الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انطباعاتٌ عن طباع وطبوعٍ وإيقاعاتٍ من بايروت

محمد المدلاوي المنبهي

2007 / 5 / 11
الادب والفن


إنها، بالنسبة للكثير ممن يسمع عنها عبر العالم، مدينة الموسيقى والطرب في فترة من الفترات. لكنها كذلك مدينة عرفت ويلات الحرب القذرة، ومعاناة الحصار مما تحتفظ به ذاكرة آخرين ممن عاشوا فيها كمقيمين أو كعابرين. إلى حدود هذا تبقى مرجعية الموضوع ملتبسة. فبالنسبة لذوي الثقافة العربية، بمعناها الواسع، لا يمكن أن يحيل لفظ "بايروت" بالرغم من ألف مده غير العادية إلا بمدينة فيروز ، و الرحابنة ، و وديع الصافي ، و صباح ، وغيرهم كثير، أي بيروت المرسوم إملاؤها بغير التقاء ساكنين والتي عرفت غزو القائد الروماني أغريبا (Agrippa) في القرن الأول للميلاد، وحصارَ الحرب العالمية الأولى من طرف الحلفاء، ثم ويلات الحرب الأهلية الطائفية القذرة (1975-1991)، وحصار وجلاء المقاومة الفلسطينية على الطريقة الخيبــرية، وشاهدت كذلك مجزرة صبرا و شاتيلا ثم حرب القيظ لأربع وثلاثين يوما. إنها بيروت العربية، اللبنانية اليوم، الكنعانية الفينيقية بالأمس، كما تدل على ذلك الانتسابِ التاريخي تسميتُـها التي يغلب الاعتقاد أنها من بئروت أي "الآبار"، على غرار ما في أسامي مدن لنا في المغرب مثل تيطـّـاوين (تطوان، وهي كلمة أمازيغية معناها: الينابيع )، و العيون (الشرقية)، و العيون (الساقية الحمراء).

غير أن هناك بيروتا أخرى أقل إيغالا في الزمن التاريخي، بالرغم من رسوخها في العقل التاريخي بالمفهوم الهيجيلي؛ مدينة لم تشرع الوثائق المتوفرة الآن في تداول اسمها إلا ابتداء من 1194م. وقد عرفت بدورها الحروب حيث عانت من حرب الثلاثين سنة في القرن السابع عشر الميلادي، قبل أن تنال حصة جد متميزة من قنبلة الحلفاء في نهاية الحرب العالمية الثانية بسبب كونها حينئذ من القلاع النموذجية للأيديولوجية النازية، وهو ما لا يزال يؤكده، في إصرار، وبدون عقدة إزاء تملك ميراث الماضي، ذلك النصبُ التذكاري المقام في ساحة Schützenplaz بشارع Cosima Wagner، الزوجة الثانية للموسيقار ريتشارد فاغنر، والذي يخلد ذكرى أبطال الكتيبة السابعة للمشاة (1939-1945) وذكرى سائر من سقطوا خلال خلال نفس الحرب.

وإذا كان المنعطف التاريخي الأول للـبيروت الجرمانية مرتبطا بالحروب، وبانقسام إمارة أسرة هوهنزولرن (Hohezollern)، فإن منعطفها الثاني تمثل في انتقال الموسيقار ريتشارد فاغنر إليها سنة 1872 منجذبا إليها أول الأمر بسبب رحابة أوبيراها، قبل أن يشيد بها أوبيراه الخاص الذي كان النواة الأولى لمهرجان بيروت (بيروت الجرمانية) السنوي الذي ما يزال مستمرا إلى اليوم منذ 1876 والذي تخلد من خلاله دار الفيستــشبيلـهاوس (Festspielhaus) روائع أوبيرا فاغنر، هذا المهرجان الذي يحصل أن تصل لائحة انتظار طالبي تذاكره عبر العالم إلى عشر سنوات.

فبايروت الجرمانية إذن مدينة الموسيقى بلا منازع، مدينة موسيقيين من عيار ريتشارد فاغنر (Richard Wagner) ، و فرانتز ليست (Franz Liszt) وغيرهما، مدينة سمعتُ عنها أول ما سمعت من خلال برنامج الثنائي، فرانسواز فابيان (Francoise Fabien) و فرانسنس بيران (Francis Perrain)، للموسيقى الكلاسيكية بالقسم الفرنسي من إذاعة الرباط خلال الثمانينات، ذلك البرنامج الذي ذهب كما ذهب الكثير من أمثاله ولم يعوّض، والذي كنت من بين المواظبين عليه، وكانت آخر مراسلة مني إليه في خريف 1990 لما راسلته انطلاقا من بلاد الماسـاتشوسـاتس بإنجلاتيرا الجديدة على إثر وفاة ابن تلك البلاد، الموسيقار الكبير ليونارد بيرنشتاين (Leonard Bernstein)، صاحب الأوبيريت الشهيرة قصة الضفة الغربية (West Side Story) يوم 14 أكتوبر 1990.

إنها اليوم مدينة صغيرة هادئة تغرد فيها الشحارير والعنادل في شهر يوليوز من الساعة الثالثة صباحا إلى الثامنة مساء، و لا تسمع فيها هديرا للسيارات، و لا ترى الناس فيها يتدافعون بالمناكب والمرافق على الأرصفة، ويقطعون الطرق في كل اتجاه؛ إذ أنهم هناك لا يخرجون إلا متوجهين شطر وجهة معينة، لغرض معين من أغراضهم، أو لممارسة الرياضة على دراجة هوائية أو في الحدائق. وأتذكر هنا على التو، وعلى سبيل استطراد لغو الصيف، بمناسبة هذه الجزئية المتعلقة بثقافة تحرك الانسان في الفضاء، ما قرأته في أسبوعية إنجليزية لعلها تايم ماغازين أو نيوزويك (لم أعد أتذكر) على متن الطائرة في طريق العودة من زيارة خاطفة لهذه المدينة، من أن أحدهم نصح في خبث الرعايا الغربيين ممن لا تزال مصالحه تجعله متشبثا بالبقاء في السعودية رغم موجة الاغتيالات والاختطافات التي عمت أرض الإحرام، مبيـّـنا لهم بأن من بين مظاهر الاستخفاء التي من شأنها ألا تثير انتباه المتصيدين والقناصة المجاهدين هناك وأن تضفي على الشخص صفة ابن البلد، يوجد نوع المشية التي يتخذها الناس في الشارع هناك كوجه من أوجه العادة وتزجية العمر، والتي تتمثل في مشية من يسير الهوينى إلى غير هدف. معناه أن من يسير في خفة نحو هدف معين يبدو نشازا فيستهدف كأجنبي يفضحه نشاز إيقاعه بالقياس إلى الإيقاع العام في تلك الديار.

فلنميز إذن، في الرسم والإملاء على الأقل، رفعا للالتباس، ما بين بيروت (Bayrouth) الكنعانية، الفينيقية، العربية، بطباع وطبوع وإيقاعات ثقافتها المشرقية، و بين بايــروث (Bayreuth) الجرمانية البروسية، بطباع وطبوع وإيقاعات ثقافتها الغربية.

لم يتعد مقامي تلك المرة في بايروث الجرمانية خمسة أيام كانت انطباعاتي فيها أساس هذه الأسطر التي لم يكتب لها أن ترى النور في حينها. وقد كان ذلك بمناسبة الدورة الثالثة لـــملتقى بايروت - فرانكفورت حول الدراسات الأمازيغية (3.Bayreuth-Frankfürter Kolloquim zur Berberologie’)، هذه الدراسات التي تطلق عليها المدرسة الألمانية مصطلح الأمازيغولوجيا (Berberologie)، بخلاف المدرسة اللاتينية، التي تقصر اللاصقة الاصطلاحية "-لوجيا" العلم (...لوجيا) في هذا القطاع من مجالات البحث الأكاديمي على القبطيات (Egyptologie)، و الأشوريات (Assyriologie)، و الصينيات (Sinologie)، بينما تعتـبر هذه المدرسة دارسي الأمازيغية، أو العربية، مجرد هواة، كما تدل على ذلك صيغ الافتعال المخصصة لهم، من قبيل Berbérisants, Arabisants, Orientalistes بدل Berbérologue, Arabologue. إنها جزئية أخرى أثرتُ انتباه بعض الفرنسيين من المشاركين في الملتقى إلى سيميولوجياها، على سبيل النكتة، فجحظت أعينهم.
أما الملتقى الثالث المذكور، في حد ذاته، فقد كان ألمانيا قلبا وقالبا: موضوع مضبوط ومحصور هو "مقولة الاسم في الأمازيغية"، وليس شيئا من قبيل فضفاضيات: "الأدب الفلاني بين الماضي والحاضر؛ حصيلة وآفاق"، أو ما شابه ذلك. أما التنظيم فبالمثل: لا لافتات، ولا محفظات، ولا ورق صقيل، ولا كلمة السيد المسؤول، ولا السيد نائب السيد المسؤول، ولا كلمة رئيس اللجنة المنظمة، ولا رئيس مجلس الراطهاوس (Rathaus)، ولا أضواء هذه القناة التلفزية ولا تلك، ولا تصريحات هذا المسؤول لا ذاك حول مكانة الملتقى "على ضوء ظاهرة العولمة"، ولا حول "دور الملتقى في التنمية المستدامة" ولا عن دوره في إقامة "مجتمع حداثي ديموقراطي" إلى غير ذلك من شرلطانيات وتدجيلات الخطاب الأجوف. لا حلويات رمضانية مغربية، ولا صحون "البساطيل"، ولا رءؤوس أغنام مشوية يتحول معها "البحث العلمي" إلى "بحث غنمي". باختصار، لا وقت ولا فضاء للفولكلور ولا لعادات الولائم و"زرود الطـّـلبة" في مقام الجد. فقد سبق أن أشرنا إلى أن جزئية الاصطلاح في تسمية الملتقى (Berberologie) ليست مجانية. ومن جهة أخرى، كانت أعمال الملتقى السابق (الملتقى الثاني)، التي نشرت في كتاب، من بين أولى المعروضات على هامش الملتقى القائم، إذ كان قد تم طبعها والشروع في توزيعها في الموعد المحدد. وهناك استطعنا، نحن المغاربة، وليس هنا في المغرب، أن نسمع عن تفاصيل علمية تهم الأمازيغية الصنهاجية، الموريطانية، في تداخلاتها مع العربية الحسانية المنطوقة في الأقاليم الجنوبية، وأن نكوّن فكرة عما وصلت إليه مراكز الدراسات الإفريقية، الألمانية و الإيطالية على الخصوص، في ميدان بحث أوجه التداخل بين العربية، و الأمازيغية، واللغات الإفريقية لجنوب الصحراء، بكل دلالات ذلك التداخل من الوجهات التاريخية، والانثروبولوجية والحضارية التعاملية الحية. ولقد سألني مشارك في الملتقى من قسم الدراسات والأبحاث حول إفريقيا والعالم العربي (Dipartimento di Studi e Richerche su Africa e Paesi Arabi) بجامعة نابولى الإيطالية، و هو مؤلف عدة مجلدات حول الدخيل العربي في اللغات الإفريقية، عما إذا كان للأوساط الأكاديمية بالمغرب، جامعة ومعاهدَ بحث، اهتمام بهذا المنحى من مناحي البحث، فأجبت بأنه، فيما عدا منشورات معهد الدراسات الإفريقية، التي يغلب عليها، في السابق على الأقل، التاريخ والمناقببيات، ليس هناك اهتمام أكاديمي منهجي بالأبعاد اللغوية والثقافية لإفريقيا. قلت ذلك وأنا أوازن في ذهني، في نوع من المفارقة، ما بين الرغبة في إعادة الحضور المغربي إلى فضاء عمقه الإفريقي، التي ترجمتها رحلات الملك محمد السادس الأخيرة إلى بلدان هذه القارة، وبين الغياب الأكاديمي شبه التام للجامعة وللمعاهد –باستثناء التوجه الجديد لمعهد الدراسات الإفريقية- عن ذلك الفضاء في وجهه الحي، القائم اليوم، وليس فقط على مستوى النصوص المناقبية، متسائلا عما إذا كان بالإمكان حقا إحرازُ حضور اقتصادي و سياسي في فضاء معين في حالة غياب ثقافي وعلمي تام عن ذلك الفضاء، وفي ظل الجهل التام بلغات الشعوب المعنية وبثقافاتها، هذا الجهل المتولد عن ثقافة استعلائية ضاربة في القدم.
إنه بعدٌ آخر من الأبعاد التي تختلف على مستوياتها الطباع والطبوع والإيقاعات من ثقافة إلى آخرى. فلنعد من جديد، بعد الاستطراد، إلى فضاء ملتقى الأمازيغولوجيا بمدينة بايروت الجرمانية الثقافة.

انتهى الملتقى كما كان مقررا له في يوم السبت ثالث يوليوز على الساعة الواحدة زوالا كما كان مقررا له، و تم زف بشرى إلى المشاركين مفادها أن الملتقى قد حظي منذ هذه الدورة على صفة المأسـسة، صفة تخول له الرعاية من طرف (Deutche Forschungsgemeinschaft)، المؤسسة الرسمية لإنعاش البحث العلمي بألمانيا، فحدد المشاركون على الفور تاريخ الخميس 28 سبتمبر المقبل بعد عامين كموعد للقاء الرابع، وحددوا له "الصناعة المعجمية الأمازيغية" كتصور أولي للموضوع يتم ضبطه أكثر لاحقا. في هذه الأثناء، كان بعض السادة من الجرمانيين والجرمانيات يسترقون اللحظات الأخيرة من بعض المشاركين الذين عرضوا بعض مؤلفاتهم مما لم ينشر في ديار الغرب. إنهم أناس أنتدبتهم الخزانات الجامعية هناك لتزويدها من عين المكان بما هو معروض من مؤلفات مما هو غير متوفر في السوق التوزيعية الغربية (أوروبا، و أمريكا، و اليابان، وكوريا الجنوبية). وإذ لم أعرض شخصيا من كتبي إلا اثنين، من بينهما الكتاب الذي نشرته لي كلية الآداب بالرباط سنة 1995 (phonologiques …َAspects des représentations ) والذي حدثني مؤخرا زميل لي عن طرائف قصته مع اللجنة الموقرة لجائزة المغرب الغراء للكتاب في السنة المعنية، فقد تقدمت مني سيدة قدمت لي نفسها على أن اسمها Theda Schumann، وكان الناس يتأهبون للرحيل حينئذ، طالبة مني نسختين للاقتناء لفائدة خزانة مؤسستها، المعهد الأسيوي-الإفريقي (UHH - Asien-Afrika-Institut) بــهامبورغ . أجبتها بأنني لم اصطحب معي نسخا للبيع، وأن العينة المعروضة للإطلاع فقط إنما هي هدية شخصية لفائدة طرف ثالث، فطلبت مني على التو أن تسدد لي مسبقا ثمن نسختين بما في ذلك رسوم البريد، على أن أبعث إلى المؤسسة المعنية بالنسختين عند عودتي إلى المغرب. قدرتُ لها الثمنَ والرسوم جزافا (13 أورو للنسخة) فناولتني المقدار مصحوبا بعنوان المؤسسة ثم انصرفت بدون أن تطلب حتى عنواني. هنا تذكرت طقوسنا الجامعية والمعاهدية في تكوين لوائح تزويد خزانات المؤسسات؛ تذكرت اللوائح، وتصحيح اللوائح، وتجديد اللوائح، وضياع اللوائح، والإعلان للكتبيين عن طلب عروض، وعن طقوس فتح أظرفة الصفقات، وعن "المناقصات" الحِـبـّـية التي يتبادل من خلالها بعض الكتبــيــين من المتطفلين والكسالى قضاء المصالح فيما بينهم، لكي يُعلـِـن، بعد ذلك في نهاية المطاف، من "فاز" منهم بالصفقة بأن 85% من مواد اللوائح المطلوبة "غير متوفرة في السوق" وأنه يقترح بدلا عن ذلك لوائح بديلة يصرّف من خلالها "خردته" التي غالبا ما يكون أصلها "هبات" من بعض الأطراف السخية بالكتب الصفراء عبر بعض المعارض الدولية. تذكرت ما يصحب ذلك ويشكل له التغطية من أنواع تفنـّن بعض أشباه التيقنوقراط في إشهار أسرار وفقهيات قانون الصفقات حينما يتعلق الأمر باقتناء مؤسسة لكتاب نادر، أو لموسوعة معروضة في معرض. تذكرت في الأخير، بالمناسبة، كتابا لي ألفته بمعية اللغوي الفرنسي فرانسوا ديل باللغة الانجليزية حول المقطع في الأمازيغية و العربية المغربية تحت عنوان (Syllables in Tashlhiyt Berber and in Moroccan Arabic) وكان قد صدر سنة 2002 في كل من بوسطون و دوردريخت و لندن عن دار النشر المعروفة International Kluwer (Springer حاليا)، ووُزع في جميع أنحاء العالم، من كوريا الجنوبية إلى كاليفورنيا، مرورا بأوروبا، والذي هو معلن عنه لحد الآن للبيع في حوالي 200 موقعا إليكترونيا (ارقن العنوان المذكور في نافذة الكشاف Google)، و الذي مرت سنوات ولم تدخل منه إلى المغرب إلا نسخة واحدة بعد ثلاث سنوات هي نسخة خزانة آل سعود بالدار البيضاء ونسخة بالخزانة الوطنية لسنتين أخريين بعد ذلك. وذلك لاعتبارات شتى لا داعي للدخول في ثقل تفاصيلها المغربية جدا، ومن بينها ذريعة الشكلية المتمثلة في التشبث بحرفيات قوانين الصفقات العمومية حينما يتعلق الأمر بأدوات العلم والمعرفة، مع أنه من الأفضل، من الناحيتين النفعية وحتى الأخلاقية، في ملتي واعتقادي، أن يسمح استثناء بأن يكون قطاع الكتاب والمكتبة قطاعا للربح السريع، إن كان ذلك قدَرا محتوما، بدل أن تشتهر بذلك قطاعات العقار والسكن العشوائي، والمصالح البنكية والجمركية، و عمليات تفويت مؤسسات القطاع العام كلما اجتازت مراحل المغامرة كما تعكس ذلك ملفات الفساد المعروضة أمام المحاكم. إنه بعدٌ آخر من الأبعاد التي تختلف على مستوياتها الطباع والطبوع والإيقاعات من ثقافة إلى آخرى.

لم أتمكن في النهاية من الاستفادة الثقافية من مقامي في بايروت الجرمانية. كان زميلي وشريكي في البحث السيد فرانسوا ديل (المركز الوطني للبحث العلمي- باريس) قد تحمس في البداية لما أبلغته نية مشاركتي في ملتقى بايروت. قال لي من خلال إرسالية إليكترونية ما مفاده : أفــتدري بأن بايروت هي مدينة فاغنر؟ إن بإمكانك أن تتزود بأقراص مدمجة CD بأثمان معقولة ليس فقط من الموسيقى الجليلة مثل أوبيرا فاغنر، ولكن كذلك من الموسيقي الصغرى الجرمانية (Klein Musik) من كونصيرتوهات و ليــدرهات مما أعرف بأنك تفضله (...). وإذ شاءت الصدف أن تكون إقامتي خلال تلك الزيارة في الرقم 75 (zum Edlen Hirschen) من شارع ريتشارد فاغنر نفسه بالضبط، وعلى أقل من 50 مترا من متحف نفس الشخصية التي أعطت شهرتـَـها المعاصرة لبايروت، فإن الزمن الجرماني لايرحم: فالأمسية الوحيدة التي توفرت لي للتحرك في جنبات المدينة (أمسية ذات يوم سبت) صادفت أمسية الاحتفال بعيد المواطن (Bürger Fest). وإذا كان فسح المجال أمام فرجة "عيد المواطن" قد اقتضى إغلاق جميع المحلات التجارية مما عدا نقط تصريف الساندويتشات وأقداح الجعة من حجم الهاون، فقد كانت تلك على الأقل مناسبة عابرة لرؤية المواطنين يتحركون في الفضاء العمومي تحرّك من لا يقصد أى وجهة على وجه التحديد، أي تحرك التجوال؛ إذ أنه فيما عدا تلك الفرصة يصبح هناك المواطن عملة نادرة في قارعة الفضاء العمومي؛ فلا ترى إلا أثره. وإذ كان الأثر يدل على المؤثر، والبعرة تدل على البعير، كما يقول الكلاميون، فإن أثر المواطن، الغائب هناك عن الرصيف، حاضرٌ ومتنوع في كل مكمان : معمارٌ جليل وجميل، أرصفةٌ منظفة ونظيفة، نوافذ ومداخل مزينة بالنباتات المستجلبة والورود الزاهية، صناديقُ للقمامة مزينة تزيينا يدويا بألوان زاهية، حدائق غناء لا تدري متى يتم إنجاز أعمال العناية بها، (...). إنه الأثرُ الذي يعكس طبع ثقافة المؤثـِّر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا