الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحزب الشيوعي والسلطة السياسية - الشيوعية العمالية وأربعة تجارب - القسم الأول: مداخل أساسية

كورش مدرسي

2007 / 5 / 8
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


(ثورة أكتوبر، ثورة 1979 الإيرانية، تجربة كردستان، تجربة العراق)
ترجمة: يوسف محمد

هذه النص خلاصة الموضوع المطروح من قبل الكاتب في جمعية ماركس- حكمت في لندن في 7 شباط 2004 حيث أجريت بعض التعديلات على بعض الجوانب وإضافة بعض النقاط. ويمكن الحصول على أشرطة النص الأصلي لهذا الموضوع مع مداخلات الحضور من خلال الموقع الالكتروني لجمعية ماركس- حكمت على الرابط التالي:

http://www.marxsociety.com/MHS_Koorosh_HQS.htm


1- المقدمة

لا يتعلق هذا البحث بالشيوعية العمالية بشكل عام. فالشيوعية العمالية هي بحث أشمل تنبع أسسه النظرية من مكان آخر(1). وبالطبع إن الشيوعية العمالية ليست مجموع إجمالي للتجارب التي سأشير إليها. تلك التجارب تنعكس فيها ولكن الشيوعية العمالية من الناحية النظرية ليست ناشئة من هذه التجارب. علاوةً على ذلك لست بصدد طرح بحث مفصل حول "الحزب والسلطة السياسية" أيضاً. فقد تحدث منصور حكمت في المؤتمر الثاني للحزب الشيوعي العمالي الإيراني ومن ثم في الاجتماعات الأخرى، ومن ضمنها الاجتماع الدوري العاشر للجنة المركزية، بخصوص هذا الموضوع حيث تم نشر جزء منه في صحيفة (أنترناسيونال)(2). لم يدون خطاب المؤتمر الثاني ويمكن الحصول عليه فقط من خلال الموقع الانترنيتي لمنصور حكمت(3). حديث اليوم هو بخصوص جوانب من بحث "الحزب والسلطة السياسية" التي أعتقد بوجوب التأكيد مجدداً عليها.

بالإضافة الى ذلك، لا يشكل هذا البحث تقييماً للحزب الشيوعي العمالي الإيراني أو الحزب الشيوعي العمالي العراقي. بل هو بحث يسعى لأن يكون قابلاً للفهم من قبل المخاطبين الآخرين أيضاً وأن يوضح ما هي مكونات وجوانب بحث الحزب والسلطة السياسية وما هي أهمية هذه التجارب الأربع التي شارك الشيوعيون فيها بهذا الخصوص.

ومن الواضح أن لهذه التجارب جوانبها المختلفة عن بعضها البعض ولكننا نريد هنا النظر الى هذه التجارب وتحليلها ودراستها من منظار أطروحات الحزب والسلطة السياسية.

2- لماذا هذا البحث ولماذا هذه التجارب الأربع؟

ألف- المجتمع، التغير الثوري، الفكر الثوري والتاريخ

بحث الحزب والسلطة السياسية هو واحد من أهم الأركان النظرية للشيوعية العملية (البراكتيكية) الذي يجب التطرق إليه. ولكن لماذا هذه التجارب الأربع؟ أولاً بسبب أن هذه التجارب تمثل بحد ذاتها أحداثاً مهمة ولتناولها واستنتاج حصيلة إجمالية منها مكانة مهمة في فتح طريق التقدم أمامنا. ثانياً، والأهم من ذلك، سبب اختيار هذه التجارب الأربع هو نوعية العلاقة التي تربطها بالشيوعية العمالية. هذه التجارب كان لها دوراً مهماً في الشيوعية العمالية. وبالطبع ليست الشيوعية العمالية حصيلة إجمالية لهذه التجارب الأربع بل إن هذه التجارب تنعكس فيها. فالمجتمع نفسه يعتبر تاريخاً معيناً تاريخه، ويربط نفسه بالتغيرات التي يمر بها وتطرأ عليه ويعبر عن نفسه بالمفاهيم والمقولات التي ظهرت في خظم ذلك التاريخ. إذا لم تعرفوا ذلك التاريخ لن تفهموا بدقة السياق الذي طرحت فيه قضايا معينة وموضوعها. فاللغة هي رمز ولغة النظريات والمعتقدات الاجتماعية حافلة بالرموز التاريخية. وهذا يصح أيضاً فيما يتعلق بالشيوعية العمالية.

تحليل التجارب الأربعة، ثورة 1917 الروسية، ثورة 1979 الإيرانية، تجربة كردستان ( من عام 1981 الى 1989) وتجربة العراق لها مثل هذا الدور لفهم الشيوعية العمالية وبحث الحزب والسلطة السياسية. وتطرح الشيوعية العمالية وبحث الحزب والسلطة السياسية نفسها بدرجات كبيرة في تفسير ونقد وتناول المسائل المطروحة في هذه التجارب. فحصيلة إجمالية من تجربة الثورة الروسية كان لها دور أساسي في الشيوعية العمالية. وقد انعكست تجربة ثورة أكتوبر وتجربة الاتحاد السوفيتي في الوعي الذاتي لحركتنا وفي كافة جوانب الشيوعية العمالية. واليوم حين تسأل كل شخص شيوعي عمالي ما هي الاشتراكية، فإنه يقول قبل كل شيء إلغاء العمال المأجور. صحيح أن هذا الحكم ينبع من الماركسية ولكن تجسيده في مواجهة تأميم الصناعة وبرمجة الإنتاج وتخطيطه وغير ذلك تنبع من حصيلتنا الإجمالية المستنتجة من تجربة الاتحاد السوفيتي. وتصح هذه المسألة فيما يتعلق بثورة عام 1979 الإيرانية. لا تخص الشيوعية العمالية وبحث الحزب والسلطة السياسية إيران والثورة في إيران. بل هي بحث أكثر شمولاً يتضمن أيضاً إيران والثورة الإيرانية. غير أنها بلورت نفسها وتجسدت في الكثير من الأوقات في الإجابة على المسائل التي وضعتها ثورة معينة، أي ثورة 1979 الإيرانية، أمامها والتي كان هدفها التأثير المباشر في الممارسة الثورية في ذلك الحين. وإذا كنتم في البحث بخصوص هذه المسائل لا تعرفون التاريخ، المفاهيم، والأسئلة والأجوبة التي كانت مطروحة فإنكم ستتحدثون عملياً بلغات مختلفة. التجربة الثالثة، أي تجربة كردستان هي تجربة غنية. وتنعكس تأثيرات هذه التجربة في الشيوعية العمالية في طريقة التعبير عنها، في تفكير كوادرها وفي وعينا الذاتي. وأغنى النظريات الماركسية فيما يتعلق بالأحزاب السياسية والصراع الطبقي كان نصاً كتبه منصور حكمت كمقدمة لكتاب كتب حول نشاطنا في كردستان(4). هذا النص، بتصوري، أقوى من (الأيديولوجية الألمانية) في توضيحه علاقة الأحزاب السياسية بالتيارات الاجتماعية والصراع الطبقي. هذا النص كان بخصوص المجتمع ونظرية الأحزاب السياسية، على الرغم من أن البحث طرح بشكل مقدمة كراس حول تجربة كردستان.

ب- ثلاثة تجارب وتجربة واحدة

التجربة الرابعة التي نبحثها هنا أيضاً، تجربة كردستان العراق. ولكن هذه التجربة تختلف عن التجارب الثلاثة الأخرى. بسبب أن تجربة العراق كانت تجربة الشيوعية العمالية نفسها. هذه التجربة ليست تجربة ثورة أكتوبر وثورة عام 1979 التي لم يكن لنا دور فيها أو تجربة كردستان التي كان لنا تدخل فيها مع تقاليد أخرى. هذه هي تجربة الحزب الشيوعي العمالي نفسه بنظرياته، بقراراته، بسياسته، بلائحته العملية، بتنظيمه وبحزب اسمه الحزب الشيوعي العمالي. هذه هي تجربتنا المباشرة. فقد ساهم الحزب الشيوعي العمالي في هذا العمل وفي التحول الاجتماعي واليوم يجب أن يكون بوسعنا تقييم الأمر وما الذي حصل؟ وما الذي يجب تعلمه من هذه التجربة؟ هذه الحصيلة الإجمالية مهمة جداً بالنسبة لنا. يجب علينا النظر الى هذه التجربة بموضوعية ودقة واستخلاص حصيلة إجمالية منها. ومثلما يمكن استخلاص أنواع عديدة من الاستنتاجات بخصوص تجربة الثورة البلشفية يمكن لهذه التجربة أن يستخلص منها استنتاجات مختلفة. والسؤال هو أي الاستنتاجات هو الصحيح؟ تجربة العراق هي واحدة من أهم تجارب الشيوعية العمالية في أبعادها الاجتماعية. تناولها وبحثها يشكل أمراً حياتياً بالنسبة لنا. وأرجو الانتباه الى أن بحثي اليوم ليس النظر الى كل تجربة الشيوعية العمالية في العراق. بل إنني أريد النظر الى هذه التجربة من منظار محدد وأقصد من منظار بحث الحزب والسلطة السياسية.

***

وعلى أية حال أهمية هذه البحث بالنسبة لنا أهمية مزدوجة. أولاً تبلور التجارب في نقاشاتنا المشاغل، الإشكالات، التأكيدات وعدم التأكيد. أحد أهداف هذا البحث التوصل الى لغة مشتركة أكثر في حركتنا وفهم بعضنا بعضاً بشكل صحيح. إن شخصاً رأى ثورة 1979 يبرز نوعاً من التنظيم حين تتحدثون عن المجالس وشخصاً عاش تجربة كردستان يجسد شيئاً آخر، وشخصاً ينظر الى تجربة السوفيت لديه تصور آخر وأخيراً إن شخصاً يأتي من تجربة العراق يأخذ شيئاً ثالثاً بنظر الاعتبار. وما أكثر ما يجري الحديث عن مسألة واحدة بلغات مختلفة. منصور حكمت بقدرته وانسجامه الفكري ربط كل هذه التجارب ببعضها البعض وصار لغة الجميع. ويمكن أن لا ينطبق هذا علينا فرداً فردا.

الهدف الثاني هو أن نبين أن الشيوعية العمالية في العلاقة بمسألة السلطة السياسية تواجه مسائل متنوعة جداً ومعقدة. المسار الذي يسير فيه المجتمع الإيراني والتحولات التي يشهدها، تضعنا في ظروف معقدة جداً، أكثر حساسية وغموضاً من ثورة أكتوبر. نحن اليوم أكثر انسجاماً من البلاشفة في شباط 1917، وخطنا أوضح ومعروفين أكثر، إلا أن هذه الحالة لا تضعنا في مكانة أقوى منهم ذلك أن البرجوازية اليوم أقوى بمئة ألف مرة وأكثر وعياً من ذلك الحين. لديها وسائل إعلام ووكالات عالمية من قبيل (CNN) و(BBC) وأجهزة من قبيل (CIA) وغيرها. وسائل إعلام تقوم كل لحظة بتعريف وإعادة تعريف العالم للناس. ففي بدايات القرن العشرين كان تصور البرجوازية عن لينين والبلاشفة ربما كشيء شبيه بحركة زاباتا. ولم يدر بخلد أحد أن من المقرر أن تتحول روسيا الى الشيوعية وتحرك رياح شيوعية ثورة أكتوبر كل أوروبا والعالم. ثورة أكتوبر أخذت كل أولئك في لحظة غفلة وعلى حين غرة. واليوم طورت البرجوازية معادة الشيوعية الى فن. برجوازية على معرفة ووعي بخطر الشيوعية ومسلحة من رأسها حتى أخمص قدميها بكل المؤسسات ووسائل منع تحقق كابوس الشيوعية. بالنتيجة نحن نواجه ظواهر وأوضاع غاية في التعقيد. هدف هذا البحث بالتأكيد ليس توقع هذه التشققات. هذا عمل لا يمكن القيام به. هدف البحث هو أن تتقوى بتجسيد أسس بحث الحزب والسلطة السياسية وتحليل هذه التجارب، أسسنا النظرية في العلاقة مع هذا البحث وخلق نشاط فكري أكبر لدينا من اجل الاستعداد للإجابة على قضايا الثورة في إيران.

3- الحزب والسلطة السياسية إشكالية ماركسية

بحث الحزب والسلطة السياسية يدور حول علاقة الحزب الشيوعي بالسلطة السياسية وليس علاقة أي حزب كان بالسلطة السياسية. ومن الواضح أن ثمة مكونات موجودة في علاقة الحزب الشيوعي بالسلطة السياسية هي ذات طابع عام وتشمل كل الأحزاب إلا أن علاقة حزب معين بالسلطة السياسية تابعة لمكانة ذلك الحزب في المجتمع وعلاقة ذلك الحزب بالدولة أي السلطة السياسية القائمة بالفعل. بهذا المعنى بحث الحزب والسلطة السياسية هو إشكالية ماركسية. وعلى الماركسيين والشيوعيين طرح إجابتهم عليها. خاصية هذا البحث إبراز مفاهيم، مقولات وأساليب في تغيير السلطة السياسية في المجتمع وممارستها. ممارسة السلطة السياسية من قبل حزب شيوعي ليس سوى تنظيم الثورة الاشتراكية ووضع أول حجر أساس للثورة الشيوعية. هدف هذا البحث إثارة انتباه ناشطي وفعالي الحركة الشيوعية-العمالية الى التعقيدات النظرية والعملية في العلاقة بين حزب شيوعي معين بالسلطة السياسية. وسعي من أجل التدقيق النظري والعملي لحركتنا من خلال نقد التصورات الفكرية والعملية للتيارات والحركات الأخرى التي لها جذورها أيضاً بيننا. بحث الحزب والسلطة السياسية هو نقد معين. نقد للكثير من التصورات الشائعة فيما يتعلق بعلاقة الحزب الشيوعي بالسلطة السياسية.

بحث الحزب والسلطة السياسية ليس بحثاً تحريضياً ودعائياً. تحويل هذا البحث وكل بحث نظري آخر الى موضوع للتحريض والدعاية النظرية يحوله من منهج للتحليل والكشف والتفسير الى كلائش لغوية فرقية. الجانب الجدلي لهذا البحث هو لمواجهة الهجمة الفكرية البرجوازية التي تعلن أن اقتراب الشيوعيين من السلطة هو فاكهة محرمة من الناحية النظرية والعملية.

إن مسائل كل ثورة هي "غير قياسية" وتتطلب إجابة "غير قياسية". وبدلاً عن السعي الحثيث من اجل التكهن بكل التصدعات يجب بناء أسس فكرية على أساس أن تكون قادرة على تقديم إجابات جديرة بالمسائل الجديدة. ليست هناك ثورتان متشابهتان. ويصح هذا الحكم على الثورة الإيرانية القادمة أيضاً. استخلاص نموذج من ثورة 1979 لتصوير الثورة القادمة هو أمر خاطئ. فالثورة الإيرانية القادمة لها أشكالها ومسائلها الخاصة. وسيكون بحث اليوم ناجحاً فيما لو استطاع تقديم مرسى وإعداد الفكر لتقديم إجابات خلاقة على المسائل غير المتوقعة. وكذلك توجيه ممارستنا باتجاه التأثير وفق استعداد مسبق على مسار الأوضاع وحركتها.

ابتذال بحث الحزب والسلطة السياسية الى إعلان حكم أن "الحزب يمسك السلطة" هو تبسيط سطحي للموضوع. صحيح أن بحث الحزب والسلطة السياسية يعلن أن "الحزب يمسك السلطة"، ولكن بالإضافة الى ذلك هو يوضح في أية ظروف وأوضاع يمسك بالسلطة، وما هي الشروط المسبقة، ووسائل وآليات هذا العمل، وكيف يمكن الإمساك بالسلطة، وما الذي يُنتظَر بعد الإمساك بالسلطة وإذا لم تكن الثورة أو ممارسة السلطة في جدول أعمال المجتمع، في المراحل الشبيهة بمراحل الاستبداد والكبت أو أوضاع السيناريو الأسود التي نواجهها في العراق، ما العمل وبشكل عام ما هي علاقة الحزب الشيوعي بالسلطة السياسية. كل هذه تشكل جميعها منظومة واحدة ومنهجاً واحداً.

4- مداخل ونقاط أساسية في بحث الحزب والسلطة السياسية

الحزب والسلطة السياسية نقد جدي لتقاليد ومعتقدات اليسار فيما يتعلق بالسلطة السياسية وبالأساس فيما يتعلق بالسياسة والتحزب الشيوعي. وحين راح منصور حكمت يعرف بأطروحاته لأول مرة بدأ البحث بهذه الجملة: إنني أطرح أسئلة تكفيرية في منطق اليسار والشيوعيين.

وكما يقول منصور حكمت فإن الحزب والسلطة السياسية هو بحث فيما يتعلق بعلاقة منظمة معينة أو حركة معينة بالسلطة بشكل عام (وليس فقط سلطة الدولة) في مجتمع معين. هذه العلاقة يمكن مشاهدتها بمثابة مفهوم سواء في الفكر و في الممارسة، في عمل تلك المنظمة أو الحركة وحياتها اليومية. ويتعلق الحزب والسلطة السياسية بالإجابات التي يقدمها تيار معين، حزب أو حركة على الأسئلة الرئيسية فيما يتعلق بالسلطة. هذه الإجابات توضح أية مكانة للسلطة السياسية في فكر ذلك الحزب. وينعكس موضوع الحزب والسلطة السياسية بالإضافة الى ذلك في أسلوب العمل، تمركز القوى، المشاغل والمسائل التي تضعها منظمة معينة نصب عينيها وفي النحو الذي تتدخل فيه في حياة المجتمع اليومية. فهم منظمة معينة أو رؤية معينة لعلاقتها بالسلطة السياسية لها انعكاس عميق في مكانة تلك المنظمة أو الرؤية في المجتمع.

ألف- الحزب والسلطة السياسية وممارسة السلطة السياسية من قبل أقلية

لو سألتم منظمة أو حزباً سياسياً هل الحزب أو المنظمة المشار إليهما يريدان الإمساك بسلطة الدولة؟ لن تجدوا سوى مجموعة منبوذة لمنظمة واحدة أو حزب معين لا تريد الحصول عليها وتعلن أنها لا تريد أساساً الإمساك بالسلطة. فالأحزاب السياسية تكتسب معناها في العلاقة بسلطة الدولة. وإذا أزال حزب، بوصفه حزباً، مسألة سلطة الدولة والتحرك نحو السلطة، من خصائصه، لن يتبقى هناك أي سبب لبقاءه. في إيران كان تنظيم فدائيي الشعب يريد خلق ثورة ديمقراطية ويصل هو الى سدة الحكم. والتروتسكيون لا يريدون فقط القيام بالثورة في "بلد واحد" بل هم يريدون تحقيق هذا الأمر في "عدة بلدان" في وقت واحد. وفي النهاية هم يريدون القيام بالثورة والوصول الى الحكم. يريدون المضي نحو الإمساك بالسلطة. الإمساك بالسلطة هو الوجه الآخر لعملة الإسقاط أو حتى استبدال الدولة وتغييرها. فالشخص الذي يريد إسقاط دولة أو إزاحتها، سواء كان إصلاحياً أو ثورياً، إنما يريد الإمساك بالسلطة. وفي كل الأحوال لو سألتم الأحزاب اليسارية والشيوعية، أو أولئك الذين يعتبرون أنفسهم يساريين وشيوعيين، هل تريدون الإمساك بالسلطة؟ فإنكم ستسمعون منهم جواباً إيجابياً وبالإثبات. ويريد الفدائيون المسلحون، راه كارگر، الأكثرية، الأقلية، رنجبران، سربداران (منظمات يسارية إيرانية-م) وغيرهم الإمساك بالسلطة أيضاً. وقد قلت أن الفدائيين المسلحين يريدون حكومة الشعب، فيما يريد تيار الأكثرية حكومة اشتراكية ديمقراطية من النوع الإسلامي-الروسي ويتعقبهم في ذلك تيار راه كارگر. بالنتيجة مازال هذا السؤال بدون جواب مختلف تماماً و"تكفيري". ويجب المضي بالسؤال الى مستوى أكثر ملموسية.

الأسئلة التالية يمكن أن تكون هذه الأسئلة: أي شخص يمسك بالسلطة؟ في أية أوضاع يمسك بها؟ وكيف يمسك بهذه السلطة؟ وفي الإجابة على هذه الأسئلة تنفصل الطرق في الواقع عن بعضها البعض. حين تتوجه بالسؤال للأحزاب والتيارات اليسارية: أي شخص يمسك بالسلطة؟ ستقول أن الجماهير أو الطبقة العاملة ستمسك بالسلطة بثورتها وستقدمها لمنظمتها أو حزبها. والصيغة القديمة و"الكلاسيكية" للثورة الشعبية بقيادة الطبقة العاملة تنظر للأمر بهذا الشكل. تقوم الجماهير بقيادة هذه الأحزاب بثورتها وتمسك بالسلطة. وفي النتيجة فإن عمل هذه الأحزاب هو غرس براعم "ثورة الشعوب" ومادامت هذه البراعم لم ترفع قامتها بعد ومادامت الشعوب أو أكثريتها لم تقرر بعد القيام بالثورة أو الإمساك بالسلطة ليس هناك من حديث عن الإمساك بالسلطة. إن التصور المطروح من قبل اليسار حول عملية الإمساك بالسلطة هو نفس هذا التصور. وفي أفضل الأحوال تمسك الجماهير أو التنظيمات الجماهيرية بالسلطة بقيادة هذه الأحزاب.

والسيناريو هو بهذا الشكل: يوجد حزب معين. هذا الحزب يبدأ بالتوعية، الدعاية، التحريض وتنظيم وتوحيد الجماهير وينمو تدريجياً لدرجة أن يقوم بتشكيل المجالس وبعد ذلك يحصل على الأكثرية داخل المجالس وحين يتحول الى الأكثرية يمسك بالسلطة من خلال المجالس. هذا هو التصور الموجود في فكر اليسار حول عملية ممارسة السلطة السياسية.

بحث الحزب والسلطة السياسية هو نقد لهذه الذهنية. هذه العملية، أي أن تقوم أكثرية الجماهير أو الطبقة العاملة بشكل عام بالثورة وتقدم السلطة السياسية لحزب شيوعي، لا يمكن أن تتحقق. وهي أمر خيالي. ولحين نمو "برعم" الثورة والتنظيمات الجماهيرية بالدرجة الكافية لهذا العمل، شهد المجتمع العديد من التغيرات، قامت الحرب، ووصلت الأنظمة البرجوازية المختلفة الى سدة الحكم. وخلال هذه المدة في بلد من قبيل إيران يتعرض ناشطو اليسار لإبادة جماعية لمرات عديدة، ويهرم ناشطو وكوادر هذه الحركة ويتقاعدون، وتتعب الجماهير وتتمزق وتنهار التنظيمات الجماهير. والمثال على هذه الحالة ثورة 1905 الروسية التي درستها بالتفصيل في تحليل الثورة الروسية(5). تحول الإضراب الى إضراب جماهيري، وبدأ القمع حين كانت الجماهير المنهكة والمتعبة قد بدأت بإنهاء إضرابها. لقد طبقت عملياً أطروحة روزا لكسمبورغ (الإضراب الشعبي) وفشلت. لقد هزم تعب وانهيار الجماهير ثورة 1905. واستنتج لينين بالضبط لهذا السبب ضرورة الثورة الشيوعية من هذه التجربة. التصور الكليشي للاشتراكيين الديمقراطيين عن مسألة السلطة، بعد هزيمة ثورة 1905 الروسية، تبعته أمواج كبيرة من التراجع عن الماركسية أو الثورية. وقد تناولنا في بحث الثورة الروسية بالتفصيل النقد التجريبي في صفوف البلاشفة والتصفوية في صفوف المناشفة.

إن أساس بحث الحزب الشيوعي والسلطة السياسية، وبقدر تعلق الأمر بممارسة السلطة، هو أن مثل هذه العملية المتمثلة بالنمو التدريجي لحزب شيوعي وتحوله الى أغلبية غير قابلة للتحقق، وخيالية. أساس أطروحات منصور حكمت، وكما أعلنها بصراحة في خطاب المؤتمر الثاني، هو أن حزباً شيوعياً يمسك بوصفه أقلية بالسلطة. الثورة الشيوعية هي ثورة أقلية وتتم ممارسة السلطة من قبل أقلية.

بحث الحزب والسلطة السياسية وبقدر تعلق الأمر بمسألة ممارسة السلطة السياسية هو بحث الإمساك بالسلطة من قبل أقلية. وهذه الأقلية لها بالتأكيد خصائصها المعينة التي سنتناولها فيما بعد، إلا أن نقطة انفصال منصور حكمت في هذا البحث عن اليسار التقليدي تبدأ من نفس ممارسة السلطة من قبل أقلية.

ب- من أجل كسب الأكثرية الى جانبك، يجب الإمساك أولاً بالسلطة

من الواضح أن الحكومة الاشتراكية تكون ممكنة على أساس التدخل الواعي، المباشر والعريض لأغلبية سكان بلد أو مجتمع معين. بالنتيجة فإن الحزب الشيوعي والحكومة الشيوعية ضرورة لحماية أكثرية المجتمع. ومن الواضح من منظار حاجات المجتمع أن حزباً شيوعياً هو ممثل أكثرية الجماهير وإذا منحت للجماهير واقعياً إمكانية الانتخاب الحر والواعي فإنها تنتخب هذا الحزب. إلا أن المسألة هي بالضبط أن المجتمع البرجوازي والدولة البرجوازية لا تقدم مثل هذه الإمكانية لتحول حزب شيوعي الى الأكثرية. النقطة الأساسية هي أن تياراً شيوعياً ولكي يتحول الى الأكثرية في المجتمع البرجوازي عليه أولاً الإمساك بالسلطة. كسب السلطة هو الشرط الأولي للتحول الى الأكثرية. بممارسة السلطة السياسية من قبل الشيوعيين يتم تقديم إمكانية الانتخاب الواعي والحر للجماهير، ويتمتع حزب شيوعي بأكثرية الجماهير. في مجتمع برجوازي معين، ومادام الحزب الشيوعي لم يمسك بالسلطة فإن ذلك الحزب ليس بوسعه كسب أكثرية الجماهير أو حتى الطبقة العاملة الى جانبه. إن البرجوازية بكل الإمكانيات والمؤسسات التي تمتلكها وبكل القدرات التي تمتلكها خصوصاً في عصرنا هذا، ضمن إطار الدولة، وسائل الإعلام الجماعية، ومهندسي الأفكار وغير ذلك، جعلت من تحول حزب شيوعي الى أكثرية قبل ممارسة السلطة السياسية أمراً محالاً. إنها ستقوم بانقلاب، ستشعل الحرب، تقوم بالإبادة الجماعية، وتمارس التجويع وغير ذلك. إنها تريد مؤسسة المَلَكية في جميع البلدان بالضبط لمثل هذه الأوضاع المتأزمة. فالمَلَكية هي عامل استقرار بالنسبة للبرجوازية. إنها مؤسسة يمكنها ظاهرياً القرار من فوق الدولة وإعلان حالة الطوارئ في الأوضاع التي تواجه سلطة البرجوازية الخطر فيها. تركيبة الملك والجيش، والجيش بدون الملك هي وسيلة البرجوازية في الأيام العصيبة تجاه الشيوعيين والبروليتاريا. هذا النظام لا يسمح لأي شيوعي أن يتحول في معارضته الى الأكثرية. ومن الواضح أن وسيلة كسب الأكثرية والشرط الأولي للتحول الى الأكثرية في المجتمع بالنسبة للشيوعيين هي كسب السلطة السياسية. حين يمسك الشيوعيون بالسلطة يمسكون بها وهم أقلية. وحين تعلن هذه الأقلية أية حكومة ستجلب معها وأي نظام سترسخ، وتعلن برنامجها وتعلن ما هي حقوق الجماهير وخصوصاً تلك الحقوق التي يتم ضمانها بقوى الدولة، فإنها تفسح المجال للجماهير كي تنتخب تلك القوة الشيوعية. فقد كانت ثورة أكتوبر خطوة من أقلية من أجل الإمساك بالسلطة السياسية. لا البلاشفة أخذوا ألأذن من المجالس ليمسكوا بالسلطة ولا كانوا أكثرية في المجالس ولا هم سلموا السيطرة على الأمور الى المجالس. وكان كل تمركز القوى والنفوذ بالدرجة الأساسية في مجلس بتروغراد. وهذا هو نفس حكم منصور حكمت الذي يعتبر كفراً في قاموس اليسار. وإلا فإن ممارسة السلطة من قبل الأكثرية هي موضع قبول كل الأحزاب السياسية اليسارية ومن الواضح أن ذلك هو علامة وضعتها البرجوازية لتضييع الدرب أمام الشيوعيين وأمام الطبقة العاملة. ومثلما بوسع الانتخابات أن تبين أن حزباً برجوازياً هو أكثرية، بوسع الثورة الشيوعية لأقلية أن يكون لها مثل هذا الدور.

ج- الحزب والسلطة السياسية- تنظيم الدولة من قبل الأقلية

إلا أن المسألة ليست فقط ممارسة السلطة من قبل أقلية معينة. فالأقلية التي تمارس السلطة مضطرة لحين معين، بحسب الأوضاع، أن تنظم الدولة البديلة. تنظيم وإيصال المؤسسات الجماهيرية الى السلطة وإفشال مقاومة البرجوازية تستلزم قبل كل شيء تدخل السلطة المنظمة للدولة. وحين تتأملون تجربة الثورة الروسية تدركون أن الثوار، الحزب البلشفي، كان مضطراً لتشكيل دولته من أجل الدفاع عن الثورة مقابل هجمات البرجوازية. وكانت الحكومة حكومة الحزب البلشفي حتى نهاية الحرب الداخلية. ومن الواضح أن التردد في هذا الخصوص كان علامة المناشفة والبلاشفة المترددين في هذه الثورة. في إيران من الممكن أن تكون هذه العملية أسبوعين أو ثلاثة أشهر، القلة والكثرة لن تغير من جوهر الأمر، فالحزب الشيوعي الذي قام بالثورة وأمسك بالسلطة عليه أن يكون مستعداً والأبعد من ذلك مضطراً أن ينظم أولاً الدولة أي تنظيم السلطة. الثورة الشيوعية للأقلية مضطرة لأن تتحول على الفور الى دولة الأقلية. هذه الدولة هي دولة شيوعية في مرحلة ثورية حيث تحدد السياسة الشيوعية ماهيتها الشيوعية وليس تطبيق البرامج الاقتصادية الاشتراكية أو نشوءها عن المجالس. (راجعوا بحث "الدولة في المراحل الثورية" لمنصور حكمت).

الحزب والسلطة السياسية بحث يتعلق بممارسة السلطة السياسية بمعنى ممارسة السلطة من قبل أقلية وإدامة هذا العمل، أي بناء تنظيم الدولة من اجل ترسيخ الدولة الشيوعية وبدء وإكمال انتقال السلطة الى التنظيمات الجماهيرية (المجالس). مدة هذه العملية مرتبطة بشكل كامل بالأوضاع الخاصة لكل مجتمع ومكانة القوى البرجوازية في مرحلة الإمساك بالسلطة. فالثورة التي نظمها البلاشفة تم القرار عليها وتحقيقها من قبل اللجنة المركزية للحزب لا في المجالس. غطاء المجالس تم اقتراحه من قبل تروتسكي على الرغم من معارضة لينين وتمت المصادقة عليه إلا أنه في كل الأحوال كان غطاءاً.

د- هل بوسع أية أقلية في أية أوضاع الإمساك بالسلطة؟

إن الإجابة على هذا السؤال هي قطعاً بالنفي. ليس بوسع أية أقلية أن تمسك بالسلطة وإذا ما أمسكت بها ستقمعها البرجوازية لدرجة أنها لن ترفع رأسها حتى مئة عام أخرى. بالإضافة الى ذلك لا يمكن الإمساك بالسلطة في أية أوضاع.

لا يمكن لأية أقلية أن تمسك بالسلطة. وإذا أمسكت بها لا يمكنها الحفاظ عليها. فإذا لم يكن المجتمع في أوضاع خاصة وإذا لم تمتلك تلك الأقلية الثورية جملة من الخصائص الخاصة بها ستعبأ البرجوازية المجتمع وتحشده بسرعة ضد مثل هكذا خطوة أو تحرضه فيقمع مثل هكذا ثورة.

وجود الغليان الثوري أو الأزمة الثورية في المجتمع، أي وجود أوضاع برزت فيها مسألة الدولة والسلطة السياسية في المجتمع ونزلت هذه المسألة الى الشارع حسبما يصطلح عليه، وكانت الجماهير قد مضت الى ميدان سلطة الدولة وتريد إسقاط الدولة، أول الشروط المسبقة لممارسة السلطة من قبل حزب شيوعي. فحين لا توجد أزمة ثورية في المجتمع ومهما كان سخط ورفض الجماهير للنظام، فإنها تكون مشغولة على مستويات واسعة بحياتها العادية. وحتى لو كان الإمساك بالسلطة من قبل أقلية ممكنا في أيام مألوفة وعادية سيكون الحفاظ على تلك السلطة أمراً غير ممكن. اختلاف هاتين الوضعيتين أحد الاختلافات بين الانقلاب والثورة. الانقلاب هو الشكل الذي يمسك فيه ضباط الجيش بالسلطة. ففي أحد الصباحات تعلن الإذاعة أن الدولة انهارت وسقطت. وهذا ليس أسلوب عمل الشيوعيين المناسب. فحين يقوم ضباط الجيش بالانقلاب ينقلون السلطة من يد الى يد أخرى داخل نفس الطبقة البرجوازية ولديهم جزء من البرجوازية وجهاز الدولة. أما فيما يتعلق بالشيوعيين فإن كل جهاز الدولة ومؤسسات البرجوازية ستقوم بالمواجهة قبل أن تتحرك الجماهير. ولهذا السبب لا يمكن الإمساك بالسلطة السياسية في أية أوضاع. الشرط الأولي للإمساك بالسلطة السياسية هو أن تكون الثورة في المجتمع في حالة نمو وتصاعد. يجب وضع المجتمع أمام إمكانية الانتخاب والاختيار ويكون بإمكانه انتخاب اليسار. أما بغير هذه الصورة ستحشد البرجوازية كل إمكانياتها وتعبئها وتدمر وتقمع القوى الشيوعية.

هـ- أية أقلية تمسك بالسلطة؟

ليس بوسع أية أقلية شيوعية الإمساك بالسلطة. بل يجب أن تكون تلك الأقلية قوة واقعية ومادية في المجتمع وخصوصاً في الطبقة العاملة. وأن تكون قوة واقعية وتحمل راية جملة من المسائل الخاصة وتكون قادرة في ظروف معينة على خلق استقطاب بممارستها الثورية في نفس المجتمع والطبقة بحيث تجر كل الطبقة والقسم الأعظم من المجتمع خلفها. الإمساك بالسلطة السياسية من قبل أقلية لا تمتلك هذه الخاصية، أقلية ليست لها تلك الجذور في المجتمع وفي الطبقة محكوم بالفشل. بناءاً عليه فإن هذه الأطروحات هي: الحزب الشيوعي يمسك بالسلطة بمثابة أقلية. على التيار الشيوعي الإمساك بالسلطة من أجل التحول الى الأكثرية. ومن أجل أن يتمكن التيار الشيوعي تحقيق هذا الأمر عليه أن يكون أقلية ذات إمكانيات محددة. يجب أن يكون أقلية ذات نفوذ واعتبار في المجتمع، وخصوصاً أن يكون ذا نفوذ داخل الطبقة العاملة وأن يحشد بممارسته الثورية (ممارسة السلطة) المجتمع خلفه. ففي ثورة أكتوبر، وهذا ما سنعود عليه فيما بعد، يمسك البلاشفة بالسلطة. وقد كان البلاشفة أقلية وأولئك الذين أمسكوا بالسلطة كانوا أقلية صغيرة جداً بالمقاييس الروسية وأمسكوا بالسلطة فقط في بتروغراد. إلا أن نفوذ البلاشفة توسع بشكل كبير جداً من خلال استقطاب المجتمع حول مسائل الحرب والاحتجاج على حكومة كرينسكي. وكان المجتمع على درجة من الاستقطاب بحيث حين أعلن البلاشفة في المؤتمر العام لممثلي المجالس غداة الثورة أنهم أمسكوا بالسلطة، وبالرغم من معارضة أقلية كبيرة نسبياً، نهض المؤتمرون كلهم وراحوا ينشدون النشيد الأممي. ومن المثير للانتباه أن نفس البلاشفة كانوا يعانون من التردد الكبير بخصوص نفس مسألة الأقلية والأكثرية وقبلوا عملياً بالثورة تحت ضغط لينين. وقد قبل ممثلو الحزب البلشفي في المفاوضات مع المناشفة بخصوص جر المناشفة للمشاركة في الحكومة المجالسية بإزاحة لينين وتروتسكي!

هذه الأقلية عليها أن تجعل المجتمع يتمثل حركة طبقة معينة أو قسم من الطبقة. فممارسة السلطة من قبل حزب شيوعي يجب أن تعرف من قبل المجتمع كممارسة للسلطة من قبل العمال الاشتراكيين، وليس مهماً كم هو عدد العمال الاشتراكيين في الحزب. إن المجتمع يمكن له أن يربط نفسه بمثل هكذا ظاهرة والدفاع عنها. ومثل هكذا أقلية لو أمسكت بالسلطة في الغليان الثوري ستتحول الى الأكثرية بسرعة. وستدافع عنها أكثرية الطبقة وأكثرية المجتمع.

وخلاصتي هي:

1- بحث ممارسة السلطة من قبل تيار شيوعي هو بحث ممارسة السلطة من قبل أقلية معينة وليس أكثرية الجماهير أو الطبقة.

2- حشد وتعبئة الأكثرية بالنسبة لحزب شيوعي هي ليس آلية كسب السلطة، بل بالعكس كسب السلطة هو الآلية لحشد وتعبئة الأكثرية.

3- دور الأقلية الثورية ليس قاصراً فقط على الإمساك بالسلطة بل إن هذه الأقلية مضطرة مباشرة بعد الإمساك بالسلطة للقيام بنفس ذلك الدور المحوري في تنظيم السلطة.

4- لا يمكن لأية أقلية الإمساك بالسلطة في أية أوضاع. بل يجب ان تكون الأقلية قوة واقعية ويمكن لمسها داخل الطبقة وداخل المجتمع وأن تكون قادرة على تنظيم الممارسة الثورية والراديكالية وأن تجر المجتمع وكل الطبقة خلفها من خلال تلك الممارسة الراديكالية والثورية على الصعيد الاجتماعي.

5- وجود الغليان الثوري – وجود تناقض تتخبط فيه السلطة هو المرحلة الخاصة التي يمكن فيها الإمساك بالسلطة.



5- كيف يمكن التموضع في مثل هكذا مكانة؟

إن السؤال الذي يجب الإجابة عليه الآن هو هل يمكن التحول الى مثل هذه الأقلية؟ هل يمكن تنظيم الثورة؟ جوابي على كلا هذين السؤالين هو بالإثبات. الأزمة الثورية لا تخلقها الأحزاب. بل إن الأزمة والغليان الثوري هي ظواهر موضوعية تؤثر الكثير من العوامل في بلورتها وخلقها. فالأوضاع الاقتصادية، الاجتماعية، تاريخ مجتمع معين، السايكولوجيا الاجتماعية وغير ذلك هي من جملة العوامل الخارجة عن سيطرة الأحزاب السياسية. وعلى أية حال ينزلق المجتمع نفسه نتيجة لتناقضاته الداخلية الى الأزمة الثورية. ولكن يمكن في غليان ثوري معين أن تجعل إرادة ودور حزب شيوعي من الثورة أمراً ممكناً أو بالعكس تجعله يفرط بالفرصة السانحة له. وما كان لثورة أكتوبر أن توجد من دون الحزب البلشفي ومن دون اللينينية بشكل خاص. فقد كانت ثورة أكتوبر أول ثورة خُطِّط لها مسبقاً وبينت اللينينية الى أي حد يمكن لإرادة الإنسان أن تصنع التاريخ.

ومن أجل التحول الى قوة تستطيع الإمساك بالسلطة في الأوضاع الثورية، أي تستطيع القيام بالثورة عليها أن تكون لها روافعها الخاصة، قواها المحددة وعلاقتها الخاصة بالطبقة العاملة والجماهير. وفيما يتعلق بهذا الأمر يجب الانتباه الى المسائل التالية:

1- علاقة الجماهير بالأحزاب السياسية، بالثورة وبالإصلاح هي علاقة إنسانية تماماً. الجماهير لا تقوم بالثورة أو تنتمي لحزب معين نتيجة للنظرية أو تحليل أو إثبات حتمية الثورة وبسبب الأيدولوجيا. بل إن الجماهير والطبقة العاملة ترتبط بحزب معين أو ثورة معينة حين تكون على قناعة أن بتلك الثورة أو بذلك الحزب ستتغير أوضاع حياتها وأن تلك الثورة أو ذلك الحزب سينتصر. الجماهير تتحرك من أجل الإرتقاء بحياتها وتحسينها.

2- السلطة هي ظاهرة اجتماعية. على الحزب الشيوعي أن يكون سلطة في المجتمع. عدد مجاميع وخلايا ذلك التنظيم ليست دليل سلطته. على مثل ذلك الحزب أن يكون بوسعه تحريك قسم من المجتمع أو يكون بوسعه بالاستناد على ذلك القسم من المجتمع استبدال مواقع القوى الواقعية ببعضها البعض على الأرض. فإذا كانت تلك القوى قوى اجتماعية وإذا كانت السلطة ظاهرة اجتماعية حينذاك تشكل روافع السلطة آليات اجتماعية أيضاً. وإذا كانت تلك الآليات اجتماعية، حينذاك على حزب شيوعي ما أن يكون بوسعه إبراز وجوده وإبراز سلطته على صعيد المجتمع. ويجب أن يقبل المجتمع ذلك الحزب بوصفه سلطة وأن يعبر جزء من المجتمع نفسه عن تلك السلطة والاعتقاد أنه إذا ما التحق بهذا الحزب ستتحسن حياته وإذا ما التحق بهذا الحزب سيصبح ذا سلطة واقتدار وستتسع أكثر مديات ممارسته وتأثيره في العالم الخارجي. فإذا كانت السلطة اجتماعية، على كل شخص أن يشعر بتمتعه أكثر بالسلطة بانضمامه الى الحزب الشيوعي. هذا الإحساس بالتمتع بالسلطة ليس فرقياً بل هو اجتماعي تماماً. الفرق الدينية والسياسية تمنح أيضاً للفرد الإحساس بالسلطة داخل الجماعة، إلا أن تلك السلطة هي أساساً ليست اجتماعية. بل هي سلطة تآمرية. الآليات التي تجتذب الفرد (إذا كان الفرد واحداً من عدة ملايين وليس من عشرة أو مئة ألف) نحو الحزب هي ليست في الأساس فردية بل بالعكس هي اجتماعية تماماً. تشخيص تلك الآليات الاجتماعية هو فن حزب شيوعي معين في الأوضاع الخاصة لكل مجتمع. بعض هذه الآليات في العالم المعاصر معروفة وقياسية الى حد ما وبعضها الآخر تعود لأوضاع مجتمع معين، تاريخ معين، وخصائص القوى المتدخلة في الساحة الاجتماعية والسياسية والمكونات الاجتماعية لكل مجتمع التي تمنح لمجتمع خصوصيته في مرحلة معينة من تاريخه.

البحث فيما يتعلق بالآليات الاجتماعية للسلطة يستدعي بحث أطلق عليه منصور حكمت تسمية "الحزب والمجتمع". فبعد الخطاب في المؤتمر الثاني للحزب المعنون "الحزب والسلطة السياسية"، يطرح منصور حكمت نفس البحث ضمن الإطار العام لبحث "الحزب والمجتمع" في صحيفة (انترناسيونال). والسبب في هذا الأمر هو أن بحث "الحزب والسلطة السياسية" وبحث "الحزب والمجتمع" هما بحثان لهما صلة وثيقة ومتينة تربطهما ببعضهما البعض. ويقول بحث "الحزب والمجتمع" لحزب شيوعي معين إذا كنت تريد أن تكون سلطة في المجتمع عليك النظر الى الآليات الاجتماعية للسلطة وفي الطرف المقابل تقول أطروحات "الحزب والسلطة السياسية" أن الهدف من اللجوء الى الروافع الاجتماعية، هو التحول الى الوسيلة لاستبدال السلطة وبالتالي ممارسة السلطة السياسية، أي تنظيم الثورة.

والسؤال هو ما هي الآليات الاجتماعية للسلطة وكيف يمكن التحول الى سلطة في مجتمع معين؟ حين تدققون في هذا البحث تجدون منصور حكمت يقول بدقة أن "الحزب والسلطة السياسية" و"الحزب والمجتمع" هي في الواقع مكونات بناء حزب سياسي شيوعي. وجوهر المسألة أن حزباً سياسياً هو حزب يناضل للسلطة السياسية ويمسك بالآليات الاجتماعية للسلطة. فإذا فصلتم بحث "الحزب والسلطة السياسية" عن بحث "الحزب والمجتمع" ستصلون الى نظرية مؤامرة بسيطة. وإذا أمسكتم من بحث الحزب والمجتمع بأطروحات "الحزب والسلطة السياسية" ستتحولون الى جماعة ضغط أو مؤسسة خيرية. فإذا كانت آليات السلطة في المجتمع اجتماعية حينذاك يجب النظر الى تلك الآليات في أبعادها الاجتماعية.

3- إن أول المكونات في أية حركة اجتماعية هو رايتها. إن تياراً سياسياً بوسعه أن يكون سلطة في مجتمع ما حين يكون صاحب راية معينة، مطلب معين وهدف معين. بالنسبة للشيوعيين وبالنسبة للشيوعية العمالية هذه الراية هي راية الشيوعية وأكثر الرايات يسارية الموجودة في المجتمع. ففي روسيا أوائل القرن العشرين، على سبيل المثال، كانت البلشفية المعبر عن الراديكالية وعدم القبول بالمساومة والمعبر عن الاشتراكية. وعلى الحزب الشيوعي العمالي أن يكون رمز الراديكالية في المجتمع. وإذا كانت هذه الراديكالية التي يعبر عنها هذا الحزب واقعية وتكمن جذورها في وقائع المجتمع، حيث أن الشيوعية العمالية هي على هذا النحو، حينذاك حين ينعطف المجتمع عاجلاً أو آجلاً نتيجة لنشاطنا نحو اليسار سيعتبر هذا الحزب حزبه. انعطاف المجتمع نحو اليسار سيكون بمعنى الانعطاف نحو هذا الحزب. وحين يتحرك المجتمع الى ميدان سلطة الدولة بديلاً للوضع القائم، فإنه على الأغلب سيبحث عن هذا البديل في اليسار. ذلك أن جوهر اليسار هو التحرك الى ميدان الوضع القائم. وفي مثل هكذا أوضاع إذا ما تواجد حزب شيوعي سياسي واجتماعي فإن المجتمع ينعطف نحو ذلك الحزب. بالنتيجة فإن بحث الحزب والسلطة السياسية هو قبل كل شيء وأكثر من أي شيء يعني وجود راية يسارية شيوعية لا تقبل المساومة وراديكالية في مناخ المجتمع تعتبر حزباً شيوعياً معيناً حزبها. ولا يمكن إيجاد هذه الراية بيسار قاصر ومتوسط الحال. منطق الثورة منطق راديكالي. وستكون كل من راية اليسار وراية اليمين مقاتلتين وراديكاليتين. وستتموضع الأحزاب "الوسطية" في كلا المعسكرين على هامش التيارات الأصلية اليسارية واليمينية. على الحزب الشيوعي أن يمثل راية اليسار هذه في المجتمع وأن يعتبر صاحبها. وإذا أعتبر حزب هذه الراية رايته، إذا عرفكم المجتمع بمثابة قوة شيوعية ويسارية، بمجرد أن يفتح مكتب الحزب في طهران، يبدأ العامل بالمجيء من معمله لمراجعة المكتب والانتماء الى الحزب والعضوية فيه. الجميع يقومون بهذا العمل. كل شخص حين يكون يسارياً يقوم بهذا العمل. على الحزب الشيوعي أن يعتبر نفسه بلا منازع صاحب أكثر رايات اليسار راديكالية في المجتمع. ولا ينبغي أن يقف أي تيار على يسار هذا الحزب على صعيد المجتمع وفي أبعاد اجتماعية. فإذا كان الحزب تياراً من هذا الطراز يجب أن يكون هناك تيارات يسارية "معتوهة" هامشية.

4- ثاني العوامل الحاسمة هو قابلية حزب معين على تشخيص الأوضاع الخاصة في الحياة السياسية لمجتمع معين ورد الفعل والاستجابة الصحيحة إزاء كل وضع. والحزب الذي يخسر تلك الفترات وتلك الفرص سيتراجع في يوم واحد لعشر سنوات الى الوراء. فإذا كانت هناك إمكانية للقيام بالثورة ولم يقم الحزب بها، إذا كانت هناك إمكانية للمقاومة ولم يقاوم الحزب، إذا كان هناك شكل من أشكال النضال الظاهر ولم يقم الحزب به وإذا....سيخسر ذلك الحزب رهانه. فحين تتأملون الثورة الروسية ستكتشفون خصوصية لينين هي في مثل هذا التشخيص. كم أن النظرية دقيقة أو غير دقيقة هذا أمر في محله ولكن تشخيص الفترات التاريخية هو أمر حاسم. وسنتطرق في التجربة الإيرانية وتجربة كردستان وتجربة العراق الى النماذج الإيجابية والسلبية لهذا التشخيص أو عدم القدرة على التشخيص.

5- ثاني المكونات هو العلنية. فإذا كانت آليات السلطة في المجتمع اجتماعية، حينذاك تكون السياسة نشاط وظاهرة علنية. إن المجتمع، السياسة والسلطة يمكن تجربتها فقط في شكل علني. فحين تحقق سياسة أو شخصية حضوراً في أبعاد اجتماعية، لا يمكن لتلك السياسة وتلك الشخصية أن تكون مجهولة الهوية وغير معروفة. والمجتمع ينسب كل الظواهر الاجتماعية لأشخاص معروفين. ويصح هذا الحكم من الفن الى السياسة ومن الفلسفة الى العلم. وهذا يعني أن وجود طيف واسع من قادة المجتمع المعروفين، في مستويات مختلفة، قادة يعبرون عن نضال ومطالب وأهداف معينة، هو أحد الشروط الثابتة والأساسية للنشاط الاجتماعي. ومن الضروري الإشارة بهذا الخصوص الى تمايز مهم (سأتحدث عنه بشكل أكثر تفصيلاً في البحث المتعلق بالعراق). هذا التمايز هو بين منظمي الحملات وبين القادة. فمنظم الحملة والقائد هما ظاهرتان مختلفتان عن بعض. فحين أتحدث عن القادة أقصد أولئك الأشخاص الذين تربط الجماهير أهدافها بهم. وتعتبرهم الناطقين بلسانها وقادتها أو أنها قبلت بهم بهذا الصفة. وجود طيف واسع من القادة الذين يربط المجتمع قضاياه الأساسية بهم هو ركن آخر من بحث الحزب والسلطة السياسية. هذه القضايا الأساسية ليست بالضرورة قضايا جذرية. على سبيل المثال بدلاً من أن يصبح إلغاء العمل المأجور أساس استقطاب المجتمع، يمكن للمجتمع أن يستقطب حول قضية المرأة، التحرر من مخالب الدين، الحرية السياسية أو أي شيء آخر. فقد تحولت الحرب، الأرض والمجاعة الى محور استقطاب المجتمع في روسية عام 1917.

إن الأقلية التي تحدثت عنها يجب أن يكون الى جانبها طيف من قادة المجتمع. أشخاص يكون المجتمع قد رآهم، أشخاص دافعوا عن مسائل ومطالب معينة، واعتبروا أنفسهم أصحاب تلك المسائل وقادوا الجماهير في الصراعات من أجل هذه المسائل. وما أقصده ليس فقط أنهم أصدرا بياناتهم وبلاغاتهم حول تلك المسائل. يجب أن يكون المجتمع يعتبرهم قادته في هذا الميادين النضالية. بوسع الفرد اتخاذ موقف بخصوص ألف مسالة ولا يعتبره المجتمع صاحباً لأي واحد من تلك المواضيع. يجب أن يكون المجتمع يعرف هؤلاء القادة بتلك المواضيع في أبعاد أرقى. ويجب أن يحكم أهالي محلة ما، عمال قسم معين، سكان مدينة ما أو بلد معين على هذا الأمر. ويجب أن تقترن أسماء هؤلاء القادة وكوادر الحزب بمطالب وأهداف معينة. من قبيل الدفاع عن حق الإنسان والمطالبة بالمساواة، الدفاع عن العامل، مناهضة الدين، التحررية، أو أي شيء آخر. ولا يتحقق هذا الاقتران فقط من خلال كتابة المقالات. بل يجب المشاركة في الجدال ضد المعارضين أو المعتقدات التي على الطرف المقابل، يجب أن يكون الشخص تنويرياً، شخصاً يقوم بتوحيد الجهود والطاقات، وأن يكون مرشداً. يجب أن يكون قائداً في هذا النضال. وبالنتيجة إذا كانت الراية أحد أسس الحزب والسلطة السياسية، فإن أساسة الثاني هو وجود قادة في حزب شيوعي يكونون اجتماعيين معروفين. إنكم لن تصلوا الى أي مكان بقادة وناشطن سريين وغير معروفين. ويجب أن يكون واضحاً أن ما أقصده بالعلنية ليس علنية العلاقات والصلات التنظيمية للأفراد في أوضاع الكبت والاستبداد. بل ما أقصده هو هوية أولئك القادة والناشطين وشخصيتهم السياسية في المجتمع التي هي ليست تنظيمية داخلية بل اجتماعية. فالحزب بدون وجود مثل هذا الطيف من الكوادر لن تتشبث يده بأي مكان في السلطة السياسية. وما يزال الحزب الشيوعي العمالي الإيراني يضم القليل جداً من هؤلاء القادة. لقد كنا قد خطونا خطوات الى الأمام، إلا أنه مازالت قليلة بالنسبة للهدف الذي وضعناه نصب أعيننا. فليس بوسع حزب شيوعي أن يكون مقتدراً ذا سلطة إذا لم يكن يمتلك قادة علنيين اجتماعيين. السياسية علنية، السلطة علنية والوسائل الاجتماعية للوصول الى تلك السلطة هي علنية. "الحزب والمجتمع"، "الحزب والشخصيات" و"الحزب والكوادر" هي أجزاء متممة لبحث "الحزب والسلطة السياسية". إن ركيزة أساسية مهمة لحزب سياسي هي وجود هؤلاء القادة والكوادر. بالنتيجة حين نتحدث عن الحزب والسلطة السياسية علينا الحديث أولاً عن هذه المسائل. أي أشخاص يقفون في الطليعة؟ أي أشخاص يتقدمون؟ كيف يمكن بشكل واعي بلورة وتوسيع هذا الطيف؟

6- إذا كانت السلطة اجتماعية فإن الوصول الى المجتمع هو مفتاح السلطة. فإذا لم تصلوا الى المجتمع لا أنتم بوسعكم رفع راية وحتى إذا رفعتموها لا أحد يراها ولا أنتم تصبحون قادة أحد ما. الوصول الى الجماهير، الوصول الى المجتمع في أبعاد أرقى واجتماعية هو شرط آخر للتموضع في مكانة تمكنكم من التطلع للسلطة. لا يمكن لحزب إيصال كلمته الى مكان ما بالاستناد على الكلام المهموس أو البيانات والبلاغات القليلة الكمية. وسائل الإعلام، الإذاعة، التلفزيون، النشرات والصحف ذات الكميات الكبيرة، الخطب والكلمات، العمل المباشر مع الجماهير، المؤسسات والتنظيمات الجماهيرية وبشكل عام الظهور أمام أنظار وعلى مسمع وفكر الجماهير في أبعاد واسعة هو أمر حياتي بالنسبة لنا. فالكبت والاستبداد يُمارَس بالضبط من أجل حرمان الشيوعيين من هذه الإمكانيات. إن تياراً يوزع في بعض الأحيان بلاغاً أو صحيفة في بضعة آلاف من النسخ لمجتمع من خمسين مليون نسمة هو محروم من أهم آليات الوصول الى السلطة. فإذا كانت الأحزاب السياسية في بدايات القرن (العشرين-م) تستطيع إيصال كلمتها للجماهير من خلال صحيفة في بضعة من مئات من نسخ، فإن في القرن الواحد والعشرين، في عصر محطات البث الفضائية، وفي الوقت الذي يتمتع فيه الطرف المقابل لكم بالقنوات التلفزيونية والإذاعية التي تبث لأربع وعشرين ساعة والصحف والنشرات الكبيرة الكمية والمجانية وفي الوقت الذي وصلت فيه البرجوازية العالمية بتصوراتها ووجهات نظرها الى غرف نوم الناس، لا يمكن ورود هذا الميدان ببلاغات، ووسائل وأدوات القرن التاسع عشر. إن المسالة بالضبط مثل أن تقف بندقية سربر التي استخدمت في الحرب العالمية الأولى في مواجهة أم 16 أو الكلاشينكوف. الوصول الى الجماهير بالاعتماد على وسائل العصر هو الشرط الثابت للتحول الى سلطة. وهذا الأمر ليس فقط مسالة تقنية. بل ثقافية، تنظيمية، منافسة في الاجتذاب ولفت الانتباه، منافسة بين الشخصيات، ومنافسة بين الأقلام الجيدة لكسب المخاطبين. إنكم لا يمكنكم جذب الجماهير وكسبها لمجرد فقط أن أيديولوجيتكم أكثر إنسانية. بالنتيجة فإن ركيزة أخرى لبحث الحزب والسلطة السياسية هي الوصول الى الجماهير. فالحزب الذي يريد أن يصبح سلطة في إيران يجب أن يكون قد وصل الى جماهير إيران والإيرانيين في الخارج في أبعاد واسعة النطاق بالضبط كما تفعل البرجوازية. الوصول الى الجماهير بالوسائل التقنية وبأشكالها المتنوعة في كل مرحلة هو ركن أساسي لاقتراب حزب شيوعي من السلطة. وقد كررنا لمرات عديدة أن السلطة هي اجتماعية وآلياتها، ومن ضمنها الوصول للجماهير، يجب أن تكون مفهومة في سياق اجتماعي.

7- ثمة آليات أخرى التي هي تنظيمية أو لها جوانبها التنظيمية. فقد أشرت الى أن علاقة الجماهير بالأحزاب السياسية وبالتنظيمات الموجودة في المجتمع هي علاقة إنسانية ومن أجل أن يصبح حزب شيوعي سلطة في مجتمع ما عليه أن يتحول الى وسيلة تسلط البشر واقتدارهم في ذلك المجتمع. إي إذا ما انتمى شخص لهذا الحزب يجب أن تزداد سلطة وقدرة ذلك الشخص في التأثير على المجتمع. ويجب أن يشعر الفرد بأن جهوده تتضافر مع جهود أشخاص آخرين شركاء له في القضية، ويخرج من وحدته ويستقوي. وقد أشرت أن النضال بالنسبة للجماهير ليس أمراً أيديولوجياً وفكرياً. بل هو نشاط وفعالية من أجل تحسين الحياة. ليس بوسع حزب شيوعي أن يكون مثل جمعية فكرية طلابية. بل يجب أن يكون وسيلة توحيد الجماهير في كافة ساحات نضالها. يجب أن يقوي الانتماء لهذا الحزب الفرد بالفعل على نحو أكبر في النضال من أجل حياة أفضل. وهذا الأمر ليس فقط مربوطاً بالأوضاع الثورية أو الأوضاع الديمقراطية. وعلى أية حال يجب أن يكون بهذا الشكل. فالأوضاع المختلفة تغير من أبعاد ومديات النشاط إلا أن نوعه ووزنه يظل واحداً. انتماء أو عدم انتماء الفرد الى حزب ما، حين ينظر إليه في أبعاد اجتماعية، هو مسألة اجتماعية وليست فردية. ويعتبر بحث المحرض العمالي الذي يطرحه منصور حكمت من هذا الطراز. إنها الآليات التي تجتذب البشر وهم في مكانة اجتماعية متشابهة الى بعضهم البعض. تنظيم الجماهير أي ربطها ببعضها البعض، وضع أيديها بأيدي بعضها البعض الآخر، وتوحيدها جميعها هي الآليات الاجتماعية لعملية التنظيم. إذا كان ثمة مكان يتواجد فيه حزب شيوعي يجب أن يكون بوسع كل شخص موجود في ذلك المكان ويناضل لتحسين أي جانب من جوانب حياته مراجعة ذلك الحزب وأن يضع ذلك الحزب يده بيد الآخرين. يجب أن يكون هذا الحزب مركزاً لتجمع القادة والمحرضين. وإذا لم يجيب تنظيم الحزب على هذه الحاجة الاجتماعية فإن عالم الواقع ليس سوى حلقة فكرية أو جماعة ضغط هامشية. وهنا يجب الانتباه الى نقطة أن تنظيم كوادر الحزب، هو هيكل يحافظ على الطابع والملامح الإنسانية التي تؤطر الحزب وتحيط به. وبدون هذه الخاصية للتنظيم الاجتماعي لن تبقى تلك الملامح والطابع الإنساني في هيكل الكادر وستواجهون هيكلاً عارياً من اللحم يصلح فقط لأفلام الرعب. بدون هذا الهيكل ستجدون أن لديكم جبلاً من اللحم تعجزون عن إيقافه على قدميه. إن موضوعي هو أن هناك وسيلة ورافعة مهمة للسلطة ألا وهي وجود تنظيم اجتماعي للسلطة وتنظيم السلطة هذا هو قبل كل شيء ظاهرة اجتماعية. ينبغي فهم تنظيم الحزب الشيوعي في هذا المستوى بمثابة ظاهرة اجتماعية. ولكي يتحول حزب شيوعي الى سلطة يجب أن يكون وسيلة لاقتدار وتسلط الجماهير. فلا يمكن التحول الى سلطة بالدعاية والتحريض فقط. ومن الواضح أن الدعاية والتحريض هي حياتية ولكن بالإضافة إليها يجب التحول الى آلية اجتماعية لتدخل البشر في تغيير العالم المحيط بهم. على المجتمع أن يرى أن بوسع حزب شيوعي أن يصبح سلطة. فالحزب الشيوعي ليس جمعية الدفاع عن المحرومين أو مؤسسة خيرية. بل تنظيم من أجل السلطة، التدخل والتغيير.

8- هناك أيضاً الآليات الخاصة الى جانب الآليات العامة من قبيل الحزب أو التجمع العام وغير ذلك. إنها الآليات الأخرى التي تعود على الأوضاع الخاصة لمجتمع معين وخصوصياته. وهي لا تنطبق عليها نظرية أخرى ولا يجب تعميمها سوى في قلب الآليات الاجتماعية للسلطة في الأوضاع الخاصة. خذوا بنظر الاعتبار كردستان. ففي كردستان إيران والعراق السياسة مسلحة. وبمعزل عنا فإن الأحزاب السياسية المعارضة في كردستان مسلحة. فالصراع المسلح ليس فقط أحد أبعاد العلاقة مع الدولة المركزية بل إنه وعلاوة على ذلك وربما الأهم أنه أحد أبعاد علاقة الأحزاب البرجوازية بالجماهير وبكل الأحزاب الأخرى، وخصوصاً بحزب شيوعي. فإذا لم يكن حزب ما مسلحاً في كردستان ليس له أقل ما يمكن من الفرص والحظوظ. بوسعكم أن تمتلكوا أنقى النظريات الماركسية وأكثرها شفافية وأن تنطقوا بأروع الكلمات وأجملها، ستقلعكم البرجوازية وتقمعكم، تغلق المجالس وتعتقل الناشطين العماليين واليساريين وتقوم بإعدامهم. إن المنطق على قدر من الوضوح والبداهة بحيث إذا لم يكن لحزب ما طابعاً وقدرات عسكرية مناسبة ومتطابقة مع كل مرحلة لن يتخلف فقط في صراع السلطة بين الدولة والأحزاب المعارضة بل وإنه سيتحول باتخاذه ملامح حزب قابل للاقتلاع والقمع من قبل مختلف الأحزاب البرجوازية الى حزب لا يمكن انتخابه بالنسبة للجماهير. فالجماهير في الانتماء لمثل هكذا تنظيم لا تشعر أبداً بالإحساس بالسلطة والاقتدار ولن ترتبط به. من الممكن أن تشهد بصدق ونظافة أعضاء هذا التنظيم ولكنها لا ترتبط بمثل هكذا تنظيم. إن مجتمعاً معيناً لا يعترف أساساً ولا يرتبط بحزب لا يمتلك القدرة على الدفاع عن نفسه مقابل مخاطر ذلك المجتمع المعين. وهذا المثال حول الملامح والقدرات المسلحة لا ينطبق على طهران، على سبيل المثال. فالنضال السياسي في طهران ليس له الآن صلة بالنضال المسلح والقوة العسكرية. وفي أوضاع أخرى من الممكن أن يطرأ هذا التغيير في مكان مثل طهران وهذا ليس موضع بحثي.

و لو أخذتم بنظر الاعتبار أوضاع العراق اليوم، تجدون أن الجماهير ترتبط، في قلب سيناريو أسود وانهيار أسس الحياة المدنية، بحزب يكون بوسعها بالانتماء إليه أن تبتعد ولو لخطوة عن هذا السيناريو الأسود وتستعيد الأمن والسلطة بنفسها. ففي مجتمع انهارت كل أسسه يجب بالطبع بناء النقابات ولكن أن يفكر شخص أن بوسعه التحول بالنقابات والتنظيمات التقليدية الى ركن من أركان السلطة وتغيير الأوضاع إنما ينظر للمسألة بشكل مقلوب.

بالنتيجة اللجوء الى آليات التنظيم، والانتظام ونفس تنظيم الجماهير هو وسيلة لا يمكن إغفالها بالنسبة لحزب شيوعي. وبعض أشكال التنظيم تلك هي قياسية، تماماً مثل الوصول الى الجماهير، العلنية، القادة، وغير ذلك مما أشرت إليها. أشكال تنسجم وتناسب كل مكان. فيما تعود بعضها على الأوضاع الخاصة لمجتمع ما في مرحلة خاصة. وما أكثر ما تكون الأشكال غير القياسية في أوضاع معينة، مثل الإمكانيات والقدرات العسكرية في كردستان، ذات طابع حاسم. فحين بدأت المقاومة المسلحة في كردستان ضد الجمهورية الإسلامية، أرتبط أعضاء النقابات والإتحادات العمالية بصفوف هذا الحزب أو ذاك للمشاركة في المقاومة المسلحة. وحتى حين يقاوم المجلس ضد غطرسة وتهور الحزب البرجوازي يكون بوسعه المقاومة ضد هذه الغطرسة والتهور والضغط حين يثق بالاعتماد على قدرته أو قدرة الحزب الشيوعي.

وفي النهاية ثمة عامل هو الحزب بحد ذاته، ووجود الكوادر الماركسية التي لديها هذا الأفق والحزب الذي يربط هذه الكوادر ببعضها البعض في توليفة والتقاليد التي يبثونها في روح المجتمع، مجموعة من القادة، الناشطين، المحرضين، قادة الحملات، والمنظِّمين، أي المجموعة المصفاة الشبيهة بالشعلة التي تتفجر في قلب المجتمع وتهز ذلك المجتمع وتحركه صوب جهة معينة. هذه هي الحاجة لماكنة حزبية قوية قادرة للقيام بهذه الوظيفة وإنجازها. هذه هي المجموعة التي إذا ما وقفت الى جنب بعضها البعض بوسعها أن تكون تلك الأقلية التي تثور للإمساك بالسلطة، وتنظم الثورة الشيوعية وتجتذب الأكثرية خلفها. إن حزباً له رايته، الحزب الذي له قيادته، الحزب الذي له شخصياته، الحزب الذي لديه قادة المجتمع الذين يقفون الى جانبه، الحزب الذي حقق حضوره في المراحل والميادين والتحديات الاجتماعية والذي يعبر عن مطلب معين، الحزب الذي ربط الجماهير ببعضها البعض وتحول الى وسيلة سلطة الجماهير واقتدارها، هو الحزب الذي يشكل سلطة، تنظيماً ويتموضع في الساحة. كثير من الحركات الاحتجاجية التي نقوم بها في الخارج لا يكون ممكناً أن تفسر بحد ذاتها وحتى من الممكن أن لا تكون ناجحة. ولكن حين توضع في سياق التصور المقدم للمجتمع والمسائل التي يجب أن تربط طوال الوقت بهذا الحزب تتضح مكانتها.

ب- ما هي المسائل التي لا يدور حولها بحث الحزب والسلطة السياسية

بعد بحث منصور حكمت حول الحزب والسلطة السياسية استنتجت استنتاجات غير صحيحة من هذا البحث. وأشير هنا الى بعض منها.

1- لا يدور بحث الحزب والسلطة السياسية حول تنظيم الانقلاب.

بحث الحزب والسلطة السياسية ليس بخصوص الإمساك بالسلطة السياسية من قبل قوى الحزب الحية بمعزل عن الأوضاع المحددة. وهو ليس بحث كيفية تنظيم انقلاب ما. فالإنقلابيون يمسكون بالسلطة في يوم معين وحين يكونون مستعدين لذلك. بحث الحزب والسلطة السياسية لا يدور حول إعداد قوى الحزب من أجل السيطرة على الإذاعة والتلفزيون أو القصر الجمهوري في الوقت الذي تكون فيه قوانا جاهزة. بل يجب أن تكون الأوضاع المشخصة خارجنا جاهزة أيضاً. والأهم أن نعد نحن تلك الأوضاع. إن الزمان والمكان والأوضاع المناسبة هي ما يميز بين الانقلاب عن ثورة ما وسأعود على هذا فيما بعد. فإذا كان يمكن للشيوعية العمالية في إيران الإمساك بالسلطة بانقلاب عليها أن تمسك بها ولا ينبغي عليها مطلقاً أن تجامل أو تعبر عن تردد. غير أن هذا البحث، أي بحث الحزب والسلطة السياسية، لا يدور حول تنظيم الانقلاب. بل هو بحث مكونات أكثر روتينية، أكثر عمومية، متعارف عليها أكثر واجتماعية أكثر في علاقة الحزب الشيوعي بالسلطة. وبالتأكيد أن أحد جوانب هذا البحث هو أن على الحزب الشيوعي أن يقبل ويكون واعياً بأن عليه الإمساك بالسلطة والحفاظ عليها في أي وقت يكون بوسعه ذلك. إلا أن بحث الحزب والسلطة السياسية هو أشمل من ذلك. وفي ثورة أكتوبر قامت مجموعة قليلة بمبادرة الحزب الخلاقة بهجوم وسيطرت على قصر الشتاء. البعض يسمون هذا انقلاباً والبعض الآخر يسميه ثورة. وأنا أعتبره ثورة وقد تحدثت عن هذا الموضوع بالتفصيل في تحليل وتقييم تجربة الثورة الروسية في البحث الذي قدمته في جمعية ماركس. فالاختلاف بين الثورة والانقلاب هو في الأوضاع والأثناء التي يتم فيها الإمساك بالسلطة وليس في عدد الثوار. وإذا كانت لديكم نظرية الحزب والسلطة السياسية وتحتكمون لها فإنكم ستطلقون على الإمساك بالسلطة في أكتوبر 1917 من قبل البلاشفة تسمية ثورة بروليتارية.

2- لا يدور بحث الحزب والسلطة السياسية حول تنظيم حرب الإنقاذ والتحرير.

إن بحث الحزب والسلطة السياسية ليس بحثاً حل تنظيم حرب التحرير. وهذا يعني أن بحث الحزب والسلطة السياسية لا يدور حول تنظيم دخول قوى الحزب من الحدود والسيطرة على المناطق. حتماً سندخل بقوانا المسلحة بمجرد أن تسمح لنا الأوضاع ولكن هذا يتحقق في أوضاع إيران ضمن إطار آخر وارتباطاً باستراتيجية أشمل تنتج بالتأكيد عن بحث الحزب والسلطة السياسية. بالضبط كما أن الاختلاف بين الثورة والانقلاب هو في قلب تحقيق الإمساك بالسلطة وليس في تركيبة الثوار، كذلك هو الاختلاف بين إرسال القوات المسلحة وبين التحرير. للشيوعيين الحق في تحقيق كلا الأمرين إلا أن بحث الحزب والسلطة السياسية ليس نظرية حرب التحرير. كانت لدينا قوى مسلحة، وكنا نقوم بالتصفية أيضاً والتيارات الأخرى كانت تقوم بنفس الأمر كذلك، إلا أن هذا العمل لا ينتج مباشرة عن بحث الحزب والسلطة السياسية. وحين تصلون في بحث الحزب والسلطة السياسية الى مستوى أكثر ملموسية من آليات السلطة في المجتمع تطرح مثل هذه النشاطات ويصبح مكانها معلوماً ولكنها لا تنبع مباشرة من بحث الحزب والسلطة السياسية. يحدد ويشترط بحث الحزب والسلطة السياسية وبتعبير أدق يعرف مكانة هذه الآليات في العلاقة بين الحزب الشيوعي والسلطة. ولا يتطرق على الصعيد نظري وتجريدي وعلى صعيد المفاهيم الأساسية لهذا النوع من النشاطات.

3- لا يدور بحث الحزب والسلطة السياسية حول ضرورة امتلاك قوة مسلحة.

بحث الحزب والسلطة السياسية لا يدور حول امتلاك قوة مسلحة. بمعنى أن شخصاً لديه قوة مسلحة أو يعتقد أن عليه امتلاكها ويتصور أنه يجب القيام بنضال مسلح لا يعني بالضرورة أنه لا يقبل بحث الحزب والسلطة السياسية بل على الأغلب كان الأمر لدى اليسار على العكس من ذلك. وأحدى التنظيمات التي ليس لها اية صلة ببحث الحزب والسلطة السياسية هي تنظيم فدائيي الشعب المسلحين. فهذا التنظيم يؤمن بدور السلاح في صناعة التاريخ ويشكل النضال المسلح استراتيجيته وتكتيكه أيضاً في نفس الوقت، وقام بنضاله المسلح في مختلف الميادين والساحات، وفي الأساس كان السلاح علامته، إلا أنه كان في نفس الوقت أحد المواضيع الأصلية التي انتقدها بحث الحزب والسلطة السياسية. فبحث الحزب والسلطة السياسية يبين أن الحزب الشيوعي أينما كان بحاجة للقوة المسلحة ليس عليه الاستنكاف من هذا العمل بذرائع وحجج "كلاسيكية". يجب إيجاد هذه القوة والاستفادة منها، ولكن نفس الاقتناع بامتلاك القوة المسلحة والاقتناع بضرورة القيام بالنضال المسلح ليس هو ما يعرف جذورنا وأسسنا الفكرية. وبين امتلاك قوة مسلحة واللجوء الى السلاح بإطروحات الحزب الشيوعي والسلطة السياسية ليست هناك علاقة متوازنة. في السابق كان أغلب اليسار العالمي يتصور وجوب القيام بالنضال المسلح أو أنه لم يرفض مثل ذلك النضال وذلك اليسار هو الموضوع الأصلي لانتقاد الحزب والسلطة السياسية. إن كل شخص أعلن أنه يقبل بالنضال المسلح أو اللجوء الى السلاح لا يدل على أنه يقبل أطروحات الحزب والسلطة السياسية.

4- يحث الحزب والسلطة السياسية ليس قاصراً ومحدوداً على مسألة الإمساك بالسلطة السياسية.

بل إنه بحث بخصوص علاقة حزب شيوعي بالسلطة السياسية ولا يقتصر هذا البحث على فترة الإمساك بالسلطة السياسية. الإمساك بالسلطة السياسية هو هدف وغاية كل حزب سياسي إلا أن هذا العمل يتحقق في يوم معين. بحث الحزب والسلطة السياسية يتعلق بالعلاقة الفكرية، العملية و الأكثر وضعية لحزب سياسي بالسلطة السياسية في مجتمع ما. أنه بخصوص علاقة الحزب الشيوعي بالسلطة بشكل عام. ولكن هذه السلطة ليس فقط بمعنى سلطة الدولة. جزء مهم من هذا البحث يتعلق بسلطة الدولة إلا أنه ليس قاصراً عليها. للسلطة في المجتمع أشكال متنوعة جداً. الحزب والسلطة السياسية يدور حول السلطة في المجتمع في كل أشكالها المختلفة. وهي تشمل الأشكال الاجتماعية، الفكرية، العملية، القابلية على الحشد والتعبئة الجماهيرية وغير ذلك. ولا يقتصر بحث الحزب والسلطة على بحث الحزب والإمساك بالسلطة السياسية. وقلما يوجد تيار يساري يدعي بشكل عام أنه لا يريد الإمساك بالسلطة السياسية ويعارض الإمساك بها. فالتروتسكيون يريدون أصلاً القيام بالثورة الاشتراكية في عدة بلدان في نفس الوقت. والإمساك بالسلطة السياسية هو جزء مهم من بحث الحزب والسلطة السياسية الذي يجري تصوره على مستوى خاص من التجريد. بالنتيجة لا يدور بحث الحزب والسلطة السياسية فقط حول يوم الثورة أو كيفية الثورة.

إن التيارات المختلفة تستفيد من أشكال مختلفة للاقتراب من السلطة بدءاً من تسميم المعارضين وصولاً الى علاقات الزواج والمصاهرة السياسية. ولا يمكن لهذه الأساليب وما شابهها أن تكون آليات اقتراب قوة شيوعية من السلطة. مكان تنظيم الثورة، الانتفاضة، اللجوء الى السلاح، التعبئة والحشد الجماهيري وغير ذلك تدخل على بحث الحزب والسلطة السياسية في مستويات مختلفة. فالثورة والانتفاضة هي مفاهيم أساسية في بحث الحزب والسلطة السياسية، إلا أن البحث ليس قاصراً عليها فقط.

5- لا يتعلق بحث الحزب والسلطة السياسية فقط بالمراحل الثورية أو أنه لا يتعلق بالمجتمعات المكبوتة والخاضعة لسلطة الاستبداد.

إن هذا البحث ينطبق بنفس الدرجة على الأوضاع في ذروة سيطرة الرجعية وفي المراحل غير الثورية. على سبيل المثال ينطبق هذا البحث على الأوضاع في المجتمع العراقي، حيث أن الأوضاع ليست غير ثورية فقط، بل ويسودها اليأس وانهيار الحياة المدنية، كما أنه ينطبق على الأوضاع في أوروبا حيث تسود الأوضاع الديمقراطية وغير الثورية. بحث الحزب والسلطة السياسية قابل للتحقيق وينطبق على كلا الحالتين. وبحث الحزب والسلطة السياسية على درجة بالغة من الحياتية في المحيط والأوساط الديمقراطية ومن المثير أن تحقيقه بالنسبة لقوة شيوعية تقليدية أو يسار تقليدي في مثل هكذا أوضاع أكثر تعقيداً وأكثر صعوبة بدرجات بالغة. فبالنسبة لشيوعية تعلمت أن تكون دائماً في هامش المجتمع وتعرف جيداً النشاط السري، تعرف تنظيم المجاميع، عقد الاجتماعات، كسب الأعضاء، ولصق البيانات على أعمدة كهرباء المحلة وغير ذلك، تكون في الأوضاع الديمقراطية حيث عليها أن تواجه المجتمع مباشرة، قاصرة في الاقتراب من السلطة، ومشلولة. فهم بحث الحزب والسلطة السياسية في الأوضاع الديمقراطية واستخدامه بشكل مبدع وخلاق بحاجة لتعمق أكثر. هذه هي المشكلة الأساسية لتجربة الشيوعية العمالية في العراق حيث سأتطرق إليها فيما بعد. وغدا لو حطمت الجماهير الجمهورية الإسلامية، سيواجه الحزب الشيوعي العمالي الإيراني مسائل معقدة من هذا القبيل حيث ينبغي أن يكون لديه الاستعداد الفكري والعملي للإجابة والرد عليها. الحزب والسلطة السياسية هو بحث حول علاقة الحزب الشيوعي بالمجتمع بشكل عام وفي كل الأوضاع وليس بمجتمع خاص أو في فترة خاصة. هذا البحث وبالقدر الذي ينطبق على حالة إيران والعراق، هو ينطبق أيضاً على حالة أمريكا، فرنسا، بريطانيا، أو إيطاليا. وحتى أن هذا البحث يبين كيف أنه يمكن لحزب مثل حزبنا أن ينمو في الخارج ويكسب القوى.

وما قيل حتى الآن هو في الواقع مقدمة من أجل بيان وتحليل التجارب الأربعة التي تشكل موضوعاً آخر لهذا البحث.



هوامش

1- منصور حكمت، "اختلافاتنا"- مجلة بسوى سوسياليسم (نحو الاشتراكية-م) الدورة الأولى-العدد الرابع-أيلول/تشرين الأول 1989، كذلك يمكن مراجعة الرابط التالي في موقع منصور حكمت الانرنيتي:

http://www.m-hekmat.com/fa/1240fa.html

2- منصور حكمت، "الحزب والمجتمع: من جماعة ضغط الى حزب سياسي"، صحيفة انترناسيونال، العدد 29 أيار 1999، كما يمكن مراجعة موقع منصور حكمت على الرابط التالي:

http://www.m-hekmat.com/fa/1900fa.html

3- منصور حكمت، الحزب والسلطة السياسية، خطاب في المؤتمر الثاني للحزب الشيوعي العمالي الإيراني، نيسان 1998، راجع الرابط التالي في موقع منصور حكمت:

http://www.m-hekmat.com/fa/1900fa.html

4- منصور حكمت، "حول نشاطنا في كردستان"، منشورات مركز الشيوعية العمالية، تموز 1989، راجع موقع منصور حكمت على الرابط التالي:

http://www.m-hekmat.com/fa/1180fa.html

5- كورش مدرسي، الثورة الروسية: مراجعة تحليلية، حديث في جمعية ماركس- لندن، 2001، راجع موقع جمعية ماركس-حكمت، لندن على الرابط التالي:

http://www.marxsociety.com








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس


.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم




.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟


.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة




.. الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا