الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النظام العربي المهتريء والفاسد لن يسقط من تلقاء نفس

سالم جبران

2007 / 4 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


*هناك حاجة مصيرية لانطلاقة حركة قومية
إجتماعية، اقتصادية، ثقافية ديمقراطية تحرر أمتنا
العربية وتعطيها ثقة بالنفس لمجاراة العصر والأمم

لم يكن العالم العربي، منذ نكبة 1948 في فلسطين في وضع رديء ومهتريء، كما هو الآن. كل مدّ الثورات الانقلابية العربية، التي قادها العسكريون في الخمسينات والستينات. والتي خلقت وهماً بانتقال نوعي مُلْهِب للوجدان القومي العربي، لم تلبث أن خيَّبت الآمال، بشكل صارخ وموجع: حلم الوحدة القومية ارتطم على أرض الواقع، والأنظمة "الثورية" تحوّلت إلى أنظمة عسكرية ديكتاتورية همها ترسيخ وبقاء امتيازات "النخبة الحاكمة" الجديدة، العسكرية أكثر من التقدم القومي.
وكلما كان الوقت يمر، تحولت هذه الأنظمة إلى أنظمة شمولية ديكتاتورية، وتحوّّل الوطن كله إلى "أملاك خاصة" للنخبة الحاكمة، السياسية-العسكرية، أو – وهذا أصح- العسكرية السياسية.
والديكتاتورية المطلقة أنتجت الفساد المطلق. كلنا نتذكر فضائح النظام التي تم كشفها في مصر، بعد هزيمة حزيران، وكلنا نتذكر الفضائح "الغرامية" أيضاً، التي تدل على الفساد المطلق والنسيان المطلق للمسؤولية القومية والاجتماعية تجاه الوطن والمستقبل، من قِبَل مارشلات كبار.
بالإضافة لذلك فإن أية دولة عربية "ثورية" لم تتمكن من أن تقيم خطة اقتصادية- اجتماعية شاملة لنقل المجتمع من التخلف والفقر والجهل إلى التنمية الصاعدة. إننا نسمع الآن من باحثين مرموقين أنه بينما دول شرق آسيا أحدثت نهضة نوعية ورفعت مستوى معيشة الشعب، وضاعفت مراراً الإنتاج القومي العام، فإن عالمنا العربي ظل يزحف، وهماً، إلى الأمام بينما هو مكانه لا يتقدم، بل يتأخر وتتفاقم أزمته ويزداد فقره الشامل.
فليسمع العالم العربي كله، من المحيط إلى الخليج: إن مجمل الإنتاج القومي السنوي العام في إسرائيل (سكانها سبعة ملايين نسمة) أكبر من الإنتاج القومي العام في مصر (سكانها سبعون مليوناً).
لم تحدث ثورة اقتصادية ولم تحدث ثورة اجتماعية، ولم تحدث ثورة تعليمية حقيقية: مؤخراً التقيت، في العاصمة الأردنية عمان مع أستاذ جامعي سوري. وعندما بدأ يحدثني عن أسلوب التعليم الجامعي في بلاده أحسست أن النظام هناك لا يدرك الفرق بين الدراسة الثانوية والدراسة الجامعية، كما لا يدرك أن نظاماً جامعياً لا يقوم فقط على صناعة "التعليم الجماهيري"، بل بالأساس، وفي العالم كله، هو الرافعة العلمية للمجتمع كله، هو الدفيئة للاختراعات، هو الدفيئة للمبادرات لتحديث المجتمع، تحديث كل شيء، الصناعة والزراعة والإدارة والإنتاج المنوَّع والعصري. إن دولة لا تملك نظاماً جامعياً إبداعياً، في كل العلوم هي بالتأكيد نظام متخلف، نظام من العالم الثالث. والتخلف يولد المزيد من التخلف.
وعلينا أن نسأل بكل صراحة، هل نظام ديكتاتوري يقوم على "الحزب الواحد" والرأي الواحد، قادر أن يخلق التعددية في الجامعة وفي مراكز الأبحاث إن وُجِدَت، وحتى في الآداب والفنون؟
الإنسان العربي المثقف والواعي يرى العاصفة العلمية العالمية، التي تبشر بتحولات جذرية في حياة البشر، وفي المصير الإنساني كله. إن الإنجازات العلمية العالمية أسرع من قدرتنا على الاستيعاب، وماذا نرى في عالمنا العربي: موسم محل وكارثة إنسانية مستمرة. قال لي ذلك الصديق الجامعي من سورية، وهو يبكي الحظ العربي: عندما ينتهي النفط في السعودية. كيف سيعيش الشعب؟ وعندما ينتهي النفط في الكويت،وفي الجزائر وفي ليبيا، كيف ستعيش شعوبنا؟ وقال بمرارة باكية: "ربما سنعود بدواً رُحَلاًّ" !!
حتى موضوع الزيادة السكانية الطبيعية لا يمكن أن يعالجها بنجاح، نظام متخلف اقتصادياً واجتماعياً ومسكوناً بالشعوذات والخزعبلات. إن مجمل النهضة العلمية- الاقتصادية- الاجتماعية-الثقافية، والمساواة الحقيقية للمرأة- هي ما يؤدي إلى تخفيض حقيقي جذري للزيادة الفائضة التي تقود، للأسف، إلى زيادة ملايين الجياع، سنوياً.
إن الثورة العلمية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ليست حلماً جيداً، نحققه أو لا نحققه، فالحقيقة أننا إذا لم نحقق هذه الثورة فالبحر من أمامنا والعدو وراءنا.. وربما الكارثة من وراءنا ومن أمامنا!
إذا رفعت القوى العصرية في العالم العربي شعار: "النهضة الشاملة أو الموت" فإننا لا نبالغ، ولا نخوِّف شعوبنا بلا سبب.
كل هذا الكلام يقودنا إلى مسألة أخرى أساسية جداً: هل العالم العربي، في حالته الراهنة، قادر أن يصوغ وينفذ استراتيجية سياسية قومية، حقاً، تجسد المصلحة الراهنة والمستقبلية لأمتنا؟ الحديث لا يدور عن رأسمالية أو اشتراكية، الحديث يدور حول القدرة على صياغة وتنفيذ سياسة استقلالية تحديثية جذرية.
فرنسا تتفق مع الولايات المتحدة أحياناً عندما تتطلب المصلحة الوطنية ذلك. الصين تتعامل مع الولايات المتحدة ومع كل الدول، انطلاقاً من خدمة المصلحة الوطنية الحقيقية الاستراتيجية للصين.روسيا، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي تبني نفسها دولة كبرى وطنية تنطلق في كل علاقاتها من مصالحها القومية. حتى دولة في حجم ايطاليا قادرة، أحياناً، أن تأخذ مواقف تتعارض مع الولايات المتحدة ومع حلف الأطلسي، إذا تطلبت المصلحة الوطنية –اقتصادية أو تجارية ذلك.
أية دولة عربية قادرة فعلاً أن تنفذ حلم جمال عبد الناصر بكنس الوصاية الأجنبية وترسيخ السيادة الوطنية الحقيقية؟ إننا نحس، بألم مأساوي، عندما نجد أن العالم العربي، من المحيط إلى الخليج- عاجز وتابع. هناك أحياناً صراع ليس له رصيد، ومؤخراً قلَّ الصراخ أيضاً!
لا نقصد شعوبنا العربية، فهي مقهورة من أنظمة البطش والتخلف والفساد والإرهاب السلطوي، وأنظمة البطش والفساد والتخلف هي العاجزة وهي التابعة، هي الأسد الغضنفر على شعوبنا المقهورة، والنعامة الذليلة أمام الغرب الاستعماري وإسرائيل!
لقد ضاعت فلسطين عام 1948. فهل ننتظر الآن إلى أن يتم ضياع العراق؟ هل تظل "العائلات" الحاكمة تخزن المليارات في البنوك الأجنبية (الأمريكية أساساً) بينما شعوبنا متخلفة وجائعة؟
سمعنا، مؤخراً، أن الأوساط العسكرية الأمريكية عندها خطة بدأت باحتلال العراق، ولكن لم تنته عنده. والمشروع الأمريكي سوف "يعالج" لبنان والسودان وليبيا وسورية والصومال، وأيضاً ايران، إلى أن تصبح منطقتنا كلها منطقة آمنة للاحتلال الأمريكي، العسكري- الاقتصادي الشامل.
علينا أن نقول، بأعلى صوت، حتى تسمعنا الأمة العربية كلها: النُخَب الحاكمة في عالمنا العربي عاجزة عن صياغة وتنفيذ استراتيجية استقلالية نهضوية قومية فعلية. ولعلها لا تفكر وتخاف أن تفكر بخطة استقلالية ونهضوية وقومية. وربما تفكر أن خطة استقلالية ونهضوية وقومية هي حكم بالإعدام والسقوط على النظام العربي الحاكم. وقد يكون هذا صحيحاً.
كل هذا يقودنا إلى الصراخ بأعلى صوتنا أن الجواب على الواقع العربي الكارثي ليس إقامة "جمعيات مدنية نخبوية" وليس أحزاباً هلامية هشة بإمكان النظام في كل لحظة أن يدمرها كلياً، وليس الهجرة إلى الغرب لمحاربة الأنظمة الفاسدة، من "مواقع آمنة" في الجامعات الغربية، وليس المطلوب الصراخ اللاهث، أو التفتيش الوهمي عن تيارات "عاقلة" داخل الطغم الحاكمة.
هناك حاجة إلى مشروع قومي شامل يضم كل القوى الوطنية واليسارية والديمقراطية في كل الوطن العربي، ويطرح مشروعاً يجمع بين المصلحة القومية والكرامة القومية والمصالح الاقتصادية والصراع لنشر التنوير والتعددية والنهضة بين الجماهير الشعبية المسحوقة، فلن تبلغ أية حركة سن الرشد وسن الصمود الفولاذي في وجه الأنظمة الديكتاتورية والفاسدة والشرسة، إلاّ إذا انخرطت الطبقات الشعبية العريضة، العمال والفلاحون وملايين العاطلين عن العمل في المد النهضوي الثوري الذي تقوده الحركات الفكرية والسياسية والثقافية التي تصوغ حلم الثورة القادمة وتشارك في تنفيذه.
هل صرنا أمة ميتة يصح عليها قول أبي الطيب المتنبي:
مَن يَهُن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت ايلام
لماذا بإمكان شعوب أمريكا اللاتينية، شعباً بعد آخر أن تصفع أدولف بوش بالحذاء، وأن تحقق الثورة والاستقلال، وليس بإمكاننا؟
كذِب كذبٌ أننا نعيش تحت الرحمة الأمريكية، فكل شعب يبني مقومات الصمود الحقيقي والوحدة الوطنية والاندماج بالعصر، قادر أن يحقق الاستقلال والنهضة، قادر أن يواكب العصر ويتقدم إلى المستقبل بثقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اضطرابات في الإمارات لليوم الثالث بسبب سوء الأحوال الجوية


.. -الرد على الرد-.. ماذا تجهز إسرائيل لطهران؟| #الظهيرة




.. بوتين..هل يراقب أم يساهم في صياغة مسارات التصعيد بين إسرائيل


.. سرايا القدس: رشقات صاروخية استهدفت المدن المحتلة ومستوطنات غ




.. أصوات من غزة| ظروف مأساوية يعيشها النازحون في العراء بقطاع غ