الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا هلال ولا صليب في السياسة

سامر سليمان

2007 / 9 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هذا المقالة تدعو إلى النظر إلى تجربة ثورة 1919 المصرية في "الوحدة الوطنية" نظرة نقدية. يمكن تلخيص ميراث 1919 في شعارين: الأول هو "يحيا الهلال مع الصليب والثاني هو "الدين لله والوطن للجميع". المقالة تدعو إلى التخلى عن الشعار الأول والاحتفاظ بالثاني.

كانت المظاهرة تسير بطول شارع شبرا وترفع شعارات معادية للطائفية. كان ذلك في صيف عام 2005 عندما نظمت مجموعات يسارية منضوية تحت "الحملة الشعبية للتغيير" مسيرة في شبرا ضد الاعتداءات الطائفية على ثلاث كنائس بالاسكندرية. انطلقت زغاريد بعض النساء من الشرفات تحيه للمسيرة، وعبَر المارة في كثير من الاحيان عن تعاطفهم، وانضم عدد منهم للمسيرة. كل ذلك جميل، لكن الأجمل كان ظهور شخص في المظاهرة يرفع صليباً مغطى بعلم مصر. لحظتها ابتسمت من فرط سرعة بديهته، بل قل من خبثه. وقلت في نفسي: تاني.. تاني "يحيا الهلال مع الصليب". ألم نجرب من قبل تلك الطريقة في التعامل مع المشكلة الطائفية ولم تصمد أكثر من عدة سنوات؟ لم يكن لدي شك في حسن النية الشخص المذكور. لم يكن لدي شك في أن رفع الصليب مغطى بعلم مصر، يحمل رسالة واضحة وهي تمسك هذا الشخص بهويته الدينية وهويته الوطنية معاً. ولكن الخطأ الذي ارتكبه هذا الشخص هو نفس الخطأ الذي ارتكبته ثورة 1919: تحويل الصليب من رمز ديني إلى رمز سياسي.
انتفاضة تقوم لخلاص مصر من الاحتلال البريطاني.. مالها ومال اتخاذ الهلال والصليب شعاراً لها؟ حسناً الرسالة هي أن المصريين متحدون ضد الاحتلال. ولكن لماذا يجب أن يكون اتحاد المصريين مبنياً على أرضية طائفية؟ إذا لم يكن شعار "يحيا الهلال مع الصليب" شعاراً سياسياً طائفياً، ما هي الطائفية إذن؟ حسناً، طائفية سياسية متسامحة تقوم على وحدة أبناء الهلال وأبناء الصليب في مشروع واحد.. ربما. لكن الطائفية السياسية المتسامحة مناعتها ضعيفة وغالباً ما تنحدر إلى طائفية غير متسامحة. فلننظر إلى لبنان الذي كان يُقدَم في الخمسينيات باعتباره واحة التنوع والتسامح في المنطقة وكيف تحول إلى جحيم الطائفية منذ السبعينيات. إن الخلاص من الطائفية السياسية في مصر اليوم يتطلب أن نلتفت إلى نموذج 1919 بشكل نقدي. نقد المشروع السياسي لثورة 1919 هو بداية النهضة الحقيقية لمصر، لأن تعثر هذا المشروع كان هو المدخل لنمو الميول الأصولية والفاشية في المجتمع. إن نقد نموذج 1919 في الوحدة الوطنية يتطلب التمسك بالإيجابي فيه وهو شعار "الدين لله والوطن للجميع" الذي يعني أن المصريين متساوون بغض النظر عن الديانة، ونبذ ما هو مفخخ فيه وهو قبول قيام وحدة وطنية على أساس اتحاد طوائف مختلفة تحت شعار "يحيا الهلال مع الصليب".
الحقيقة أن رداءة الوضع الطائفي القائم بالمقارنة بما صاحب 1919من دفقة مشاعر متسامحة بين أبناء الديانات المختلفة تجعل المطالبة بتجاوز 1919 تبدو من قبيل الافراط في التفاؤل والتزيد في المطالب. ولكن حتى لو تحلينا بالتواضع في الطموحات، وحلمنا بنموذج 1919 ليس إلا، أين لنا بالظروف التي هيأت التوافق السياسي الذي حدث في 1919. أين لنا بالعدو المشترك الذي كانت قواته ترابط معنا في القاهرة وفي كل ربوع مصر؟ إن بناء "إجماع" وطني حول مهام مواجهة عدو أجنبي مشترك هو بالأمر المستحيل، لسبب بسيط وهو أن مصر قد انجزت مهمة الاستقلال الوطني. صحيح أن هناك تأثير تمارسه دول وقوى أجنبية على الاوضاع في مصر، ولكن المصريون منقسمون حول الموقف من هذه القوى والدول. لكي يحدث إجماع وطني ضد عدو أجنبي مشترك يجب أن تدخل مصر حرباً ضد دولة خارجية أو تتعرض أراضيها للاحتلال مرة أخرى، وهذا ما لا يريده معظم الناس هنا، على ما أعتقد.
في السنوات الماضية انتقل النشطاء الأقباط من الشكوى إلى الاحتجاج, واتخذ الاحتجاج أشكال مختلفة كان منها "النضال الالكتروني" وكان منها التظاهر، الخ. النشطاء الأقباط هم سياسيين، بما أنهم يعملون من أجل إلحاق تغييرات (متنوعة ومتناقضة أحياناً) بالمجال العام وبالدولة لصالح الأقباط، أيا كانت هذه التغييرات وأيا كان رأينا فيها. لذلك فعندما يرفع هؤلاء النشطاء الصليب في مجال تحركاتهم السياسية – كما حدث في مظاهرات السنوات الأخيرة – وعندما يظهر على النت "علم قبطي" وفي قلبه الصليب، هنا يصبح الصليب شعاراً سياسياً. وهنا مكمن المشكلة. لأن السؤال هنا سيكون: كيف لكم معارضة رفع الاخوان للمصاحف في نشاطاتهم السياسية، وترفعوا الصليب في نشاطكم السياسي؟ والسؤال أيضاً سيكون: هل المطلوب إقامة نظام سياسي ومجال عام يشعر فيه المصريون بالمساواة بغض النظر عن الدين، أم المطلوب اقتسام المجال العام بين حملة المصاحف وحملة الصليب؟ هل المطلوب هو رفع نص ديانة رسمية للدولة من الدستور، أم المطلوب إضافة ديانة أخرى إليه؟
للنشطاء الأقباط أن يختاروا بين أن يطلبوا المساواة مع التيار الاسلامي (الذي ويا للغرابة يطالب هو أيضاً بالمساواة معهم) لكي يرفعوا شعاراتهم الدينية في المجال السياسي والمجال العام ولكي يزينوا محلاتهم وشركاتهم بالصور والايقونات ولكي يحصلوا على حصة من وظائف الدولة وبين أن يقفزوا إلى الأمام ويتبنوا العلمانية السياسية قولاً وفعلاً. وأشك حقيقة أنهم أمام اختيار لأن سيناريو حل المشكلة الطائفية على أساس التوافق على اقتسام الكعكة السياسية بين المسلمين والمسيحيين شبه مستحيل. فالتيار الاسلامي يريد كل الكعكة تقريباً على أساس أن المسيحيين يمتلكون الاقتصاد (هكذا يقولون) لذلك فللمسلمين الحق في السياسة، وعلى أساس أن السياسة في دولة إسلامية مثل مصر وظيفتها تفعيل "شرع الله" الذي لا يؤمن به الأقباط. هذا هو المنطق الذي استخدمه محمد حبيب نائب المرشد العام للإخوان في تبريره لاستحالة وصول مسيحي لمنصب رئيس الجمهورية.
إن التفكير في تسوية المشكلة الطائفية على أرضية طائفية (يحيا الهلال مع الصليب) هو بلا شك دليل على وجود رغبة في التوصل إلى حل للمسألة، وهو في حد ذاته ظاهرة إيجابية، لأن هناك أطراف (على رأسها المجموعة الحاكمة) لا تريد أين حل للمشكلة لأنها جزء من معادلة استقرار نظام الحكم. إنها دعوة تنطلق من نوايا حسنة. لكن حسن النية في كثير من الأحيان لا يقيم دول ونظم سياسية صالحة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها


.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الدكتور قطب سانو يوضح في سؤال مباشر أسباب فوضى الدعاوى في ال


.. تعمير- هل العمارة الإسلامية تصميم محدد أم مفهوم؟ .. المعماري




.. تعمير- معماري/ عصام صفي الدين يوضح متى ظهر وازدهر فن العمارة