الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوطني الحقيقي- إنساني بالضرورة

سالم جبران

2007 / 4 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


السلام بالاتفاق أو استمرار الكارثة!
يتسع النقاش السياسي العميق والموجع بين الأقلية العربية الفلسطينية داخل إسرائيل، وأيضاً داخل المؤسسة الحاكمة في إسرائيل وداخل المجتمع اليهودي في إسرائيل، حول مستقبل العلاقات اليهودية- العربية داخل إسرائيل.
لنقل أولاً حقيقة لا نقاش حولها وهي إن الأقلية العربية الفلسطينية تعيش في وطنها، في أرض آبائها وأجدادها، ومع هذا فإن النظام الإسرائيلي يتعامل معنا كغرباء، ويتعامل معنا كخطر ديموغرافي، ويتعامل معنا كطابور سادس، بالإضافة إلى أننا مهمشون سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. إن "تعايش" هذه الحقائق جميعاً معاً، تجعلنا نعيش حالة غير طبيعية وتجعل القلق العميق والتوتر الدائم نصيب كل عربي يفكر في الحاضر والمستقبل، وتجعل العلاقات اليهودية- العربية مأزومة بشكل مقلق.
وعلينا أن نعترف من ناحية ثانية أن إسرائيل مهما تكن قوية عسكرياً وسياسياً واقتصادياً فإنها تظل "جزيرة" في قلب محيط عربي، وتجعل اليهود عموماً بتوجيه من النظام، يعيشون حالة من القلق والخوف وهناك يهود كثيرون، غير متطرفين يشعرون بالقلق الذي يصل إلى حد الهلع من المستقبل.
نحن بحاجة موضوعية إلى تحليل وتعريف حالتنا وصياغة الصيغة الصحيحة والممكنة والمعقولة، للمستقبل، بعيداً عن الأوهام وبعيداً عن التصور بأن تخيلاتنا الذاتية بديلة للواقع!
لقد رأينا العديد من المثقفين القوميين الذين يقبلون تماماً المشروع العربي يناضلون لمدة، ثم ينسحبون إلى الدول العربية أو الأجنبية. بإمكان مثقف "فذ" أن يضع أمام عينه "خيار الرحيل" أو "الرحيل المؤقت" كما أسماه بعض المتفذلكين، ولكن هل يمكن لشعب بكامله، مليون وربع من البشر، أن يختار هذا الطريق؟ وهل من الصحيح اختيار هذا الطريق؟ هل المجتمعات العربية عندها نقص بالسكان ولذلك " ننقذها" إذا رحلنا إليها؟ وهل من المنطق والعدل فلسطينياً، أن نرحل بعد أن تشبثنا بأرضنا خلال الستين سنة الماضية، تحت ليل الحكم العسكري والقمع والتنكيل؟
لنتفق أولاً أن الرحيل مأساة تصل إلى حد الخيانة. لنتفق أولاً، إننا باقون في مدننا وقرانا، وهذا طبيعي وهذا منطقي وهذا صحيح، فلسطينياً، وإنسانياً أيضاً.
كيف نتعامل مع المجتمع اليهودي، مع الأكثرية اليهودية؟ هل نبادر للانعزال؟ هل نبادر للقطيعة؟ هل هذا لمصلحتنا؟ هل نضر المجتمع اليهودي أم نضر أنفسنا، نطلق الرصاص على أنفسنا، إذا بادرنا إلى الانعزال والقطيعة؟!
أحقاً هناك خطر أن "نندمج" و"نذوب"؟ خلال ستين عاماً في ظل قطيعة مطلقة عن العالم العربي، بقينا وطورنا وعياً قومياً وثقافياً وأدبياً وحافظنا على ذاكرتنا الجماعية وحافظنا على فولكلورنا وعندما التقينا أهلنا من الضفة والقطاع بعد حرب 1967 ذُهلوا، ايجابياً، من عمق تمسكنا بهويتنا الثقافية واللغوية وعطشنا المقدس إلى تطوير هويتنا الحضارية. فإذا كنا لم نذب في ليل الخمسينات من القرن الماضي، أليس سخيفاً أن يظن أحد أننا سنذوب الآن؟ّ
يبقى بعد هذا السؤال: هل بإمكاننا أن نؤثر على المجتمع اليهودي لصالحنا كأقلية قومية ولصالح شعبنا الفلسطيني ولصالح الحياة المشتركة؟
أنا أقول بشكل قاطع، نعم بإمكاننا إذا وضعنا لأنفسنا مشروعاً وطنياً وإنسانياً معاً، وإذا قررنا "اختراق" المجتمع اليهودي والتأثير عليه فكرياً وسياسياً واجتماعياً وإنسانياً وإذا قدمنا لهم الفلسطيني إنساناً أولاً وإنساناً دائماً، لا يخاف ولا يخيف، يريد الحياة له ولا يهدد حياة الآخرين.
هناك إمكانية جدية واسعة نسبياً، للتأثير على المجتمع اليهودي، وهناك أدباء وصحفيون وأساتذة جامعات وطلاب وأناس من كل القطاعات ليسوا مع الحكومة وليسوا مع الاحتلال ويتعاطفون مع المطامح القومية للشعب الفلسطيني، ولكنهم يريدون أيضاً مكاناً مضموناً لهم أيضاً كشعب.
أنا اعتقد أن الحل الوطني حقاً، الصحيح حقاً والممكن حقاً، هو الحل الإنساني وليست هناك وطنية غير إنسانية ويبدو لنا أن الأوهام القومجية الفارغة سقطت على أرض الواقع عبر أكثر من نصف قرن ولم تجلب إلاّ المزيد من المآسي .
إن الحل للنزاع القومي، الفلسطيني-اليهودي والعربي –الإسرائيلي، لا يمكن أن يكون إلاّ حلاًّ يضمن المستقبل للشعب الفلسطيني المستقل وللشعب اليهودي المستقل. إن التقسيم لأي وطن موجع، ولكن أحياناً التقسيم هو أقل الأوجاع، والعناد القومي يقود إلى الكارثة. كل جعجعة الأنظمة العربية الفاسدة عام 1948 لم تنفعنا، رفضنا التقسيم وأخذنا حالة أسوأ ألف مرة من التقسيم الذي كان مقترحاً!
إن الأقلية الفلسطينية في داخل إسرائيل يجب أن تتعامل سياسياً واجتماعياً لتحقيق عدة أهداف مترابطة:
أولاً: تقليص منهجي ومستمر للتمييز القومي والتهميش القومي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي وتوسيع رقعة وجودنا وتأثيرنا الشامل داخل المجتمع الإسرائيلي، وهذا الهدف الاستراتيجي قادر أن يكسب قبولاً وتأييداً واسعاً بين اليهود، بين اليسار والوسط وأيضا بين قطاعات متدينة، خصوصاً من أصول شرقية.
ثانياً: تحقيق التطور الاقتصادي الانتاجي، فلا يجوز أن يظل خُمس سكان إسرائيل (العرب) تابعين بالمطلق للاقتصاد اليهودي.
ثالثاً: من حقنا أن ندخل أكثر فأكثر في سلك الوظائف في الاقتصاد الحكومي وفي اقتصاد القطاع الخاص. هذه معركة سياسية لا نخوضها بالصراع العدائي، بل بالتعاون مع المستعدين للتعاون وتوسيع رقعة التعاون باستمرار.
رابعاً: بإمكاننا أن نؤثر على إسرائيل وأن نؤثر على السلطة الوطنية الفلسطينية والمجتمع الفلسطيني في اتجاه قبول المصالحة التاريخية بين الشعبين، لإقامة دولة فلسطينية مستقلة تجسِّد تقرير المصير للشعب الفلسطيني ودولة إسرائيلية تجسِّد تقرير المصير للشعب اليهودي الإسرائيلي.
كل هروب من هذه المحطة، سواء كان هروباً إسرائيلياً أو هروباً فلسطينياً هو استدعاء للمزيد من الصراع والقتال وسفك الدماء يُبْعِد الحل ويُصَعِّب الحل وفي آخر الأمر، فلا حل إذا لم تجر تلبية المطلب القومي لكلا الشعبين، من خلال مصالحة تاريخية.
إن "القومية" الرافضة لوجود الآخر جلبت المآسي فقط، وأعتقد أن الأصولية الدينية الرافضة "المزدهرة" حالياً لن تجلب إلاّ المزيد والمزيد من سفك الدماء ومن الهزائم.
في اعتقادي الراسخ، المفعم باليقين، أن هذا الحل يعطي شعب فلسطين فرصة تاريخية لبناء دولته الوطنية المستقلة ويرمم الوجود القومي الفلسطيني اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، ويجعل فلسطين دولة عادية معترفاً بها بين الأمم وفي المحافل الدولية.
إن الشعب الفلسطيني يصبح قادراً، واقعياً، أن يتفرغ للبناء والإبداع، للحياة والعمل والعلم والتطور. وأنا واثق أن الشعب الفلسطيني سوف يعوِّض عن آلام الماضي ببناء حياة جديدة. لا أصدق أن شعبنا أو أي شعب يحلم بالموت والشهادة بل يحلم بالحياة والأطفال والعمل والتعليم والثقافة والازدهار. وهذا يتحقق بالسلام، لا بالحرب.
الأقلية العريبة الفلسطينية في إسرائيل هي جزء من الشعب الفلسطيني كما أن القلب جزء من الجسد، ولكننا سنكون مواطنين داخل إسرائيل، مستقبلاً أيضاً، وستكون مصلحتنا بناء وتطوير وتعزيز التعايش والوفاق والتعاون بين الكيانين، الفلسطيني والإسرائيلي، واعتقد أن الفلسطينيين يربحون كثيراً جداً، اقتصادياً وعلمياً من جيرة بلا حرب وبلا نزاع مع المجتمع اليهودي.
هناك أناس عندهم دافع داخلي غريزي للرفض، والبعض يرفض أولاً قبل أن يفكر، وعندما يجيء دور "التفكير" يصبح من الصعب "التراجع" عن الموقف. أنا اعتقد أن كل إنسان وكل شعب يجب أن يفحص الامكانيات المتاحة بعقلية واقعية صادقة مع النفس، آخذة لكل المعطيات، وعندها سيجد أن خيار السلام هو المصلحة القومية الحقيقية، هو المصلحة المستقبلية، بل هو مصلحة الحاضر الذي يبدأ الآن.
كل من يتعامل مع هذا الطرح تعاملاً جاهلياً أو قبليا، أو غريزياً، ربما من الصعب إقناعه، ولكني أقول لشعبنا إن الغضبة "الجاهلية" أو "القبلية" أو الغريزية جربناها. الأنظمة العربية خانتنا والرجعية الفلسطينية خذلتنا، والشعب الفلسطيني وحده، دفع الثمن، مُرّاً أكثر من العلقم.
نعم، لأنني فلسطيني أولاً أريد مصلحة شعبي، ولأنني إنسان أتحدّى الجاهلية والقبلية والغريزة وأقول إن كل مصلحة قومية حقاً هي مصلحة إنسانية حقاً. والمصلحة التي ليست إنسانية ليست أيضاً مصلحة قومية.
دولتان لشعبين، فلسطين وإسرائيل-هذا هو الحل الأصح في الظروف التاريخية الناشئة وهو الحل العادل والممكن الوحيد. وعندما تتجند الأقلية العربية الفلسطينية تأييداً لهذا الحل، فهي تجسد إخلاصها الصادق لشعبها الفلسطيني وتعزز مواطنتها في إسرائيل التي يصبح من الصعب على اليهود تجاهلها أو مواصلة تهميشها!
إن سلاماً يعطي للشعب الاستقلال حتى على قسم من وطنه التاريخي أفضل من حرب لا نهاية لها تجعل الوطن كله ًبالكامل قبراً للشعبين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينهي الرد المنسوب لإسرائيل في إيران خطر المواجهة الشاملة؟


.. ما الرسائل التي أرادت إسرائيل توجيهها من خلال هجومها على إير




.. بين -الصبر الإستراتيجي- و-الردع المباشر-.. هل ترد إيران على


.. دائرة التصعيد تتسع.. ضربة إسرائيلية داخل إيران -رداً على الر




.. مراسل الجزيرة: الشرطة الفرنسية تفرض طوقا أمنيا في محيط القنص