الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عدوُّ الفكر ...2

ريم الربيعي

2009 / 9 / 10
حقوق الانسان


عدوٌّ الفكر...2
ليس من اليُسر تخيل لكم صعبا على احدنا أن يشعر بالخوف . الخوف ذلك الشعور السوي و الطبيعي الذي يمتلكه الكائن الحي لحمايته و الحفاظ عليه ، و لكنه يصبح غير سوي عندما يقيّد السلوك و يعيق الحياة اليومية و الأخطر من ذلك عندما يهاجم هذا الوحش أهم أسلحة الإنسان قاطبةً : "الفكر" . الخوف له قدرة هائلة على شلّ الفكر و تقييد حرية الإبـداع، وأدركت كل الأنظمة التسلطية هذا و استفادت من المعرفة الكبيرة التي قدّمها علم النفس للبشرية عن طبيعة الإنسان و دوافعه ، و انطلقت لتعبث بأخطر مكنونات و كنوز الشعوب " أفكارها " بالترهيب و القتل و التهديد . الفكر تلك الطاقة العملاقة التي تحرّكنا و بها نخطّط و نرتّب أمورنا من الخيوط البسيطة للحياة اليومية إلى اعقد صور حياتنا المستقبلية و حتى الماضية و كيفية الاستفادة مما سبق . فالسيطرة على الفكر هو سيطرة على الإنسان ، كما هي الحال عند السيطرة على غرائزه . و القوى الجسدية و العقلية هي قوى فاعلة و أساسية لدى الكائن البشري و من خلالها يمكن إخضاعه و إذلاله كما هو حاصل في الكثير من الشعوب التي تعاني هذه السياسات سواء الشعوب المُحاربة بقوتها اليومي و بلاءها بالمجاعة أو تلك الشعوب التي تعاني من ( الجوع الفكري ) أو الحرمان الفكري و تقييد الحريات . فكِلا الجانبين لا يتطوران لان المحاربة كانت لأهم قوتين عند البشر.

و من خلال الفكر نستطيع الحكم على بيئة الفرد التي عاش فيها و كيفية تنشئته و ما يعتقد أو يؤمن به ، و تبدو الأفكار و محتواها العام ظاهراً للعيان من خلال سلوكيات الإنسان و نقاشاته و اللغة المستعملة في الحوار و ردود أفعاله و طبيعة إدراكاته للمواقف المختلفة من حوله و هي جميعها تعكس المحتوى المعرفي له و ما يمتلكه من قدرات عقلية تسيطر على مسير حياته.

و من المعروف إن مُحاربة الفكر كان منتشراً في القرون الوسطى و المُسماة بالعصور المظلمة ، و خاصة عند الشعوب الأوروبية آنذاك ( و قد انقلب العصر اليوم إلى العرب ) فقد كانت مُحاربة الفكر بقسوة و بشناعة مُبالغ فيها ، و صلت إلى درجة إحراق المفكرين و أصحاب العقول المستنيرة و اتهامهم بالكفر و الإلحاد و العدائية للدين و المعتقد ، لغاية إخضاع الناس لفكر معين أتسم بالجهل و الخديعة و الغش و لصالح المؤسسة الدينية الضالعة في الحكم و انتشرت أساليب الحيلة كصكّ الغفران و التقرّب من الساسة و الحاكمين و شدّهم دينياً خدمةً لأغراض رجال الدين في ذلك الوقت . و غرقَ الناس في الطاعون و السل و الأمراض الفتّاكة الأخرى لسبب واحد فقط : الفكر ، و سيادة الجهل بديلاً عنه.

و قد يقرأ احد ما هذه الأسطر ويذهب ظنّه في كون كاتبتها تبالغ قليلاً بعزو مشكلات الشعوب إلى الفكر أولاً دون التركيز على المشكلات و التحديات الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية ، كل هذا صحيح أن تبادر إلى الذهن لكن هناك سؤال يطرح نفسه و هو سؤال مدعو للإجابة عليه المفكر و المثقف و المتعلم و حتى صاحب الخلفية المعرفية المتواضعة : لماذا تطوّر الغرب ؟ و بقي العرب هكذا ؟ هل لديهم أرجل و ليس لدينا ؟ هل يمتلكون أيادي و نحن لا أم لهم عيون يبصرون بها و نحن جميعاً فاقدي البصر؟

نختلف بشيء واحد فقط و لو رجعنا إلى التاريخ لعرفنا إجابته بسرعة : " الفكر" ، كان العرب أكثر شعوب الكون تطوراً و كانت بغداد عاصمة الثقافة كما هي الحال باريس أو لندن اليوم . لان العرب سابقا أصحاب رسالة تدعو إليه و إلى الحرية ، ابتكروا و اخترعوا و أبدعوا بكل العلوم و الفنون ، و كانت السلطات الحاكمة تؤيد الفكر الحر غالباً ، فانبهر العالم بهذا التطور العمراني و الحضاري و كان سببه -باعتقادي- بالإضافة إلى الحروب التحريرية التي أرساها العرب المسلمين لنشر الرسالة بين الشعوب و الانفتاح عليها ، ذلك التغيّر الهائل الذي حدث للناس بعد حادثة الطف التاريخية و استشهاد الحسين عليه السلام ، فصاحب الفكر و المنهج التحرري لم يقبل بالتنازل عنه و أدرك الناس حينها حقيقة الوضع البائس الذي يعيشوه بعدها . فالإيمان بصحة الفكرة و الاعتقاد بها يجعلها مُمكنة التحقيق و بالأخص عند تعلّقها بحياة أسمى و أفضل . و كما يقول الشاعر عمر الفرا : لأن الشعب هناك كان يرفض فكرة الإذعان ...











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحياتي
د.لمى محمد ( 2009 / 9 / 11 - 03:48 )
فالسيطرة على الفكر هو سيطرة على الإنسان
معك تماما في هذه الجملة
استمري ...دمت بخير

د.لمى محمد

اخر الافلام

.. شبح المجاعة يخيم على 282 مليون شخص وغزة في الصدارة.. تقرير ل


.. مندوب الصين بالأمم المتحدة: نحث إسرائيل على فتح جميع المعابر




.. مقررة الأمم المتحدة تحذر من تهديد السياسات الإسرائيلية لوجود


.. تعرف إلى أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023




.. طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة