الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القناعة المطلقة بالخيانة ودفاع الضحية عن الجلاد

مهند صلاحات

2007 / 5 / 11
القضية الفلسطينية


لم يعد في هذا العصر "الفلسطيني" تحديداً أي مجال للشعارات القومجية، والشيوعية، والإسلامية، التي امتد تاريخها منذ أربعينيات القرن المنصرم، وفرشت نفسها على جدران المدن، والقرى والمخيمات، وزينت مكاتب القيادات السياسية الذين تفننوا في نظم قصائد فيها، ولم تنجب وتكرس سوى ثقافة الوهم والأفيون والتخدير لدى الشعوب العربية الطامحة بالتحرر من نير الاستعباد والاستعمار، بل أصبحت الوقائع تشير إلى أن الشعارات رغم أنها ظلت شعارات جوفاء، تؤذي مشاعرهم. مشاعر أولئك الذين اصبحوا صهاينة أكثر من الإسرائيليين أنفسهم، أو الذين أسماهم ذات يومٍ أحد الكتاب الكويتيين "الفلسطينيون المتصهينون الجدد".
ورغم أن العديد من الكتّاب والصحافيين والمنظرين لا زالوا يعتبرون القضية الفلسطينية حالة خاصة، وأكثر تعقيداً من أي حالة احتلال أخرى، إلا أن الواقع لم يعد بهذا الشكل، فهي تتحول من محاولات نزع اعتراف عالمي بالشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية كما في بدايات السبعينيات من القرن الماضي، إلى محاولة نيل جوائز نوبل للسلام والمحبة والمداعبة والتنازل على حساب هذه القضية التي تعتبر بالطبع مختلفة تماماً عن القضايا الأخرى، فلم يشهد التاريخ قائداً عسكرياً قاد منظمة لتحرير أرضه ونال عن ذلك جائزة نوبل للسلام أو الآداب مناصفة مع عدوه كما فعل الرئيس الفلسطيني "المُنصب لنفسه رئيسا" ياسر عرفات.
بعيداً عن حمى الجوائز الدولية التي يسعى لها قادتنا الفلسطينيون، فالمسألة أبعادها أخطر من ذلك وخاصة من الناحية الشعبية الفلسطينية، فلم يشهد التاريخ أبداً أن تتحول حركات تحرر إلى حركات حلول سلمية وخيانية بقناعة تامة بما تقوم به وتدافع عن هذا المشروع تماماً كما تدافع حركات التحرر الوطنية الأخرى عن أرضها، والأدهى والأمر أن هذا التحول يطرأ على حركات تحرر من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، من حركة فتح وصولاً إلى الجبهة الشعبية بقناعات تامة بما يسمى الحل المرحلي والتعاطي مع الأخر، أو كما يسميه شعراء وأدباء تلك المرحلة من أمثال: ايميل حبيبي، الحائز على جائزة شارون، أو توفيق الزياد، أو سميح القاسم، أو اللاهث خلف نوبل للآداب محمود درويش، "بالتعايش السلمي"، والذي لم نفهمه حتى الآن، ولم نفهم كيف يمكن للبنادق أن تتعايش مع العصافير.

القيادة الفلسطينية الحالية، وبقناعةٍ تامة، تدافع عما تسميه مشروعها السلمي، والذي يعني أن نزرع أمام كل دبابة إسرائيلية شجرة زيتون، أو أن نعلّق على البيوت المدمرة والمهدمة فوق رؤوس أصحابها في البلدة القديمة في نابلس، أو في مخيم جنين، أغصان زيتون، كتعبير صادقٍ منا كفلسطينيين عن رغبتنا بالسلام، على الرغم أن الزيتون لم يكن تاريخياً يرمز للسلام بهذا المعنى، فقد كان المنتصرون يعلقونه تعبيراً عن رغبتهم في السلام، وليس المهزومين.
القيادة الفلسطينية التي دخلت الوطن دخول الفاتحين عبر المعبر الإسرائيلي إلى بلدهم، "يشحذون الملح" -كما بالتعبير الفلسطيني- أصبحوا بوقت قياسي من أصحاب رؤوس الأموال، وأصحاب شركات عابرة للقارات، وملاّك أراضٍ وأبراج في دبي وأوروبا، وقصور فارهة، ورغم ذلك لا زالوا مصرين على أن ينوبوا عن الشعب الفلسطيني في ما يريد، بل نابوا عنا في ما لا نريد، وفرطوا في الأرض وزعموا أن عملية الاستسلام التي خاضوها لبناء رؤوس أموالهم هي "عمليات سلمية" تقوم بحسب زعمهم على مبدأ الأرض مقابل السلام، لكن الحقيقة أن لا أرض ولا سلام هو الذي جاء من فنادق الحمامات في تونس، والجلسات الحميمية المغلقة مع القادة الإسرائيليين في فندق شيراتون القدس، وفنادق تل أبيب، والسهرات الساخنة في بورصة* تل أبيب المركزية؛ بل رؤوس أموال تكدست في أيدي بعض الخونة والانهزاميين الذين صنعهم ياسر عرفات على حساب شعوبهم، عرباً وغير عرب.
وبعد كل هذا التخاذل جاء محمد دحلان مستشار الأمن القومي "الإسرائيلي" ومستشار الرئيس الفلسطيني محمود عباس للأمن القومي الفلسطيني، ليضع لنا كل صباح قائمة بالواجبات الوطنية التي يتوجب علينا القيام بها لإنجاح العملية السلمية ونبذ التطرف والإرهاب، وقائمة أخرى لتعليمنا معنى الوطنية، وأخرى ليؤكد لنا أنهم ماضون -وعين الله ترعاهم- في تحقيق السلام العادل والشامل مع الجانب الأخر.
ولم يقف الأمر عند هذه القوائم، بل كل يوم نُجلد بخطبٍ على الإذاعات التي تعوي صبح مساء مطالبة الشعب بالالتفاف حول قيادته التاريخية، وضرورة التكاتف بين الحكومة الإسلامية والرئيس الرأسمالي الذي يدافع عن وجود إسرائيل بقناعة قد تبدو أكثر من قناعة هرتزل نفسه في قيامها أول مرة ويعتبرها سبباً في وجوده.
إن حال هؤلاء الاستسلاميين المحبطين، وبعد هذه السنوات الخمسة عشرة على توقيع اتفاق التخاذل السلمي، والذين ينصحوننا بطاعة الحكام في بلادنا لأن طاعتهم من طاعة الله وأن محمود عباس مهندس الحل السلمي منذ السبعينيات أصبح ظلّ الله على الأرض أو خياله، وأن طاعة مستشاري الرئيس من طاعة أنبياء الله، لا يختلف كثيراً عن حال حيوانات السيرك التي تروض لتقوم بحركات بهلوانية ليضحك منها المتفرجون، وهذا حقيقة ما يحدث، حين تم تدجين جزء كبير من الشعب الفلسطيني، والجزء الذي لم يدجن جاري تجويعه على شاكلة النمور في اليوم العاشر لزكريا تامر، ليتم إدخاله هو الأخر لحديقة التدجين لإسعاد الجمهور العربي الذي ما لبث أن هب سفراء وديبلوماسيين ومواطنين لزيارة إسرائيل والسهر في الملاهي الليلية في تل أبيب بحجة أنهم ليسو فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم، وأن إسرائيل الأمر الواقع، وأصبح من الخيال أن نتخلص منها، وأن نلقي بها طعاماً للسمك الجائع في البحر الأبيض، والذي جوعه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قبل أكثر من أربعين عاماً ولم يزل جائعاً حتى اللحظة، حين قصفت الطائرات الإسرائيلية جيشه ومطاراته وقادة جيشه يسهرون مع العاهرات في الأندية الليلية.
إن هؤلاء الذي يطلبون منا كل يوم، أن نلتزم ولا نخل بالأجندة الوطنية، وإلا صنفنا في عداد الإرهابيين والخونة والمراهنين على التدخل الخارجي، أو كما اسماهم الرئيس محمود عباس "الحقراء" حين وصف العملية الفدائية التي جاءت رداً على مجازر الجيش الإسرائيلي، يلحون، أو يصرون علينا دوماً بأن نبقى أسرى ثقافة الابتزاز، وأن نُسقط الوطن لصالح الوطنية، ونقدم كرامتنا قرباناً للأخر كي يقتنع بنيتنا السليمة للسلام معه كي يتقبل وجودنا على أرضنا بجانبه، وعلينا أن نلقي أسلحتنا ونحمل أغصان الزيتون ونرقص بها عند الحواجز العسكرية وقرب السور الواقي ليقتنع الأخر بأننا لم نعد جيراناً مزعجين له على أرضه التي أقرينا له بها في اتفاقياتنا، وعلينا أن نستمر بالرقص كل يوم حتى لو على دماء الأطفال الأبرياء الذين يسقطون كل يوم بقذائف الدبابات والطائرات الإسرائيلية، وعلى مذبح حكام الطوائف والأحزاب الفلسطينية.
لم تعد العديد من الشعارات الساذجة التي رفعتها التنظيمات الفلسطينية في السبعينات على شاكلة، "طريق القدس تمر من عمّان"، و"لا سلاح يعلو فوق سلاح المقاومة"، و"جيش القدس يستعد ببغداد"، و"تجوع يا سمك" ذات جدوى حقيقية وخاصة أن عمان صارت منتجعاً سياحياً بالنسبة لأصحاب رؤوس الأموال الفلسطينيين الذين جمعوها من سرقاتهم من المنح الأوروبية للشعب الفلسطيني (ثمناً لأرضهم التي وقعوا عليها لصالح الدولة اليهودية)، وتبين كذلك مدى استهتار ذلك الخطاب وسذاجته وعدم جدواه، واتضح أن هاجسه الفعلي لم يكن العمل من أجل تحرير القدس، بقدر ما كان يصبو إلى فتح سوق تجارية في عمّان، وأن صوت السلاح الذي يعلو فوق صوت الجميع لم يكن إلا لإسكات الجميع، عن رفض مشروع الخيانة الفلسطيني، أو عن الاحتجاج على نهب الوطن، وتكوين طبقات أرستقراطية فيه، وتشكيل مليشيات مسلحة صنعت الانفلات الأمني واحتلال الوطن مرة أخرى بقوة سلاح المقاومة، من طرف فصيل سياسي أو طائفي.
إن من فقد كامل وطنه لمدة تزيد عن الستين عاماً، ليس بحاجة إلى دروس في الوطنية والواجبات الوطنية، والشعائر التي يتوجب عليه القيام بها لقيادته كي ترضى عنه، فهي لن ترضى عنه طالما هنالك من يحمل مفتاح في رقبته ويحلم بالعودة إلى حيفا ويافا وبيسان.
على الدول العربية كذلك أن تكف عن إرسال الخبراء والمستشارين للقيادة الفلسطينية الفاشلة، لتعطيهم دروساً في كيفية الالتصاق بالكرسي، وتوريث الحكم، فنحن لم نملك أدنى مقومات الدولة، ولا زلنا بلداً محتلاً، ولم تزل مسألة توريث الخيانة والحكم والهزيمة مبكرة، فنحن حتى الآن لم نفق من هزائمنا السابقة التي أدمتنا، ولم يزل قيح جروح نكبة عام 1948، ونكسة 1967، وفضيحة 1973، وعاصفة 1991، وخيانة 1993 تنز، وهنالك من يحاول علاجها بالملح.
يتوجب على الدول العربية وخبرائها الذين قطعوا إجازاتهم من فينا وباريس ولندن، وجاؤا ليعطوننا دروساً في الديمقراطية، والوطنية، وضرورة التكاتف حول قيادتنا النبيلة حسب زعمهم والتي يمثلها محمد دحلان ومحمود عباس، ودروس في التكاتف الوطني وضرورة الوحدة وعدم الاقتتال، أن يريحونا ويتركونا بحالنا، والأولى بهم أن يحلوا مشاكل شعوبهم التي تتضور جوعاً بينما رؤوس أموالهم تهرب إلى بنوك سويسراً، وتصرف على العاهرات في القصور والملاهي الليلية في تل أبيب.
نقول لهؤلاء الوسطاء التجاريين الذين أصبحوا بين ليلة وضحاها رجال سياسة وفكر، ومنبهين من خطر الانتشار الشيعي في بلادنا، وضرورة تكريس الدور السني، وغيرها من سخافات بالفلسطيني الفصيح: "اتركونا في حالنا"، كي نستطيع ن ننظر في مسألة حكم المافيات العسكرية القادمة من شتاتها لتسلبنا قبل حقنا "صمودنا" الذي نهبوه ومنحونا تهبيط العزائم والفساد المالي والخيانات المجانية، وهذا الذي لم نكن نعهده أيام احتلال إسرائيل.
ونتسائل: إذا كان نهب فلسطين من طرف جماعة من المرتزقة القادمين من فنادق الحمّامات من تونس، وشارع الحمراء من بيروت، ومقاهي أثينا، وفنادق ألمانيا الشرقية والنرويج، يسجل في خانة المواقف الوطنية المشرفة، فما هي خيانة أمانة الشعب ؟ وهل تعطيل الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية في فلسطين على مدى أربعة عشر عاماً من توقيع اتفاق أوسلو وقيام السلطة العرفاتية هو الذي يخدم الوطن، فأين هو الوطن ؟
وإن صار مقياس الوطنية هو مدى قناعتي بضرورة الحل السلمي أو قراءة مذكرات المدعو "سري نسيبة" تحت عنوان (التعاطف مع الأخر) ولا أعرف أي أخر الذي يريدني أن أتعاطف معه!!، وهو الذي كان من المقربين جداً من ياسر عرفات.
هل يقصد سري نسيبة نحن الأخر وهو يعد نفسه ضمن التيار الصهيوني ؟ أم الأخر الذي يجد التعاطف معه هو الكائنات الفضائية القادمة من المريخ ؟ ربما هي دعوة لقراءة مذكرات السيد نسيبة بالإنجليزية لنفهم من هو الأخر الذي يجب التعاطف معه.
إن كان الوطن والوطنية كل هذا، فما بالها هوية الشتات ؟

علّق "روني شاكيد" -وهو سياسي إسرائيلي معروف وأحد رجالات الشاباك السابقين وعمل بعد تقاعده في الصحافة وهو الآن مسؤول عن الشؤون الفلسطينية في صحيفة يديعوت أحرونوت- إبان أحداث عنف جرت في غزة بين مسلحين فلسطينيين من حركة فتح وأفراد من الشرطة الفلسطينية بعد اغتيال عرفات بفترة قصيرة، قائلاً: بأن ما يجري في قطاع غزة من أحداث وصراع داخل السلطة ليس إلا بداية لبركان قادم.
وقال شاكيد في تصريح له لموقع الجزيرة نت في ذات الفترة "إن الصراع متجذر ما بين جيل المقاومة الذي فجر الانتفاضات المتعددة ضد إسرائيل والذين عايشوا أحداث القضية في الضفة والقطاع وبين الزعامات والكوادر التي جاءت بعد اتفاقيات أوسلو من الخارج، حيث سيطر القادمون على كل شيء وبقي المناضلون والقادة المحليون بلا شيء صفر اليدين".
وعبر عن اعتقاده بأن عملية اختطاف الجبالي التي فجرت الوضع، كانت حدثاً مبرمجاً لهدف سياسي، وأن "العقيد محمد دحلان يقف خلف هذه الأحداث ليؤكد للرئيس عرفات أنه الأقوى وأنه فقط هو القادر على حماية الأمن في قطاع غزة".

وبناء على عدد من الشواهد التي دللت على أن دحلان وسيطرته على جزء كبير من كتائب الأقصى، وكذلك علاقته الحميمة مع نصر يوسف وزير الداخلية في ذلك الوقت والذي طالبه الكثيرون بالاستقالة لأنهم اعتبروه متواطئ مع الفلتان الأمني ومقتل موسى عرفات.

حتى الإسرائيليون يقرون بفداحة أي تعاطف فلسطيني إلى جانب محمد دحلان، لكن الحالة الغوغائية التي تعم الشارع الفلسطيني هي التي توجد حالات تعاطف واصطفاف إلى جانبه، تماما كما اصطفوا إلى جانب الديكتاتور صدام حسين.



ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*(البورصة ليست مكاناً للتداول المالي بل أحد أشهر أوكار الدعارة في تل أبيب ولمن يريد توضيحاً أكثر حول المضوع ليسأل القيادات الفلسطينية جميعها بلا استثناء)









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الفرنسية توقف رجلاً هدد بتفجير نفسه في القنصلية الإير


.. نتنياهو يرفع صوته ضد وزيرة الخارجية الألمانية




.. مراسلنا: دمار كبير في موقع عسكري تابع لفصائل مسلحة في منطقة


.. إيران تقلل من شأن الهجوم الذي تعرضت له وتتجاهل الإشارة لمسؤو




.. أصوات انفجارات في محافظة بابل العراقية وسط تقارير عن هجوم بط