الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأسس الفكرية للخطاب الإسلامي المعاصر

شهاب الدمشقي

2003 / 11 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تصاعد التيار الاسلامي بقوة خلال القرن الماضي حتى بات رقما هاما في المعادلة السياسية المعاصرة ، ويعبر هذا التيار عن نفسه من خلال الدعوة الى تطبيق الشريعة الاسلامية في شتى مناحي الحياة وعودة الاسلام الى قلب الصراع السياسي والاجتماعي .

ولما كان الخطاب الاسلامي مبنيا اساسا على الدين لذلك كان من الطبيعي ان يجد القبول من قبل قطاع واسع من البشر الذين يمثل الدين بالنسبة اليهم موضوع اعتزازهم وحماسهم ، فالمجتمع العربي كان وما يزال مجتمع عاطفيا متدينا يستطيع اصغر رجل دين ان يجيش مشاعره ويحشد الناس تحت لوائه .

ولفهم طبيعة الخطاب الاسلامي المعاصر لا بد اولا من التأكيد على حقيقة هامة وهي ان التيار الاسلامي هو جزء من ظاهرة التدين السياسي التي شهدها العالم اواخر السبعينيات والتي تمثلت في صعود الحركات الاصولية المسيحية واليهودية والهندوسية .

ورغم تباين هذه الاصوليات فكريا وعقائديا الا انها في النهاية تشترك في عدة مظاهر منها الاستعلاء على الآخر ،والرفض الكامل والحاسم لكل ما يتعارض مع رؤيتها ورفض التعايش معها ، واعتماد القوالب الجامدة والاحكام المقررة سلفا مكان الصيرورة الفكرية .

وفي هذا المقال سنركز على الخطاب الاسلامي لفهم اسسه ومنطلقاته الفكرية .

من اهم الاسس التي يقوم عليها الخطاب الاسلامي المعاصر :

1-  التنظير :

يُعتبر التنظير واحدا من اهم الادوات الفكرية للتيار الاسلامي في حربه ضد التيارات الفكرية المنافسة والدفاع عن مشروعه الذاتي ، ويتجلى التنظير في امرين اثنين :
- الاكتفاء بالتعميم عند الدعوة الى الحل الاسلامي وتبرير مشروعيته ، فالحل الاسلامي هو المجسد لهوية الامة ، المعبر عن ثقافتها وتراثها ، وبالتالي فمن الطبيعي ان يكون الاسلام حاضرا في أي مشروع نهضوي عربي ، وهذا ما يقطع الطريق على أي مشروع يتجاوز مرجعية الاسلام ، ويستدعي بالضرورة رفض هذا المشروع ، بل ومحاربته .

وبعيدا عن قضية هوية الامة وتوصيفها الدقيق ( وستكون لنا معالجة مفصلة لهذه القضية قريبا ) فان ما يهمنا في هذا المنطق هو المضمون التنظيري الذي ينطوي عليه مثل هذا الخطاب ، فادعاء التيار الاسلامي تمثيله هوية الامة يجيز له طرح شعار فضفاض غامض مثل : الاسلام هو الحل ، وبالتالي يعفيه من المهمة الصعبة وهي تشخيص واقع امتنا وتوصيف مشكلاتنا الحقيقة ، ومن ثم تقديم الحلول الجزئية والتفصيلية لهذه المشكلات ، وتحديد المواقف الثابتة والواضحة من القضايا المعاصرة الملحة ( الديمقراطية ، حقوق الانسان ، حرية الرأي ، الاقليات ...... )

وبالتالي من السهل على الاسلاميين ان يطلقوا الشعارات المثالية والاحلام الوردية !!!! وهو امر لا يكلفهم شيئا .

يكفي ان يقول منظرو التيار الاسلامي وبكل ثقة : ( الحل الاسلامي هو الحل الوحيد الذي يعالج المشكلة من جذورها ، ويتناولها من جميع زواياها ، فلا يكتفي بالطفو على السطح ، ولا يعالج البثرات التي تظهر فوق الجلد على حين يمور الجوف باسباب الداء ) ( الحل الاسلامي للدكتور يوسف القراضاوي : 137 )

ما معنى هذا الكلام ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ وكيف سيعالج الحل الاسلامي المشكلات من جذورها ؟؟؟؟؟ للاسف لم يقدم الدكتور القرضاوي أي توضيحات !!!!!!

يكفي ان يقول سيد قطب : ( المجتمع الاسلامي مجتمع عالمي ، بمعنى انه مجتمع غير عنصري ولا قومي ولا قائم على الحدود الجغرافية ، فهو مجتمع مفتوح لجميع بني الانسان ، دون النظر الى جنس او لون او لغة ، بل دون نظر الى دين او عقيدة ) ( نحو مجتع اسلامي : 92 )

وهو الامر الذي لم يتحقق في أي تجربة اسلامية قديمة او معاصرة ، بل ان الاسلاميين انفسهم ينقضون هذا المبدأ الانساني السامي عندما يعيدون فرز افراد الدولة الاسلامية الى فئات متباينة : مسلمين وغير مسلمين ، وسنة وشيعة ، وسلفيين وصوفيين ، ورجال ونساء ، اسلاميين وعلمانيين .....ولكل فئة حقوقها الخاصة !!!!!!

كيف تحدث هذا الفجوة الهائلة بين المثال والواقع ؟؟؟؟؟

لا حاجة للاسلاميين للاجابة على هذه التساؤلات ، فالقضية محسومة منذ البداية : الاسلاميون هم وحدهم الذين يعبرون عن هوية الامة وثقافتها ، وهذا ما يجيز لهم قيادة المجتمع ( ولا ضرورة لاجهاد انفسهم بالتفاصيل ) وهذا ايضا ما يبيح لهم الغاء كل الاتجاهات المنافسة حتى وان امتلكت رصيدا غنيا من التجربة المثمرة الناجحة .!!!! ( فالحل الوحيد المجرب لهذه الامة هو الاسلام ، ولا شئ غير الاسلام ، بهذا الحل نحفظ ديننا واعراضنا واموالنا واخلاقنا وتقاليدنا ، بهذا الحل نربح دنيانا ونربح آخرتنا ونرضي ربنا وضمائرنا ، انه الحل الحتمي والحل العادل والحل الوحيد ) ( الحل الاسلامي للقرضاوي : 180 )

هل يمكن ان تجد خطابا يفوق هذا الكلام تنظيرا ؟؟؟؟؟؟؟؟

- الامر الثاني الذي يظهر التنظير في الخطاب الاسلامي المعاصر هو الاعتماد الكامل على النصوص الدينية وتقديمها وفق صياغة مشرقة تغلب عليها المثالية المفرطة ، ومن ثم تجاهل واقع التطبيق الذي ينحرف تماما عن مثالية النصوص ، وهذا ما يجعلنا نطرح سؤالا مشروعا :

ان نصوص الشريعة الاسلامية مثالية وحضارية فعلا ، ولكن مشكلة الشريعة الاسلامية انها لا تمتلك ضمانات حقيقية للحفاظ على قيم الشريعة ومثاليتها وفرض احترامها على الحاكم قبل المحكوم ، اذن ما هي الضمانات التي تحول دون تشويه قيم الشريعة والتلاعب بقيمها وتحويل الاسلام الى اداة طيعة بيد الطغاة كما حدث في تجربة الخلافة ؟؟؟

لا يمكن للتنظير وحده ان يجيب على هذا السؤال .

2-  البعد الديني للحل الاسلامي :

ان البعد الديني هو جزء لا يتجزأ من الحل الاسلامي ، بل هو المبرر الحقيقي للدعوة الى الحل الاسلامي ، ومنه يستمد هذا الحل مشروعيته ، ( اذ ان طبيعة الايمان بالله تحتم على المؤمن الاحتكام الى شرع الله تعالى مع الرضا به ، والتسليم له ، واعتقاد انه العدل الذي لا جور فيه ، والخير الذي لا شر معه ، والعلاج الذي لا شفاء في غيره ، وكل شك في عدالة ما شرعه الله وفضله على كل ما شرع البشر وابتدعوا معناه الطعن في علم الله وحكمته وخبرته بشؤون خلقه ) (  الحل الاسلامي للقرضاوي : 125 )

وبغض النظر عن صحة هذا المنطق من عدمه ( وهو موضوع ديني بحت يخرج عن نطاق بحثنا هذا ) فان اقحام الدين في المشاريع السياسية واعتباره مصدر المشروعية لاي حل سيجرد المشروع السياسي من العقلانية والواقعية التي ينبغي ان يتحصن بها ، فالحل الاسلامي – بعيدا عن التنظير الديني - لا يملك دليلا واقعيا وعقليا على كفاءته وافضليته على الحلول المطروحة والمنافسة ، اذ ان المبرر الوحيد لوجود الحل الاسلامي وتفضيله على غيره هو المصدر الالهي له لا غير ( فالفرق بين الحل الاسلامي العادل وبين الحلول البشرية القاصرة هو الفرق بين الالوهية الكاملة والبشرية الناقصة ، الالوهية التي تعلم ما كان وما سيكون ، والبشرية التي تعلم من يومها شيئا وتغيب عنها اشياء ، الالوهية الحكيمة العادلة والبشرية العجول الظلوم ) ( نفس المصدر : 132 )

وبالتالي من الصعب ان تثبت نجاح الحل الاسلامي وافضليته على باقي الحلول بالدليل العقلي والواقعي ، فلا بديل عن التنظير الديني .

ومن جهة اخرى فان اقحام الدين في السياسية يفرز مشكلة خطيرة ، فللسياسة قوانينها الخاصة التي تدور حول المصلحة ، وبالتالي فان الاختلاف في المواقف السياسية لا يلغي الآخر ولا يحول دون تعايش الخصمين المختلفين ، بل على العكس تماما تستلزم العملية الديمقراطية وجود الآخر حتى تكتمل الصورة السياسية .

اما قوانين الدين فتتمحور حول الحلال والحرام ، وبالتالي فان فرز المواقف السياسية الى : موقف الحزب الاسلامي وموقف الحزب العلماني يعني ببساطة شديدة تعيين الحد الفاصل بين الحلال والحرام ، والكفر والايمان !!! وهنا تكن المشكلة ، فالاختلاف ضمن هذا الاطار وضمن الفهم الاسلامي للممارسة السياسية يعني الغاء الآخر تماما واستحالة التعايش السلمي معه ، لسبب بسيط وهو ان الآخر السياسي يمثل الضلال والانحراف وربما الكفر لا وجهة نظر سياسية مختلفة كما ينبغي ان يكون .

3-  غياب البرنامج :

غياب البرنامج مشكلة خطيرة تنبع عن الاغراق في التنظير كما رأينا سابقا ، اذ لا يمتلك التيار الاسلامي برنامجا واضحا ومفصلا لمشكلات مجتمعنا ، وهذا ما يفسر امعان الاسلاميين في نقد كل نظرية او فكرة او اطروحة لا تستلهم من الاسلام او تعتمد مرجعيته ، وذلك انطلاقا من وهم مفاده ان خطأ الافكار المطروحة يعني حتمية الحل الاسلامي باعتباره البديل الوحيد بعد فشل كل شئ !!

والمشكلة هنا هي ان بعض الاسلاميين يعتقدون ان غياب البرنامج ميزة تكسب التيار الاسلامي مرونة للتلاؤم مع المتغيرات .

صحيح ان بعض المتغيرات قد تستلزم تبدل بعض البرامج ، ولكن تبقى هناك ثوابت قيمية لا تتبدل لانها بساطة جوهر أي نظام سياسي متحضر مثل الديمقراطية وحقوق الانسان والمساواة على اساس المواطنة وحرية الرأي وحق المشاركة في العملية السياسية ...فما موقف التيار الاسلامي من هذه الثوابت ؟؟؟

وتزداد هذه المشكلة تعقيدا عندما تقترن بواقع التعددية الفكرية ضمن الدائرة الاسلامية ، والتي تصل احيانا الى حد التناقض الصارخ !!! فكل مدرسة او مذهب او جماعة او حزب او حتى اسلامي فرد يطرح فهمه الخاص للحل الاسلامي ، والمشكلة ان الكل يتصور انه الوحيد على صواب وكل ما عداه باطل ، وبذلك نصبح امام حلول اسلامية لا حل واحد ، وهذا ما يجعل الحل الاسلامي حلا غامضا غير واضح المعالم او محدد المضمون .

4-  الاختزال :

يعتمد الخطاب الاسلامي في نقده للآخر على الاختزال ، فهو يختزل المدارس الفكرية والفلسفية ، والمذاهب السياسية والاجتماعية والنظريات الاقتصادية الى صور مشوهة وتعاريف سطحية مبتسرة ، فالماركسية الحاد ، والداروينية حيوانية الانسان ، والفرويدية وحل الجنس ، والوجودية عبث الفكر ، والرأسمالية جشع مادي ، والغرب فجور ولواطة وجريمة !!!!! .

وبذلك تسقط كل الجوانب الاخرى لهذه المذاهب والمدارس والمفاهيم ، وهذا ما يجعل نقد الآخر في الخطاب الاسلامي نقدا هشا وهزيلا .

وترجع مشكلة الاختزال في الخطاب الاسلامي الى سببين اثنين :
-  الجهل المعرفي : وهو الغالب نتيجة الاستعلاء على الآخر وافتراض ان كل ما عنده باطل لا يستحق ان ننظر فيه او ندرسه بعناية .
-  تعمد التشويه وتقديم صورة منفرة ، وهذا الاسلوب يستخدم عادة لتهييج مشاعر الناس وحملهم على رفض هذه الاطروحات .

5- عزلة الفكر الاسلامي ورفض التعايش معى الثقافات الاخرى :

ان الخوف من تفاعل الثقافات واختلاط الحضارات من اهم مميزات الخطاب الاسلامي المعاصر ، والاسلامين عادة يدافعون عن هذا الاتجاه تحت شعار ( ذاتية الاسلام امام المذاهب والعقائد ) ( الفكر الاسلامي الحديث : محمد مبارك 50 ) ولكن حرص الاسلامين على المحافظة على ذاتية الاسلام تصل الى درجة القطيعة المعرفية مع العالم ومحاربة كل المنجزات الفكرية والحضارية ، ولذلك نجد الخطاب الاسلامي يؤكد دائما على ضرورة قطع الصلة مع الثقافة العالمية غير الاسلامية وعدم التعامل معها او الاستفادة من منجزات الشعوب الاخرى .

يقول سيد قطب : ( ان اتجاهات الفلسفة بجملتها ، اتجاهات تفسير التاريخ الانساني بجملتها ، اتجاهات علم النفس بجملتها ، ومباحث الاخلاق بجملتها ـ، واتجاهات التفسيرات والمذاهب الاجتماعية منها ، ان هذه الاتجاهات كلها من الفكر الجاهلي ، أي غير الاسلامي ، قديما وحديثا ، ومتأثرة تأثرا مباشرا بتصورات واعتقادات الجاهلية وقائمة على هذه التصورات ، ومعظمها ان لم يكن كلها يتضمن في اصوله المنهجية عداء ظاهريا او خفيا للتصور الديني بمجمله ، وللتصور الاسلامي على درجة خاصة ، ان حكاية ان الثقافة تراث انساني محض لا وطن له ولا جنس ولا دين هي حكاية صحيحة عندما تتعلق بالعلوم البحتة وتطبيقاتها العلمية ، دون تجاوز هذه المنطقة الى التفسيرات الفلسفية الميتافيزيقية لنتائج العلوم ولا التفسيرات الفلسفية لنفس الانسان ونشاطه وتاريخه ، ولا العقل والادب والتعبيرات الشعورية ، ولكنها فيما وراء ذلك احدى مصايد اليهود العالمية ) ( معالم في الطريق : 127 )

ثم يوسع سيد قطب دائرة الرفض لتشمل المبادئ والنظريات السياسية الحضارية : ( الماجنا كارتا الانجليزية ، ومبادئ الثورة الفرنسية ، ومبادئ الحرية الفردية التي سادت فيما يسمونه التجربة الامريكية .... كلها كانت مبتوتة عن الاصل الكبير الذي لا تقوم الانظمة الاجتماعية ولا تعيش المبادئ والقيم الا اذا انبثقت منه وقامت عليه ، الاصل الاعتقادي المرتبط بالله والتفسير الكلي للوجود ومركز الانسان فيه وغاية وجوده الانساني ، ومن ثم كانت قيما محدودة موقوتة لانها في الاصل قيم مبتوتة ، نبات شيطاني لا جذور له في اعماق الفطرة الانسانية ، لانه ليس آتيا من المصدر الذي جاءت منه الفطرة ) ( المستقبل لهذا الدين : 57 )

فالاسلام - كما يقول ابو الاعلى المودودي - ( نظام شامل للحياة ، وفيه الاحكام والقوانين في كل شأن من شؤون الحياة ، بجانب العقائد والاخلاق والعبادات ... وان كل نظام سواه باطل ) !!!!! ( الاسلام في مواجهة التحديات المعاصرة : 53 )

وقد كرس محمد قطب هذه القطيعة الجذرية مع العالم باسره في كتابه الشهير ( جاهلية القرن العشرين ) الذي اكد فيه ان العالم باسره بنظمه وافكاره وقيمه جاهلي لا ينسجم مع قيم الاسلام .

ثم تمتزج هذه القطيعة الفكرية مع الاعقاد الديني ليصبح رفض الافكار والثقافة الانسانية ( تعبيرا عن الانتماء للاسلام !! ) يقول فتحي يكن : ( وايماني بان المستقبل للاسلام يجب ان يقترن معه ايماني بافلاس المناهج الوضعية وفشلها سواء منها الرأسمالية والديمقراطية او الاشتراكية والشيوعية بسبب وضعيتها ومحدوديتها وعجزها وقصورها وزمنيتها ) ( ماذا يعني انتمائي للاسلام : 52 )

وبذلك يُقطع الطريق على تمازج الحضارات وتلاقح الثقافات ، وينعزل الاسلاميون داخل شرانقهم الفكرية .

هذه هي اهم المرتكزات الفكرية التي يقوم عليها الخطاب الاسلامي المعاصر .

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توقيف صحفي يهودي بكندا رفض الابتعاد عن مظاهرة داعمة لغزة


.. روسيا تعتزم رفع حركة طالبان من القائمة السوداء قريبا.. ما ال




.. أحمد التوفيق: وزير الأوقاف المغربي يثير الجدل بتصريح حول الإ


.. 58-Al-araf




.. 59-Al-araf