الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنها العروبة السياسية التي دهستها أقدام الجزائريين والمصريين

سامر سليمان

2009 / 12 / 2
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


في الجزائر دهس غلاة الجزائريين العلم المصري بالأقدام. وفي مصر أحرق غلاة المصريين العلم الجزائري. الحرق هنا والدهس هناك كانا الشكل المتطرف والعصبي لمشاعر ونوازع موجودة عند دوائر أوسع هنا وهناك، لا يمكن فقط تفسيرها بغريزة العدوان التي اعتبرها سيجموند فرويد أحد الغرائز "الطبيعية" للإنسان. الموضوع فيه كثير من السياسة. هذه المقالة هي محاولة لقراءة سياسية لما حدث في مصر والجزائر طوال الأسابيع الأخيرة، وهي قراءة لن تحيط بالطبع بكل جوانب الموضوع ولكن ستلط الضوء على مغزى سياسي مهم للأحداث الأخيرة.

أعتقد أن الاعتداء على العلمين المصري والجزائري في جزء كبير منه هو تصفية حساب مع رموز العروبة السياسية هنا وهناك. فمصر بالنسبة للجزائريين هي عاصمة العروبة الغاربة. فمصر الناصرية التي خذلت الجزائريين بعد أن باعت لهم حلماً من سراب، فهي صدرت لهم القومية العربية وساعدتهم على بعث اللغة التي أزاحها الاستعمار الفرنسي، وصدرت لهم في نفس الوقت الأصولية الدينية التي حملها مدرسو اللغة العربية من الإخوان والمحافظين الذين أراد ناصر التخلص منهم. ومصر التي باعت لهم حلم القوة و"الكرامة والعزة" ("أكبر قوة ضاربة في الشرق الأوسط" كما كانت الدعاية الناصرية تقول) لاقت هزيمة يندى لها الجبين على يد "العصابات الصهيونية". أصيبت الناصرية في مقتل لدرجة أن الخليفة الذي اختاره جمال عبد الناصر – السادات - أدار ظهره لإيديولوجية القومية العربية والخليفة الثالث – مبارك- وإن كان قد أوقف مسيرة السادات في تصفية العروبة إلا أنه أنه عندما تشتد الشدائد يضطر لرفع شعار "مصر أولاً". القومية العربية هُزمت في مصر وبات العلم المصري بالنسبة لبعض الجزائريين رمز العروبة المنكوبة.

والعلم الجزائري بالنسبة للمصريين هو بالمثل رمز من رموز العروبة. فالجزائر – بلد المليون شهيد – كما تعلمنا في المدارس، هو أيقونة التيار العروبي السياسي، لأن مصر الناصرية العروبية كان لها نصيب من نصر جبهة التحرير الوطني الجزائرية لدرجة أن النظام الجزائري الوليد بعد الاستقلال استورد ايديولوجيته السياسية من مصر، بل وقام بتلحين نشيده الوطني بواسطة ملحن مصري هو الفنان محمد فوزي.

إذا صح هذا التحليل يكون السؤال هو لماذا تدوس الجماهير في البلاد العربية رموز العروبة. المصري الذي يكره العروبة هو يكره جزء من نفسه. فكل الكلام عن فرعونية مصر يظل كلاماً نظرياً طالماً ظل مكتوباً باللغة العربية. بعبارة أخرى، من المثير للرثاء أن يهاجم المصري العروبة وهو لا يقرأ ولا يكتب إلا بالعربية وربما بعض الانجليزية "المكسرة" أو الجيدة على حسب التساهيل. ومن المثير للرثاء بالمثل أن يناصب الجزائري العداء للعروبة حتى لو كان أمازيغياً لأن الأمازيغي الذي يريد أن يقطع كل روابطه بالعروبة عليه أن يتخلى عن الإسلام. فالمسلم له ألا يعرف العربية لا أن يحتقرها، لأنها اللغة التي نزل بها القرآن.

في الحقيقة الرموز العروبية التي تسقطت هي رموز العروبة السياسية أو السياسة التي تدثرت برايات العروبة. العروبة السياسية تدهسها الأقدام لأن النظم السياسية التي رفعت راية العروبة قد ماتت كما في العراق أو تحللت كما في سوريا والجزائر ومصر أو تأسلمت كما في السودان. العروبة السياسية تمضي غير مأسوف عليها من الشعوب، لأنها استولت على السلطة بانقلابات عسكرية واحتفظت يها بالإرهاب والعنف، ولأن التنكيل بالمعارضين السياسيين من اليمين واليسار وتهميش واضطهاد الأقليات قد تم باسم العروبة أو بتسامح العروبيين السياسيين معها، كما حدث لأكراد العراق، وأمازيغ الجزائر، وجنوبي ودارفور السودان، ويهود وأقباط ونوبيي مصر. العروبة السياسية تمضي غير مأسوف عليها لأنها تحالفت مع بعض العسكر في كل بلاد العرب، وأقامت نظماً سياسية فاشلة خربت مجتمعاتها.

العروبة السياسية تقول أن الوحدة العربية هي مفتاح التقدم والحرية في البلاد الذي يسكنها أغلبية من العرب. شعار حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا هو "وحدة، حرية، اشتراكية". فالوحدة تسبق الحرية والاشتراكية (أي تسبق التقدم الاقتصادي والتحديث) كما هي تمهد لهما. صحيح أن العروبة الناصرية اختلفت في ترتيب الأوليات، وطرحت شعار "حرية، اشتراكية، وحدة"، بحيث تسبق الحرية والاشتراكية الوحدة، إلا أن ناصر استسلم لمزايدات "الأشقاء" عندما قبل بالوحدة مع سوريا عام 1958، ولأنه وضع مقتضيات الوحدة قبل مقتضيات الحرية والاشتراكية فتورط في حرب اليمن كما في حرب 1967. هذه العقيدة السياسية التي تضع مقتضيات الوحدة قبل أي شيء أخر ماتت من زمن، وكانت لحظات حرق العلم الجزائري في مصر ودهس العلم المصري بالأقدام في الجزائر هي مجرد تعبيراً رمزياً عن واقع تشكل بالفعل.

العروبة السياسية ماتت لأن العسكر العرب اليوم لا يريدونها، لأنها تدفعهم إلى خوض معارك خاسرة هم في غنى عنها، ولأن رجال الأعمال الذين لديهم مصالح في بلاد عربية أخرى، يفضلون اليوم لغة البزنيس والأرقام والمصالح عن الشعارات الإيديولوجية. العقائد السياسية تموت عندما لا تجد قوى اجتماعية تتبناها. إذا كان لهذه الإيديولوجية أن تنبعث من جديد عليها أولاً أن تقوم بنقد ذاتي لتحالفاتها مع العسكر ولميولها السلطوية ولممارساتها التكفيرية ضد خصوما السياسيين. وعليها ثانياً أن تبحث عن جماعات اجتماعية تتحالف معها.

وإذا كانت العروبة السياسية قد فقدت العديد من مرتكزاتها في مصر كما في الجزائر، فإن العروبة الثقافية لها أرضية صلبة، هي اللغة العربية ذاتها التي تظل هي لغة مصر الأساسية ولغة الجزائر الأهم. العروبة الثقافية ستدوم ما دامت اللغة العربية وما دام سوق للمنتجات الثقافية يتخطى الحدود الوطنية لبلاد المنطقة. يخطئ من يظن أن العروبة السياسية هي ضمان للعروبة الثقافية، لأن الحقيقة أن سجل العروبة السياسية في توطيد العلاقات الثقافية بين العرب محدود النجاح. ألم تؤدي الأزمة السياسية بين مصر والجزائر إلى قرارات بالمقاطعة الثقافية أعلنها بعض الفنانين المصريين؟ العروبة السياسية لم تنقل إلينا أي تراث فني مهم لشعب الجزائر، فانجازاتها لا تتعدى استيراد صوت وردة الجميل بعد تركيب عليه أغاني باللهجة المصرية. الموسيقى الجزائرية الجميلة التي اجتاحت مصر في السنوات الأخيرة لم تأت من باب العروبة. كاتب هذه السطور لم يتعرف على دحمان الحراشي، أو ليلي بونيش أو إدير أو معطوب الوناس أو شاب خالد وشاب مامي وغيرهم إلا من خلال الوسيط الفرنسي أو الفرانكوفوني. الأغنية الجزائرية لم تصل مصر إلا عندما كسرت الدنيا في فرنسا وفي البلاد الفرانكوفوية. الحقيقة أن العروبة الثقافية تم اخضاعها واستنزافها من قبل العروبة السياسية. فليكف السياسيون العرب عن تخريب العلاقات الثقافية بين الشعوب، ولتتوقف الدعاوى التافهة في مصر إلى مقاطعة الجزائر ثقافياً. أنا عن نفسي لن أضحى بالفن الجزائري الجميل لمجرد أن النظم السياسية التي كانت بالأمس تقول لنا أننا أشقاء أصبحت اليوم تقول أننا لم نعد كذلك. النظم والسياسات السلطوية زائلة، أما الثقافة والفن الحقيقي فيدوم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نعم للعروبة الثقافية والاقتصادية ايضا
إلهامي الميرغني ( 2009 / 12 / 4 - 02:46 )
فالجزائر هي جزائر الطاهر وطار ومحمد شكري والأخضر حامينا وغيرهم من المبدعين الجزائريين الذى امتعوا كل العرب والعالم بفنهم وذوقهم الرفيع ، لقد كان الأدب الجزائري والسينما الجزائرية بعيدة عنا لسنوات بفعل حكومات العسكر
كما اننا لاى نعرف الا السينما الأمريكية اين السينما الفرنسية والالمانية وسينما امريكا اللاتينية بل واين السينما المغربية خارج مهرجانات الصفوة

ان احترام الخصوصية الثقافة مهم لأن لدينا امازيغ في سيوة وهم جزء من
النسيج المصري وكذلك احترام التنوع الثقافي كميزة وليس كعيب او سبة
ولكن العنصرية المقيته وانكار الآخر هو ما دفع للكثير مما نعانيه.

ولكن اسمح لي ان اطرح ان التكامل الاقتصادي العربي هو الوسيلة الوحيدة لمواجهة اعاصير العولمة الرأسمالية المتوحشة ولكن تكامل رجال الأعمال لم يحقق المطلوب .
بل يعزي البعض الصراع الأخير لخلاف بين ال مبارك وال بوتفليقة علي صفقة تجارية واي كان السبب فإن تكامل الأدوار الاقتصادية وسيلة لدعم الاقتصاديات العربية لبعضها البعض .

اخر الافلام

.. عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف قطاع الطائرات المسيرة


.. ماكرون يدعو لبناء قدرات دفاعية أوروبية في المجالين العسكري و




.. البيت الأبيض: نرعب في رؤية تحقيق بشأن المقابر الجماعية في قط


.. متظاهرون يقتحمون معهد التكنلوجيا في نيويورك تضامنا مع جامعة




.. إصابة 11 جنديا إسرائيليا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة ا