في مدة 6 سنوات. لم يصاحب تقديم القروض خلق جهاز إداري وحسابي فعال لمراجعة أوجه الصرف للقروض الممنوحة، بل أصبح من الصعب استرداد الأقساط المستحقة من الجمعيات والأفراد وترتب على ذلك إبقاء أرصدة القروض على ما هي عليه وتقليل التعامل مع الجمعيات التعاونية نسبة لعدم التزامها بتسديد الديون وقد زاد من تعقيد الأمر نقل مصلحة التعاون من وزارة لأخرى كما سبق أن ذكرنا.
ثم بدأ البنك الزراعي نشاطه في مجال الائتمان الزراعي عام 1959م برأس مال قدره 5 مليون جنيهاً حتى بلغ رأس المال المصرح له به 15 مليون جنيهاً. أنشئ البنك أساساً لتمويل جميع أنواع المحاصيل الزراعية في أرجاء القطر المختلفة وذلك بمنح صغار المزارعين والجمعيات التعاونية سلفيات عينية في شكل تقاوي محسنة، أسمدة، مبيدات، خيش، آلات زراعية... الخ. وأيضاُ سلفيات نقدية لمقابلة تمويل العمليات الزراعية المختلفة. ونسبة لأحجام البنوك التجارية والمؤسسات التمويلية الأخرى عن تمويل مشاريع القطن في عام 1959م نتيجة لتدهور أسعار القطن عالمياً وارتفع تكلفة إنتاجه ووضع البنك كل إمكانياته المادية والبشرية لتمويل القطن العمود الفقري للاقتصاد السوداني. وفي خلال العشرة سنوات الأولى من عمر البنك كان تمويل القطن يشكل المجال الرئيسي لعمل البنك الزراعي وقد بلغت جملة المبالغ المدفوعة لتمويل القطن في تلك الفترة حوالي 62 مليون جنيهاً.

إن الدعم المالي الذي قدمته الحكومة منذ بداية الحركة التعاونية المقننة في السودان كان ضئيلاً ومحدوداً فعلى الرغم من أن البنك الزراعي السوداني هو المصدر الرئيسي للتمويل والتسليف التعاوني لم تبلغ نسبة التسليف إلا 1% فقط في العامين الأولين منذ بدأ النشاط التعاوني. (59/60 – 61/62) – وفي الفترة من 64/65 زاد التسليف من البنك الزراعي للجمعيات التعاونية زيادة ضئيلة إذ حصلت 51 جمعية تعاونية على سلف جملتها 781/108 جنيه، ثم ارتفع الرقم إلى 191 جمعية بتمويل بلغت جملته 3.7 مليون جنيه في عام 1975م والتي مثل حوالي 57% من جملة الاستثمار الفعلي للقطاع التعاوني. وفي عام 77/1978م استطاع البنك الزراعي أن يمول جمعيتين فقط بمنطقة الزراعة التقليدية بشرق كردفان وفي عام 1982م قام البنك الزراعي بتسليف حوالي 422 جمعية بقروض بلغت جملتها الكلية حوالي 4.9 مليون جنيه هذا ورغم اللائحة التأسيسية للبنك الزراعي تعطى الأفضلية في إعطاء السلفيات لصغار المزارعين ومتوسطي الحال والجمعيات التعاونية إلا أننا نجد أنه لم يقدم العون المادي المطلوب للجمعيات التعاونية فهو يوجه قروضه لمزارعي المشاريع المروية والآلية ويولي اهتماماً خاصاً بالقروض القصيرة الأجل المعنية بتمويل الإنتاج الزراعي الموسمي وذلك لمقابلة مصروفات الحصاد هذا وتبلغ نسبة هذه القروض إلى إجمالي القروض حوالي 80%. ولقد كان النقص الشديد في التمويل الذي واجه الحركة التعاونية دافعاً إلى ضرورة قيام بنك التنمية التعاوني برأسمال قدره خمسة مليون جنيه عام 1982م – وتبلغ مساهمة الدولة حوالي ثلاثة مليون جنيه، أما قطاع التعاون فتبلغ مساهمته حوالي اثنين مليون جنيه، وقد بلغت استثمارات البنك في أكتوبر 1984م في جميع الأنشطة التعاونية حوالي 16.467.138 جنيه بنسبة 35.9% من جملة استثمارات البنك في القطاع الخاص قدرت بحوالي 64.1% من جملة الاستثمارات.
لقد كان قيام بنك لتمويل القطاع التعاوني أملاً من آمال التعاونيين طالبوا به، وسعوا إليه حتى كلل نضالهم بقيام بنك التنمية التعاوني والذي من أهم أهدافه دعم وتطوير القطاع التعاوني وتوفير التمويل للجمعيات التعاونية. ولكن تدخل القرار السياسي المايوي حول البنك التعاوني إلي بنك إسلامي في هوجة النظام واستغلاله للدين من أجل البقاء في السلطة ، في مخالفة واضحة للأسس والمبادئ التعاونية التي تنادي وتدعوا للحياد السياسي و الديني والعمل به. وكان على البنك أن يعتمد في البداية سياسة الأسبقيات لأن الحركة التعاونية في السودان تشمل مناشط كثيرة وموزعة على نحو يصعب معه أن يورط البنك نفسه فيها جميعاً من البداية. ويكون من الحكمة أن يقبل البنك فكرة المشاريع النموذجية لكي يكتسب الخبرة الضرورية قبل البدء في أعمال واسعة النطاق. ولكي يتم وضع الخطط فمن الضروري استعمال وسائل تخطيط بسيطة ويمكن وصف التخطيط في النموذج التالي:- تعريف المشكلة.احتمالات المخاطرة (المخاطرة المتوقعة).تقييم الاحتمالات.الاختيار.اتخاذ القرار.التنفيذ.المراقبة. إن التعاون طريقة جيدة للعمل، وغالباً هي أفضل طريق ولكن هناك بعض المهام التي لا تناسب التعاونيات هذه المهام يجب تركها حتى لا تتسبب في فشل التعاونيات وبالتالي تسئ إلى اسم التعاون ، وهذا بالضبط ما تورط فيه البنك. بل ذهب أبعد من ذلك عندما كرس ووظف أموال الحركة التعاونية في غير أغراضها، إرضاءً للقرارات السياسية الغير مدروسة.
ومن أسباب ضعف الاستثمارات التنموية للجمعيات التعاونية مع البنك إن استثمارات الحركة التعاونية ضعيفة وليست بالصورة المطلوبة وكذلك ودائعهم لدى البنك ومساهمتهم في رأس المال تتسم بالضعف وعدم الحماس لزيادتها فحتى الآن الجانب الأكبر من رأس المال ملكاً للدولة ولم تتحمس التعاونيات للمساهمة كي تحصل على غالبية رأس المال وتصبح صاحبة القرار حقيقة. ومن أهم أسباب ذلك ما هو متعلق بالسياسات العامة والمتمثلة في السياسات والتوجيهات والإجراءات التي يصدرها البنك المركزي (بنك السودان) والتي تطبق على جميع البنوك التجارية دون اعتبار لأهداف البنك التنموية ودوره تجاه الجمعيات التعاونية ، وجل هذه السياسات تصدر بقرارات سياسية غير مدروسة ومخالفة للرأئ الفني المتخصص. ونذكر من تلك السياسات اشتراط دفع هامش جدية (المقدم الفوري) وهو لا يقل عن 25% من قيمة التمويل متضمناً هامش المرابحة وقد أثبتت التجربة أن ذلك يشكل عبئاً ثقيلاً على الجمعيات التعاونية والمزارعين خاصة في مجال التمويل قصير الأجل لمدخلات الإنتاج (الاسبيرات – التعاوني – المحروقات – السماد ... الخ) وعدم توفر هذا الجزء لديهم يدفعهم إلى العزوف عن التعامل مع البنك وربما اللجوء إلى تجار الشيل.
ولقد طرأت تغيرات علي مركز بنك التنمية التعاوني الإسلامي نتيجة تقلص التمويل المقدم من التعاونيات التي لم تعد قادرة علي سداد القروض والديون المستحقة عليها. وحتى يتجنب البنك إشهار إفلاسه فقد سمح لعملاء آخرين بخلاف التعاونيات تتجاوز 10 في ألمائه من رأسماله, ومن ثم فقد أصبح البنك مجرد منشاة خاصة معظم حملة أسهمها من غير التعاونيين ومكن المنشاة الخاصة للحصول علي القروض المصرفية, علماَ بان هذه المنشاة تعد أكثر قدرة واستعداد لتقديم عائد اكبر علي ما تقترضه من أموال مقارنة بقدرات التعاونيات المحدودة . ولم يقدم هذا البنك شيئا يذكر للحركة التعاونية السودانية وخاصة التعاونيات الزراعية ، وأنتهي به الأمر أن بيع لمستثمر عربي دون الرجوع للقواعد التعاونية في سابقة خطيرة تؤكد الاستخفاف بالتعاونيات وممتلكاتها وأصولها وقواعدها.
وعلى ذلك فإن الأمر يحتاج إلى وقفة بحث وتمحيص لمعرفة وتحديد أبعاد هذه الظاهرة الخطيرة التي أدت إلي ظهور وتفاقم هذه الصعاب والمشاكل بأبعادها المختلفة ، ومن ثم العمل الجاد للرجوع للمؤسسية التي تعتمد وتستند علي الرأي الفني والعلمي المتخصص ، والذي هو مسعى ومطلب أي قيادة سياسية رشيدة.

المحور الرابع
انتشار الحركة التعاونية الزراعية ... والتصور الجديد
نحب أن نقرر هنا أن معالجة مشاكل التعاون في الإطار الحالي للهياكل الأساسية للاقتصاد السوداني لن يحرره من أسر المشاكل التقليدية المزمنة التي ظلت تلازمه وقتاً طويلاً... ما لم تحدث قفزة في التصور وفي التخطيط تضع التعاون موضعاً جديداً وفريداً وما لم يحدث تغيير فعلي وجذري بعيد ترتيب وتنظيم البنية الفوقية للاقتصاد السوداني ليعطي التعاون دوراً طليعياً وأساسياً في الحركة التنموية. إن الحديث عن إزالة سلبيات الحركة التعاونية وهدم السياسات الخاطئة التي سجنت التعاون في إطار ضيق سيكون عبثاً ما لم يصدر من القيادة السياسية العليا بالبلاد قرارات سياسية تصحح بها الأوضاع المقلوبة وتضع التعاون في مكنه المناسب في خارطة الإقتصاد القومي ، إذ ليس من المقبول منطقا أو عقلا أن يستبعد القطاع التعاوني من خطط وإستراتيجيات الدولة والألفية التنموية الثالثة وهو الذي يمثل بعضويته التي تفوق الثلاثة مليون عضوا ، بالإضافة إلي ما يعوله هؤلاء الأعضاء من أسرهم بمتوسط 5 أفراد للأسرة الواحدة ليصيرا لعدد الكلي للتعاونيين وأسرهم 15 مليون مواطن..!!!.

إن تحديد أي تصور جديد لموقع العمل التعاوني لابد أن يكون منطلقاً من التجربة الماضية ليعطي الأبعاد لما يجب أن يؤديه التعاون في مجالات الإسهام في رفع معدلات الدخل القومي، وفي مجالات الإنتاج وكسب الأرصدة الأجنبية للبلاد ومجالات تحريك المدخرات المحلية الضعيفة لتجميعها وتحويلها إلى قوة اقتصادية مؤثرة – خاصة وأن الواقع التعاوني تؤكد ضعف المخصص للادخار من الفائض المتحقق في دخول أعضاء التعاونيات برغم عدم توفر هذا الفائض لغالبية الأعضاء بجانب ما يمكن أن يلعبه التعاون في دفع الثورة الاجتماعية على امتداد قطاعات المجتمع بما ينمي من قيم العمل الجماعي في الإدارة الديمقراطية والروح الجماعية، وبما يقدمه من خدمات في مجال الضروريات مثل الصحة والتعليم والإسكان... الخ. إن التعاون لا يمكن بحال من الأحوال أن يفصل من عملية الثورة الاجتماعية ولا يمكن أن ينظر غليه كقطاع للتطور الوئيد فهو قطاع ثوري له دور ثوري إيجابي.. ودور متميز في اقتصاديات التحول، دور أساسي في عمليات تغيير القطاع التقليدي الذي يشمل أكبر مساحة من الأرض الصالحة للزراعة وأكبر عدد من المواطنين – وتحويله إلى قطاع حديث ورائد وفق برنامج متكامل للإصلاح الزراعي.. أن النمو الأفقي والرأسي للقطاع الزراعي، والرعوي وخلق كيان اقتصادي متماسك لفقراء المزارعين ومتوسطي الحال منهم... واستبعاد الاستغلال الربوي (نظام الشيل) والتجاري.. وحمايتهم من الغلاء وتسهيل العمليات الزراعية بالمشاركة الجماعية في عمليات الحصاد بالآلة وبالوسائل التقليدية، وتغيير الوسائل العاجزة في التسويق والتخزين عمل يتم بصورة أسرع وأكفأ عن طريق التعاون إذ أن العمل التعاوني يتميز بالقدرة على إعطاء الحافز الطبيعي والصحي للعمل.. فدافع الإنتاج هو تلك الفائدة المباشرة والحاسمة التي يجنيها باذل الجهد وتجنيها المجموعة.. والتعاون علاقة مباشرة تلغي عملية الوسيط بين المنتج والمستهلك وتخلق مسارات سليمة وطبيعية للاستهلاك... بل هي بدون شك تزيل الافتراق الإنتاجي إذ تعطي الفرصة الواسعة لانتقال السلعة من الإنتاج للاستهلاك تحت رعاية القوى المنتجة، وهي بذلك تؤدي إلى نمو السوق المعتدل الذي يبرأ من الأنشطة الطفيلية التي تضيف إلى قيمة السلعة قيمة غير حقيقية مما يؤدي إلى نمو السوق السوداء والمضاربات التجارية التي تضر أشد الضرر بالمستهلك وبالوضع العام للاقتصاد..
ومن الأسباب الرئيسية التي حالت وما زالت تحول دون انتشار الحركة التعاونية الزراعية في السودان ما يلي:-
أولاً: عدم التصور والإعتراف بدور التعاون الزراعي في تنمية وتطوير القطاع الزراعي و الإرتفاع بمستوي المزارع الإقتصادي والمعيشي والتقني من قبل الدولة والمخططين والمنفذين لسياساتها المختلفة.
ثانيا: ضيق الأراضي الزراعية وقلة المخصصات المالية والموارد الأخرى لمعظم المشاريع التعاونية مع وجود وفرة نسبية في القوى العاملة بالمقارنة للموارد الأخرى المتاحة مما لم يخلق ظروفاً ملائمة للإنتاج الجماعي. بل كان الجهد البشري المتوفر أكبر حاجة عناصر الإنتاج الأخرى المستثمرة. ومن هنا لم تكن هناك حاجة للجهد الجماعي فلم يتجه إليه المواطنون.
ثالثاً: عدم تمثيل القائمين على أمر الجمعيات التعاونية الزراعية في معظم الأحيان – للمزارعين الفعليين والعمال الزراعيين الذين يقوم عليهم الإنتاج.. ففي كثير من الحالات تكون ملكية الأرض أو الموارد المالية هي الشرط الرئيسي للمساهمة في الجمعية التعاونية.. ومن هنا نجد أن معظم تلك الجمعيات تقوم على أكتاف صغار تجار القرية والعاملين في الدولة وغيرهم ممن تيسرت لهم موارد مالية من خارج المنطقة، والكثير منهم لا يكون مرتبطاً بالإنتاج الزراعي أصلاً.
رابعاً: اقتصار نشاط الغالبية العظمى من الجمعيات الزراعية القائمة على تجميع موارد بعض المواطنين لشراء وتشغيل طلمبات الري في حالة الجمعيات النيلية أو الحصول على الامتيازات المصاحبة للتسجيل كجمعية تعاونية في حالة جمعيات الزراعة الآلية.. وعلى ذلك فإن هدف التعاون من البداية يظل محدوداً، وبتحقيقه يواصل التعاونيين أعضاء التعاونيات سبل حياتهم الأخرى على النهج الذي يرتضيه كل منهم.
خامساً: غياب العمل الإرشادي التعاوني والذي كان يجب أن تبادر به الدولة.
سادساً: تعثر ثم فشل العديد من التجارب الرائدة في الحركة التعاونية (جمعيات شندي وجنوب الفونج في الخمسينات.. ثم جمعيات التسويق والتسليف بالجزيرة في الستينات) مما كان له رد فعل سيئ بالنسبة للمواطنين الذين كانوا يؤملون الكثير على يد الحركة التعاونية. لهذه الأسباب مجتمعة لم يكن غريباً إذاً أن يتعثر تقدم الحركة التعاونية الزراعية رغم النجاح الكبير الذي حققته بعض التنظيمات التعاونية الزراعية كاتحاد الخندق التعاوني.
المشاكل و المعوقات
أولاً: مشاكل تنظيمية:
• ما زالت الحركة التعاونية الشعبية ببنيانها الغيرمتكامل من القاعدة إلى القمة المتمثلة في الاتحاد التعاوني القومي بعيدة عن العمل التخطيطي بمعناه العلمي فكراً وتنظيماً وتعتمد في ذلك على الجهاز الديواني وقد تساهم معه بالأفكار والمناقشات فقط حيث اتضح من حصيلة التجربة أن أهم سلبيات العمل التعاوني راجع إلى عشوائية العمل وأن الحل الأمثل لانطلاقة الحركة التعاونية وتحقيق أهدافها لن يكون إلا بالتخطيط.
• الجهاز الديواني يفتقر لوجود جهاز تخطيطي متكامل داخل القطاع التعاوني، ولا يوجد أي أثر للتخطيط في الولايات والمناطق، كما لا يوجد فوقها أي تنظيمات توجهها وتمدها بالسياسات العامة التي يجب أن ترسم خطتها على ضوئها. وإذا كانت هناك أى إدارة للتخطيط والبرامج فهي موجودة في فراغ ليس لها جذور في الولايات والمناطق وليس لها قمة وجهاز توجيهي فعال في قمة القطاع ووزارة التجارة الخارجية.
• عدم وجود هيئة عليا في القطاع لها من السلطات السياسية والتنفيذية ما يمكنها من وضع استراتيجية عامة للعمل التعاوني على مستوى الدولة، وهذه الاستراتيجية التي توضع في ضوء الاستراتيجية العامة للدولة، هي التي يعمل الجهاز التخطيطي في القطاع في حال وجوده على ضوئها وهي التي تحدد له أسلوب العمل وطريقه وحتى في حالة وجود جهاز تخطيطي بدون وجود هذه الهيئة فيصبح في هذه الحالة كالجسد بلا رأس. كما لا توجد حلقات ربط رسمية واضحة ومحددة بين الجهاز الديواني والجهاز الشعبي للتنسيق والتخطيط لمستقبل العمل التعاوني.
• إذا كان هناك إيمان واقتناع بأن تتولى الحركة التعاونية الشعبية مسؤوليتها في التخطيط لمستقبل ونمو الحركة التعاونية السودانية فلابد وأن تتهيأ هي نفسها لهذه المهمة، وعلى ذلك فالبنيان التعاوني بوضعه الحالي والذي لا يشجع على إنشاء الاتحادات الفرعية على مستوى لولايات والمناطق يعيق بطريق غير مباشر عملية التخطيط السليم للحركة التعاونية. فالوضع الحالي لوحدات البنيان لا يمكنها من أداء دورها الهام والمتشعب الجوانب والاتجاهات في التخطيط العلمي السليم للتعاون الزراعي والتعاون الاستهلاكي والتعاون الإنتاجي والحرفي والتعاون الإسكاني..... الخ وما يحتاجه ذلك من تخصص وخبرة، كما أنه يتعارض مع مبدأ التخصص وتقسيم العمل.
• القطاع التعاوني شأنه شأن أي قطاع اقتصادي يحتاج إلى الاستقرار حتى يجد الفرصة للعمل والإنتاج، لكن التغيرات الكثيرة التي تحدث سواء في القوانين التي تحكم الحركة التعاونية أو في السياسة الاقتصادية للدولة أو في تبعية القطاع التعاوني ووضعه ضمن أجهزة الدولة وغيرها من التغيرات – هذه التغيرات بلا شك ذات تأثير ضار على وضع استراتيجية للقطاع ومن ثم على التخطيط المستقبلي لنشاطاته ومساهماته.
• نظرة المسئولين بأجهزة الدولة إلى قطاع التعاون على أنه قطاع خدمات فقط ذات تأثير ضار على تخطيط النشاطات المختلفة للحركة التعاونية ذات الجوانب الإنتاجية (التعاون الزراعي والحرفي والإسكاني.....الخ) لأنها تعزل هذه النشاطات عن نشاطات القطاعات الاقتصادية المشابه لها، وبذلك تفقدها إمكانية الاستفادة والإفادة فضلاً عن الربط والتنسيق معها.
• أغلب مكاتب التعاون بالولايات والمناطق ما زالت تعمل كوحدة واحدة في جميع الأعمال الملقاة على عاتقها، ولا يعمل المسئولين عنها وفق مبدأ التخصص وتقسيم العمل عن طريق إنشاء وحدات للتخطيط ووحدات للتدريب ووحدات للمراجعة وتسكين العاملين في هذه الوحدات وقصر عملهم على مسئوليات هذه الوحدات كسباً للخبرة وتحديداً للمسئولية واستقراراً للعاملين.
ثانياً: مشاكل القوى العاملة:
• النقص الكبير في عدد العاملين بالنسبة لحجم العمل المطلوب والأمر نفسه بالنسبة لمكاتب الولايات والمناطق. ، مما يؤدي إلى عدم إمكانية تطبيق التخصص وتقسيم العمل نظراً لعدم وجود العاملين.
• القوى العاملة في الإدارات التعاون بقطاع التعاون وكذلك الأفراد الذين يقومون ببعض جوانب العمل التخطيطي بالولايات ليسوا مدربين تدريباً كافياً للقيام بأعباء ومسئوليات العمل الإداري والتنظيمي والتخطيطي وبعضهم غير مدربين أصلاً ولا مهيئين لهذا العمل.
• عدم تثبيت الموظف منذ بدء تعينه في مجال محدد من مجالات العمل كالتخطيط مثلاً أو التوعية والتوجيه أو المراجعة أو التدريب أو العمل الميداني.... الخ. ويستمر في هذا المجال ويرقى داخله ويطور نفسه ويبني مستقبله على أنه مستمر في هذا المجال وبالتالي تكون دراسته وتدريبه أثناء العمل في هذا المجال وبالتالي يصبح بعد فترة متخصص وملم بجميع جوانب هذا العمل.ولكن الأمر المؤسف هو أن أي موظف يمكن أن ينتقل من مجال إلى مجال جديد بعد أن يكون قد قضى فترة طويلة في المجال القديم مما يفقده كادراً
• هناك شعور سائد عند أغلب العاملين في الحقل التعاوني بأنهم مهملين وغير متساويين مع نظرائهم في الوزارات والمصالح الأخرى وذلك راجع إلى أن عدد كبير منهم لم يرقى منذ فترة طويلة كما لا توجد لهم حوافز مادية ومعنوية لتشجيعهم وتدفعهم لمزيداً من العمل. كما أن كثرة التنقل من الإدارات والأقسام والأقاليم والمناطق المختلفة مما يؤدي إلى عدم الاستقرار وعدم اكتساب الخبرة في مجال العمل.
ثالثاً: مشاكل فنية:
1- ارتباطاً مع مشكلة عدم تسكين العاملين في مجالات محددة للعمل وإمكانية نقل الموظف للعمل في أي مجال من مجالات العمل التعاوني فإن سياسة الدراسات العليا وسياسة التدريب أثناء الخدمة لا تراعي تخصص العامل عند ترشيحه لمنحة دراسية أو دورة تدريبية بل يكون هذا الأمر بالدور، وعلى ذلك فممكن أن يرشح أحد العاملين في مجال المحاسبة في دورة عن التخطيط والعكس صحيح مما يقلل من مدى الاستفادة من التدريب بل ويعود المتدرب للعمل في مجال بعيداً عن المجال الذي تدرب فيه أو درس وحصل على دبلوم فيه.
2- عدم وجود إحصائيات سليمة مكتملة عن وضع الحركة التعاونية حتى يمكن الاعتماد عليها عند وضع الخطة التعاونية. مع قصور البحوث والدراسات اللازمة لمعرفة الجوانب المختلفة للنشاط التعاوني وارتباطه مع غيره من النشاطات وإظهار العوامل المؤثرة عليه وذلك لغياب الكادر المؤهل الذي يستطيع القيام بهذه البحوث.
3- نقص الإمكانيات المادية المسهلة للعمل بكافة صورها وعلى مختلف المستويات (وسائل النقل - أجهزة الكمبيوتر– الآلات الكاتبة – آلات التصوير – الأدوات الكتابية – نظم الحفظ والتوثيق – السكرتارية .... الخ).
4- ارتباط المستوى المركزي بالمستوى الولائي في صورة اجتماعات دورية أو زيارات ميدانية لتبادل الرأي والخبرة والمساعدة في حل المشاكل هذا الارتباط ما زال ضعيفاً وغير مبرمج ونفس الشيء ينطبق على العلاقة بين المستوى الولائي ومستوى المناطق.

إن القاسم المشترك لكل هذه المشاكل و المعوقات " إلي جانب بعض العوامل الأخري " هو غياب الإرادة السياسية الرشيدة والواعية والفاعلة بقراراتها المستندة علي الرأي الفني والعلمي الصحيح.

























المحور الخامس
تقييم واقع التعاون الزراعي في السودان
متطلبات عملية التقييم
حتي تكون عملية التقييم لواقع التعاون الزراعي في السودان أقرب للحقيقة لا بد من مراعاة الجوانب التالية وهي: دليل العمل والشفافية وعملية التطبيق الخاطئ و المتعجل لسياسات الخصخصة ، بالإضافة لدور التعاونيات في مكافحة الفقر.
دليل العمل
تعتمد الحركة التعاونية في تكوينها ، وفي إنشاء وحدتها وفي تنظيمها وإدارتها ، وتمويلها ، والرقابة علي أعمالها ، وفي شرح وتفصيل معاملاتها وفي نظم المحاسبة ، والمراجعة وفي علاقاتها قوميا مع الحركات التي تكملها مع باقي التنظيمات الموالية للتعاون ، وفي نوع ما تمارسه من أعمال وتعهدات وارتباطات مع الحكومة . تعتمد الحركة في أداء ذلك كله علي علم وعمل ، وعلي قواعد ، وعلي لوائح وتحتاج قبل ذلك إلي أجهزة مسئولة عن التنفيذ ، ومن الواضح انه لا يجوز أن نفصل ما بين الأدوات والمسئولين عنها. يتعين أن تعني الحركة التعاونية بإصدار دليل عمل يكون أداة ومرجع للجماهير يصدره الجهاز التعاوني القمة في الحكومة أو في الاتحاد التعاوني القومي، وبعنوان عمل، سلسلة كاملة من دليل العمل متقنة وعملية ومدروسة.
ففي غيبة دليل العمل: يعمل التعاونيين في مختلف المواقع بدون بوصلة تهديهم.. في غيبة دليل العمل يعم الإحساس بأن الخطأ مباح بل يحدث ما هو أكثر من ذلك خطرا علي الحركة التعاونية ، ففي غيبة دليل العمل تفتقد الحركة مرشدها الدائم المستمر ، وتقع في قبضة قلة تتبع تراثا في التنفيذ بحكم سنوات المران الطويل ... وإذا كانت هذه لقلة تتحمل كثيراً من العناء لأنها تعمل مع جماهير لا تعرف تفصيلات العمل فإن الخطر هو أن تتحول هذه القلة عن الحركة نتيجة للإرهاق أو لعدم كفاية ما تلقاه من تقدير ، والخطر أيضا هو أن يتحول بعض هذه القلة إلي فئة تحتكر ، وهذا ما تعاني منه الحركة التعاونية السودانية التي يتحكم في رقابها في كثير من المواقع ديناصورات إدارية أخلدت لنوم النواطير ، وعطلت وجمدت حركة التقدم والتطور داخل الحركة التعاونية وأخرت عقارب تنميتها ورقيها . هناك عوامل تحكم إصدار الدليل وذلك من حيث الشكل والمحتويات وجهة الإصدار:ففي التعاون الزراعي : يصدر الدليل في مجموعة تبدأ بالعضوية ثم رأس المال ثم التسجيل ، ثم الخدمات نوعا حتى التسويق. ومن حيث جهة الإصدار... يراعي أن الجهاز الحكومي كثيراً ما يعني بالمجموعة التي تركز علي المسئولية ، وعلي علاقات الحركة التعاونية بالدولة, إما الاتحاديات فتعتبر مسئولة عن إصدار الدليل في كافة صوره ، لأنه يعتبر بالنسبة للاتحاديات أداة تعريف بالحركة ، ومرجع الدعوة والمدربين ، وهو يوفر علي الاتحادات كثيرا من العناء في التدريب وفي التفتيش وفي المتابعة في ذات الوقت. ولقد أصبح دليل العمل في الحركات التعاونية أداة لا يستغني عنها من حيث قيمته وتأثيره علي العمل الميداني في مختلف قطاعاته ، ومن حيث أنه تعبير مادي وعملي علي رغبة مسئولي التعاون في أن ينقلوا خبراتهم إلي ميدان التنفيذ والي القائمين عليه ، بل هو في حد ذاته دليل ، علي أن التعاون ليس مجالا يقل فيه التطبيق عن الفكر. الأخصائيون الميدانيين هم المهندسون الزراعيين، رجال القانون والاقتصاديون ورجال إدارة الأعمال والصناعة والتعليم، والأعلام وأعداد كثيرة من الأخصائيين الذين يعملون في وزارات الإنتاج والخدمات بالتنظيمات الشعبية وفي مقدمتها التعاون. ومن هؤلاء أخصائيون مسئولون عن التعاون بطريق مباشر وأخصائيون يعتبر التعاون ميدانا يتكامل مع وظائفهم الأصلية.
الشفافية
ليس هناك من شك أن الشفافية هي أحد السبل الكفيلة للوصول للحقائق والمعلومات الواقعية والقضاء على الفساد و الحفاظ على المال العام، و أنها آلية ناجعة من الآليات التي اعتمدتها جميع الإدارات الحديثة في النظم الديموقراطية للحد من هذه الآفة التي تضرب بشكل خاص القطاع العام و تشل عمله و تتركه خاسراً. بالرغم من طرح مبدأ الشفافية كآلية عمل ناظمة للحياة العامة في السودان منذ عدة سنوات ، إلا أن ذلك ما برح شعاراً فقط، و لم يتم إسقاطه على أرض الواقع ليصبح منهاج عمل تتبعه الإدارات كمقوم لعملها. الشفافية و الفساد مفهومان يقعان على طرف نقيض. فكلما اكتسبت الشفافية أراض جديدة، اندحر الفساد و أعلن هزيمته و العكس بالعكس. و هكذا يمكننا اعتبار انعدام الشفافية في إدارة ما مؤشر على انتشار و استفحال الفساد فيها و محاولة واضحة و صريحة للتغطية عليه و تمريره. فبواسطة هذا المبدأ يمكننا تحديد بؤر الفساد و حصرها و بالتالي معالجتها و تسمية الفاعلين، فتسارع الإدارات قبل شيوع أمرها إلى معالجة الخطأ قبل وقوعه ، و تقدم الاعتذاران التي تخفف من وطأته في حال لم تتداركه في الوقت المناسب. فكما نرى أن ذلك يجبرها على رفع سوية العمل و إتباع الاستقامة خشية الفضيحة التي سوف تفقدها الامتيازات التي تتمتع بها و هذا بالتأكيد ما لا ترتضيه.
لا بد من جعل مبدأ الشفافية هذا مشروعا و تأطيره قانونياً بإصدار المراسيم و سن القوانين و إصدار الأوامر و التعليمات التنفيذية الكفيلة بجعله واقعاً حياً معاشاً ليس بالإمكان تجاوزه من أي طرف من الأطراف تحت طائلة المساءلة القانونية.
آثار التطبيق الخاطئ والمتعجل لسياسات الخصخصة وتحرير الإقتصاد
تزايدت وتيرة التحولات السريعة في الريف السوداني بصورة ومذهلة ، حيث لم يعد الريف والمجتمع القروي كما كان سابقًا، فكثير من القرى تحولت إلى مدن دون أن تكون مدنًا بالمعنى التقليدي المعروف، ولم تصبح كذلك المدن كما هي بعدما تريفت وأصبحت بعض قطاعات في المدن تتحول إلى ريف في بعض مظاهرها في ظل تزايد الهجرة من الريف إلى المدينة. ومنذ بداية التسعينات تزايد الاتجاه إلى ترييف المدينة والتمدين المزيف للريف، وحدثت اختلالات كارثية خطيرة في ما يتعلق بالطمأنينة والأمن الغذائي و استغلال الأرض الزراعية وارتفاع تكلفة الإنتاج ، ،وبرزت الآثار السلبية للتركيبة المحصولية للرقعة الزراعية، وضاعت خصوبة الأرض نتيجة للتجريف ، وبلغت فوضي سوء الإستخدام للأسمدة والمبيدات للحد الخطير القاتل. كما أن زحف المباني على الأرض الزراعية و هجرة العمالة وفقراء المزارعين العاملين والعاطلين على السواء إلى الخرطوم وبعض المدن الأخري بعد أن ضاقت بهم سبل العيش وفقدوا مصادر الرزق بسبب تطبيق السياسات الخاطئة لما يعرف بالخصخصة وتحرير الإقتصاد. فصار الاقتصاد السوداني في ظل فوضي السياسات "الإستثمارية" ، يعانى اختلالاً كبيرا في هياكله وتحول المنتج السوداني من الإنتاج إلى الاستهلاك. ففي عام 1990 بدأت "الإنقاذ" في عهد وزير ماليتها السابق وعراب سياساتها الأقتصادية السيد: عبد الرحيم حمدي تطبيق الإجراءات المرتبطة بالانتقال إلى اقتصاد السوق فشهدت الفترة ما بعد 1995 السباق المحموم "للانقاذ" لوضع أسس ومبادئ تحولات الريف السوداني في ظل سياسة الخصخصة وتحرير الاقتصاد ، للسيطرة علي مقاليد الإقتصاد الزراعي وتهميش المزارعين ودورهم الإقتصادي و الإجتماعي ، بالقضاء علي التعاونيات و إضعاف الموجود منها ، وبتحجيم دور المزارعين من خلال هيمنة منسوبي " الإنقاذ" علي الإتحادات الزراعية والتعاونية كما حدث مؤخرا مع إتحاد مزارعي مشروع الجزيرة و المناقل. وفى ظل التحول إلى اقتصاديات السوق بدأ دور الدولة ينحسر تدريجيًا في إطار السياسات الزراعية ، حيث تم، إلغاء الدعم على مستلزمات الإنتاج الزراعي وترك المزارعين نهباً لكبار التجار ، تحرير سعر الفائدة على القروض الزراعية الائتمانية، وفرضت بعض المحاصيل مثل القمح علي المزارعين, حرمان صغارهم من الإعفاء الضريبي المقرر لهم وفق القانون في ظل سياسة الدولة الرامية دوما لعزل المزارعين عن قيادتهم الحقيقية. أدي ذلك إلي تزايد معدلات البطالة الريفية، وارتفاع نسبة الفقر والفقر المدقع بين المزارعين، تدهور أوضاع العمالة الزراعية ، وأغلبهم من النساء و الأطفال في ظروف عمل سيئة، احتكار الاستيراد والتصدير والتحكم في مقدرات الزراعة والمزارعين،(كما حدث ويحدث بالنسبة لسلعة الصمغ العربي) وممارسة الإنتاج الزراعي ارتجالا و بدون تخطيط مدروس بل وفقا لأهواء الساسة لتحقيق الشعارات الجوفاء مثل( نأكل مما نزرع) والذي انقلب علي عقبيه ، فضربت المجاعة أطراف السودان وأضطر لإستيراد الذرة الذي كان يصدره للخارج من قبل. و كانت النتيجة المنطقية لهذه السياسات الزراعية القاصرة لاحقا إهدار لمقومات الإنتاج المحلى لحساب الاستيراد من الخارج وقد أدي ذلك من اتساع وتعميق للفجوة الغذائية "المجاعة" ومخاطرها على الاقتصاد القومي والقرار الوطني المستقل. ومن هنا تحولت العلاقة بين فقراء المزارعين و"الإنقاذ" إلى علاقة صراع وصدام خاصة وأن هؤلاء صوتهم ضعيف لا يصل إليها، بل ولا يؤثر عليها فيما تتخذه من قرارات. علي الرغم من أن المزارعين في البداية قد رحبوا بتحرير الزراعة، متخيلين أن تحرير المحاصيل سيعنى زيادة في الأسعار ، ولكن حدث العكس في الواقع العملي حيث ارتفعت أسعار المستلزمات الزراعية وفي نفس الوقت انخفضت أسعار السلع الزراعية بدلا من أن تزداد وهذا ما حدث لكثير من المحاصيل مثل القطن و الصمغ العربي.
نتيجة لذلك تحولت الجمعيات الزراعية إلى أطلال بعد أن اغتالت الحكومة الحركة التعاونية الزراعية بأغراغ الجمعيات التعاونية الزراعية في الريف من مضمونها وأصبحت مجرد جدران ينعق خلالها
البوم، وانتهى عصرها الزاهر في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات بتضييق الخناق عليها بحزمة من القوانين وآخرها القانون 1999 والذى يعمل به حتى الآن لينتهى تماما دور التعاونيات الزراعية الذى بدأ يتناقص في السنوات الأخيرة وانخفضت فاعليتها في مجال خدمة الإنتاج الزراعي ، وصارت الجمعيات الزراعية في انكماش مستمر على الرغم من أهميتها في توفير مستلزمات الإنتاج الزراعي لأعضائها وتسويق منتجاتها الزراعية والنهوض بالإنتاج وتحسين صفاته، ويمكن القول إن "الإنقاذ" كادت أن تنهي دور الجمعيات التعاونية فعليا بعد ما لم يبق غير الجدران كشواهد القبور تذكرنا بمجدها الغابرفي الستينات والسبعينات.
التعاونيات ومكافحة الفقر
إن اعتماد طريقة جديدة للتفكير بشأن التنمية، التي تشكل حجر الزاوية لأي جهد يرمي إلى تخفيض الفقر، ليس واجباً أخلاقياً وحسب، لكنه ضرورة اقتصادية أيضاً وهذا ما يتوفر للتعاونيات بأشكالها المختلفة. فلتعاونيات الإنتاجية الزراعية دور فعال في تقليل الحد من الفقر حيث تبنت التعاونيات شعار الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه:"لو كان الفقر رجلاً لقتلته"، فأصبحت التعاونيات باعتبارها أداة من أدوات التأثير و التغيير الإجتماعي تساهم وتؤدي إلي تقليل التوترات العرقية وترسيخ الاستقرار السياسي والاجتماعي من أجل نهضة السودان وازدهاره الاقتصادي. حيث تقوم فلسفة التنمية التعاونية بصورة عامة على فكرة المساواة و أن "النمو الاقتصادي يقود إلى المساواة في الدخل"، وعليه فإن مكاسب التطور الاقتصادي يجب أن تنعكس إيجابياً على المواطنين في تحسين نوعية حياتهم بما يشمل توفير الضروريات من الغذاء والعلاج والتعليم والأمن، وأن يكون أول المستفيدين من هذا النمو الاقتصادي هم الفقراء والعاطلون عن العمل والمسنين والمرضى والمجموعات الأكثر فقراً في المجتمع والمجتمعات الأقل نمواً ، والذين يمكن أن يساهموا في خلق و إنتاج هذه الخدمات والإستفادة منها في نفس الوقت من خلال تنظيمهم في شكل من أشكال العمل التعاوني الإنتاجي. ولا شك أن الإيمان بهذه الفلسفة دافعه الأول أن العلاقة بين زيادة النمو وتقليل الفقر طردية موجبة؛ لأن وصول الفقراء إلى تعليم أفضل، وإلى صحة أفضل سوف يساهم بفعالية في عملية تسريع وزيادة معدلات النمو الاقتصادي. وتأكد التجارب العالمية إن زيادة النمو بمعدل نقطة مئوية واحدة أدت إلى تقليل عدد الفقراء بنسبة 3% أو أكثر. إن تركيز السياسات الاقتصادية على تقليل الفقر، وتحقيق العدالة من خلال إعادة هيكلة المجتمع ، في إطار العمل التعاوني الشعبي يعين علي إحترام إنسانية المواطنين السودانيين ويرفع من قدرهم الإقتصادي و الإجتماعي، ولذلك يجب تبني سياسات و إإستراتيجيات معينة لتقليل الفقر، مثل زيادة امتلاك الفقراء الأراضي ورأس المال المادي ورفع مستويات تدريب العمالة وزيادة الرفاهية العامة وتم التركيز على تحسين الزيادة النوعية والكمية في عوامل الإنتاج المتاحة للفقراء، مع الإهتمام و العناية بالمجموعات الأشد فقراً من السكان الفقراء في الريف والحضر. كما يجب الاهتمام القومي بمشكلة الفقر نتيجة تدهور أوضاع صغار المزارعين الناجم عن انخفاض الأسعار وزيادة تكلفة الإنتاج.مع استمرار هدف مكافحة الفقر في الخطط القومية للتنمية مع الأخذ في الحسبان إلى جانب احتياجات الحياة الضرورية و الأساسية (الغذاء والمسكن والملبس والخدمات الأساسية من مياه الشرب النقية والصحة والتعليم....). إن الانتباه لدور التعاون الزراعي الرائد في مكافحة الفقر لابد أن يؤخذ في عملية التقييم حتي نصل لنتائج أقرب للواقع.

المحور السادس
النهوض بالقطاع التعاوني
النهوض بالقطاع التعاوني ضرورة وواجب وطني لأن المستقبل الحقيقي للتعاون في السودان لا يبنى بمجرد معالجة المشكلات الراهنة للحركة التعاونية وإنما بتحول جوهري في فهم وظيفة التعاون وإفساح المجالات الواسعة له في جميع مناحي العمل الاقتصادي والاجتماعي. وعلى التحقيق فإن الكثير من المشكلات التي يعاني منها التعاون في الوقت الراهن إنما هي مشكلات الاقتصاد السوداني بصورة أساسية. وهي مشكلات تواجه كافة القطاعات الاقتصادية بما في ذلك القطاع التعاوني وتتركز هذه المشكلات في تبعية الاقتصاد السوداني وتخلف علاقات الإنتاج ومستوى لقوى المنتجة فيه بما في ذلك ضعف الهياكل الأساسية للاقتصاد السوداني، وعدم توفر العملات الصعبة وضعف مجالات الخدمات الإنمائية، واختناقات في السلع التموينية لأسباب مختلفة ومشاكل في توفير المواد الأولية والمساعدة، ومشكلات الإنتاج وتوفر العمالة وتأهيل العاملين، وضعف وتخلف وسائل التسويق في الداخل والخارج، والمشكلات الإدارية والتعقيدات الديوانية وبطء الإجراءات الذي يؤدي إلى تعويق العمل، وفقدان التنسيق الكافي بين القطاعات الحكومية والخاصة التي تعمل في مجالات الإنتاج وتوزيع الخدمات. كل هذه المشكلات أثرت وما زالت تؤثر في الحركة التعاونية ككل. وهي مشكلات تجري محاولات لعلاجها كل يوم جديد دون التوصل إلى نتائج إيجابية وإذا كان تحرير الإنسان السوداني من الاستغلال، والقضاء على التخلف الاقتصادي والاجتماعي وتأمين الظروف المناسبة لتحقيق تنمية اقتصادية سريعة ومتوازية لكافة قطاعات الاقتصاد الوطني مع ضمان تحسين مستوى المستوى الاقتصادي والثقافي للمواطن السوداني تمثل مسائل أساسية في تطوير اقتصاد البلاد، فإن التعاون بإمكانياته في تحريك قاعدة الشعب العريضة وتحويلها إلى قاعدة منتجة ومشاركة في جميع عمليات الإنتاج، تخطيطاً وتنفيذاً، يمكن أن يساهم في إيجاد الحلول لتلك المسائل الأساسية من خلال المشاركة في تطوير علاقات الإنتاج، وحل ضائقة الأرصدة الأجنبية، ومحاربة الاختناقات التموينية في السلع الاستهلاكية، هذا إذا تم اعتماد الملكية التعاونية كركيزة أساسية لحل قضية علاقات الإنتاج في الريف السوداني مع تهيئة الظروف الملائمة التي تؤهل التعاون للقيام بهذا الدور.. وقد يكون من ضمن هذه الشروط الملائمة التي تؤهل تعميق الشعور لدى عضوية التعاونيات من خلال النماذج العملية، بجدوى التعاون.. وذلك بطرح قضية القيادات التعاونية المخلصة المتفانية للعمل.. فإذا لم توجد هذه القيادات فإن عمل التعاون يعوق كما هو في كثير من الأحيان بتضارب المصالح والاحتكاكات الشخصية وعدم الولاء والصراعات في مجالس إدارة التعاونيات مما يهدد روح العمل التعاوني.. وقد ورد في دراسة المجلس القومي للأبحاث الاقتصادية والاجتماعية ما يفيد بوجود أعداد غفيرة من غير العاملين في تخصص الجمعية المعني ضمن أعضاء الجمعيات المتخصصة وهؤلاء الأعضاء يفضلون الانتماء للجمعيات التعاونية بغرض استخدامها كوسيلة للحصول على الجزء الغالب مما هو متاح من تسهيلات ائتمانية وسلع استهلاكية... الخ للحركة التعاونية واستعمال هذه الموارد للمصلحة الخاصة على حساب النشاط التعاوني.. كذلك أوردنا من الدلائل ما يؤكد استئثار بعض أعضاء مجالس إدارات بعض التعاونيات بالسلطة في هذه الجمعيات واستخدامها لحرمان من لا يرغبون فيهم من الانضمام لعضوية الجمعيات الخاضعة لسيطرتهم... ويترتب على ذلك اقتصار عضوية الجمعيات التعاونية على عائلات أو تجمعات عشائرية معينة، وعدم انتشار قاعدة العضوية للحركة التعاونية كما يتضح جزئياً من التكوين الأسري لمعظم الجمعيات المستوجبة.. ويعني كل ذلك أن الحركة التعاونية تعاني من عدم وجود الانسجام الاجتماعي بين الأعضاء المنضوين تحت ولائها وتخضع لأشكال متنوعة من الاستغلال يقوم بممارسته قلة من المنفذين بالتعاون.
إن مادة التعاون الأساسية هي الإنسان وما لم يتوفر الإنسان الذي يمتلك الدوافع الأصلية لخدمة المجتمع فالمعوقات لابد تنشأ. إن مبادئ الجماعية وأساليب القيادة السليمة للمجموعات الريفية المتحضرة علم يدرس، ومنهاج يمكن تدريب القيادات التعاونية المرشحة لقيادة العمل التعاوني في أوساط المواطنين في الريف عليه.. تدريباً ممارساً في البيئة الاجتماعية التي تعمل فيها.. إذ أن للبيئة الاجتماعية وللتكوين القبلي أو الديني أثر كبير في تحديد مستقبل التجربة التعاونية في المكان المعين.. فالتعاون حركة وسط الناس غايتها الإنسان وهي تتأثر سلباً وإيجاباً بما يكتنف المجتمع من ظواهر ومن انقسامات ومن قيم.. ولذلك علينا أن لا ننظر للتجربة التعاونية في الشمال أن تكون نفسها في الجنوب أو الشرق أو الغرب بل ننظر لكل منطقة على أنها تجربة ثرية تختلف وتزيد من رصيدنا في التجارب والخبرة. ولذلك ليس من المصلحة تجاهل التعاون بقطاعاته وقياداته وإرثه العميق في المجتمع السوداني ودوره المؤكد في تنميته وتطوره.
وفي هذا الخضم فاجأتنا "الإنقاذ" (المؤتمر الوطني) ببدعة جديدة فيما يطلق عليه النفرة الزراعية أو النفرة الخضراء لإحداث نهضة زراعية من خلال خطة خمسية بمبلغ 313 مليار دينار هذه النفرة والتي روج لها حزب المؤتمر الوطني تحت احد الشعارات البراقة من لا يملك قوته لا يملك قراره والمزمع إن تؤدى إلى تحقيق طفرة كبرى في الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني ومحاربة الفقر وتخفيف حدة العطالة، هذه النفرة بهذا التوجه وهذه الكيفية لا تمثل إلا وجهة نظر أحادية لحزب المؤتمر وحشد المنسوبين للانقاذ في عمل ابعد ما يكون عن العلمية والواقعية والشمول ، في تجاهل واضح ومع سبق الإصرار للكثير من المهتمين والمعنيين بالمسألة الزراعية أفرادا ومؤسسات وقطاعات وفئات ، خاصة الفئات المظلومة والمهمشة من المزارعين أصحاب الوجعة .. هدف إي خطة ووسيلتها في نفس الوقت.ا لمصيبة الكبرى إن هذه النفرة تستند على ذات الاستراتيجية والسياسات الاقتصادية والزراعية السابقة التي روج لها عراب الإنقاذ الاقتصادى عبد الرحيم حمدي وعراب الإنقاذ الزراعي بروفيسور قنيف حيث تسببت تلك السياسات القاصرة فيما يتعلق بالتمويل والانتاج والتسويق وما يتعلق بالاجراءات التعسفية لمحفظة البنوك ورداءة الخدمات الزراعية والتقاوى الفاسدة وغيرها من المحن الاخرى وفي نفس الوقت مكنت هذه السياسات غير المدروسة نتيجة للخلل الكبير في الاستثمارات الزراعية من تمكن فئات اجتماعية وطفيلية من السيطرة على القطاع الزراعي وثرواته وتوجيهها في الغالب لمصالح الخاصة.ا ما الطامة الكبرى فتتمثل في تجاهل القطاعات الاخرى التي يشهد لها بدور معتبر في السودان وغير السودان بدورها في التنمية ومنها التنمية الزراعية مثل القطاع التعاوني والقطاع المختلط ولقد ثبت بالدليل القاطع ان نظام الانقاذ لا يستطيع التواؤم مع النظام التعاوني الشعبي الديمقراطي التوجه وذلك لانهما نظامان يسيران في خطين متوازيين مثل خط السكة حديد لا يلتقيان .. والادهى والامر .. ان الدعوة إلى تطبيق هذه النفرة بهذه الطريقة التي حشدت لها الحشود من منسوبي الانقاذ من الزراعيين الفنيين والذين دعموا القرار السياسي لهذه النفرة والذي يتعارض مع الرأي الفنى الذي يحملونه ويعرفونه .. يدل وبكل اسف على الضعف في ان يصدح هؤلاء بقولة الحق والتي تقتضى بإشراك الزراعيين والعلماء من غير الإنقاذيين ليتبلور الإجماع على الرأي الفنى حتى تتم النهضة الزراعية على أسس فنية وعلمية بحتة وليس كما هو ألان كل شئ تم على أسس حزبية قاصرة مآلها إلى مزيد من الإرباك والفشل والخراب.

من العرض السابق يتضح بجلاء أن لا سبيل لأي نهضة أو نفرة مزعومة أوتنمية منشودة ، إلا من خلال إشراك الجميع ، من مزارعين وفنيين وعلماء وأساتذة وخبراء وسياسيين. علي أن يكون الباب مفتوحا للكل وليس حكرا علي حزب معين أو فئة معينة ، فالكل سودانيين والكل حريصين علي هذا الوطن الأبي الأشم الشامخ أبدا.

الحلول المقترحة لحل الأزمة
لقد آن الأوان أن تتحد الجهود العلمية والشعبية لتعزف نغمة واحدة علي طريق الإصلاح والتطور‏.إن مسيرة إصلاح القطاع التعاوني وخاصة التعاون الزراعي تتطلب ‏العمل علي إنعاش دور الحركة التعاونية‏,‏ ومواكبة الظروف الاجتماعية والاقتصادية الجديدة والمتغيرات المعاصرة في مجال التطبيق التعاوني علي امتداد خريطة العالم‏.‏إن الفصل بين المنظمات العلمية التعاونية‏....‏ والتنظيمات الشعبية أدي إلي أن يدفع التطبيق التعاوني ثمنا غاليا‏...‏ ويتخلف عن ركب التطور والتقدم المنشود‏.‏
لابد لأساتذتنا ولعلمائنا وخبرائنا في التعاون وغير التعاون‏...‏ وهم ثروة قومية ووطنية هائلة‏...‏ أن يتحركوا‏...‏ وينزلوا من أبراجهم العالية‏....‏ لتنمية هذا القطاع و توفير الظروف الكفيلة بتقوية الحركة التعاونية تنظيمياً بشرياً ومادياً لترقى إلى قطاع فاعل في الاقتصاد الوطني.ويتعين لذلك وضع إستراتيجية تعاونية قومية محكمة وفي أسرع وقت ممكن.

"الإستراتيجية التعاونية القومية"
الخطوات العاجلة
1- دعم الجهاز الديواني الذي يشرف على ويوجه النشاط التعاوني بالكوادر المدربة بالأعداد اللازمة وانتشار هذا الجهاز على كافة المستويات وتحديد سلطات ومسئوليات كل مستوى وعلاقاته مع القطاعات الاقتصاد الأخرى. ‏‏ الارتفاع بالكفاءة الإدارية للعاملين بالقطاع التعاوني للنهوض بمسئولياتهم بفاعلية باعتبارهم حماة لمصالح أعضاء التعاونيات والمعبرين عن رغباتهم‏,‏ وتحديد الإدارة المهنية‏..‏ والإدارة الشعبية كما يجري في كل العالم‏.‏ فليس من المعقول أن يظل المسئول التنفيذي الأول للحركة التعاونية السودانية على المستوى القومي يباشر مهام ضخمة ومعقدة ويتحمل مسئوليات جسام لمدة تزيد عن العام وحتى الأن لم يتكرم السادة فى مجلس الوزراء فى الرد على موافقة السيد وزير التجارة الخارجية بتعيينه في هذه الوظيفة.
2- يجب تعديل قانون التعاون الذي يحكم إنشاء الجمعيات والاتحاديات بصورة تستند الى المبادئ العامة للتعاون ويعكس شتى الإصلاحات المؤسسية وإزالة كل الثغرات التى ظهرت فيه نتيجة للتطبيق وكذلك تضمين القانون القواعد التي تساعد على تطوير الحركة التعاونية وتحديد علاقاتها بالمنظمات والقطاعات الاقتصادية الأخرى في وضوح ويسر. وأن تكون مواد القانون واضحة ولا تحتمل أي لبس واجتهادات في التفسير. كما يجب أن يتضمن القانون أيضاً كيفية بناء وإقامة البنيان التعاوني وأن يكون ذلك البنيان متناسبا مع وضع الحركة التعاونية السودانية وعلاقاتها مع القطاعات الأخرى وأن يكون ذلك البنيان قوة دافعة للعمل التعاوني وليس قيداً عليه.كما يجب ألا يكون التفكير في البنيان التعاوني أسيراً لأي أفكار أو مبادئ معينة بل يكون فقط نابعاً من مصلحة الحركة التعاونية وخادماً لنشاطها وإمكانيات التطور في المستقبل. وخلاصة القول أن يكون القانون واضحاً ومحدداً وخادماً للنشاط التعاوني بما لا يتعارض مع المصلحة العامة وبسيطاً ومفهوماً من قبل غالبية أعضاء الحركة التعاونية والمواطنين. إن مراجعة النصوص القانونية المتعلقة بالتعاونيات في اتجاه تحديثها لتصبح أكثر تلاؤماً مع الواقع السوداني ضرورة ملحة لقيام التعاونيات بدورها خلال الألفية الثالثة.
3- إعادة مقر المركز القومي لتدريب التعاونيين الذى إغتصبته ولاية الخرطوم بغير حق ، وإعادة هيكلته وتغيير مجلس الإدارة الحالي بمجلس يضم كفاءات وخبرات تعاونية مع دعم وتقوية الإدارة الحالية للمركز ماديا وفنيا وبشريا ، بالصورة التى تتطلبها الإستراتيجية التعاونية القومية الجديدة.
4- إنشاء صندوق خدمات تعاونية ، وصندوق آخر للضمان الإجتماعى.
الخطوات الآجلة
إن وحدة الحركة التعاونية السودانية الشعبية والعلمية والتنفيذية‏...‏ هي الطريق للحل الوحيد نحو إصلاح تعاوني عاجل ، مما يفرض علينا فورا تنفيذ وتطبيق الخطوات العاجلة علي أرض الواقع في أقرب فرصة ممكنة ، وإلا سوف لن يكون للنقاط والمقترحات التالية أي أثر أو وجود.
1. ‏تحسين أوضاع التعاونيات‏...‏ وتفعيل دورها للتخفيف عن محدودي الدخل في ظل آليات السوق‏‏ ببناء بنيان التعاوني سليم يعبر عن جميع حلقات البنيان التعاوني من القاعدة إلى القمة وتحدد سلطات ومسئوليات كل مستوى من مستوياته وتحدد علاقاته بغيره من المنظمات التعاونية وغير التعاونية.
2. إنشاء مجلس إستشارى تعاوني قومي ، ووحدة خدمات تعاونية ، ولجنة قومية للتعليم والتدريب التعاوني. مع العمل على استكمال وإنشاء الأجهزة التعاونية والتي لها تأثير على مسار الحركة التعاونية مثل مؤسسات التمويل والتأمين والاتجار بالجملة ومؤسسات التجارة الخارجية التعاونية... الخ مع ‏تخصيص حصة من المنح والمعونات الخارجية لتطوير وتدعيم الحركة التعاونية للتوسع في نشر مؤسساتها في الولايات‏,‏ وخاصة في الريف‏ وبصورة أخص التعاونيات الزراعية.‏
3. إعادة هيكلة الحركة التعاونية وصبغها بالصبغة الديمقراطية، والحرص على تطبيق مبادئ التعاون في تكوين هيئاتها، ورفع يد هيمنة ذوي النفوذ على أعمالها مع تشديد الرقابة على الإنفاق باعتبار أموال هذه التعاونيات أموالاً عامة.مع العمل على بلورة وتعميم الفكر التعاوني، وتشجيع الشباب خاصة وكافة الفعاليات الاقتصادية بأهمية هذا الأسلوب في مباشرة أوجه النشاط الاقتصادي وذلك في إطار يسمح بفتح الآفاق أمام أكبر عدد من المواطنين للمشاركة في القرارات التنموية مباشرة على مستوى التقرير والفعل الاقتصادي والاجتماعي.
4. إدراج التعاون كمادة تعليمية في المناهج الدراسية على سائر المستويات التعليمية وتنمية البحث حوله ومتابعة أوجه تطويره و تشجيع خريجي مدارس التعليم المهني والحرفي والزراعي على الانتظام في تعاونيات تمكنهم من الاندماج والمشاركة الفعلية في النشاط الاقتصادي.إلي واقع التطبيق ومشاكله ومعوقاته‏....‏ ويقدموا حلولهم العلمية الملائمة‏.
5. إجراء دراسات علمية دقيقة وعميقة عن الواقع الحالي للحركة التعاونية للتعرف من خلالها على المشاكل والعقبات التي تعترض طريق نموها والتعرف كذلك على احتياجات ورغبات أعضاء الحركة ومعرفة آرائهم في مستقبل النشاط التعاوني.
6. إجراء دراسات ميدانية بواسطة المختصين والخبراء لمعرفة الحجم الأمثل للجمعية التعاونية القاعدية في المجالات المختلفة (زراعية – استهلاكية – خدمية – حرفية .. الخ) الذي يعطيها فرص النجاح والتطور بما يعود على أعضائها ومجتمعها بالنفع. وتكون هذه الدراسات في المستقبل هي أساس قبول أو رفض تسجيل أي جمعية.
7. ‏إنشاء قاعدة بيانات تعبر عن تطور الحركة التعاونية ومدي إسهامها في العمل التنموي بوجه عام وكل أنشطتها المتعددة بوجه خاص‏ ، مع توحيد أساليب وطرق جمع وتحليل الإحصاءات والمعلومات عن الحركة التعاونية. وتحديد مفاهيم المصطلحات الإحصائية المستخدمة في جمع وتحليل البيانات. وكذلك تحديد تواريخ جمع الإحصاءات وأساليب نشرها ومواعيد هذا النشر. تحديد تواريخ ثابتة لمراجعة الحسابات بالجمعيات والاتحادات والمنظمات التعاونية بما لا يتعارض مع تواريخ إعداد الخطط التعاونية.
8. تحديد أسس ومجالات التعاون والتكامل بين أفرع الحركة التعاونية‏ والسعي إلي الاندماج والتكامل بين المؤسسات التعاونية لإيجاد شكل جديد للحركة التعاونية لدية قدرة تنافسية أمام الشركات ألكبري مع الانفتاح خارجيا لتوطيد الصلات مع التعاونيات علي المستوي العالمي‏
‏والاستفادة من خبرات التعاونيات الدولية‏,‏ وتوثيق التعاون معها وتنشيط التبادل الاقتصادي بينها‏.‏













التوصيات

(1) لوضع النقاط الواردة في الفقرة الخاصة بالخطوات الآجلة من الإستراتيجية التعاونية القومية ، نوصي بتنظيم حلقات أو ورش عمل علي مستوي البنيان التعاوني من القاعدة للقمة ، بمشاركة المتخصصين في التعاون ، الي جانب الباحثين في المجالات الأخري بمشاركة كل القوي الساسية تحت إشراف ومسئولية الدولة المباشرة للخروخ بتوصيات محددة ، علي أن تطرح لمؤتمر عام للحركة التعاونية السودانية لإجازة الإستراتيجية التعاونية القومية الشاملة.

(2) تكوين لجان مهنية متخصصة بعيدا عن الولاءات السياسية والحزبية الضيقة ، تضم خبراء ومتخصصين ومستشارين في الشأن التعاوني السوداني ، وذلك لتحديد حجم وطريقة عمل الجهاز التعاوني الديواني المختص بالحركة التعاونية السودانية ، و صندوق خدمات تعاونية ، وصندوق آخر للضمان الإجتماعى.



























الخاتمة
تضع الدولة السياسات العامة في المجال الاقتصادي والاجتماعي والتنموي بواسطة الأجهزة العليا ممثلة في مجلس الوزراء والوزارات المختلفة، وتصاغ في شكل أهداف عامة يتولى تفسيرها وتنفيذها المختصون في أجهزة الدولة بدءً من الوزراء ووزراء الدولة نهاية بصغار الموظفين، حتى يسهل التفاعل معها وتطبيقها من قبل المواطنين.. وكلما كانت درجة الوعي والتعليم والثقافة كبيرة، كلما كانت الصلة والعلاقة بين القمة) المسئولين بأجهزة الدولة) والقاعدة (المواطنين) قوية، والتفاعل إيجابياً والمردود كبيراً .ولا شك أن ضعف الثقافة والتعليم والتدريب في المجالات المختلفة ومنها المجال التعاوني قد أثر تأثيراً سلبياً على دفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالصورة المطلوبة.. ومعلوم للجميع الآثار المدمرة (للأمية الأبجدية) التي يعاني منها أكثر من 80% من السكان بما فيهم العضوية التعاونية والتي تقدر بحوالي 5 ملايين سوداني.. إلا أن الحركة التعاونية السودانية تعاني من انتشار) الأمية التعاونية) بين التعاونيين وغير التعاونيين خاصة كبار المسئولين في الأجهزة الحكومية، بل في كثير من الأحيان الوزراء الذين يتعاقبون على تلك الوزارات التي تسير دفة العمل التعاوني والذين لا يؤمنون بالتعاون، ويتعاملون مع الواقع التعاوني، بأنه مهمة مفروضة عليهم، فيكون أداؤهم ضعيفاً وحماسهم فاتراً وانفعالهم مع القضايا التعاونية دون الطموح.
وإنني أجزم بأن الكثير من هؤلاء الوزراء والمسئولين لا يعرفون إلا النزر القليل عن الفكر التعاوني وأدبياته ومبادئه، مما يجعلهم عاجزين عن بذل أي جهد للارتقاء بالحركة التعاونية والعمل لتنمية وتطوير وحداتها، بدءً بالعضوية التعاونية مروراً بالتعاونيات ونهاية بإتحاداتها ومؤسساتها ومنظماتها المختلفة. بل إن الحركة التعاونية السودانية بعيدة كل البعد عن دائرة اهتمام الأغلبية العظمى لهؤلاء الوزراء والمسئولين، فكم انشغل منهم بعقد الصفقات التجارية الفاشلة، وإهمال الجوانب الاقتصادية والاجتماعية الناجحة للحركة التعاونية؟؟.. ولا يخامرني أدنى شك في جهل الكثير من هؤلاء الوزراء والمسئولين بمحتوى الوثائق الدولية والعالمية الخاصة بالحركة التعاونية، كتلك التي يصدرها الحلف التعاوني الدولي ICA ومنظمة العمل الدولية ILO، وكل ما أفلح فيه معظم هؤلاء السادة هو إطلاق التصريحات التطمينية، البراقة، المائعة، البعيدة عن الواقع، أكثر من ذلك ذهب أحدهم إلى رمي الحركة التعاونية بعدم القدرة على المنافسة، بينما الحقيقة هي عدم قدرة الساسة الذين يديرون دفة الحركة التعاونية في الاضطلاع بدورهم والقيام بمسؤوليتهم لتأطيرها قانونياً ولتجسيد دورها في الورق على ارض الواقع.. هؤلاء هم العقبة الكئود أمام تطوير وتقدم (التعاون) ببلادنا.
إننا كتعاونيين ندعو ونتمسك بقول الخبير التعاوني السويدي الأستاذ هـ. آلون (إذا أتيحت لنا فرصة أن نبدأ حركتنا من جديد، وكان علينا أن نختار بين أحد شيئين: البدء دون رأس مال، ولكن لموظفين وأعضاء مستنيرين، أو البدء برأس كبير وموظفين غير واعين، فإن تجاربنا تملي أن نختار الطريق الأول)، وهذا ما ندعو له نحن من منطلق إيماننا بأهمية نشر الوعي والثقافة التعاونية، لأن التعاون حركة اقتصادية تسعى لتحقيق أغراضها وأهدافها بوسائل تعليمية.. وإذا عكسنا العبارة، وقلنا إن التعاون حركة تعليمية تسعى لتحقيق أغراضها وأهدافها بوسائل اقتصادية، لاستقام المعنى في الحالتين.. فقط نرجو من الحكومة الاتحادية أن تختار من يعي ويدرك ويستوعب التعاون باعتباره وسيلة من الوسائل المهمة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومحاربة الفقر.. نحن في انتظار هذا (الوزير العالم) بتخطيه لحاجز (الأمية التعاونية) لنضع يدنا في يده متعاونين لتحقيق أهدافنا، فالناس بخير ما تعاونوا..
إن دعم المجهود التعاوني والعمل على إشعاعته وتعميمه لجميع القطاعات، مع ضمان التنسيق اللازم بين مختلف المصالح المعنية والأطراف المكونة للقطاع ، مسئولية سياسية في المقام الأول ولابد للقيادة السياسية بالبلاد من النظر للقطاع التعاوني وخاصة الإنتاجي (التعاون الزراعي) باعتباره قطاعا فاعلا ومؤثرا مثله مثل القطاع العام والقطاع الخاص والقطاع المختلط.
لا سبيل اليوم للخروج من مشاكلنا الراهنة في المجتمع السوداني إلا بالبعد عن الشمولية وإقصاء الآخر ، وإشاعة الحريات والممارسة الديمقراطية ومحاربة الفساد والمفسدين والسعي قدما في الطريق الجاد نحو تحقيق السلام الشامل والعادل لشعبنا الكريم العزيز. ويتطلب هذا فهم ودور سياسي وقيادي رشيد وجديد ، مع تصور كامل لما يمكن أن يقوم به التعاون الزراعي من دور حقيقي في تنمية القطاع الزراعي ببلادنا. وكما ذكرنا في هذه الورقة إن البداية الصحيحة تكون بتقوية ودعم وتطوير الجهاز الحكومي المختص ، هذا ما نؤكده ونشدد عليه لأن هذا الجهاز هو الأداة التي من خلالها يمكن إصلاح الخراب والتدمير الذي لحق بالحركة التعاونية في كل جوانبها حتى كاد أن يطمس معالمها ويقضي عليها.
إن علي القيادة السياسية مسؤولية تاريخية تفرض عليها أن تنظر لهذا القطاع بعين قومية بعيدا عن النظر بتلك العين الحزبية الأحادية الضيقة والتي أضرت بالحياة السودانية قاطبة. إن حل مشاكل الحركة التعاونية السودانية وحل مشاكل التعاونيات الزراعية ، يحتاج لقرار سياسي شجاع وجرئ تصحح به الأوضاع المقلوبة والتي جاءت به قرارات سياسية غير مدروسة بعيدة عن الواقع ومجافية للرأي الفني المتخصص ، بل تتعارض وتتصادم معه وتؤدى إلى تقويضه وفراغه من مضمونه الفني الأصيل.




























المراجع

- أ.د. أحمد علي قنيف – وآخرون – نحو نهضة زراعية شاملة بالسودان – منتدى إستراتيجيات و سياسات القطاع الزراعي – وزارة الزراعة والغابات – الخرطوم – 17 فبراير إلي 2 مارس 2006م

- -د.أحمد زكي الأمام – الحركة التعاونية , مبادئها وأنواع الجمعيات ووظائفها – القاهرة- مطابع سجل العرب – 1982

- الخير عمر أحمد سليمان – القرار السياسي في السودان "دراسة مقارنة مابين النظم البرلمانية والرئاسية والعسكرية" – الناشر مكتبة الشريف الأكاديمية – الخرطوم – 2005

- الفاتح محمد موسي شبيلي – أثر التخطيط الزراعي علي أداء المشاريع المروية بالسودان "دراسة حالة مشروع الجزيرة" – رسالة لنيل درجة الدكتوراه في الإقتصاد الزراعي – كلية الزراعة – جامعة أمدرمان الإسلامية – أمدرمان – 2004

- تاج الدين حسن أحمد – أثر التخطيط والرقابة الإدارية علي أداء الجمعيات التعاونية الزراعية بولاية الخرطوم – بحث لنيل درجة الماجستير في إدارة الأعمال – كلية الدراسات العليا – جامعة النيلين – الخرطوم – 2005

- عبد العزيز علي البحيرى محمد . اثر الحركة التعاونية على التنمية الريفية في السودان . رسالة لنيل درجة الماجستير في التنمية الريفية _ كلية الزراعة – جامعة أم درمان الإسلامية – أم درمان 2002 .

- فخري شوشة (دكتور) ، محاضرات في مبادئ علم التعاون – المعهد العالي للتعاون الزراعي – شبرا الخيمة – القاهرة 1978م

- د.فرح حسن أدم و د.كامل إبراهيم حسن – الحركة التعاونية بين النظرية و إمكانية التطبيق - المجلس القومي للبحوث – مجلس لأبحاث الإقتصادية والإجتماعية – الخرطوم – يناير 1980م

- محمد الفاتح عبد الوهاب ، خبير تعاوني: "الحركة التعاونية السودانية .. إغتيال أم إنتحار...!!" – مقال بجريدة السوداني الغراء – الخرطوم – العدد 199 بتاريخ مارس 2006
محمد الفاتح عبد الوهاب – دور التعاون في التنمية الإقيصادية والإجتماعية – بحث لنيل درجة الدبلوم العالي في الرعاية الإجتماعية – كلية الدراسات العليا – جامعة الخرطوم – الخرطوم – يناير 1986م

محمد الفاتح عبد الوهاب ، خبير تعاوني: التعاون الزراعي ودوره في التنمية الريفية " بحث مقدم للإتحاد العام النوعي التعاوني لمنتجي الأصماغ الطبيعية – الخرطوم – أغسطس 2006

محمد الفاتح عبد الوهاب ، خبير تعاوني – التعاون الزراعي نفرة أم تنمية؟ - صحيفة "الأيام" الغراء العدد رقم 4444 – 7 أغسطس 2006

محمد الفاتح عبد الوهاب ، خبير تعاوني: "مقترحات أولية لمحددات عمل الإتحاد العام النوعي التعاوني لمنتجي الأصماغ الطبيعية" – الخرطوم – مارس 2006

- د. محمد عبد الودود خليل – الإطار العام لأقتصاديات التعاون – دار المعارف – القاهرة 1980

- د. مصطفي رأفت عبد الظاهر – دليل التخطيط – إستخدام التخطيط في النشاط التعاوني وأساليب تطويره – وزارة التعاون والتجارة والتموين ، مشروع تنمية مراكز التدريب التعاوني – الخرطوم 1983م

محمد عثمان جودة أحمد – أثر التسويق الزراعي علي صغار المزارعين بولاية الخرطوم (دراسة حالة مشروع الجمعوعية الزراعي التعاوني) – بحث مقدم لنيل درجة الماجستير في الإقتصاد الزراعي – كلية الدراسات العليا – جامعة أمدرمان الإسلامية – أمدرمان – 2005

منشورات منظمة العمل الدولية – "التعاونيات" مقتطف من البيان حول الهوية التعاونية، الذي اعتمدته الجمعية العامة للاتحاد الدولي للتعاونيات، 1995 – منظمة العمل الدولية – مكتب العمل الدولي – الطبعة الأولى - جنيف – سويسرا - 2000
منظمة العمل الدولية – تقرير عن الحركة التعاونية في جمهورية السودان – فرع التعاونيات "جنيف" ومكتب شمال أفريقيا "القاهرة" – سبتمبر 2003

- مورتن ساتروب (مستر) – مبادئ الإدارة والإدارة المالية وتصعيد التمويل الذاتي للتعاونيات – لحلقة الدراسية حول تحديث الإدارة المالية في الحركة التعاونية السودانية – المركز القومي للتنمية والتدريب التعاوني الخرطوم ، منظمة العمل الدولية الخرطوم، وكالة التنمية الدنماركية كوبنهاجن – 29/11 إلي 2/12 1980م

- نجاة محمد الحسن - التعاون لزراعي حاضره ومستقبله ودوره في التنمية الزراعية – مؤتمر التنمية التعاونية الشاملة- إدارة تخطيط المشروعات – وزارة الزراعة الخرطوم – 22 إلي 26 فبراير 1987م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ميتا- تعلق -ثريدز- في تركيا بعد قرار من هيئة المنافسة التركي


.. إنتاج مصر من القمح يكفي لسد 50 % من احتياجاته السنوية | #مرا




.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم السبت 20-4-2024 بالصاغة


.. سفير غير معروف.. المعارضة في فنزويلا تختار مرشحها لمنافسة ما




.. أسعار النفط العالمية تقفز بأكثر من 4% بعد الهجوم على إيران