الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعد اربع سنين من انهيار الطغيان المشكلة العراقية في الحل

محمد خضير سلطان

2007 / 3 / 27
ملف / الكتاب الشهري - في الذكرى الرابعة للغزو/ الاحتلال الأمريكي للعراق وانهيار النظام البعثي الدكتاتوري , العراق إلى أين؟


بعد اربع سنين من انهيار الطغيان في العراق،وقبل مايربو على الاربعين عاما ما كنت اتوقع مثل الكثيرين من ابناء شعبي، باننا نشهد هذا الانهيار، يقع في المكان الخطأ، او بالاحرى فوق الضحايا والمضطهدين، وفوق معاناة وهموم العراقيين الصعبة لا لأن المحتل بالنتيجة العامة ،الحق الجلاد بالضحية من حيث يدري ولايدري، ولا لأن فلول النظام عادت في محاولة يائسة للتشكل من جديد بالتحالف مع الارهاب في ظل تململ الادارة العراقية وابطاء الادارة الاميريكية وعدم تسلم العراقيين السلطة بحزم في الوقت المناسب وانما لأن المواطن العراقي لم يجد قضيته في يده بالرغم من انها بدت كذلك في عدد من العمليات الانتخابية الا ان هذه العمليات بدلا من ان تخدمه، صارت تصب في مصلحة النخب المتصارعة على السلطة، وغدت تلك النخب بسرعة اكبر ماكنة لتجيير الاصوات الانتخابية الكاسحة وتحويلها الى اهداف سياسية ضيقة.
القضية عراقية الابعاد والعمق والمصير والهدف لكل العراقيين ، عراقية الارض والسماء، الزمن والتاريخ، المفقود والموجود، والضائع والمضيع، واذا لم ينهض العراقيون بمشروع ثقافي سياسي قائم على فهم مشترك، وعلى اساس قاعدة قانونية واجتماعية وسياسية، تراعي مقتضيات التحديث والمعاصرة لا التوافقية والوسطية كجزء من الحل، اذا لم يكن ذلك، لن تستطيع كل قوى العالم مهما ابدت من حسن النوايا والتعاون او تبييت المقاصد والعداء ان تحقق شيئا مفيدا او ضارا مادمنا لانؤمن مصلحتنا نحن وما دامت الاولويات الوطنية متناقضة لدى هذا الجانب ومتفاوتة عند ذاك،
وليس من الصعب على شعب مثل العراق ان يكتشف الانا الجمعية اسوة ببقية شعوب المعمورة في الحد الادنى اذا لم يكتشف نفسه خارج الهويات الفرعية التي لا يشكل مجموعها في السلطة والبرلمان محصلة الهوية الوطنية قدر ما يخلق تناحرا مستمرا داخل السلطة والبرلمان، وقضية الخروج من الهويات الفرعية المتناحرة في الخفاء والعلن لاتحسم بالشعارية الفلرغة وادعاء الولاء للوطن بدون مشروع ثقافي ،يحدد الرؤية الوطنية ، والرؤية الوطنية غير حاصل جمع المكونات ، وليس من المستحيل لو ازحنا الازمة الثقافية عند السياسيين العراقيين وادوار التسلط والفئوية وربط الزمن بالكرسي مثلما نزيح الازمة السياسية عند المثقفين وادوارالعزلة والاعتكاف عن الواقع والصمت واستبعاد المشاركة الحقة في تكامل ادارة المجتمع.
اربع سنين ولم نتجاوز بعد لحظة سقوط التمثال،
فيما ظهر مكتبيون وولائميون جدد، حلوا مكان الاقدمين، والمشكلة ان مفارقة تصنيع العبيد السادة في النظام السابق، أي الذين ينفذون اوامر سادتهم بلا وازع من ضمير او ناموس مهما كان قتلا حقيقيا او معنويا، كان النظام يعطيهم الاحساس الزائف بالتسيد على الضحايا فيضمن تواصلهم الحقير معه، ويؤمن كيانهم الاجتماعي تحت مبدأ القمع ، فيتحول القهر الى اذعان وتسليم يبدو طبيعيا في تراكمات مبدأ القهر المطلق ويكون سيد العبيد عبدا في الصميم كما يعبر الشاعر البريكان في احدى قصائده ،ولكنه يدرك ولايشعر فيما الضحية تشعر ولاتدرك، وحين يلتقي الادراك والشعور عند الطرفين، يكون التناقض والازدواج وفقدان النسقية الاجتماعية ، وهي احدى ظواهر السادة العبيد في النظام السابق،،
المفارقة الجديدة الخطرة، اننا نعد كل تأثير ضار بالنسيج الاجتماعي طارئا وعرضيا سواء استمر لاربعين عاما او اربعين شهرا كما في ظاهرة الاستبداد في مجتمعنا، ولم يؤكد الباحثون بأن المجتمع العراقي بمكوناته العامة هو المسؤول المباشر عن نمو وارتقاء الاستبداد كونه ظاهرة اجتماعية مثلما هي الظاهرة الهتلرية او الستالينية، لأن كيانات واسعة وآخرى صغيرة ظلت لحقب طويلة مقموعة، بعيدة عن المشاركة والتداول في لعبة السلطة في العراق الحديث بما يجعلها خارج محل الاتهام، ونظيفة الاثواب على اي مستوى واذا كان هناك افراد من هذه الكيانات غير المشاركة لهم دور كبير في تفعيل الطغيان فانما هم مرتبطون بالعرضي والطارىء على جوهر ثقافتهم الحقيقية البريئة مما علق بها،ولتتضح المفارقة، هذه المرة اذا ارتقى الطغيان( واذا هنا غير جازمة)، فسيكون جوهرا في المجتمع العراقي مرتبطا بظاهرة اجتماعية عامة، لأن المشاركة وتداول السلطة، تقومان على تكافؤ الفرص للجميع وفقا للنظام الديمقراطي العالمي الذي يدفع اوسع المكونات الى سدة القرار دون ان يصادر حقوق الاقليات طبعا، ولأن الظاهرة السياسية ترتبط بمقررات الظاهرة الاجتماعية الفاعلة الآن بعد ان كانت منفصلة عنها في العهود السابقة في ما عدا الصورة الاولية للعهد الهاشمي، ولنا ان نتصور مقدار الخطورة لو ارتكس الطغيان ثانية ليمثلنا هذه المرة ويعبر عن جوهر ثقافتنا جميعا بحيث لانستطيع نكرانه او نزعه من نسيج مجتمعنا، ولنا ان نتصور مبلغ الالم اذا ما لحق روحنا او وعينا ضرر من اهلنا واكثريتنا.
اربع سنين ، لم نستطع ازاحة الفكرة الشاقولية عن وضعنا السياسي، رأينا الطغيان في النظام السابق بالحسابات العلوية فقط، يرمى بقوة الى المزبلة، لأنه جاء من الخارج واستحكم من الخارج وازيل من الخارج ولكننا رأينا ايضا بام اعيننا وبالحسابات الارضية الانسانية الطغيان في صورته الاولية ، ينمو في المفاصل الجديدة، ويعشش في المحاصصة والفئوية واللا شعور المستحكم في سلوك المتبوئين الجدد ،يعشش في السادة العبيد الجدد ، وهذه المرة في وجه آخر اكثر ايلاما سوى انهم اقتسموا الاستبداد بالعدالة الموهومة، فلم تدم فرحة الناس حتى تبددت اوهامهم بالمصادر الطبيعية الغنية بالنفط والزرع وان لم تكن كذلك فبالكنوز المخبوءة في عمق الذات العراقية التي سوف تنطلق من عقالها لتعيد بناء ما خربه الاستبداد السقيم ، وستتضح سارية الدم العراقي الشهيد لترتفع عليها رايات العدالة والحرية والمساواة ، ونشهد دخولنا الزمن والعالم ونكون مثل الآخرين، لنا وطن وحقوق بصيانة القانون لاقانون لصيانة السلطة واستعباد الانسان وهدر حقوقه، ولكن أي وهم ، فالموتى من الغم وثكل الابناء والقتلى برصاص الجريمة على يد السادة العبيد والمدفونون نصف احياء بعد خروجهم من اقبية التعذيب،ما ان سمعوا بسقوط الطغيان حتى مادت بهم قشرة قريبة من سطح الارض، فازهرت عشبا ورضا ، ورفرفت ارواحهم فوق عراق خال من الجور والعدوان،
كنت اعتقد ويعتقد ملايين من العراقيين بأن سارية الدم العراقي المهدور في زمن وحروب البعث ، هي التي تحدد ابعاد الراية العراقية والوانها ورموزها، وهذه السارية بالضرورة سترتكز الى قلب الدولة العراقية الجديدة لا ان يعد الشهداء خسائر حرب ببرود سياسي واحصاءات عادية لمن ذهبوا على طريق التضحيات، لقد كانوا سخاء الدم الذي يحتاج الى وفاء العقل من قبل الاحياء لكي تتحقق حياتهم بعد الموت لا ان تقزم بطولاتهم على هذا النحو بعد اربع سنين من تحول التغيير الى شبح يحاصر الشهداء.
ثمة من يعتقد الآن بأن الانهيار كان سياسيا فقط بدون التكامل مع الوضع الاجتماعي ، أي ان عناصر التغيير المجتمعي لم تتهيأ بعد في واقع حقيقي فلم تبد اية اوساط اجتماعية نشاطا ملموسا خارج دعوة المؤسسة السياسية على كل الاصعدة، واذا كانت تلك الاوساط الاجتماعية والدينية بعيدة عن النضج السياسي والاطار المدني فان هذا ما سعت اليه نخبها المالكة للقرار باستغلال ضعفها ومصادرة حقها واهدافها في التغيير، واكتفت بابراز نشاطها على انه طقوس وشعائر ومواعيد مقدسة مع الموت والارهاب فيما ادرجت حساباتها السياسية في مكاسب مجيرة لصالح نخب القرار وليس مصادره، فلا غرابةان تلبي الملايين الزاحفة في اداء الشعائر والطقوس الدعوة السياسية مصحوبة بمباركة دينية بالزحف نحو صناديق الاقتراع دون ان تفصل بين الاثنين بل كانت الملايين تتماهى مع الاضرحة المقدسة حين تدس ورقة الصوت في صندوق الاقتراع، وهو اسمى فعل انساني ووجداني لو تبين فيه الفعل السياسي على الفصل لا التماهي ايضا ، وهناك فرق قيمي كبير، فمن غير المعقول ان يتماهى السياسي مع دوره العملي كسبا لاغراضه وينسى دوره الديني ايضا في ان يعطي لكل ذي حق حقه.
يقف السياسي امام الضريح وعينه على نتائج صندوق الاقتراع ويقف النادب امام الصندوق وعينه على الضريح المقدس.
اذا لم تطلق اصوات الناس الا لكي تدخل في نتائج الاقتراع على هذا النحو فانما تم تسخير الاصوات بطريقة لاتخدمها قدر ماتخدم الاهداف السياسية للنخب مهما كانت هذه النخب تزعم التمثيل الحقيقي للمجتمع وهو مضيعة للصوت الخالص وهدر لحقوقة المدنية المترتبة على مشاركته في صنع القرار، ولنفترض انها طريقة واقعية لاسباب شتى لحصد النتائج ومن ثم العمل وفقا للمعايير المدنية والقانونية في الوعي الانتخابي ، فهل حصل هذا بعد اربع سنين،
على ذلك يقوى الاعتقاد بان الانهيار كان سياسيا فقط، ويزداد في ان المنهار من هذه الوجهة سرعان ما يلقى شبيهه من التهيئة للبناء السياسي الجديد ولو اختلفت الاساليب، مادام لايعطي المشاركة الفعلية لمكونات المجتمع ومادام يعمل على توجيه قرارها وتعدين تطلعاتها باعتبار نتائج الاقتراع نهائية بالرغم من اصل تداخلها المعقد بما يخدم النخب المتصارعة على السلطة لا المتنافسة على ابتكار الارادة العليا لبلادنا بدلا من ضياعها في الصراع الخاسر.
اربع سنين مرت على انهيار الطغيان دون ان نتخطى لحظة سقوط الصنم، ولم تكن المشكلة في ذاتها وانما المشكلة في الحل، عندنا مشكلة الحل الاعلى من تصورات الطوائف والاعراق والاحزاب، الحل الذي يتسم بلغة آخرى غائبة، يدركها المثقفون والناس العاديون ، صانعو الافكار، عندنا مشكلة اختزال الديمقراطية في منظومة قسرية، اعتقدنا انها مناسبة لوضعنا الاجتماعي في حين لم تراع بحسابات عملية الشكل التكويني للمجتمع العراقي ، يدرك خطأها الوطنيون، عندنا مشكلة اختبار نتائج الاقتراع على مستوى اقامة الدولة وتسخير خاطىء لمفهوم الرعية باتجاه المواطنة، عندنا مشكلة اللامبالاة في الهدر الانساني والوطني للوقت والمال والدم، وعلى ذلك فالمشكلة تكمن في اثرها الوجداني الغائب عن المتصارعين وفي مقارباتها الفكرية المعاصرة، كيف نجد حلا لمشكلة ما اذا كانت المقاربة سلفية او ماضوية وقبلية؟ اين طريقنا الواضح او الاولي لبناء الارادة العليا على اساس مادي وليس معنويا ، وغيبيا واستلهاميا، اننا لاندرك الحل فكان هو المشكلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأرمن في لبنان يحافظون على تراثهم وتاريخهم ولغتهم


.. انزعاج أميركي من -مقابر جماعية- في غزة..




.. أوكرانيا تستقبل أول دفعة من المساعدات العسكرية الأميركية


.. انتقادات واسعة ضد رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق لاستدعائها




.. -أحارب بريشتي-.. جدارية على ركام مبنى مدمر في غزة