الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا تسالني من أنا !!

ريم الربيعي

2009 / 9 / 22
الادب والفن


كنت ذات يوم أتنزّه في احد الشوارع حيث الليلة كانت قمرية الضوء و البدر اخذ مكانه في قعر السماء ، أشعر بالوحدة حينها و شعور آخر غريب ارتأيت تسميته بالإحباط من أمور الحياة و هي تسير بالخطأ ، بينما كنت أسرعُ في خطواتي لهبوط الليل فجأة ، سمعت خلفي خطوات ضعيفة ، أحسست إنها خطوات كانت تتبعني منذ زمن ، صراحة...غشاني خوف من النظر للوراء و الالتفات إليه ، فقد ظننتُ انه احد السُرّاق الذين ينتشرون ليلاً في الأزقة... و لحسن الحظ واجهني حائط عكس ظلي و ظل من كان خلفي يمشي مباشرة... كان لضوء القمر أثراً ايجابياً في كشف حقيقة من ورائي... فقد كان ظلاً لشخص منحنياً ضعيفاً و متكئً... التفـُت إلى الشخص فإذا بي أرى رجلاً كهلاً في العمر منحنياً و متعباً رغم ما به من القوة المتبقية من شبابه...ضحكتُ على نفسي من شدة ما أصابها من خوف بلا طائل...بقيتُ أتابع هذا الرجل و هو يسند نفسه بيديه على الحائط ... نظر إليّ نظرة كمن يعاتب أحداً ... شعرت بالإحراج و رحتُ أنقذُ نفسي بسؤال عسى ان يخفّف من هذه النظرة القاسية... فقلت له من مكاني : مساء الخير يا عم ... أتحبّ ان أقدّم لك خدمة أو أوصلك لدارك ؟
رفع رأسه إليّ سائلاً : لماذا أنتِ بعيدة هكذا يا بُنية ؟ كأنك من مدينة أخرى و لستِ بجواري؟
فاجأني سؤاله ، فقد كانت المسافة بعيدة فعلاً ، تقرّبت إليه أكثر ، و سألته مرة أخرى ان كان بحاجة لأمرٍ ما ... فرفع رأسه حيث رأيته عن قرب ، و للحق فقد فاجأني وجهه لدرجة جعلتني لا استطيع مواصلة الكلام ... كان رجلاً جميلاً اخذ منه الدهر كل مأخذ ... و مع هذا يحتفظ بنصيب من الجمال و الهيبة رغم انحناء ظهره و تعبه ... كانت عيناه زرقاوان و قد خفّ بريقهما ...و خديه تملؤهما التجاعيد الموحية بالعراقة و القِدم و كأنه عاش فترات طويلة من الأسى و الأمل معاً ... نظرته مُتخمة بالكبرياء و روحه مرغوبة... كان يلبس ملابس قديمة كانت فيما مضى بحالة جيدة ... أعجبني الرجل... شعرتُ بالحنين نحوه...و تملّكني الفضول لمعرفة من هو ؟ و لماذا خرج متأخراً و هو بهذه الحالة ؟

تقربّت إليه أكثر حتى مددتُ يدي إليه .. نظر إليّ سائلاً عن سبب مساعدتي ... قلت له : يا عم أنا أراك رجل متعب فما رأيك بان أوصلك لدارك أو أنادي أحداً يساعدني على حملك ؟
ملأت عيناه الألم و كأن دمعاً خُزن فيها لسنين ، فرّد عليّ : و هل يحتاج رجل مثلي ان يساعده احد و أبناؤه موجودين ؟ فقلت له لكنهم ليسوا هنا الآن ؟ ، تنهّد طويلاً ثم قال : و هل الأب بحاجة دائماً لشكوى ليعرف أبنائه ما به ؟ لماذا لا يسألون عن أبيهم إلا للحاجة فقط ؟ طوال هذه السنين أجهدني التعب لأجل رؤيتهم شباباً ثم يأخذون أغراضهم و يرحلون فلا اعرف لهم طريقاً و لا عودةً ؟ بعد كل هذه السنين التي قضيتها لأجلهم ... لا أرى أحداً بجانبي ...
ملئت عيناه الدموع ... حزنت لأمره كثيرا ... و قلت لنفسي ... ما أكثر العاقين ...
قام الرجل على قدميه بكل قوته ... ثم عاد و انحنى من جديد ... ظلّ هكذا ينحني و يقوم دون ان يقبل مني مساعدة ... قلت له إنني استطيع مساعدته فانا كابنته ...رد عليّ بأنني أفضل من ابنته ، فتلك هربت من المنزل بحثاً عن السعادة و كأنني كنت اغتالها لها كل ساعة !! تمعن بوجهي طويلا ، فبادرني سؤال فوري ترى لماذا ينظر إليّ هكذا ؟ رد علي و كأنه قرأ أفكاري : لا تقلقي فأنتِ ستكتبين عني و عن رحلتي هذه ...أنتِ ابنتي فعلاً فكل إنسان طيب هو ابني و سأعتمد عليكِ .. فيبدو لي انك مألوفة الوجه عندي ..قلت و أين تسكن ؟.. ما ان سألته حتى وقع مغشياً عليه ... أصابتني الصدمة ... قمتُ عليه ... ناديته: قم يا عم ... ماذا جرى بك ؟ ناديتُ على من بالشارع فلم أجد احد ... الهي ! ما العمل ؟ لا يوجد إلا حل واحد ... ان اخرج ما بجيبه و اعرف عنوان بيته أو رقم هاتفه ...

أخرجتُ حافظة نقوده ... كانت فارغة تقريباً من المال لكن الحافظة فاخرة !! تجاهلت الأمر و بحثت عن ورقة تفيدني بأمر هذه المصيبة ... وجدت ورقة صغيرة مكتوب عليها بخط قديم : لا تسألني من أنا ؟

ما هذا العنوان الغريب ؟ لا تسألني من أنا ؟ كأنه صياغة لقصة فيلم لشاديه ... فتحت الورقة التي كانت أشبه بالوصية في مظهرها ... قرأتُ أول اسطرها ...

أنا المغلوب على أمري ... من أتعبه الزمان و اخذ منه كل شيء إلا كرامته المهانة ... من تركه أبناؤه ليالي للبحث عن لقمة العيش رغم غناي ... ثروات طائلة لم ينالها أبنائي فقد سُرقت يوماً ما و أصبحتُ معدماً مذ ذلك اليوم ... جفت الدموع من عيني الزرقاويَن ... و أكل الدهر من خديّ الناصعيَن ... داري غريبة و منطقتي اغرب ... أنا من يسكن بداري كردي و سني و شيعي ... و عربي ...فابني عربي ... و زوج ابنتي كردي ... و أنا شيعي و زوجتي سنية... و أم زوجتي مسيحية... و قريبي تركماني ... جاري الساكن أمامي سوري و زوجته أردنية من عمان ... و بجانبي إيراني من أصفهان ... يسكن منذ زمن طويل ... بقربي رجل من أصول تركية ... و على مسافة من داري هناك رجل من الطائف و زوجته من الأحمدي في الكويت...

يبدو ان جميعهم تآمروا مع أقاربي على قتلي يوماً ما رغم عيشنا طويلاً معاً...كانوا يدّعون محبتي و سرقوني ... و كنت أحبهم و اعتدى عليهم أبنائي ... فخرجتُ بمنظر من لا ابن له و لا رفيق ... تلك هي مصيبتي ... انشروها لمن يريد معرفة خبر موتي ...

التوقيع : عريق و فريد
المكان : شريد و بعيد
الزمان : مصيبتي لها في كل يوم شكل جديد !!

إنني أنا .... رفعتُ عيني صارخةً : الستَ أنتَ العراق ؟؟؟؟

...............................................

تعريف لكلمات الحادثة :
العينان الزرقاوان الذابلتان : دجلة و فرات
الخدين المتجعدين : أراضيه المتصّحرة
الحافظة الفاخرة الفارغة : خزان الوطن الثمينة المسروقة
الملابس القديمة : أثاره المنهوبة
أنتِ كابنتي : أصابه التشويش من أبنائه لكثرة مصائبه منهم فلم يعد يعلم من يحبه و من يكرهه منهم ... من هو ابنه فعلاً و من هو يدّعي ابنه تزويراً !!
عدم المعرفة : تغيّرت ملامح الوطن كثيراً !
فانا ابنته فعلاً لكن ليس من صنف العاقيّن المنتشرين اليوم ... كالجراد !! و نلتقي...












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السلام عليكم
طلعت خيري ( 2009 / 9 / 23 - 19:10 )
الزميله ريم شكرا جزيلا وبوركتم .... لم ياتي احدا من بعيد ليمكر بالعراق ... انما مكر به ابناء جلدته ...
قال الشاعر
بلادي وان جارت علي عزيزة**** وقوم وان شحوا علي كرام

المثقف اول من يضحي بمشاعره واخلاصه واخر من يستفيد ... وقد لا سيتفيد

اخر الافلام

.. أحمد فهمي يروج لفيلم -عصـ ابة المكس- بفيديو كوميدي مع أوس أو


.. كل يوم - حوار خاص مع الفنانة -دينا فؤاد- مع خالد أبو بكر بعد




.. بسبب طوله اترفض?? موقف كوميدي من أحمد عبد الوهاب????


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: كان نفسي أقدم دور




.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: -الحشاشين- من أعظم