الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حضارة الاستهلاك وأثرها في الصحوة الدينية الحالية

كامل عباس

2007 / 3 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كل الأديان السماوية بلا استثناء جعلت من خدمة قضية الانسان على الأرض قضيتها الأولى , وكتبها المقدسة ورسلها وأنبياؤها وأولياؤها جميعا منحازون للفقراء والمظلومين ويحضون على نصرة المظلوم وإغاثة الملهوف , وان كانت الأديان بشكل عام تهتم بالجانب الروحي أكثر من الجانب المادي , لكن لكل واحد منها تصوره الخاص به عن حياة روحية ومادية لائقة بالانسان من كونه انسان . ان الله – جّل وعلا – هو الذات الانسانية المتكاملة التي تفيض حبا بالآخرين وتطالبهم ان يكونوا على صورة الله – يتضح ذلك جليا في الحركة الصوفية الاسلامية وفي فكر وشطحات ابي يزيد البسطامي والحلاج والسهروردي ’ وفي فلسفة ابن عربي بشكل خاص حول وحدة الله والوجود ’ وهو الذي فهم حديث الرسول العربي – من عرف نفسه فقد عرف ربه – فهمه على أن الانسان مؤهل من حيث الإمكانية للوصول الى مرتبة الانسان الكامل (الله تعالى )
ولكن كل تلك الدعوات تم هضمها من قبل الطبقات المالكة وتجييرها لخدمة مصالحها , وأصبحت بالنهاية عبئا على الانسان العادي , لدرجة أن الكنيسة في العصور الوسطى وصل بها الأمر بيع الفقراء صكوك غفران من اجل سلبهم ما ذاد عندهم عن حاجاتهم لأساسية ,
وظل الأمر كذلك حتى جاءت الثورة الصناعية بفضل تقدم العلم والتكنولوجيا , فتم إنزال الصراع من السماء الى الأرض , و فُصِل الدين عن الدولة في تلك البلدان الصناعية وأزيح الكابوس عن صدر التعساء في الأرض ,
منذ البداية ركزت الدعوات الأرضية على البعد المادي وأهملت البعد الروحي ولم توازن بينهما كما فعلت الديانات التي تحض جميعها على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وعلى احترام الوالدين وكبار السن , وعلى الوصايا العشر , وعلى آداب عامة ومنظومة قيم تميز المؤمن عن الكافر .
بدت الدعوات الأرضية مع الاستثمار بحده الأقصى ومن أي طريق كان سواء باستعمار شعوب فقيرة وسلبها ثرواتها , أو برفع معدل الربح بأي طريقة وبأي ثمن , من دون أي اعتبار للقيم الانسانية , ولآلام ضحايا استثمارها الجشع , تبدو الصورة واضحة وجلية ( أكثر من أي وقت مضى بعد تحول العالم الى قرية صغيرة في ظل النظام العالمي الجديد ) من خلال المثالين التاليين
1- تجارة الجنس :
لقد احتاجت البشرية الى ملايين السنين لتنجز الانتقال من العضة الى القبلة في العلاقة بين الجنسين , وما يرافق ذلك من مشاعر وأحاسيس متبادلة بين الرجل والمرأة أثناء قيامهما بالفعل الجنسي , وهو ما يمكن ترجمته بالحب الجنسي , ولكن تجار الجنس وما يقدمون من أفلام رخيصة على الشاشات الفضائية التي دخلت كل البيوت والتي تعرض الفعل الجنسي بين أكثر من رجل وامراه واحدة , وأكثر من امرأة ورجل واحد في نفس الوقت وبدون أي حشمة , وتحض على اشباع الغريزة الجنسية بطرق حيوانية بحتة وصلت فيها الوقاحة الترويج للمتاجرة بجسد الأطفال من اجل الحصول على المال , , في حين تنظر الأديان جميعها للعلاقة بين الرجل والمراة بشكل مختلف تماما
2- تجارة الاعلان والتي تعتمد وسائل هابطة ومزعجة جدا – على سبيل المثال لا الحصر يتم قطع الكثير من البرامج الثقافية او الفنية او السياسية او الأدبية على الفضائيات الآن في لحظات مفصلية من اجل ( بريك اعلاني ) , تجارة الاعلان مثل تجارة الجنس والحشيش وربما أسوا فالمهم فيها هو التسويق من اجل الربح .
والنتيجة لم تكن - تركز وتمركز الثروة بين أيدي قلة في كل الدول القومية , تقابلها ملايين المعدمين – فقط , بل بدت حتى البلدان الأم الغنية بحضارتها ورأسمالها والتي تقدم ضمانا صحيا واجتماعيا لمواطنيها , وكأنها مجتمعات ضائعة نتيجة للتركيز على البعد المادي وإهمال البعد الروحي عند الانسان, وقد عبّر المفكر محمد اراكون أحسن تعبير عن ذلك في مقابلة صحفية مطولة مع رئيس الحزب اللبرالي الهولندي قال فيها ردا على احد الأسئلة (( ان نموذج بلد كا السويد يدفع للتأمل والتفكير فعلا , فالسويد تعتبر من أرقى بلدان العالم , ونلاحظ ان الدولة تفعل كل شيء لحماية المواطنين اجتماعيا وصحيا وتوفير الرفاهية المادية لهم ’ ولكنها لا تهتم بحاجياتهم الداخلية او الروحية الحميمية فيشعرون بالوحدة والوحشة ويغرقون في الغم والكآبة وذلك لأن الجوانية الداخلية بغناها وتناغمها هي التي تتحكم بسلوك الفرد المواطن ونوعية حضوره في المجتمع , وربما لهذا السبب فان نسبة الانتحار أعلى ما تكون في السويد ))
ذاد في الطنبور نغما الدعوات الاشتراكية الأرضية ووعودها بإقامة الجنة للمؤمنين على الأرض بدلا من السماء , وتصديق الجماهير العادية لتلك الدعوة بعد تكنيس القيصرية على يد الاشتراكيين الروس , ولكن وبعد اقل من سبعين عاما ظهرت تلك الدعوات على حقيقتها والتي كانت غطاء لقمع وقهر اشد واعتي من قهر الدعوات الرأسمالية الكلاسيكية .
قلق الحضارة الحالية - على حد تعبير عالم النفس الشهير فرويد - قاد الانسان العفوي الحالي في كل أصقاع الأرض لينشد الهدوء والسكينة والطمأنينة لقلبه وروحه عن طريق الايمان من جديد , فكانت الصحوة الدينية الحالية وبشكل خاص الصحوة الاسلامية التي تحتاج وحدها الى وقفة تأمل من كل مفكري العالم , والتي تساندها الدعوة المسيحية بقول المسيح عليه السلام - ليس بالخبز وحده يحيا الانسان - ان حضارة الاستهلاك ذات البعد الأحادي هي المسئولة عن عودة الدين للحضور بهذا الشكل المذهل في عصرنا الحالي , الدين الذي يوازن بين القيم الروحية والمادية, تلك العودة التي تستمد منها الحركات الأصولية قوتها وتجعل الكثيرين يسجلون أسماءهم عندها ليفجروا أجسادهم بين الجموع احتجاجا على الكفر والظلم وهم مطمئنون بأن ربهم سيثيبهم عن عملهم في الدار الآخرة .
واذا تجسد الوجه السلبي لرد الفعل على البعد ألآحادي لهذه الحضارة بالإرهاب المروع الحالي الذي يعاني منه العالم الآن, فان علينا ان نرى وجه العملة الآخر . الوجه الايجابي المتمثل بالعودة للانسان وقيمه واحترام مشاعره وعاداته وتقاليده ( الانسان وحقوقه الأساسية وفي مقدمتها حريته الشخصية وضمان صحي واجتماعي وفرصة عمل له كما تنص دساتير منظمات حقوق الانسان التي تنبت كالفطور في كل مكان
لكن الخطر كل الخطر يكمن في تمكن أصحاب النفوذ والجاه في النظام العالمي الجديد من تفريغ تلك الحركة بركب موجتها من الداخل كما جرى في السابق ركب موجة الدين من الداخل , وحقيقة الأمر أن كثيرا من منظمات الانسان وحقوقه بدت وكأنها تتاجر به بنفس الطريقة التي تاجرت بها القوى الاشتراكية سابقا بشعار النضال ضد الأمبريالية
الخطر الكبير على الحضارة البشرية هومن تفريغ تلك الحركة من مضمونها الحقيقي وتحويلها الى أداة جديدة لقهر المستضعفين في الأرض ,
اذا تم ذلك لاسمح الله فان الإرهاب سيضرب الجميع وستكون حضارة الإنسان بأكملها مهددة على هذا الكوكب .
كامل عباس – اللاذقية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح