الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العبث ، و أحلام التجدد

محمد سمير عبد السلام

2007 / 4 / 8
ملف / الكتاب الشهري - في الذكرى الرابعة للغزو/ الاحتلال الأمريكي للعراق وانهيار النظام البعثي الدكتاتوري , العراق إلى أين؟


ترتبط ذكريات الحروب دائما بالنماذج المتجددة من النصوص ، و اللوحات ، و الأحلام ، و الأحداث في شكلها التأويلي ، أو الكوني ، أو الوجودي ، أو الثقافي دون إطار ، أو خطاب أحادي ، و لكن في صورة تفاعلية جديدة تتجاوز حدود الزمن الخطي ، في اتجاه إعادة التكوين المولدة من تكرار صور دمار العالم .
عندما تتجدد ذكريات الحروب تقفز غريزة الموت عند فرويد إلى الوعي ، و تصير تأويلا لشكلية العنف المتكررة ، و ارتباطها بأحداث جنسية ، أو اغتصابات تصويرية بالأساس ، كما تبرز وحشية الواقع ، ضمن الفوتوغرافيا كما هو عند سوزان سونتاج ، و البورنوجرافيا التفاعلية للعنف عند جان بودريار ، و التأويل السردي / الوجودي في آن للمأساة عند بول ريكور .
و قد يخرج العمل الفني من إطاره ، فيصير تكوينا انتشاريا يقع مع ذكرى الحرب في علاقة تداع تشبه الكتابة الأولى عند ديريدا ، فيفقد ارتباطاته الزمنية ، و يصير حرا ، و فاعلا في الواقع ليعيد تشكيل الوعي بالحرب ، إلى ما يتجاوزها من تأمل للتدمير يولد إيحاء بضرورة التسامح ، و إقامة تفاعل خارج إطار العنف كخطاب للهيمنة ، و الهيمنة المضادة ، فالتدمير في لوحات فرانسيس بيكون مثلا يتجدد في التشويه القصدي الذي يقع على الجسد ، حتى يتبخر الأخير ، و لكنه يترك بقعة ، أو كتلة من اللون / اللحم يؤسس لمقاومة العدم ، و للتسامح إزاء الأثر باستعادة التكوين الأول في المخيلة دون انفصال عن حدث التدمير الذي يبدو هنا صورة سردية تأملية لا أكثر ، لكنها تحيا بصورة مضادة في ذكرى الحروب لتكشف عن تكرار العنف ، و استعادة الوجود في السرد المتخيل مرة أخرى .
كذلك عند تجدد قراءة بيكيت ، و يوجين يونسكو نجد تكرارا تحريفيا لمسرح العبث في شكل تأويلي ضمن الواقع نفسه ، و ما يخلفه من آثار تعيد إنتاج النص في السير الذاتية الواقعية لمشاهدي أحداث الدمار ، و غيرهم .
في سيناريو كتبه يونسكو بعنوان الغضب نجد فيه العالم قد بدا في مناخ ربيعي هادئ ، ثم تحدث الخلافات ، و التعارضات اللغوية العبثية عقب وقوع ذبابة في طبق الزوج الشاب الذي يتهم امرأته بأنها وضعتها عمدا في طبقه ، ثم ترد عليه الزوجة بأن هناك من حذروها منه قبل الزواج ؛ لأنه مجنون ، و تتوالى مشاهد العراك في سرعة متناهية ، و تقع في علاقات تداع مع أرشيف الحروب ، و الكوارث الكونية حتى يتولد الغضب ذاتيا في رجل يشاهد التليفزيون ، و ينفجر رأسه قبل نهاية العالم ، يقول يونسكو :
" السيد جالس إلى إحدى الموائد في إحدى المقاهي ، هادئ في البداية ، و شيئا فشيئا يستولي عليه الغضب من تلقاء نفسه . و كاما زاد العراك ، زاد غضبه أيضا عاكسا صورة العراك بطريقة صامتة ، و قبل أن تنفجر الكرة الأرضية نرى وجهه الذي أصبح قرمزيا ينفجر أيضا ... تظهر المذيعة بابتسامتها المشرقة كاشفة عن أسنانها الجميلة ، و تعلن قائلة : سيداتي سادتي ، بعد لحظات ستحل نهاية العالم " ( راجع / يونسكو / الغضب ، ضمن الأعمال الكاملة ج 1 / ت / د / حمادة إبراهيم / هيئة الكتاب المصرية 2006 ص 490 و 491 ) .
لقد صار الرجل / الجزء فضاء ، أو كونا يجتمع فيه العراك ، و الزلازل ، و تجدد أرشيف الحرب العالمية الثانية ، و الزلازل ، و البراكين ، و الربيع ، ففقد ذاتيته ، و صار وظيفة للانتشار التصويري الواقعي في آن للحرب ، التي بدت داخلية ، و خارجية ، و كونية معا في الأثر الذي صار بديلا عن حالة توليد مستمر للغضب في العالم فتحطمت إنسانيته . إن الصوت المتكلم الذي مارس من قبل عبث تعارضات اللغة ، و التواصل المستحيل ، أصبح صامتا لكنه يؤدي حالة العبث ضمن وجوده الفردي ، هل تولد الرجل من فراغ دموي تركته حالة الصراع الأولى ؟ هل رغب في تجاوز كينونته الحاملة لتاريخ التعارض حاملا حلما ربيعيا آخر ؟
و كأننا عقب الإعلان الهادئ للمذيعة أمام أمرين :
الأول : انقلاب فيلم الغضب إلى سيناريو ذاتي التكوين في الذات ، مما يجعله سيرة لاواعية للصورة البديلة عن الذات الأولى الغائبة ، ثم يتحقق التداعي التأثيرى لصور التدمير من الذاكرة ، و الكوارث طبقا لعلاقات نصية ، و وجودية ، و حقيقية معا ، و قد نجد لهذه العلاقات مكانا عند رينيه جيرار ، و بودريار بصور مختلفة لتأويل عنف العالم .
لقد اشتعل العبث خارج حدود المسرح ، أو الصورة السينمائية ، فصار عنفا داخليا في صيرورة الذات ، أو إمكانية باقية كأثر في الذاكرة الإنسانية .
الثاني : تستعيد حالة الهدوء في بداية النص ، و نهايته التي تسبق نهاية العالم صورة الربيع ، و أساطير التجدد ، و نستطيع أن نتذكر قصص تموز ، أو أدونيس ، و أوزوريس ، و قوة ديونسيوس ، هذه الصور تعمل في صخب الغضب ، و تجدد الفراغ المتولد عن لحظة النهاية ، بتجديد حلم الحياة ، و التجاوز ، إذ لا يمكن تصور العبث بعيدا عن هذا الحلم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الفرنسية توقف رجلاً هدد بتفجير نفسه في القنصلية الإير


.. نتنياهو يرفع صوته ضد وزيرة الخارجية الألمانية




.. مراسلنا: دمار كبير في موقع عسكري تابع لفصائل مسلحة في منطقة


.. إيران تقلل من شأن الهجوم الذي تعرضت له وتتجاهل الإشارة لمسؤو




.. أصوات انفجارات في محافظة بابل العراقية وسط تقارير عن هجوم بط