الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكويتيون يشترون ويبيعون الشهادات الجامعية

سامي الرباع

2009 / 6 / 20
التربية والتعليم والبحث العلمي


يناقش الكويتيون هذه الايام ملف الشهادات الجامعية التي حصل عليها بعضهم بالفلوس او بالاحرى بالدنانير من جامعات في مصر والاردن وامريكا وغيرها من دول العالم، من جامعات معترف بها واخرى غير معترف بها. المهم شهادة جامعية ولقب الدكتوراة.

في بداية عام 2000 وبعد موافقة وزارة التعليم العالي على انشاء جامعات خاصة تهافت رجال الاعمال الكويتيين على تشييد هذا النوع من الجامعات كمصدر للثراء لايستهان به تحت أسماء طنانة رنانة مثل "الجامعة الامريكية في الكويت"، "جامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا" والاخيرة تحت دعاية "بالتعاون مع جامعة Missouri الامريكية".

الهدف الرئيسي من انشاء مثل هذه الجامعات كان "ليش تذهب بعيدا لشراء شهادتك الجامعية؟ نحن نبيعها لك هنا في الكويت بأقل التكاليف وبالشروط التي ترضيك."

الناس في الكويت من كويتيين ومقيمين انبهروا بهذه الاسماء "العلمية الجامعية" وبادروا بتسجيل ابنائهم وبناتهم فيها رغم رسومها السنوية العالية التي تصل الى 15 الف دولار عن كل طالب وطالبة.

من خلال عملي في التدريس في "جامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا" بين عامي 2001 و 2003 كنت شاهدا على نوعية التحصيل الدراسي في هذه "الجامعة".

في البداية كان المدرسون والاداريون وخاصة الامريكيون والكنديون والاوربيون وبعض الكويتيين متحمسين لفكرة تأسيس جامعة علمية ذات نوعية جيدة كبديل لجامعة الكويت الحكومية. ولكن بعد أشهر قليلة من تأسيس هذه "الجامعة" تلاشى الحماس وأدرك الجميع ان الهدف الاساسي من انشاء هذه "الجامعة" كان ولا يزال هو الربح المادي بالدرجة الاولى. المهم هو ارضاء الزبائن "نجح الطلاب مهما كان ادائهم ضعيف والا نستغني عن خدماتك ونستبدلك بمدرس اكثر تعاوننا معنا."

أصحاب هذه الجامعات الخاصة اكتشفوا في السوق الجامعي ثروة ريعية لايستهان بها. فجامعة الكويت الحكومية تتمتع بقدرات استيعابية محدودة في ظل ازدياد سكاني متطرد. بسبب هذا الواقع الديموغرافي يصعب على اَلاف الطالبات والطلاب الكويتيين الانضمام الى جامعة الكويت وخاصة أصحاب الدرجات الضعيفة في الثانوية العامة (البكلوريا). اذن المخرج الوحيد هو في الانضمام الى الجامعات الخاصة التي ترحب بالكل. المهم ادفع! المهم شهادة جامعية مهما كان نوعها!

اضافة الى ذلك وجدت الجامعات الخاصة رواجا كبيرا بين افراد المقيمين (غير الكويتيين) العاملين في الكويت من ذوي الدخل الجيد. فجامعة الكويت لاتقبل الا ابناء الكويتيين وفي ذلك بالمناسبة تمييز عنصري غير انساني لامثيل له في العالم. فهل هناك في العالم دولة لاتقبل في جامعاتها الا الطلبة الذين يحملون جنسيتها؟ نعم في الكويت الديموقراطي الاسلامي.

أحد زملائي في "جامعة الخليج" كان يطلق عليها لقب "جومعة" وليس جامعة. المهم، الرفاعي، الرئيس الثاني للجومعة، الذي كان يحمل "شهادة دكتوراة" من جامعة غير معترف بها، شن حملة طرد ضد كل المدرسين "المتشددين". "المتشدد" برأي الرفاعي هو ذلك المدرس الذي يطلب من طلابه الجد والاجتهاد والانضباط.

بدل أن يؤكد الرفاعي على الجد والاجتهاد والانضباط كان هذا "الاداري" يتعاطف مع المشتكين من الطلبة ضد المدرسين "المتشددين" وفي نهاية الامر كان مصير هؤلاء المدرسين الطرد من الجامعة.

اذن من بقي في جومعة الخليج من مدرسين وأساتذة؟ بقي في الجامعة خديجة، كويتية متقاعدة كانت تدرس اللغة الانجليزية في احدى مدارس الكويت ثم انتقلت الى الجومعة لتدريس هذه اللغة. قال عنها احد الزملاء انها تتكلم اللغة الانجليزية كسيارة قديمة "تنتع"، اي ان لغتها الانجليزية ضعيفة ولاتصلح للتدريس في الجامعة. المهم انها تنجح كل طلابها وهذه هو الاهم.

بقي ايضا في الجامعة مها، مصرية خريجة جامعة الازهر! مها ايضا تدرس اللعة الانجليزية وادابها (اداب اللغة الانجليزية في جامعة الازهر! الله أكبر!) الا انها غير مؤهلة لذلك. كان لدي طلابا يجيدون هذه اللغة اكثر من مها. المهم ايضا انها تنجح ماهب ودب.

بقي في الجومعة ايضا صلاح صبري، مصري كان يعمل في تدريس اللغة الانجليزية في جامعة الكويت ثم احيل الى التقاعد. رجل طيب الا ان انجليزيته متواضعة جدا. ولكنه في نفس الوقت يجيد "تمسيح الجوخ" كما يقال في بلاد الشام، اي انه شديد التملق لاصحاب القرار الكويتيين.

بقي ايضا في الجومعة مجموعة من الغربيين الخواجات الذين أدركوا لعبة التحايل على الكويتيين من أجل الحفاظ على وظائفهم في الجومعة. قال لي احدهم "بيتعلموا ولا عمرهم مايتعلموا، المهم أحصل على راتبي في نهاية الشهر. لو عدت الى امريكا فلن أجد نفس العمل بنفس الراتب."

اما الكفاءات الجيدة المتفانية في العمل مثل السيدة دونا الكندية لم تجد فرصة للاستمرار في العمل في الجومعة وكانت ضحية الربح المالي على حساب النوعية الجيدة.

اما الجومعة كصرح للربح وليس للعلم فهي مستمرة في العمل تبيع شهاداتها باسعار عالية. طبعا بالنسية للكوتيين: المهم شهادة جامعية مهما كان نوعها.

بعد الحصول على هذا النوع من الشهادات يهرع أصحابها لايجاد وظيفة في القطاع الحكومي العام. مع شيئ من الواسطة يمكن ايجاد أفضل الوظائف. اكثر من 90% من العمالة الكويتية موظفة لدى الدوائر الحكومية. أما القطاع الخاص يفضل العمالة غير الكويتية وذلك لانها أكثر كفاءة وجدية في العمل. القطاع الخاص لاتهمه الجنسية. الاهم بالنسبة له هو الانتاجية.

أحد أصدقائي من المدراء الذين يعملون في احدى شركات القطاع الخاص أكد لي ذلك وأضاف:" خريجين كويتيين؟ لا حبيبي شكرا!" الكويتي عادة لايقبل الا وظيفة "المدير" يجلس في مكتب واسع يحوله الى ديوانية لاستقبال الاصدقاء وأصحاب الواسطة على هات شاي وجيب قهوة مع تبادل أطراف الحديث والنكات. اما العمل الحقيقي فعادة ماتقوم به العمالة المستوردة الرخيصة.

اما عن الشهادات الجامعية التي حصل عليها بعض الكويتيين من الجامعات المصرية والاردنية ولا يزالون يحصلون عليها لقاء جهد لايذكر فهي سلعة لقاء "شيلني أشيلك". فالكويتي في هذه الجامعات هو وسيلة يستخدمها الاستاذ الجامعي المصري او الاردني لايجاد عمل له في الجامعات الكويتية او فرصة عمل للمقربين منه حيث ان نسبة الدخل في الكويت هي اضعاف مايتقاضونه في بلادهم سواء كان ذلك في مصر او الاردن.

سيستمر الحال على ذلك في الكويت الى ان يجتاح البلد أزمة مالية يصبح من خلالها توظيف الكويتيين في القطاع العالم امرا صعبا، حين اذن سيضطر الكويتيون الى العمل بجد في مجالي التحصيل العلمي والمهني.

الاعتماد على البترول كمصدر رئيسي للاقتصاد الكويتي وخدماته وتزايد عدد السكان سيصبح على المدى المتوسط والبعيد عاجزا عن استيعاب البطالة المقنعة في الكويت. على الارجح بعد عقدين من الزمن سيفيق الكويتيون من سباتهم العميق وسيدركون ان الخروج من أزمة البطالة لاينفع فيها الا التحصيل العلمي والمهني. حين اذن لن تنفع الشهادات الفارغة مهما كان مصدرها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سوق مضطردة
ظـافر غريب ( 2009 / 6 / 19 - 20:42 )
موضوع ملفت، سيما في مقطعه 7 الذي أرجو الإلتفات إلى مستهله: -أصحاب هذه الجامعات الخاصة اكتشفوا في السوق الجامعية ثروة ريعية لايستهان بها. فجامعة الكويت الحكومية تتمتع بقدرات استيعابية محدودة في ظل ازدياد سكاني مضطرد-.
ظـافر غريب


2 - جامعات الاسماء الرنانةدون مضمون حقيقي
وائل الياس ( 2009 / 6 / 19 - 22:38 )
مقال رائع أستاذ سامي ، و كم كنت مصدوماً من بعض الجامعات الأمريكية و الكندية التي تنهج نفس النهج، و كما كان والدي دوماً يقول : رغبة الدارس خير من صيت المدارس.

تحياتي لشخصكم الكريم

اخر الافلام

.. في ظل التحول الرقمي العالمي.. أي مستقبل للكتب الإلكترونية في


.. صناعة الأزياء.. ما تأثير -الموضة السريعة- على البيئة؟




.. تظاهرات طلابية واسعة تجتاح الولايات المتحدة على مستوى كبرى ا


.. تصاعد ملحوظ في وتيرة العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل




.. اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي مدينة الخليل لتأمين اقتحامات