الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أدب الخيال العلمي وسطوة المعاصرة

ابراهيم سبتي

2009 / 4 / 5
الادب والفن


هل ينبغي على القاص او الروائي الدخول الى عوالم الخيال العلمي اضافة الى عوالمه السردية الاخرى ؟
قد تكون الإجابة بالإيجاب وربما تكون بالسلب. فالقاص الذي يحاول الاقتراب من منطقة الاشتغال العلمية الخيالية ، يستفز كل خزينه المعرفي ووعيه المتدفق نحو فضاءات يكون فيها السرد مصاحبا للفهم العلمي البحت لكل ثيمة تنفذ بعناية ومقنعة للمتلقي المندهش منها والبعيدة عن الطرح الوثائقي العلمي المجرد التي قد ترهل النص ويصبح تقريرا لاقيمة له . وتبقى القيمة العلمية والفلسفية للنص الداخل في الدائرة المطلقة للعبة العلمية المغلفة بالخيال الخصب ، هي نقطة الحكمة الفاصلة بين الوقوع في مباشرة فجة وبين نص مكتوب بحرفة ودراية موصلة الى استفزاز وعي الاخر المندفع للحصول على فائدة تلتفع بمتعة التأمل ..
فالكاتب بحاجة الى فضاءات معرفية خاصة ليكتب قصة او رواية في الخيال العلمي ، المعرفة المطلوبة لا تتعدى الثقافة العلمية المتخصصة في الفيزياء ومعرفة تبدلات الزمن وانتاج نظريات مخالفة او مطابقة للظواهر الطبيعية والبشرية والطبية وربما حتى الفلسفية . انها ثقافة تحتاج لكثير من الوعي المضاد للمألوف والمعاكس لمجريات العلوم المعروفة .. ولكي تكون القصة مقنعة عليها الا تقع في الإسفاف المغلف بالغيبيات او الغرائبية الخيالية أو الأوهام الدرامية المسفوحة على سطوح العلوم العجيبة والمحفزة للخيال والتفكير العميق .. هي مسؤولية الكاتب الذي عليه ان يتصور عالما مغايرا في كل شيء ، عالما فيه مخالفة الاشياء والعلوم المستقبلية التي ربما تدخل في انتاج نظريات غير معروفة او غير مسموع بها . هنا يتحول الكاتب الى عالِم من نوع آخر ، عالم يستمد خياله من إبداع أدبي خاص معزز بمعرفة في الخوارق والغيبيات والمستقبليات .. ولست بصدد التشبيه بالكتاب الاوائل للخيال العلمي امثال جول فيرن وهربرت جورج ويلز وماري شيللي وغيرهم ممن دخلوا الى هذا العالم الغريب والخارق والمدهش بتفاصيله الخارجة عن المألوف .. انهم ارسوا قواعد الكتابة الخيالية برغم انهم كانوا كتابا بارعين في القصة والرواية الاعتيادية ، لكنهم اسسوا عالما خاصا ظل يذكر الى الان برغم مرور عشرات السنين على كتاباتهم .. لكن يمكن ان نقيم تجاربهم المهمة في مجال الخيال العلمي لانه صار بمثابة الحائط الذي اتكأ أليه من جاء بعدهم وزاول الكتابة العلمية الخيالية .. فكتابات الفرنسي جول فيرن الذي عاش في القرن التاسع عشر ، كتب رواياته المشهورة والتي تنبأ فيها بحدوث اشياء لم تكن موجودة لكنها وجدت بعده بفترات طويلة .. فرواياته باريس في القرن العشرين ورحلة الى القمر وحول العالم في ثمانين يوما وعشرين الف فرسخ تحت الماء ، كانت ثورة في ادب الخيال العلمي بتنبؤه بامكانية تصنيع اشياء مذهلة غيرت وجه التاريخ البشري والصناعي . فهو يذكر الغواصة التي تسير تحت الماء وتحمل اشخاصا في وقت لم تكن الغواصة معروفة مثلا ناهيك عن ذكر المحركات النفاثة واجهزة الاتصال وعملية هبوط الانسان على سطح القمر في وصف تنبؤي مدهش وغيرها . هذا التأسيس ينم عن عقلية تقترب من العقلية العلمية العارفة بالخوارق والمشاركة في صنع النظريات لانه كان يصف الأشياء وصفا علميا وكانه يصنعها لا يكتبها وكذا فعل في عشرات الروايات والمجاميع القصصية ويؤشر هذا الاحتراف العلمي واختراق القوانين وانظمة الكون المعروفة ، على مدى الخيال الخصب الذي يحمله الكاتب والموشح بعلمية وثقافة استقرائية للمستقبل . وكذا فعل المفكر والروائي هربرت جورج ويلز الذي توفي في اواسط اربعينيات القرن العشرين ، كتب رواياته غائصا في اروقة ومجاهيل العجائب والخوارق وخاصة في اشتغاله المدهش على الزمن في روايته الشهيرة آلة الزمن المكتوبة عام 1895 وهي اول رواية له وهي رحلة انتقال لاحد العلماء الى المستقبل البعيد والذي تحدده الرواية (نحو 802,701 بعد الميلاد ) . وهناك عندما يحط الرجل بآلته سيجد العالم وقد انقسم الى قسمين يعيش كلاهما بظلامية تحت خراب المدن وببشرية مسحوقة هما في كل الاحوال امتداد للاغنياء والفقراء في عالمنا الحاضر. يصبح احفاد الاغنياء بعد هذا البعد السحيق للمستقبل ، اشخاصا ضعفاء مترهلين متنعمين بفضل اجدادهم الاغنياء ، يفترشون مكانا نظيفا محاطا بالاشجار والمياه . فيما يعيش احفاد الجنس الآخر كاشباه للوحوش تحت الارض يعملون من دون كلال للابقاء على الجنس الاول الذي اتضح فيما بعد انهم مجرد مزرعة طعام لهم يختطفون منهم اشخاصا ليأكلوهم كالحيوانات . وكان ويلز قد تنبأ بفكرة خيالية مفادها امكانية السفر عبر الزمن كما الحال بالنسبة للمكان . ويستطيع المسافر في الرواية التلاعب بالازمان التي يرغب بالسفر خلالها الى عوالم ابعد .واذا كان الزمن عند ويلز فكرة خيالية ، فان البرت انشتاين العالم الفيزيائي المعروف اثبت من خلال نظريته النسبية امكانية اعتبار الزمن بعدا رابعا موجودا كالطول والعرض والارتفاع وبذا يمكن كالابعاد الاخرى العبث به والسير في مناسيبه . هذه الحقائق العلمية المذهلة لم تأت من فراغ عقلي او سفسطائية لا معنى لها ، بل كانت محسوبة علميا بفعل وعي متفرد يضاف الى الابداع الروائي الذي يظهره . اما روايته الثانية فكانت عن قيام عالم بايلوجي مجنون بتحويل الحيوانات الى كائنات بشرية وعنوانها جزيرة الدكتور مورو . اما الرواية الثالثة فلم تقل خيالا ومتعة وعنوانها الرجل الخفي وتحكي قصة عالم يصنع مادة يستطيع بها اخفاء نفسه عن انظار الناس . وتتابعت اعمال ويلز تخوض غمار الخيال والخوارق والعلوم المخالفة لقوانين الحياة المعروفة . ان المتخيل السردي ، يتحول من كونه متخيلا الى واقع افتراضي مُقنِع في روايات وقصص الخيال العلمي بلغة سهلة غالبا مدعومة بالرموز ، انها لغة تتمظهر في بعدها الجمالي والايمائي والخيالي لاستبطان مايصطرع في اعماق البشر لتؤسس نصا يقوم على الايحائية والدلالة والدهشة .
ويكون الكاتب قد ادرك عمق الرؤية الفكرية والموضوعية التي يحتاجها لكتابة الخيال العلمي الممتع وليس الخيال الفنتازي الذي يفقد القيمة الفنية والإعجاب . واعتقد بان القاص يمكن له ان يتجاوب مع رغباته احيانا بضرورة الدخول الى عوالم الخيال ، ان احسن ادارة نصه المملوء وعيا وثقافة وعلمية . وان استطاع ويلز وفيرن وشيللي وغيرهم ، من اقتحام هذه الاكوان الاسطورية وبرمجة العقل نحو افاق لا يدركها البشر ، انما لانهم كانوا يعيشون عصرا خال من البصريات الرقمية والعلوم المذهلة والانفتاحات القصوى على الاختراعات وزحمة الحياة وحتمية العيش مع الصخب والدوي اليومي .. انهم عاصروا فترات تنعم بوافر العيش السهل والحياة الاسهل تماما وغير المربكة . فكان الخيال العلمي ، عالمهم المفترض الذي يتمنون حدوثه . وهذا المنطق لا يمكن ان يحصل في قرن صار كل شيء تحت الاصبع .. ازرار تتحكم بسيول المعرفة وبحور العلوم الهائجة وانفتاحات هائلة نحو المجاهيل .. واذا كان سير الانسان على القمر او تحليق طائرة نفاثة او اطلاق صاروخ فضائي ، حلما يراود ابناء القرون الماضية ، فان احلام كتابنا للقرون القادمة ان دخلوا عالم الخيال العلمي ،يجب ان تكون اكثر دهشة واكثر علمية وابهارا . اذ سيكتب بعد قرن او اكثر عن قصاصين وروائيين استطاعوا ان يتخيلوا الاشياء التي وجدت فعلا في ازمان قادمة وربما سيخترعون في كتاباتهم جهازا سيشفط ماء البحار او يحول السيارة الى علبة سكائر صغيرة او يحول الصحيفة الى بساط طائر يحوم فوق الدول دون جواز سفر !! وهل يستطيعون ذلك تحت سطوة المعاصرة والحداثة التي قللت كثيرا من فرص التخيل وحجبت الصناعة الانفجارية قراءة المستقبل باختراعاتها ؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع