الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرقاة الدخول الى سومر

محمد خضير سلطان

2007 / 6 / 7
الادب والفن



تنقسم المراقي المعرفية في نشوء وارتقاء التخطيط العمراني لديوان المدينة السومرية بانعكاس الوظائفية المعمارية على دلالية التأمل الفكري السومري وامتزاجها معا في تعيين الشكل المعماري بين الرؤية ومحاكاتها العملية وبين تجسد الشكل... وينمو هذا المنحى الوظائفي والدلالي انطلاقا بدئيا من ان سومر، اول من انزلت الملكية واسبغت على الملوك اقباس الالهة وتحققت في الممارسة العملية اصداء الابدية والسماء في استنباط العدل والقضاء والحكمة واذا لم تكن كذلك فهي استنبات الارض وتصاعد حركة الحياة، فلم يذكر التاريخ،
ان المدينة السومرية، قد وسمت صورتها القائمة بالتأثر من مدن اخرى وهي اول صورة لنشوء مدينة في العالم..
كانت اول فكرة ورؤية تأخذ مجالها العملي والحيوي في العقل القديم.
ولعل هذه المراقي المعرفية تبدأ بما ينطلق من مؤسسة البيت مثل بيت الاله.. بيت الملك، بيت الصغار، بيت المشفى وغير ذلك وتنتهي عنده في الرؤية مثلما يشكل البيت وحدة البناء الاساسية في المدينة وتعد اللفظة صالحة للنظام الاستعمالي واللغوي بعكس مفردة (الكهف)، أي ان الاستعارة تناسب الشكل المعماري مثلما يشكل البيت صورة المدينة، لذا جاءت لفظة البيت تعبيرا عن تكامل المدينة المعماري واللغوي على ضوء الرؤية الالهية والملكية، ويتوضح ذلك اكثر في عوامل الاسبقية لتكون البيوت في المراقي المعرفية ودوافع نشوئها، اذ ان بيت الاله هو الذي استنبت بيت الملك وقاد هذا الى ضرورة المعرفة والاخير افضى الى بيت المشفى وبيت القسم... وبالتالي صورة المدينة (المملكة).
تبدأ المراقي (البيوت) في نقطة الاستعارة كفكرة مأخوذة من مفهوم البيت وتنتهي في المجال العملي للفكرة وتحققها المعرفي، اذ يرتفع الخط من النقطة الاولى ويلتقي في النقطة النقطة الثانية ليقيم دعامتي القوس المعماري الذي يشتمل في فضائه على نواة النشاط المعرفي في الحياة السومرية.
واذا كانت مفردة (البيت) هي نواة الفكرة المعرفية القائمة على المفهوم السائد لهذه المفردة، فان (بيت الصغار) هو نواة النشاط المعرفي العملي لتحقق الفكرة المركزية، اذ يدخل الصغار من بوابته ويخرجون كبارا من بوابة المعبد، بعد ان تنضج افكارهم وتصلب اعوادهم في بيوت النسخ والترتيل والمحاربين والالواح ويحظون بمباركة الكهنة والعرافين وربما يعود بعضهم كتبة في بيت الصغار نفسه ليديم دورة المراقي..
كان الصغار ينتظمون على مصاطب واطئة فالمصاطب العالية للكبار او الالهة، يشير الكاتب بأن يخرجوا من احزمتهم قصبات الطبع ويبدأون في ختم المراقي المقدسة والالواح، يغترفون الطين النقي ويضعونه في اوان فخارية مثل حقائب مدرسية، يكورون طين الضفاف النقي على ايماءات قبضاتهم ويبتكرون اقدم لعبة للتكوين.
تفضي مرقاة المدرسة الى موقع ناسخي الكتب المقدسة والالواح ثم الى مرقاة عازفي الالات والمنشدين وصعودا الى مجمع الالهة وما يحيط به من جماعة الكهنة والعرافين والمنجمين والحكماء وما حولهم من العرافين لتسجيل الحوليات والوقائع ومسك السجلات وعلى جانبهم من منظومة الرموز الالهية والانسانية وصور الالهة المجسدة والاشجار المقدسة والرقى والتعاويذ وشؤون المداجن والحظائر وعبر افاقهم تقوم بيوت السلالات الملكية والامراء وصانعي القوارب والاسواق والاسوار والمجذوبين، وتقوم الطرق التجارية الى اوغاريت الكنعانية، وتنتشر الحقول والمراعي الخضر التي يبتكرون فيها القمح والمزمار والكلمة وتقام الاعياد السنوية في احتفاء تشرق فيه الانسانية بشكلها السومري وتضع النواة الاولى لتاريخ المعرفة فاذا كانت الحقول والمراعي الخضر وتأملات السماء السومرية تنتج (انانا) في التطور التاريخي للسماء البابلية متضافرا مع اقباسه السومرية، قاد الى انتاج (عشتار) مثلما قادت حصيلة ذلك الى التأمل الروماني في انتاج (فينوس)، واذا كانت الرؤية المعاصرة تبحث عن عمق الاثر الملحمي للخلق والتكوين، فان البحوث الاستشراقية لن تكتفي بحدود الالياذة والاوديسة واعطت المسار التصحيحي في عمق ملحمة كلكامش السومرية الاصل والتي ترجمها البابليون والاشوريون.
كل هذه المراقي تبدأ من واجهة لوح طيني، علقته حضارة سومر في باب المدرسة، او في مكان ما من ارضية الساحة، او في جدار غرفة الصف، ويقول هذا اللوح واصفا بيت الصغار ( بيت اسه كالسماء) ولعل احدنا سوف يفاجأ بعلاقات الصورة اللغوية التشبيهية لهذه الجملة ويحار في تفسيرها وكأنها صدرت عن قلق شاعر حديث، فكيف اختزلت هذه الجملة السومرية المعنى بحيث جاءت على هذا المستوى من التشبيه لاسيما ان اللوح لا يعني تفسيرا مركبا او غامضا بدليل انه مرفوع كشعار ومعلق في جدار الصف او ينتبذ مكانا منظورا من جميع الجهات مثل جدارية سوف تمنح من مقاربة تفسيرية لهذا الشعار من ثقافة الروح الاولى التأملية التي خيرها السومريون في الحدس بتنوير السماء والتعبير بلغة الحس والروح واعطوا بها حلولا لاسئلة الطبيعة والوجود ونظاما لمظلة الزمن والكينونة، فالرؤية الى الابدي واللامتناهي، تكرس في الاستغراق الطويل في سماء مفتوحة والرؤية الى المجسد والنسبي، تكرس في اعادة صياغة الابدي على وفق رموز وصور وادوات ومحاكاة.
فالبيت في شكل القبة هو محاكاة لشكل السماء واسه هو وحدة البناء، فتصبح وحدة البناء قرينة التشبيه في مدرك الرؤيا وتجانسها بين السماء والارض والمشخص والمجرد، وهكذا ابتدأ مراقي السلم المعرفي في نظام المدينة عند هذا الشعار وهذه المدرسة وتنتهي عندها ايضا في المرقاة الشاملة للمعرفة السومرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف


.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي




.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد