الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كنت شيوعيا ولكن لم اكن اعلم !!

جاسم المعموري

2007 / 4 / 4
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


في منتصف السبعينيات من القرن المنصرم كان الحزب الشيوعي العراقي يعاني حصارا محكما من قبل نظام الحكم البعثي الديكتاتوري السابق , وكنت في ذلك الوقت طفلا صغيرا لا افهم في السياسة شيئا ولا اعرف ماذا تعني مفردة " حزب " ولكنني كنت شيوعيا !! ......
كانت مدينة النجف الاشرف التي حباها الله بالكثير من الامتيازات دون غيرها من مدن الدنيا تمد عنقها لتلامس السماء وتغرس قدميها في اعماق الارض التي حملت تاريخا لانظير له وكانت بين هذا وذاك أم لفلذات اكباد لم تنجنب الدنيا مماثلين لهم .. كانت تمثل تحديا كبيرا لفكر جديد مغاير تماما لما اعتادت هي عليه , وكانت محقة في ذلك بلا ريب , بل كانت تنال احترام كوادر الحزب الشيوعي , وهو الحزب الذي لايحترم الذين يتخلون عن مبادئهم وتاريخهم وعقائدهم , لذلك كانت النجف نده العنيد وخصمه الصعب , حيث كان يخوض معها ومع تاريخها الشامخ العتيد ومع رجالها الذين عرفتهم الدنيا باجمعها ولم ينكرهم الا نكرة لايعرف التاريخ ولا التاريخ يعرفه صراعا فكريا مديدا ومريرا لكنه كان صراع الافذاذ الذي انتج للجانبين تراثا فكريا رائعا مازالت الاجيال تتصفحه وتقرا النور الذي بين صفحاته وسطوره .. وكانت النجف العزيزة الحبيبة
رغم ذلك كله المركز القيادي الاهم والاكبر للحزب الشيوعي العراقي وكانت النجف .. وكانت وكانت .. وكنا صغارا يلهب حرها اجسادنا ويزيدها سمارا على سمارها , حيث ملاعبنا امام البيوت والمحلات الصغيرة التي يزينها بائعي الايس كريم والنمنمات والحلويات ولفات الساندويج المعطرة بالعمبة الهندية وبائعي اللبلبي والباقلاء التي كانت تجوب شوارع خان المخضر او تقف على جوانب الطرق .. وكنا نلهو باطارات السيارات والدراجات البالية ندفع بها نحو المجهول دون هدف او غاية حتى يوقفنا اصطدامنا بشيء ما او صرخة مفزعة من عابر سبيل ضاق ذرعا بحركاتنا البهلوانية حوله..وفي احدى جولاتنا الميدانية التي نجوب بها شوارع الخان توقف الجميع فجأة والتفتوا الى الوراء ثم التفتوا نحوي بشكل سريع
والخوف والارتباك باد عليهم قائلين ان اخي ( جواد ) يناديني فسقط اطار الدراجة البالي من يدي واخذ يترنح على اسفلت الشارع وهرولت مسرعا باتجاه اخي ناسيا اعز ما املك من لعبة سخرها لي الحظ السعيد ملقاة هناك .. وعندما اقتربت منه قال لي : اذهب الى محمود الخياط واجلب منه الجريدة .. استدرت ولم اكد انقل خطوتي الاولى باتجاه محل محمود حتى قال لي : لا .. اذهب اولا الى عزيز الخباز ثم الى اياد العطار وجودي النداف وقل لهم : ( اليوم الساعة السابعة والنصف في بيت علاء ثم اذهب الى محمود وقل له نفس الشيء واجلب معك الجريدة ) .. ركضت لتنفيذ المهمة حامدا الله انه لم يوبخني لانه راني العب باطار الدراجة والان فقط بدات افكر فيها هل سرقها احد ما ام مازالت ملقاة على الاسفلت كان قلبي كله معها .. جلبت الجريدة المزينه بالاسم الشهير ( طريق الشعب ) المكتوب تحت اسمها ذلك الشعار الاشهر ( وطن حر وشعب سعيد ) ولكنني لم اكن اعلم ان علاء هو الاسم الحركي لاخي جواد .. وفي المساء كان الجميع في قبو بيتنا ( السرداب ) جاء معهم جميع اخوالي ايضا , ولكن كان معهم جمع غفير اخر لم ارهم من قبل او اعرف اسمائهم , لم اكن اعرف في ذلك الوقت انهم جاءوا من اجل اجتماع حزبي وانني كنت البريد الذي يوصل لهم المعلومات ويخبرهم عن مكان وزمان الاجتماع .
ولطالما كنت انام بجانب اخي وهو في نقاش مستمر مع الاخرين انظر الى شفتيه والى يديه حين يحركهما وهو يتحدث حتى اغفو , لأسمع احدهم يقول الى الاخرين ها قد نام اصغر الشيوعيين سنا في العالم , وحيث ينام النجفيون فوق سطوح المنازل في الصيف اجد نفسي نائما فوق سطح المنزل في صباح اليوم التالي . لقد علمني الشيوعيون حب الاسلام الطاهر النظيف وعلموني حب محمد صلى الله عليه واله وحب ال بيته الغياري الميامين .. كان اعجابهم شديدا بعلي بن ابي طالب والحسين ومسلم بن عقيل وزيد الشهيد وغيرهم من رموز الاسلام ذلك الدين الذي يعتبرونه اساس الحضارة العربية ويكنون له منتهى الاحترام ويتفاعلون مع افكاره ومنجزاته وفكره وتراثه وكانوا دائما يتحدثون عن تلك النقاط الهامة والمضيئة في تاريخ الامة بشكل تفصيلي دقيق محاولين الاستفادة منها وجعلها نبراسا في العمل النضالي الشاق الذي كانوا يضطلعون به , ولقد كان لتلك الفترة من حياتي اثرا مفصليا دفعني بشكل كبير جدا ان اختار الاسلام طريقا ومبدءا وعقيدة ولكنه الاسلام النظيف من الشواءب والنقائض والنقائص والجهل والتخلف والعنصرية والتمييز والعنف والارهاب والاجبار والترهيب والترغيب والنفاق والمراءات التي يتصف بها اغلب المسلمين اليوم بعد ان ابتعدوا عن فهم الدين بالشكل الذي اراده الله تعالى لهم , حتى اصبحت أؤمن ان الدين لايمكن ان يكون اداة للوصول الى السلطة الا اذا عاد الى الفترة المحمدية التي اتسمت بكل ما يؤهل الدين من دعائم لتحمل المسؤولية بورع ونقاء وشفافية وامانة وشرف وثقة , بل ان تكون السلطة هي التي تدعم الدين وتحترم حرية الاختيار وتسعى لحماية المجتمع وعقائده وان كانت سلطة يقودها الفكر العلماني ...
كنت اسمعه وهو يحملني من السرداب الى فراشي فوق سطح المنزل القريب جدا من مرقد الامام علي بن ابي طالب ع بحيث كنا نسمع دقات الساعة الافرنجية الكبيرة بشكل واضح جدا يوقضنا من منامنا وكنا نسمع الاذان بشكل اوضح ونسمع كلمات ابي واخي الكبير وامي حينما يستيقضون لاداء الصلاة .. كنت اسمعه يقول وهو يتجه صوب القبة والمنائر الذهبية للمرقد الشريف : ( السلام عليك يا اشجع الناس واكثرهم ثباتا على المبدأ .. قل لي بالله عليك متى نرى العراق حرا مسقلا يقام فيه العدل والانصاف وترتفع فيه منائر الحرية والكرامة التي ناضلت انت من اجلها حتى اتاك اليقين ) وعندما كبرت سالته عن سر حبه للامام علي فقال لي : ( انه كان معلمي الاول وانه الرمز الذي استقي منه شجاعتي وثباتي وانه الجذور التي تشرب من خلالها شجرتي طاهر القيم والمعاني لتثمر طيبا ورجولة وشرفا ونقاءا ..) وكانت المناظرات التي تدور بين رجال الدين العلماء وبين الشيوعيين اثرا فاعلا وكبيرا على ثقافتي في نمو العقيدة وحب الوطن والثبات على المبدأ وحرية الاختيار والنضال من اجل اقامة حكومة العدل والمساواة المؤمنة بطريق الشعب في اختيار حكومته عن طريق صناديق الاقتراع تلك الحكومة التي يحكمها الدستور الذي يخط حروفه وكلماته الشعب نفسه .....
وعندما كبرت اكثر سألته لماذا اختار الحزب الشيوعي الطريق السلمي في النضال من اجل الوصول الى السلطة .. فقال لي : ( ان الوصول الى السلطة .. أية سلطة .. اذا تم عبر استخدام السلاح وقتل الاخرين فانه طريق غير شرعي ولا يفضي الا الى سلطة غير شرعية , لان القاتل لا يمكن ان يكون مقيما للعدل والمساواة وانه لايمكن ان يسمح بالحرية والديمقراطية وسيسحق كرامة الشعب ويدمر ثروات الامة .. ) فقلت له اذن كيف سمحتم للبعثيين ان يذبحوا العراق ويسرقوا السلطة من ابناءه .. فقال : ( لانهم تعلموا من التاريخ كل مكر وخديعة والغاية عندهم تبرر الوسيلة وان السلطة بالنسبة اليهم اداة لقمع الشعب فكان وراءهم اعداء العراق واعداء الشعوب التي تناضل من اجل الحرية يدعمونهم بكل الوسائل حتى حصلوا عليها فسجل لهم التاريخ عارات يندى لها حتى جبين الشيطان ..) وهكذا مازلت لا افهم الحزب الشيوعي العراقي الا بهذه الصورة الناصعة النقية المفعمة بحب الشعب والوطن والوفية لكل قضاياه المصيرية وان املي كبير جدا بأن يبقى هذا الحزب محافظا على تلك الروح الطاهرة في هذا الزمن الصعب الذي يمر به الوطن. واذ تمر الذكرى الثالثة والسبعين على تأسيسه وخوضه لكل تلك التجارب الكبيرة والتحديات الصعبة فاننا نرجو منه ان يعلم ان احترامنا وحبنا له نابعا اساسا من احترامه وحبه واخلاصه لشعبه وان اي خلل في تلك الصفات الحميدة التي اتصف بها سيدمر العلاقة المتينه بينه وبين ابناء شعبه .. فتحية لهذا الحزب الذي قدم التضحيات لشعبه دون مقابل وناضل جنبا الى جنب مع جميع المناضلين الاخرين من اجل القضاء على الشيطان الذي جثم على صدور العراقيين اربعين عاما , ونتمنى له ان يسجل المزيد من صفحات الشرف والكرامة في سفر العراق المجيد .. والسلام على جميع شهداء الحرية في العالم من الرسل والانبياء والعلماء والمصلحين الى العمال الكادحين ...
جاسم المعموري
سانت لويس
3 - نيسان - 2007








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيتزا المنسف-.. صيحة أردنية جديدة


.. تفاصيل حزمة المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل وأوكرانيا




.. سيلين ديون عن مرضها -لم أنتصر عليه بعد


.. معلومات عن الأسلحة التي ستقدمها واشنطن لكييف




.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE