الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنا والوزير وسائق السيرفيس - 2 -

أماني محمد ناصر

2008 / 1 / 15
كتابات ساخرة


ولك آه يا بلد (3)

التفت إليّ الرجل الوقور وقال لي:
- لكنّ وزير الباصات طيب وأمين وصادق و...
- قاطعته قائلة:
- لا تقل ذلك ثانية، لا تصفه بالطيب أو السيء كي لا تحسب عليه أو ضده!!!
ثمّ التفتُ ثانية إلى الرجل المسؤول وقلتُ له:
- هاه؟؟!! هل ستدعو وزير الباصات ليستقل السيرفيس على حسابي؟
لكنّ المسؤول بدل أن يجيبني سألني:
- لماذا توقف السيرفيس؟
وقبل أن أجيبه، صعد رجل يلبس معطفاً أسوداً دون أن يجد له مكاناً، فيطلب السائق من المسؤول أن يفسح مجالاً للرجل ذو المعطف الأسود كي يصعد جانبه، ليصرخ مستنكراً:
- لكنّ اقترب موعد وصولي!!!
- إذاً، انزل من السيرفيس ودع الرجل يجلس مكانك ثمّ اصعد ثانية...
- ماااااااااااذااااااااااااااا؟؟!!!
صوتٌ جانبي:
- إذا مو عاجبك، اركب باص نقل داخلي، أوسع وأشرح...
- باص شووووووووووووووو؟؟!!

يصرخ السائق:
- بسرعة يا أخي بسرعة، ألا ترى الشرطي قريباً من هنا؟
- لا حول ولا قوة إلا بالله على هذا اليوم!!!
ينفذ المسؤول كلام السائق، ليصعد الرجل ذو المعطف الأسود ثمّ يتابع السيرفيس مساره، ناسياً المسؤول الذي تعلّق بقبضة الباب صارخاً:
- ولك انتظر لحظة، دعني أصعد، لك يا ربي ماذا فعلتُ حتى يلحقني ما لحقني اليوم؟؟ ولك انتبه لبنطالي، ولك انتبه سيتمزق، ولك لاء، أوف، يا ربي، عجبك؟؟؟ تمزق البنطال!!!
نفض الغبار العالق على بنطاله، قبل أن يمسك العصا التي امتدت إليه من صاحبتها التي عاجلته بقولها:
- هي هيء، هي هيء، تستاهل تستاهل...
لكنه هذه المرة، جلس مكانه صامتاً دون أن يجيب العجوز بحرف...
بعد ثوانٍ معدودة، شاهد من النافذة رجلاً يلبس قبعة بنية اللون ماداً إبهام يده اليمنى لفوق، وخنصرها لتحت، وبقية أصابعه الثلاثة ممدودة للأمام، ليتوقف له السيرفيس، ويصعد هذا الرجل ليجلس على يمين المسؤول...
- مين ما دفع ورا؟
مدّ الرجل ذو المعطف الأسود يده لجيبه، وأخرج عملة من فئة العشر ليرات، ليعطها للمسؤول الذي صرخ في وجهه قائلاً:
- هل تعتقدني شحاذاً؟ ولا أملك المال الكافي كي أدفع الأجرة؟ هل تريد أن تدفع عني أنا الذي أغرقك وأغرق عائلتك كلها بمالي الخاص لو أردتُ؟؟!!
لك آاااااااااااااخ يا إيدي أخ...
- اخرس، ولا تتكلم بحرف، لأنك لا تفهم حرفاً مما تقوله !!!
قهقه الرجل ذو المعطف الأسود قبل أن يجيب المسؤول:
- هههههههههه، لو كان معك كل هذا المال، لم نكن لنتشرف بك في هذا السيرفيس، هههههههههه!!!
خذ خذ، خذ هذه العشر ليرات وأعطها للسائق...
اقترب الرجل الوقور هامساً للمسؤول:
- لا تهتم سيدي، لأنه... لك آااااااااااااااااخ يا راسي!!!
- اخرس، ولا تتكلم بحرف، لأنك لا تفهم حرفاً مما تقوله ...
تابع بهمس متوعداً العجوز ببضع كلماتٍ:
- لا تهتم، فهذا هو المعتاد، كل منا يقدّم الأجرة لمن قبله والذي بدوره يوصلها للسائق.
أخذ المسؤول العشر ليرات بغضب من الرجل ذو المعطف الأسود دون أن يلتفت له، ومررها لمن قبله، قبل أن يصرخ متألماً من جنبه الأيمن، ليكتشف أنّ سلسلة المفاتيح المتدلية من بنطال الرجل ذو القبعة الجالس على يمينه قد جرحت فخذه الذي ظهر من المكان الممزق لبنطاله، قبل أن يتلقى ضربة على الرأس من العجوز قائلة له كالعادة:
- هي هيء، هي هيء، تستاهل تستاهل...
لكزه الرجل ذو المعطف الأسود قائلاً:
- أعطيتك عشر ليراتٍ، ولم ترجع لي الباقي...
- اسأل سائق السيرفيس عنها، هففففففففففففف!!!
تدخل السائق مكشراً:
- أعدتُ الباقي من البداية...
الرجل ذو المعطف الأسود للمسؤول:
- أعد الباقي لي...
- لم أستلمها بعد..
- اخرس، ولا تتكلم بحرف، لأنك لا تفهم حرفاً مما تقوله!!
صوتٌ آخر من أحد الركاب:
- أعد الباقي له...
- قلتُ لكم إنني مرّرتُ العشر ليرات للسائق!!!
صرخ الرجل ذو المعطف الأسود في وجهه:
- أعد الباقي أيها السارق، أيها الحرامي، هل تعبتَ في هذه الخمس ليرات كي تسرقها؟ آخ يا راسي آاااااااااااااخ، ولك مجنونة، والله لـــ...
- اخرس، ولا تتكلم بحرف، لأنك لا تفهم حرفاً مما تقوله...
- ولك مين ما دفع ورا؟؟
- آهاااااااااااااااااااااااااا، الآن فهمتُ لماذا لم ترجع لي الباقي، سرقتَ مالي أيها الحرامي كي تدفع للسائق ما يتوجب عليك... ولك آاااااااااااخ يا إيدي، ولك مجنونة ولك...
- هي هيء، هي هيء، تستاهل تستاهل...
التفتَ إليه المسؤول غاضباً، وسأله:
- كم الباقي؟
- مئة دولار...
- إليك هي، خذها وريحنا منك!!!
صوتٌ هامس ضاحك:
- لك سرقه للمسؤول، سرقه يا شباب، ههههههههه!!!
صوتٌ آخر:
- لك حلال عليه...
صوتٌ ثالث:
- ليعطه أحدكم عشر ليرات ثمّ يطلب منه الباقي ولنوزعها على بعض، كي نستطيع شراء البيض ونخزنه في الثلاجة، قبل أن يرتفع سعره...
- والله جبتها!!!
فجأة، ودون سابق إنذار، توقف السائق صارخاً بألم، واتجه للركاب سائلاً:
- شباب، قدمي تؤلمني جداً، من منكم يعرف قيادة السيرفيس؟
أشار كل من في السيرفيس بما فيهم المجنونة إلى المسؤول قائلين:
- هذا هذا، عليكَ بهذا، وحده يعرف قيادة السيارات بكافة ماركاتها وأنواعها، ولك آي، ولك آاااااخ، أوووووووووووووو، وليييييييييييييي، ولك آخ، يا مجنونة:
- اخرسوا اخرسوا، ولا تتكلموا بحرف، لأنكم لا تفهمون حرفاً مما تقولون!!
المسؤول بأسى:
- لا حول ولا قوة إلا بالله على هذا اليوم!!!
صوتٌ جانبي:
- ههههههههههه، أنتم لا تذكرون الله إلا وقت المصائب!!!
اقترب الرجل الوقور من المسؤول هامساً:
- يعينك الله، خذ مكان السائق أفضل من هذه الجلسة التي تجلسها محشوراً وبالقرب من المجنونة، خاصة أنّ الراكبين الأماميين نزلا من السيرفيس، تستطيع أن تقفل الباب الأمامي دون أن تجلس أحد أمامك...
- معك حق، أمري لله...
وما إن يأخذ المسؤول مكان السائق، بعد أن يعطه السائق رقم جواله كي يعيد له السيرفيس، وما إن يقود السيرفيس أمتاراً معدودة، حتى يوقفه شرطي طالباً منه أوراق السيرفيس!!!
- لكنني لستُ السائق!!!
- أعطني الأوراق!!!
- لا أعرف مكانها؟؟!!!
- قلتُ لك اعطني الأوراق...
- قلتُ لك إنني لا أعرف مكانها...
- إذاً كيف تقود السيارة من دون أوراق، مفكر حالك شي مسؤول؟؟؟!!!
- لا حول ولا قوة إلا بالله على هذا اليوم!!!

صوتٌ جانبي:
- ههههههههههه، أنتم لا تذكرون الله إلا وقت المصائب!!!
الشرطي:
- الأوراق!!!
- لا أعرف أين وضعها السائق؟
- ومن السائق؟
- لستُ أنا!!!
- وكيف تقود إذاً؟؟؟
- هذه مسألة يطول شرحها...
- يطول شرحها؟؟؟ إذاً، خذ هذه المخالفة، وادفعها غداً في مقر وزارة الباصات...
أصواتٌ من السيرفيس:
- احجزه مع السيرفيس...
- بل اسجنه لعدم حوزته إجازة سوق عمومية...
- بل احجز على أمواله...
- لالا، بل...
- ههههههههههههه، سيقف في الطابور...
- سينال مئة ضربة وضربة...

أهمّ أنا لأسكت الركاب بلطف، لكن ضربة على يدي موجعة و:
- اخرسي، اخرسي، ولا تتكلمي بحرف، لأنك لا تفهمي حرفاً مما تقولي!!
لأبحلق مدهوشة مشدوهة بأختي التي ما تزال تردد:
- اخرسي، اخرسي، ولا تتكلمي بحرف، لأنك لا تفهمي حرفاً مما تقولي!!
لأصرخ في وجهها حانقة، غاضبة، محبطة، بائسة، يائسة:
- لماذا أيقظتني؟؟؟ قبل أن أرى وزير الباصات يجلس محشوراً مكاننا، لماذا لماذا لماذا؟؟؟!!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي