الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فيكَ الخصامُ وأنتَ الخصم والحكمُ

اسماعيل داود

2009 / 6 / 30
حقوق الانسان


هذه المرة نوجه احتجاجنا على أوضاع السجون وما يعانيه السجناء والمحتجزون تحت سلطة الحكومة العراقية، ليس لان أوضاع نظرائهم الذين مازالوا بعهدة القوات الأمريكية هي بأحسن حال ، بل لان أمرهم محسوم إما بإطلاق سراحهم أو بإحالتهم إلى عهدة الحكومة العراقية. وهذا الأمر يثير فينا الكثير من الشجون تبدأ بالآلية الخلافية التي اعتمدت لحسم ملفاتهم وتقرير مصيرهم ولا تتوقف عندها. فمن حقنا أن نسال ماذا عن مئات الألوف الذين تعرضوا للاعتقال والمعاملة السيئة والتعذيب، من يتحمل وزر ما حدث من انتهاكات بحقهم ومن يتحمل مسؤولية إعادة إدماجهم في المجتمع ، ومن يتحمل وزر دوامة العنف الذي ولدته سياسة الاعتقال الجماعي والعقوبة الجماعية والتعذيب الذي انتهجته قوات الاحتلال طيلة السنوات الماضية وكل ما سببته من خسائر بشرية ومادية مهولة . من يتحمل تكريّس التعذيب والمعاملة المهينة في العراق، وأخيرا من يتحمل الصورة التي انتهت عليها أوضاع السجون والمعتقلات في العراق اليوم. حينما نذكر أوضاع السجون في العراق وجرائم التعذيب، تقفز إلى الأذهان صورة سجن أبو غريب، لكن العراقيين يعرفون أكثر من غيرهم إنها فقط رموز مسجلة عن ما جرى وما يجري في السجون والمحتجزات العراقية منذ عقود. حتى أيقن العراقيون بأنها معاناة طويلة لن تجد لها يوما من نهاية، فهل حقاً نأمل بنهاية للتعذيب والمعاملة المهينة في سجون ومحتجزات العراق؟وكيف لمثل تلك النهاية أن تتحقق.
تشير الأرقام الرسمية إلى إن عدد المسجونين والموقفين يتراوح 47000 بنهاية العام 2008، لكن هذه الأرقام لا تشير إلى عدد المحكومين منهم أو عدد من وجهت لهم التهم وعدد الذين لم توجه لهم تهم أبدا، لكن كل المؤشرات تشير إلى إن الغالبية منهم لم تتم محاكمتهم وهنا تُسكب العبرات، حيث يواجه المحتجزون عادة التعذيب والمعاملة المهينة في فترة الاحتجاز والتحقيق ، مضاف لذلك فإن حق المحتجزين بالحصول على الدفاع القانوني لا يتم احترامه عادة ، تجد في اغلب الحالات إن المحتجز يمر بمراحل تحقيق أولية وربما أكثر من ذلك دون وجود محامٍ يمثله. السلطات العراقية من ناحيتها لا تنفي وجود التعذيب، لكنها دوما تبرر ولسان حالها يقول: " إنها تصرفات سيئة تصدر من البعض هنا وهناك، ونحن نمر بظرف استثنائي لدينا أولوية حماية الشعب العراقي"، التبريرات نفسها وردت علينا من قبل وفي زمن ليس ببعيد!. يبدو إن المحتجزين أو السجناء لا يتم شمولهم بأي حقوق أو حماية مهما تغيرات الأنظمة أو تبدلت الدساتير!.
من جانب أخر يصارع المجتمع المدني ومنظماته اليوم بمعركة وجودٍ هو الأضعف فيها، ويتعرض في كل يوم إلى إجراءات وقيود تعسفية جديدة تهدف إلى تقييد حرية التعبير والتجمع. منع التنظيمات النقابية في القطاع العام، والتقييد على الصحفيين، وتشريع قانون تعسفي للمنظمات غير الحكومية، كل ذلك يمثل قمة جبل الجليد فقط، ونعتقد إن لم يحدث إي تغيير فان القادم سيكون أعظم. المجتمع الدولي ، الأمم المتحدة ووكالاتها، تسير يوماً بعد يوم تحت تأثير معادلة تقول " دعم سلطة تقوم بانتهاك حقوق الإنسان هو أفضل من فقدان العراق وسقوطه بيد المتطرفين" حسناً لن تكون هذه المرة الأولى بالنسبة للعراق والعراقيين ولا حتى بالنسبة لحال الشرق الأوسط. فهذا الجدل كان وما يزال صالحا للاستهلاك وهو ما تعززه تبريرات الحكومة العراقية والأمريكية في العراق. فالرسالة ستكون دوماً " دعونا نحكم السيطرة على البلاد وربما سنتمكن بعدها الحديث عن حقوق الإنسان".
في مثل هذه الأحوال هل من الممكن لإضراب عن الطعام في سجن أن يغير شيء؟ ربما من الأرجح أن نقول لا. لكن السجناء في سجن العمارة المركزي كان لهم رأي أخر. بالرغم من علمهم إن إضرابات أخرى سبق لسجناء ومحتجزين أن نفذوها غالباً ما انتهت بعقاب من الحراس ، ورد فعل معروف من الجهات المسئولة عن إدارة السجون وهو ما حصل في سجن المعقل في البصرة من قبل. ثم يأتي الرد المتوقع من الحكومة زيارات مرتبة مسبقا "محددة ومسيطر عليها" لتلك السجون ، تشكيل لجنة أو لجان تكون حكومية أيضا أو مطعمة بمن لاشك بولائهم وإقرارهم للسياسة الحكومية في هذا المجال ، مصداقاً لما جاء في عنوان هذه المقالة! ، ثم ينهى الأمر إلى ما انتهت عليه فضيحة ملجأ الجادرية، لا معلومات وأغلق الملف.
مع كل ذلك بدا سجناء العمارة إضرابهم عن الطعام في حزيران، واحد من اشد أشهر الصيف في العراق حرارة وقسوة، عدد منهم أرسلوا إلى المستشفيات نتيجة لذلك. تبع ذلك إضرابات في سجن التسفيرات في واسط ومن ثم سجن الرصافة في بغداد. الذي دفع كل هؤلاء إلى الاحتجاج والى التحرك هو أمل صغير جدا بان ذلك قد يلفت أنظار الرأي العام العراقي والحكومة العراقية إلى معاناتهم والى إن التعذيب والمعاملة المهينة والاحتجاز بدون توجيه تهم يجب أن يتوقف. وبان فرض القانون في العراق يجب أن يعني أيضا احترام حقوق الإنسان.هذا الأمل البسيط وجد طريقه إلى العشرات من أهالي المعتقلين ومن النشطاء الذين قرروا التجمع والاعتصام في باب المعظم وسط بغداد وفي الكوت وفي ديالى، وسط مشاركة خجولة من عدد من أعضاء البرلمان العراقي والمنظمات غير الحكومية كشبكة العدالة للسجناء. لكن الاحتجاج وجد صداه لدى البعض من النشطاء ومنهم كاتب هذه السطور، فزودنا بمزيد من الأمل والإصرار على عدم الاستسلام. ومنحنا وقفة لنقول، ماذا فعلنا لليوم من اجل أن تنتهي معاناة السجناء والمحتجزين ومن اجل أن تحترم حقوق الإنسان في العراق، ما هو دور المئات من منظمات حقوق الإنسان ؟ ومن اجل ماذا أنشئت. العديد منا بحاجة لمراجعة كل ذلك، كي يواصل عمله ونضاله حاملاً أمل طالما حلم به العراقيون طويلاً. فتعالوا معاً نقول شكرا لكل من شارك في الإضراب أو الاعتصام، شكراً لسجناء العمارة. دعونا نرفع أصواتنا معاً مرددين إن التعذيب ليس حل بل جزء كبير من المشكلة، التعذيب لم يوقف المجرمين من استهداف البطحاء، ولم يحمي بيوت البسطاء من أهالي تازة، التعذيب لم يحمي أجساد الكادحين والكسبة في سوق مريدي في بغداد، التعذيب لن يبني لنا دولة القانون.
هذا هو الوقت المناسب كي نُذكر من في السلطة بان العديد من القصص المحزنة تدور في سجون ومحتجزات الداخلية والدفاع والاسايش ، لنُذكّرهم بان أشخاص عدة لقوا حتفهم من جراء التعذيب، في بغداد ، السماوة ، في السليمانية وان نساء تعرضن للاغتصاب وعلى الأقل واحدة تم تصفيتها في تكريت. الم يحن الوقت لنقول كفى ، التعذيب لم ولن يكون حلاً. الانتهاكات وقود يغذي دورة العنف في العراق.
هذا الاحتجاج يحمل رسالة مفادها إن المدافعون عن حقوق الإنسان في العراق يجدون صعوبة كبيرة في التعبير عن ما يجري من انتهاكات وإنهم يعايشون مرحلة حرجة، ويواجهون معركة لتغييب دورهم من جديد، الضغوط تزداد عليهم وليس من معين. الحكومة العراقية مدعوة للتعامل مع هذا الدور باحترام وبجدية أكثر، كما وان المجتمع الدولي مدعو للتحرك، على الجميع أن لا ينسى لماذا رفض العراقيون الدكتاتورية منذ البداية ولماذا لم يولوا أي ثقة للاحتلال الأمريكي. هل تتصورن ماذا يعني للعراقيين عندما يجدوا أنفسهم مرة أخرى محاصرين بالخوف، غير قادرين عن الحديث عن الانتهاكات وغير قادرين على التعبير عما يواجهوه ولا يملكون أن يقولوا لا، محاصرين مرة أخرى بعزلة جديدة.
لنطالب جميعاً بإنهاء الاعتقال التعسفي والتعذيب في العراق، لنطالب بزيارة للمقرر الخاص المعني بقضايا التعذيب إلى العراق ، ولنأمل معاً بلجان مستقلة وتحقيق مهني عن جرائم التعذيب، ينتهي بإنصاف الضحايا ومحاسبة الجلادين الذين طالما نعموا بحصانة لا يستحقونها.











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات واعتقالات في الولايات المتحدة الأمريكية.. حراك جامعي


.. الأمم المتحدة: هناك جماعات معرضة لخطر المجاعة في كل أنحاء ال




.. طلاب معهد الدراسات السياسية المرموق في باريس يتظاهرون دعمًا


.. الأمم المتحدة: الهجوم على الفاشر بالسودان سيكون له عواقب وخي




.. مصر تعرض على إسرائيل عدة أفكار جديدة كقاعدة للتفاوض حول الأس