الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تفجيرات الكوفة - أربيل ولغة القواسم المشتركة

سعد الشديدي

2007 / 5 / 10
الارهاب, الحرب والسلام


بين تفجيري الكوفة وأربيل أقل من أربع وعشرين ساعة. ففي الساعة العاشرة صباحاً يوم أمس إنفجرت سيارة يقودها إنتحاري في أحد أكثر شوارع الكوفة أكتضاضاً بالمارة وحركة السير. وصباح هذا اليوم إنفجرت سيارة أخرى على مقربةٍ من وزارة داخلية إقليم كردستان العراق في مدينة أربيل.
الحادثان منفصلان عن بعضهما في الظاهر ولكن هناك بعض القواسم المشتركة بينهما. فالكوفة هي عاصمة التيار الصدري ومركز الثقل السياسي له. بالإضافة الى أنها كانت المدينة التي يسكنها قائد التيار الصدري السيد مقتدى الصدر قبل إختفائه منذ أشهر. واربيل هي العاصمة الإدارية للإقليم الكردي في شمال العراق. فالمدينتان إذن ليستا من المدن العادية على خارطة السياسية العراقية الراهنة.
ولأنهما تتمتعان بهذه المكانة والحصانة فيجب، أو يفترضُ على الأقل، أن تكونا محصنتين من الناحية الأمنية أيضاً.
والكوفة وأربيل لا تدخل ضمن أصول لعبة السياسة العراقية الراهنة المستندة أساساً على أستخدام التفجيرات والهجمات المسلحة لترويع المدنيين من طائفةٍ محددة وإجبارهم على الرحيل من بيوتهم ومدنهم وإحلال آخرين من طائفةٍ ثانيةٍ محلهم من أجل تحقيق تفوّق عددي طائفي في تلك المنطقة أو المدينة. وهذا ما يعرف بإسم التطهير الطائفي، رغم أن إستعمالنا لمصطلح التطهير الطائفي يبدو شاذّاً جداً في هذا السياق ويستحسنُ أن نستخدمَ بدلاً عنه مصطلح التدمير أو التلويث الطائفي. والحال ذاته مع مدينة أربيل التي يقطنها الأكراد ولهم فيها الأغلبية المطلقة.
وحتى عدد القتلى والجرحى في العمليتين الأرهابيتين يبدو متقارباً. فقد سقط في الكوفة 16 شهيداً وأكثر 60 جريحاً. أما في أربيل فكان عدد الشهداء 15 والجرحى 80. الأمر الذي قد يعني ان من خططوا للعمليتين كانت لهم حسابات متقاربة، في كمية المواد المتفجرّة وحساب التواجد البشري وقت الحادث، في عاصمة الصدريين وعاصمة الأكراد.
فما الذي يحدث في العراق حقاً؟ وماهو معنى إستهداف مدنٍ ينبغي أن تكون آمنة تماماً وبعيدة كل البعد عن مخططات قوى الإرهاب؟ ومن الذي يقوم بتلك العمليات؟
لم تتهم السلطات الأمنية المسؤولة أية جهةٍ أو تنظيم أو جماعة على وجه التحديد بعد. وقد تتجهّ الأصابع فوراً الى المجموعات الأرهابية المنضوية تحت لواء تنظيم القاعدة لأسباب عديدة أهمها أن ذلك التنظيم قام ولمرات عديدة بتنفيذ عمليات كتلك التي شهدتها المدينتين.
ولكننا لو أفترضنا ذلك جدلاً فإن أسئلة جديدة ستعلو الى السطح وتتركنا في حيرةٍ من أمرنا. فبعد كل الضربات التي وُجهَت الى تلك الجماعات وكلّ الجهود الحثيثة لعزلها وشلّ قدرتها وإبعادها عن الأراضي العراقية مازالت هذه التنظيمات قادرة، بشكلٍ ما، على الوصول الى أكثر النقاط أمناً وإستقراراً في العراق. فالكوفة مدينة صغيرة يمكن السيطرة عليها من الناحية الأمنية بشكلٍ أسهل بكثير مما يمكن فعله في مناطق بغداد المختلفة. وأربيل هي قلب الأقليم الكردي وواجهته في العراق والعالم ويحميها آلاف من رجال الأمن والعسكريين الأكراد. والحادثان الآثمان وقعا بالقرب من أماكن مهمة في المدينتين على حد سواء. ويكفي أن نتذكر أن الأنفجار في أربيل وقع بالقرب من وزارة الداخلية المسؤولة عن حفظ الأمن والنظام في عموم الإقليم وليس في أربيل وحدها.
واذا ما قررنا أن القاعدة كانت وراء هذين الحادثين الأجراميين نكون قد منحنا هذه الجماعة الأرهابية صفة القوة التي لا تقهر وهذا لا يريده أحدٌ منّا ولا نتمنى سماعه أو حتى التفكير به. فالوصول الى مركز مدينة الكوفة ووزارة داخلية الأقليم الكردي يعني أن القاعدة مازالت، رغم كل الضربات التي تلقتها، قادرة على الوصول الى كل سنتمتر في أراضي العراق ولا نستثني من ذلك إقليم كردستان العراق الآمن منذ أكثر من خمسة عشر عاماً والبعيد جغرافياً عن بقية المناطق المضطربة في العراق.
وهذا يعني أيضاً ان تلك الجماعات هي التي تقرر أُسس الحياة للمواطن العراقي لأن بيدها مفاتيح أبواب الأمن والأمان الذي ترتبط بها جميع نواحي الحياة الأخرى وتقوم عليها. فلا يمكن للإقتصاد أن يزدهرَ في بلادٍ تفتقد الأمن ولايمكن للحياة السياسية أن تنمو وتتجددّ في ظلّ الخوف والرعب وهكذا هو الأمر مع الثقافةِ وحياة المواطنين الإجتماعية. وكنتيجة لهذا يمكننا القول أن القاعدة، على إفتراض أنها المسؤولة عن هذين الحادثين، هي التي تسيّر العراق وليس الأحزاب السياسية التي تقود الحكومة المدعومةً بالمؤسسات البرلمانية المنتخبة.
وسواء كانت القاعدة أو غيرها وراء تلك المجزرتين فإن القاسم المشترك الأعظم بينهما أن دماءاً عراقيةً سالت في ساحات الكوفة، العاصمة العلمية والثقافية العربية لمئات السنين، وشوارع أربيل عاصمة أقليم كردستان العراق ومدينة الآلهة العراقية القديمة الأربعة. وأن أرواحاً عراقيةً بريئةً سوف تُزهقُ مراراً وتكراراً إذا لم يتفق العراقيون على آفاقهم ومصالحهم المشتركة تحت مظلةِ برنامجٍ وطني حقيقي يقطع الطريق على قوى الأرهاب والطائفية والأنعزال ويكرّس حقوق المواطنة الكاملة لنا جميعاً بغض النظر عن العنصر والطائفة والدين والجنس. وحتى نصل الى تلك القناعة الراسخة يوماً ما علينا إنتظار مجازر ومآسي جديدة فلا حلّ للعراقيين ولا سلاح لهم في حربهم ضدّ أعدائهم سوى الإيمان بوطنهم وعراقيتهم أولاً وأخيراً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضربة إسرائيلية ضد إيران في أصفهان.. جيمس كلابر: سلم التصعيد


.. واشنطن تسقط بالفيتو مشروع قرار بمجلس الأمن لمنح فلسطين صفة ا




.. قصف أصفهان بمثابة رسالة إسرائيلية على قدرة الجيش على ضرب منا


.. وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير تعليقا على ما تعرضت له




.. فلسطيني: إسرائيل لم تترك بشرا أو حيوانا أو طيرا في غزة