الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ديانات العراق وثراء الفكر الانساني

فيليب عطية

2007 / 8 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تصورت مجموعة من لصوص الصحراء انها عندما تسطو علي الاله اليهودي "يهوه " وتصوغ مجموعة من الاساطير والحكايات المرتبطة به في قالب شعري او تلحيني انها قد اتت بما لم يأت به الاولون والآخرون ....وهذا هو فصل الخطاب في الخالق والمخلوق ونشأة الحياة والكون وغير ذلك من القضايا التي بحث فيها الانسان منذ بداية وجوده علي الارض ، لكننا نعلم الآن علم اليقين ان ذلك محض هراء فكل الامم والحضارات القديمة كانت لها تصوراتها المحترمة عن اصل الكون ونشأة الانسان وطبيعة الاله والخير والشر والثواب والعقاب ،وبعض تلك التصورات دخلت في صلب العقيدة اليهودية وبالتالي في صلب العقائد المتأثرة بها ،ولن نندهش كثيرا اذا علمنا ان قوانين الفكر الانساني تفعل فعلها حتي في الاقوام البدائية فنجد حتي لدي البدائيين تصوراتهم الراقية عن كل تلك القضايا ، والفضل في معرفتنا بتلك المجتمعات يعود لتلك الابحاث الميدانية الرائدة للعالم الانثروبولوجي الشهير "برنسلاو مالينوفسكي " الذي تصدي لتلك الفكرة الحمقاء بأن المجتمعات البدائية هي مجتمعات همجية واثبت بما لايدع مجالا للشك انه ما من مجتمع بدائي يخلو من الدين والسحر بل ومن العلم ، واننا يجب ان ننظر الي كل عنصر من هذه العناصر في اطار الوظيفة التي يؤديها في بناء المجتمع ، فان كان الامر كذلك بالنسبة الي المجتمعات البدائية فكيف يكون الامر بالنسبة الي مجتمعات تخطت المرحلة البدائية بكثير واقامت حضارات شامخة كحضارة وادي النيل او بلاد الرافدين وغيرها.
يستطيع الخليفة او السلطان بالوعد والوعيد ان يستقطب الناس وراءه ليؤدي ما يؤديه من صلوات وحركات ولكنه لايستطيع مهما فعل ان يمحو الفكر الانساني ويستبدل بطقوس الصحراء طقوس اهل الفلاحة والزراعة ،وهكذا يمكن ان نجد علي ارض النيل والفرات كل بذور الخلاف والصدام بين ديانة وافدة وديانة او ديانات اصيلة راسخة وكان الصدام ينتهي احيانا بالتوليف والمزج واحيانا اخري بالرفض والبتر . حتي داخل الديانة الواحدة لم تتوقف عناصر الصراع والصدام ،ولم يكن الخلاف بين الشيعة والسنة في الاسلام مثلا صراعا علي مبادئ بقدر ما كان صراعا علي سلطات وانتج كل فريق من الفرقاء ما يؤيد موقفه من الاساطير والحكايات ومن الطقوس والمعتقدات .
كان العراق ارضا خصبة للصراع والصدام ، ولايعنينا هنا صراع السنة والشيعة بقدر ما يعنينا صراع الاسلام واليهودية مع المعتقدات القديمة سواء اكانت بابلية او آشورية او سومرية ويتجلي هذا الصراع عندما نناقش ديانتين توجدان علي ارض العراق وتعكسان خصوبة الفكر الانساني
الديانة الاولي هي اليزيدية التي تعكس اصولا بابلية وآشورية لاسبيل الي الشك فيها
والديانة الثانية هي المندائية وهي فرقة من الفرق الغنوصية او المعرفية التي ازدهرت في الشرق القديم ابان ظهور المسيحية ، وكان لها جولات وصولات مع المسيحيين الاوائل اظهرت فيها تمسكها الرائع بأفلاطون وافلوطين ورفضها للتصورات اللاهوتية الحمقاء التي اتت بها المسيحية
لكننا قبل ان نتناول بالعرض تلك الديانتين ينبغي ان نشير الي تلك العصبية التي اورثها لصوص الصحراء لمعتنقي عقيدتهم وتتجلي في تصرفين همجيين ومنحطين :الاول يتمثل في قتل وابادة المعارض لعقيدتهم دون رحمة . والثاني يتمثل في التشنيع والترويع من العقائد الاخري خاصة القديمة منها فهي اما وثنية او شيطانية، ولاندري حتي الآن ماذا يقصدون بالوثن او الشيطان . لم يعبد اي بشر علي سطح الارض اوثانا او احجارا الا عندما كانت تلك التماثيل والاحجار تمثل فكرا راقيا ومجردا يتصل بحياة الجماعة الانسانية نفسها ، ولايمكن لانسان عاقل ان يضع الاسلام في خانة الوثنية لمجرد ان اتباعه يقفون امام الكعبة (وهي احجار ) ويصدحون بالتكبير والدعاء ، اما حكاية عبادة الشيطان ذاتها فهي الجديرة بالسخرية والازدراء ، فاذا قلنا منذ البداية ان الشيطان رمز للشر بكل ماتعنيه كلمة الشر ، فانه ما من مجتمع بشري يعبد الشيطان لأن ذلك يعني ببساطة القضاء علي اسس بناء المجتمع نفسه .
عندما نتناول معتقدا واحدا من معتقدات اليزيدية ندرك علي الفور مدي خصوبة هذه الديانة ورفضها للغو التوراتي ،وهذا المعتقد هو الخاص ب "ملك طاووس" او طاووس ملك ، والملك هنا بمعني الملاك ، فهو كبيرالملائكة اما سبب تنصيبه كبيرا للملائكة فهو سبب فلسفي عميق ومقبول من كل ذي فكر ونظر ويتصل بآدم وخلق آدم والنوادر الالهية المتصلة بآدم . تقول لنا الرواية التوراتية والقرآنية انه بعد ان خلق الله آدم اعجبه ما صنع فدعي ملائكته وامرهم بالسجود لآدم فسجدوا الا ابليس عصي وتجبر فكان من الخاسرين .تقدم لنا اليزيدية تصورا مختلفا للحكاية اذ تقول ان الله سأل ملاكه الرافض (ونحن هنا امام اله حر وديمقراطي ويستحق الاحترام )
لماذا رفضت السجود ، فيجيبه الملاك النبيه اجابة شافية مقنعة : كيف يمكن ان اسجد لمخلوق من طين ، وانت قد خلقتني من نور . هنا يعجب الاله الديمقراطي بالاجابة ويعين الملاك كبيرا للملائكة ليصير ملك طاووس الذي يجمع عناصر المعرفة السبعة .
بالطبع لن نجد في اليزيدية ذلك الجانب الايجابي المشرق للفكر الانساني ، فشأنها شأن المعتقدات القديمة والوسيط تعج بالغرائب ، واهم تلك الغرائب ان اليزيديين حاولوا ان يلعبوا اللعبة اليهودية الخاصة بالتفرد والامتياز لكنهم لن يعلنوا انفسهم شعب الله المختار بل سيعلنون انفسهم ابناء لآدم دون حواء ، ويمكن ان نجد في تلك الاسطورة بوضوح اتصالها الواضح بالنسب الشمسي الذي كان يسيطر علي كثير من الشعوب القديمة ، والقصة التي تقال في ذلك من القصص الظريفة المتميزة
تشاجر آدم وحواء :ايهما الذي تحدد بذرته خصائص الجنس البشري ، فأنفرد كل منهم بنفسه ، ووضعت حواء بذرتها في وعاء ، ووضع آدم بذرته في وعاء ، وعندما عادت حواء الي وعائها وجدته مليئا بالحشرات والقاذورات ، اما آدم فوجد طفلا جميلا مشرقا هو الذي انحدر منه اليزيديون
وايا كانت العناصر الايجابية او السلبية في الديانة اليزيدية فان حفاظهم علي الطقوس والشعائر البابلية والآشورية يستحق بحد ذاته التقدير والاحترام
ودعوا كل الزهور تتفتح ايها اللصوص القتلة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتفال الكاتدرائية المرقسية بعيد القيامة المجيد | السبت 4


.. قداس عيد القيامة المجيد بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية برئا




.. نبض أوروبا: تساؤلات في ألمانيا بعد مظاهرة للمطالبة بالشريعة


.. البابا تواضروس الثاني : المسيح طلب المغفرة لمن آذوه




.. عظة قداسة البابا تواضروس الثاني في قداس عيد القيامة المجيد ب