الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهدنة وخارطة الطريق والحكومة الفلسطينية

هاني المصري

2003 / 8 / 27
القضية الفلسطينية



 
*الثلاثاء 2003-08-26
عملية القدس: رد أم ماذا؟
حكومة شارون هي المسؤولة عن انهيار الهدنة، لأنها اسرلت خارطة الطريق، ولم تلتزم بالهدنة، وخرقتها أكثر من ألف خرق سقط ضحيتها 22 شهيدا فلسطينيا، ومئات الجرحى وهدم عشرات المنازل واعتقال 700 معتقل جديد.
جاءت عملية القدس من حيث التوقيت والهدف والنتائج ضارة تماما بالمصالح الفلسطينية. فهي مكنت حكومة شارون من اغتيال الهدنة، ومثلت وقوعا بالفخ الإسرائيلي الذي يهدف إلى أن يتحمل الجانب الفلسطيني المسؤولية عن انهيار الهدنة. والعملية ضارة لأنها أحرجت الحكومة الفلسطينية، وعرضت الوحدة الوطنية للخطر. كما أنها شوهت صورة القضية الفلسطينية، والنضال الفلسطيني من خلال الربط بينهما وبين الإرهاب. فالعملية أظهرت النضال الفلسطيني، وكأنه عمل ثأري انتقامي، ونضال أعمى، لا يفرق بين مدني وعسكري، ولا بين طفل وامرأة وجندي ومستوطن. لو جاءت العملية ردا محدودا على الخروقات الإسرائيلية، واستهدفت جنود الاحتلال لكانت مفهومة، و قدمت رسالة للاسرائيليين بأن الهدنة لا يمكن أن تستمر بالوقوف على ساق واحدة. ولكن العملية، بالمكان التي جرت فيه، وبالحجم التي جاءت به، تجعل المراقب يتساءل: هل تريد حماس إنهاء الهدنة أم الرد على الخروقات الإسرائيلية فقط؟ لقد أعلن الدكتور عبد العزيز الرنتيسي حتى بعد الأنباء الأولى عن عملية القدس أن حماس ملتزمة بالهدنة. فهل هذا التصريح صحيح، أم أن حماس لا تسيطر على جناحها العسكري؟ مهما كان الأمر، يجب التوقف عنده ومعالجته بدون مكابرة!!
هل بدأ العد العكسي لحكومة أبو مازن؟
الحكومة الفلسطينية الآن في وضع لا تحسد علية. وإذا لم نشهد على الفور تحركا أمريكيا جادا ومتوازنا لإنقاذ الهدنة وخارطة الطريق، فان العد العكسي لحكومة أبو مازن قد بدأ. ومثل هذا التحرك لا يبدو مرجحا حتى الآن. الحكومة الفلسطينية رغم الدور الخارجي البارز في تشكيلها، أحدثت تطويرا ملموسا للنظام السياسي الفلسطيني لجهة توزيع السلطات وتجسيد مبدأ الفصل ما بين السلطات وقامت بجملة من الخطوات الإصلاحية (خصوصا المالية) سمحت بميلاد ما يمكن أن نطلق علية (مؤسسة الحكومة الفلسطينية)إلا أنها ارتكبت الأخطاء في الميدان السياسي كما بدا واضحا في خطاب العقبة، وما تلاه من اندفاعة غير مبررة نحو الحكومة الإسرائيلية، بدون أن تقدم لها شيئا بالمقابل. ان الحكم على الحكومة الفلسطينية سيكون على أساس مدى قدرتها على تطبيق برنامجها، خصوصا ما يتعلق منه بخارطة الطريق، فهذه الحكومة شاءت أم أبت هي حكومة خارطة الطريق. فإذا عاشت خارطة الطريق، وطبقت كما هي دون تعديل، عاشت الحكومة الفلسطينية!! وإذا ماتت الخارطة أو تأسرلت، ستأخذ معها هذه الحكومة!
الحكومة الفلسطينية وجدت نفسها بعد عملية القدس بين نارين: نار الضغوط الأمريكية والإسرائيلية التي تطالبها بمحاربة المقاومة وتفكيك بنيتها التحتية وسحب سلاحها، كشرط للمضي في خارطة الطريق. ونار الضغوط الوطنية والشعبية التي تطالب برفض الضغوط الأمريكية والإسرائيلية والانحياز إلى جانب خيار الصمود والمقاومة. في البداية حاولت الحكومة الفلسطينية امتصاص الرد الإسرائيلي المحتمل على عملية القدس، واقتربت من المحظور الذي طالما حذرت منه، وهو المساس بالوحدة الوطنية، وذالك بالتلويح الضمني بالاستقالة الجماعية أو الجزئية، في حال لم تأخذ القيادة الفلسطينية والرئيس ياسر عرفات بمطالبها الرامية لتوحيد الأجهزة الأمنية تحت سيطرتها، ودعوة حركة فتح وكتائب الأقصى لدعم الحكومة وتحقيق وحدانية السلطة وفرض سيادة القانون ودعوة حركتي حماس والجهاد الإسلامي لحل أجنحتهما العسكرية ودعم الحكومة وخطواتها ضدهما مثل سحب السلاح وقطع الحوار معهما، ومنع قادة حماس والجهاد من التحدث إلى وسائل الأعلام، إضافة إلى إجراءات أخرى.
وجاء البيان الصادر عن القيادة الفلسطينية ليمنح الحكومة حرية الحركة في إطار الالتزام بما يحفظ الوحدة الوطنية الفلسطينية التي عاشت لحظات صعبة. وجاء العدوان الإسرائيلي الشامل التي كانت مقدمته اغتيال الشهيد إسماعيل أبو شنب ليكون المتراس الذي حمى الوحدة الوطنية، وجاء ليقطع الطريق على إجراءات الحكومة ويضيق هامش الحركة لديها ويضعها أمام خيارات مرة: فأما التحول إلى أداة طيعة في أيدي الاحتلال، وهذا مستحيل. وإما تغيير برنامجها وأولوياتها وخياراتها، وهذا صعب. وإما تقديم الاستقالة وإتاحة الفرصة لتشكيل حكومة جديدة لتكون قادرة على مواجهة التحديات القائمة، وهذا احتمال ممكن وان لم يكن مؤكدا؟ وأول ما يجب أن تفعله الحكومة هو اختبار الإدارة الأمريكية للمرة الأخيرة، والقول لها إن الاستمرار بالتمسك بخارطة الطريق، ورؤية الرئيس بوش، يصبح لغوا فارغا بدون إلزام إسرائيل بتطبيق خارطة الطريق، كما هي وبدون تعديل!!!
وعلى الحكومة الفلسطينية المسارعة في استئناف الحوار مع حركتي حماس والجهاد الإسلامي لأنها أحوج الآن للحوار بعد عملية القدس واغتيال أبو شنب مما كانت سابقا. فلا بديل عن الحوار لحل الخلافات والتناقضات الداخلية مهما بلغت حدتها.
وإذا كنا نتمتع بنفس طويل، و صبر لا نهاية له، من اجل التحرك السياسي، ونحن نجري الحوار مع حكومة إسرائيل، رغم ما تمثله من احتلال واستيطان وعدوان وتعنت ورفض لعملية السلام. فالأولى أن نتمتع بنفس الصبر والنفس الطويل مع أبناء جلدتنا، ممن يشكلون جزءا من النسيج الحي للحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة بعجرها وبجرها. فإسرائيل تريد دفع الساحة الفلسطينية إلى أتون الحرب الأهلية. وان لم تتجاوب الحكومة الفلسطينية مع ذالك، وترفض أن تكون أداه طيعة في أيدي الاحتلال، فإنها تكون حكومة ضعيفة وفاشلة! وفي كل الأحوال تتصرف إسرائيل وكأن الحكومة الفلسطينية غير موجودة، وتطلب منها القيام بمهمات مستحيلة التحقيق مثل مطالبتها بتوفير الأمن الإسرائيلي وملاحقة المقاومة الفلسطينية حتى في المناطق الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي. لا يمكن لأي حكومة فلسطينية إن تحفظ أمن الاحتلال لأن واجبها الأول ومصدر شرعيتها يستمدان من قدرتها وعملها من اجل إزالة الاحتلال. ولا يمكن أن يكون القضاء على المقاومة هو الشرط لإنهاء الاحتلال، لأن المقاومة لا يمكن أن تنتهي إلا بزوال الاحتلال. فالاحتلال هو البنية التحتية للمقاومة.
وحدانية السلطة وسيادة القانون..
منذ نشوء السلطة الوطنية الفلسطينية، طالما سمعناها تتحدث عن وحدانية السلطة وسيادة القانون. وهذا حق لأي سلطة حتى تكون سلطة. صحيح أن السلطة الفلسطينية لم تكن سلطة مكتملة الملامح حتى في سنواتها الذهبية. ولكن من حقها أن تمارس السلطة التي منحت لها، مهما كانت محدودة، ما دامت حصلت على التفويض اللازم لذالك من المؤسسات الفلسطينية الشرعية وعبر انتخابات رئاسية وتشريعية شارك بها معظم الشعب الفلسطيني المتواجد في الأراضي المحتلة عام 1967. نقص الشرعية الناجم عن انتهاء مدة التفويض يضعف الشرعية ولا يلغيها خصوصا مع توفر الإرادة الرسمية والشعبية لإجراء الانتخابات بأسرع وقت ممكن.
منذ العدوان الإسرائيلي في الثامن والعشرين من أيلول عام ألفين، تعرضت السلطة لامتحانات ومخاطر صعبة كادت أن تطيح بها، مما ادى إلى ضعف السلطة وظهور حالة من تعددية السلطات ومصادر القرار وفوضى السلاح. واستمر الحديث مع ذالك عن وحدانية السلطة، وتزايد بصورة خاصة بعد الهدنة وتشكيل الحكومة الفلسطينية الحالية.
وهذا الحديث المتجدد عن وحدانية السلطة حق للسلطة أيضا، ولكن شريطة الانطلاق من حقيقة بسيطة يعرفها الجميع، ويتجاهلها البعض أحيانا، وهي أن الاحتلال هو الذي يهدد وحدانية السلطة. وبدون إزالة الاحتلال، أو انسحاب القوات الإسرائيلية، ولو بصيغة إعادة الانتشار وعودة الوضع لما كان عليه قبل العدوان، وبدون تجميد الاستيطان ووقف بناء جدار الفصل العنصري لا يمكن تحقيق وحدانية السلطة. فلا يمكن إقامة سلطة، ولا إن تكون ديمقراطية وتتمتع بوحدانية السلطة وسيادة القانون وهي واقعة تحت الاحتلال. وفي كل الأحوال لا يمكن التسليم بالمطالبة الأمريكية الإسرائيلية بضرورة إنهاء المقاومة الفلسطينية أولا، ثم التفاوض على إنهاء الاحتلال. مثل هذه المطالبة إن تم الاستجابة لها، ستفضي إلى نهاية المقاومة، عن طريق استخدام طرف فلسطيني لضرب طرف فلسطيني آخر، ثم التخلي عنه، ليخرج خاوي الوفاض ضعيفا إضافة إلى سخط شعبي عليه إن لم اقل أكثر من ذالك.
المقاومة مشكلة الاحتلال، وليست مشكلة المنظمة أو الحكومة الفلسطينية. ويمكن وقف المقاومة بعد إنهاء الاحتلال فقط. ويمكن وقف بعض أشكال المقاومة في حال ظهور أفق سياسي قادر على إنهاء الاحتلال شرط أن تكون النهاية واضحة منذ البداية، وان تشهد البداية وقفا تاما للعدوان والاستيطان ولبناء جدار الفصل العنصري وإطلاق سراح الأسرى. التفاوض بدون ذلك يكرس الاحتلال ويوفر الشرعية والغطاء للاستيطان والعدوان!! ولا يمكن الاستنتاج مما تقدم دعوة إلى دفن خارطة الطريق أو وقف المفاوضات مع إسرائيل، أو قطع العلاقات مع الإدارة الأمريكية. فحكومة شارون هي التي قتلت خارطة الطريق قبل أن ترى النور. وهي التي يجب أن تدفنها بنفسها وتتحمل المسؤولية عن ذالك أمام العالم كله بما في ذلك أمام الإدارة الأمريكية، التي لا تزال تؤكد التزامها بخارطة الطريق. وحكومة شارون هي التي أوقفت الاتصالات مع الحكومة الفلسطينية إلى أن تشرع بمحاربة ما تسميه (الإرهاب) الفلسطيني.
لا ندعو إلى رفض خارطة الطريق بل إلى رؤية الواقع الذي أمامنا والذي يصرخ عاليا على مسامعنا بان حكومة شارون لا تريد السلام ولو جاء على صيغة مناسبة لها، مثلما هو الحال في خارطة الطريق المنحازة لإسرائيل. ومثلما جاء بالمثل: رضينا بالبين والبين ما رضي فينا!!!!!!!!!

*كاتب سياسي فلسطيني يقيم في رام الله.


نقلا عن موقع الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
http://www.aljabha.org/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي