الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكومة فلسطين تأمر باعدام كتاب التراث -قول يا طير- حياة الفلسطيني لم تبدأ فيكم ولن تنتهي عندكم

محمد بركة

2007 / 3 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الحقيقة أننا لسنا بصدد مناقشة مواقف وسياسات وممارسات حركة حماس وحكومتها في كل ما يتعلق بالمشروع الوطني.. خاصة بعد اتفاق مكة الذي ساهم في وقف الاقتتال الداخلي، الضار والمعيب، ووضع أسساً أولية لتوافق سياسي، كان يمكن ان تكون أفضل وأكثر توافقا مع المشروع الوطني ومع إعلان الاستقلال ومع قرارات الشرعية الدولية (ونحن لا نشمل الرباعية ضمن هذه الشرعية) ومع وثيقة الأسرى.
إن ما دفعني إلى الكتابة هو القرار المستهجن الذي اتخذته وزارة التربية والتعليم العالي في الحكومة الفلسطينية التي تتولى فيها حركة حماس مسؤولية كل الوزارات، بشأن إعدام/ إتلاف/ إحراق كتاب "قول يا طير"، للكاتبين والباحثين الفلسطينيين البارزين، الدكتور إبراهيم المهوي والدكتور شريف كناعنة، ومنع تداول هذا الكتاب في المدارس الفلسطينية.
إن الكتاب المذكور هو عبارة عن نصوص ودراسة في الحكاية الشعبية الفلسطينية، ويشمل 45 حكاية شعبية فلسطينية من التراث المحكي، كانت متداولة أساساً في أفواه الجدات الفلسطينيات لأحفادهنّ.
والكتاب هو ثمرة جهد عظيم قام به الكاتبان والباحثان البارزان لتوثيق الحكاية الشعبية الفلسطينية وحمايتها من الاندثار من ناحية، والتوقف عند جماليتها وعند الحكمة الفطرية التي ترافقها.
إن كتاب "قول يا طير" يعتبر مرجعا علمياً ونصياً للتراث الشعبي الفلسطيني وقد تُرجم إلى خمس لغات.
وكاتبا الكتاب هما الأستاذان الجامعيان: إبراهيم المهوي مدرس الأدب العربي المعاصر ونظرية الترجمة في جامعة أدنبرة في اسكتلندا، الذي أنهى دراسته العليا في الأدب الإنجليزي في جامعة كاليفورنيا.
والدكتور شريف كناعنة إبن عرابة البطوف، وهو أستاذ علم الاجتماع والإنتربولوجيا في جامعة بير زيت، الذي أنهى دراسته العليا في جامعة هاواي، والذي يعتبر المرجع العلمي الأكاديمي الأول لبحث التراث الفلسطيني.
لقد قررت وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطيني إتلاف الكتاب من خلال لجنة خاصة في كل مدرسة فلسطينية، تضم مدير المدرسة ومسؤول المكتبة وأحد المعلمين، أما حجة الوزارة في قرارها الظلامي هذا، أن بعض الألفاظ المستعملة في الحكاية الشعبية تخدش الحياء.
والأمر المثير أن وزير التربية والتعليم، ونائب رئيس الوزراء، ناصر الدين الشاعر، أعلن بداية ان لا علم له بقرار من هذا القبيل، في وزارته، ثم دافع عن القرار لاحقا، والحقيقة، وإن كنت قد تعرفت على الدكتور الشاعر بشكل سطحي، ولمست فيه دماثة الخلق، إلا أنني لا أعلم ما هي مؤهلاته في مجال التربية والتعليم، ولكن المؤكد أن الدكتور الشاعر وحكومته لا يملكان الحق في التدخل في التراث الشعبي الموروث، أو الحق في إعادة صياغة هذا الموروث.
لا أعتقد ان "نص نصيص" بحاجة إلى إعادة تهذيب من حكومة حماس، وارفض أن تأخذ جدتي بعد سنين طوال على رحيلها، موافقة حكومة حماس على فرحتها بالطفل سعيد الذي يكبر أمام عينيها لتغني له:
يا حبيب الحبايب/ سكر على القلب دايب/ واللي جوزها غايب/ تنادي سعيد يسليها.
أو تعتدّ بسعيد مرّة أخرى لتغني له:
الحمامة حمامة قنفذ/ تدخل البيت وتنفذ/ يا جارة خبي بنتك/ كبر سعيد وأعلمتك.
هل في أغنية الجدّة ما يخدش الحياء أم أن التدخل في الأغنية التي تدحرجت على ألسنة جداتنا على مدار قرون ببراءة وعفة هو قلة حياء..؟.
واسمح لنفسي إلى الذهاب إلى أبعد من ذلك.. ماذا سيقول أولئك الذي يقررون إعدام الكتب بحجة خدش الحياء عندما يقرأون.
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم أثرها لم يفد مكبول
وما سعاد غداة البين إذ رحلوا إلا أغنّ غضيض الطرف مكحول.
هل سيعترضون على مجرد أن سعاد قد بانت أم على "متيم أثرها"، أم على وصفها "أغنّ غضيض الطرف مكحول".
هل كانوا سيعترضون على أن شعرا فاحشاً صدر عن الصحابي كعب بن زهير، أم على إلقاء الرسول العربي الكريم بردته على كعب، لإعجابه الشديد بهذه القصيدة التي أصبحت تعرف ب "قصيدة البردة"، والتي اتخذت مكانتها في عيون الشعر العربي بوعد ضمني من الرسول صلى الله عليه وسلّم، و"الوعد عند رسول الله مأمول".
إننا متحيزون على الدوام للقضية الوطنية لشعبنا وإننا نحاول أن لا تكون جزءا من التباينات على الساحة الفلسطينية، فيما يتعلق بخياراته السياسية الديمقراطية، لكننا نملك الحق كاملا وبأعلى صوت أن نرفض أية محاولة للمسّ بمركبات فلسطينيتنا، وضمن ذلك المس بالموروث الشعبي والحكاية والتهليلة والزغرودة والأغنية.
إن الادعاء بأن حكايات الكتاب "لا تناسب الأطفال الصغار وتناسب فئة عمرية أكبر"، هو ادعاء باطل لأن أساس التراث النسوي كان مكرساً للأطفال وبالأساس بحكم الموقع الأسري للمرأة في المجتمع التقليدي.
أما أن يجري تكفير التراث، أو تسفيه جداتنا فهذا ما لا نقبل به على الإطلاق.
حكاياتنا الشعبية ليست تماثيل بوذا في أفغانستان.. فكيف وقد رفضنا تحطيم تلك التماثيل التاريخية.
لقد قدم الشعب الفلسطيني للبشرية سطوراً ناصعة في مأثرة الصعود من رماد النكبة إلى تشييد حركة وطنية مناضلة، فرضت ملامحها الوطنية والحضارية من جديد.
إن الشعب الفلسطيني الذي قدم تراثا إبداعيا أدبيا ينتمي إلى أرقى الحضارات البشرية لا يقبل أن يتحول مشهده "الثقافي" إلى رقص همجي حول مواقد الكتب.
لا تمدوا أيديكم على تراثنا الشعبي، فحياة الفلسطيني لم تبدأ فيكم ولن تنتهي عندكم...
الكتاب يصلح للقراءة والمناقشة وحتى التفنيد... لكن الكتاب لا يصلح حطبا لحرائق جاهلة أو جاهلية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س