الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تركيا الكمالية ونواياها السياسية في المنطقة

صلاح كرميان

2002 / 6 / 29
القضية الكردية


1-2

 

 

مدخل:

في هذه الايام وفي اعقاب الهجوم الامريكي على افغانستان وازاحة نظام طالبان، يجري الحديث عن افغنة العراق، اي شن الحرب على العراق على غرار ما جرت في افغانستان و تتناقل الاخبار تصريحات الرئيسس الامريكي والمسؤولين الامريكيين الاخرين حول ضرورة اسقاط نظام صدام لكونه يشكل خطرا على دول الجوار واعتبار النظام العراقي احد الانظمة الداعمة للارهاب ويشكل محور الشر مع كل من ايران وكوريا الجنوبية حسب التعبير الامريكي. وهنا لا نتطرق الى النوايا الحقيقية لامريكا، بل سنتاول الدور الذي تحاول تركيا الكمالية ان تلعبه في السيناريو الذي ترسمه امريكا للمنطقة بشكل عام وللعراق على وجه الخصوص، حيث تحاول تركيا الكمالية ( والتي هي عضوة في معاهدة حلف شمال الاطلسي " ناتو"  وتعتبر احدى الدول المجاورة للعراق التي يهمها الشأن العراقي) التدخل المباشرفي رسم الخريطة السياسية لعراق ما بعد صدام، تارة باسم الحرص على وحدة العراق واخرى تحت ذريعة حماية التركمان، دون أي اعتبار لمشاعرالجماهير العراقية ليس لاسباب تتعلق بمستقبل العراق او مصالح شعبه الذي عانى الويلات والمأسي على يد الطاغية صدام، بل لتخوفها الشديد على تحقيق مطاليب الشعب الكردي في كردستان العراق التي تعارضها تركيا الكمالية بشدة، لانها ستكون دعما لقضية الاكراد في كردستان الملحقة بتركيا.                         فيما دفعت تركيا بقواتها لغزو جزيرة قبرص لمساندة قبارصة الاتراك وقامت باقتسام الجزيرة واقامة حكومة موالية لها في جزءها الشمالي وساهمت في رفد القوات المشتركة لحلف الناتو في تدخلها في النزاع في " كوسوفو " وتدعم الحركة الانفصالية في الشيشان لوجود اقليات عرقية موالية لها، نرى انها تتبع سياسة الارض المحروقة في كردستان الخاضعة لها وتحرم سكانها من ابسط الحقوق بل وتنكر هويتهم القومية وتطلق عليهم " اتراك الجبال ".                                      

لمحة تاريخية     

في اعقاب انهيار الامبراطورية العثمانية التي دامت اكثر من 600 عام والتي كانت تسيطر في اوج قوتها على جنوب شرقي اوروبا و معظم دول الشمال الافريقي و دول غرب اسيا، ومنذ تأسيس الدولة التركية الحديثة من قبل مصطفى كمال باشا الملقب بأبو الاتراك " أتاتورك " على طرازالانظمة الغربية وقيامه باحداث التغييرات في النواحي الاقتصادية والسياسية و الاجتماعية واللغوية واقامة ما يسمى بنظام علماني قومي على غرار النظام الفاشي في ايطاليا والنظام النازي في المانيا اللذان ظهرا في الربع الاول من القرن الماضي واسسا كيانين قوميين في اوروبا ، دأبت تركيا الكمالية على اتباع  سياسة قومية عنصرية وشوفينية. منذ ذلك الحين وتركيا تستمر في نهجها بفرض سياسة الاستبداد والقمع ضد كل الشعوب الغير ناطقة باللغة التركية كالاكراد والارمن والسريان والعرب والاقليات العرقية الاخرى كاليونان واليهود القاطنيين في اسطنبول والمدن الساحلية التركية. وقد مارست السلطات التركية المتعاقبة سياسة التتريك والتطهير العرقي بكل وحشية، ولغاية يومنا هذا لايزا ل الشعار                                        

NE MUTLU TURKIM DIYENA  " كم سعيد من يقول انا تركي "

الذي اطلقه اتاتورك هو النهج المتبع في تركيا ويمكن للمرء ملاحظته اينما يذهب في المرافق الرسمية والمدارس والساحات العامة في المدن التركية قاطبة وبالاخص المناطق الكردية. ذهب الارمن ضحايا السياسة الشوفينية للاتراك عندما ابيد ما يقارب مليون ونصف مليون ارمني في مجازر رهيبة دبرت لابادتهم جماعيا في السنوات الاخيرة من الحكم العثماني. طالت تلك السياسة الاقلية اليونانية كذلك فكان نصيبهم التشرد والتعرض الى النهب والسلب خصوصا بعد اندلاع الحرب مع اليونان سنة 1922. ثم جاء دور الاكراد حيث اتبع سياسة لاانسانية في التعامل معهم بغية مسح هويتهم القومية بابادتهم وتشريدهم من مناطقهم وخاصة بعد انهيار ثورتي " آرارات " و درسيم في الثلاثينات من القرن الماضي. شملت تلك السياسة اليهود من سكان اسطنبول كذلك عندما تعرضوا الى معاملة قاسية من الكماليين سنة 1934 ( اي قبل قيام دولة أسرائيل عام 1948)، كما واستمرت تركيا في مواصلة سياستها العنصرية بحق الاقليات القاطنة في اسطنبول حيث بدأت حملة الابادة ضدهم سنة 1955 وضد سكان انطاكيا من المسيحيين وسكان الاسكندرون من العرب ومرة الاخرى ضد اليونانيين في اسطنبول سنة 1964 اذبان ازمة قبرص مع اليونان.                                                                                                

تركيا الكمالية وحلف شمال الاطلسي واسرائيل

 

على الرغم من تلك السياسة التي اتبعتها ولاتزال تتبعها السلطات التركية، نرى ان تركيا تحظي باهتمام شديد من قبل امريكا ودول حلف شمالي  الاطلسي " ناتو". ففي سنة 1947 اعلن  ترومان الرئيس الامريكي حينذاك في الوثيقة المعروفة بأسمه والتي ارسلها الى الكونغرس الامريكي صراحة ضرورة تقديم المساعدات الى تركيا للدفاع عن نفسها ضد التهديدات الداخلية والخارجية التي تتعرض لها، لذلك قدمت ملايين الدولارات من المساعدات والمعدات العسكرية  الى تركيا للوقوف ضد الخطر الشيوعي والتي كانت تقصد بها بالدرجة الاساس المنظمات العمالية والفلاحية والحركات الوطنية والمطالبة بالاشتراكية والديمقراطية المدافعين عن حقوق العمال والحريات السياسية والثقافية لشعوب تركيا. ففي سنة 1950 استلمت تركيا ما قيمتها 200 مليون دولار مع ارسال 1200 مستشارعسكري امريكي، كما وخصصت مبلغ 8 بلايين دولار للفترة من 1950 الى 1979 على شكل اسلحة وبرامج تدريبية لتقوية القوات المسلحة والشرطة التركية وتم ارسال عشرات الالاف من الاتراك الى امريكا لتلقي الدورات التدريبية الخاصة. تقول احدى وثائق وزارة الداخلية التركية علانية بانه يمكن لتركيا الاستفادة من تلك المساعدات لمحو الوجود الكردي، وذلك باظهار الاكراد لدى الامريكان كونهم مصدر الخطر الشيوعي حتى ولو كان ذلك خلاف الواقع لعدم وجود دلائل تنفي ذلك، يجب العمل على تبيان الحركات الكردية كحركات شيوعية بغية استمرار تدفق تلك المساعدات. لنفس الغرض كانت امريكا تهيمن على قرارات حلف المعاهدة المركزية " سانتو " المعروف بحلف  بغداد الذي كان يضم كل من تركيا وايران وباكستان وبريطانيا وكانت تقدم الدعم الكامل لتركيا وايران للقضاء على الحركات الكردية المسلحة.                                                        

 

        انضمت تركيا الى الحلف الاطلسي سنة 1952 كدولة تحتل موقعا استراتيجيا يمتد من روسيا ودول القفقاس ولها سيطرة على مضايق بحر الاسود والبحر المتوسط وبامكانها ان تخدم حلف الناتو كواجهة امامية  في الشرق الاوسط. توجد في توركيا قيادتان مركزيتان للناتو في مدينة ازمير وتتعهد دول الحلف بالدفاع عن تركيا ضد اي تهديد تتعرض له، كون تركيا تتميز باهمية بالغة من النواحي الجغرافية والاقتصادية والعسكرية وكونها عضوة في كثير من المنظمات الاقتصادية والتجارية الدولية التي تتحكم بها امريكا والغرب. ان اغلب القادة العسكريين الاتراك قلدوا الاوسمة والانواط من قبل البنتاغون تثمينا لادوارهم في الحفاظ على المصالح الامريكية.   

 

                     أما المانيا التي هي احدى دول الناتو، فقد ساهمت ولا تزال في ابداء التعاون وتقديم كل اشكال المساعدات الى تركيا وخصوصا لتشكيلات المخابرات التركية " ميت " في اعداد فرق القتل الخاصة " اويزال تيم " حيث قامت المختصيين الالمان بتدريب تلك الفرق على استخدام كافة الاسلحة ووسائل التعذيب والتخريب وكذلك تزويدهم بالمعلومات اللازمة عن سكان المناطق التي تنفذ فيها تلك الفرق عملياتها الارهابية. اشارت  صحيفة " الترجمان " التركية في عددها الصادر في 1/2/1987 في مقابلة مع ضابط الماني بهذا الصدد، بان الضابط المذكور اشرف على تدريب مجموعتين من افراد تلك الفرق في معسكر قرب العاصمة بون، كما اعلنت الصحيفة الالمانية  "  سوديوشا زايتونغ " في في عددها في 1/4/1987  بأن 3000 من افراد الفرق الخاصة المعروفة باسم الحشرات السود قد تم تدريبهم في المانيا. تساهم المخابرات المركزية الامريكية وبشكل سرى في تقديم شتي انواع المساعدات من التدريب والمال لعصابات الجماعات اليمينية ومنظماتها الخاصة المعاية للاكراد والتنظيمات اليسارية، وخاصة ما يقوم به حزب الحركة القومية الفاشي وعصابات الذئاب الرمادية الارهابية بتهيئة عصابات القتل " كونتر غاريلا " ورفد الفرق الارهابية الخاصة بعناصر من اعضائهم لتنفيذ اعمال القمع والارهاب في كردستان الخاضعة تحت سيطرة تركيا، وان هذه العصابات نفسها تدير شبكات تجارة المخدرات والمواد المهربة بالتعاون مع المافيا الدولية وباشراف وكلاء المخابرات المركزية وذلك لتمويل افرادها وادراة عملياتها الارهابية المناطة بها لخدمة المصالح الامريكية والاطلسية في المنطقة.                                                         

في هذا السياق كرر الرئيس الامريكي السابق بيل كلنتون تصريحات كبار المسؤولين الامريكيين باهمية دور تركيا في كونها في مقدمة الدول التي تخدم السياسة الامريكية اذ تعتبر ثالث اكبر الاسواق للتجارة الخارجية الامريكية حيث بلغت حجم التبادل التجاري بينهما الى اكثر من بليونين دولار، فيما ان تركيا عضوة في كل من المفوضية الاوربية  لمنظمة التنمية والتعاون الاقتصادي ومنظمة التعاون والامن الاوربي، كما وانها عضوة في منظمة التجارة العالمية وفي سنة 1991 وقعت تركيا اتفاقية التجارة الحرة مع المجموعة الاوروبية. على الرغم من انتهاء الحرب الباردة التي اعطت اهمية خاصة للدور التركي، لاتزال دول الناتو وخاصة امريكا تعتمد على تركيا في تنفيذ سياساتها من اجل الحفاظ على مصالحها في الشرق الاوسط وافغانستان واسيا الوسطى والقفقاس ودول البلقان. ان السماح  للطائرات الامريكية والبريطانية باستخدام قاعدة " انجيرلك " الجوية في جنوب تركيا بحجة توفير المنطقة الامنة لحماية الاكراد في كردستان العراق، لهو خير دليل على حقيقة الدور المناط بتركيا، بينما تعارض تركيا جهارا وبشدة اية صيغة من الصيغ التي من شأنها منح الاكراد حقوقهم بما فيها الحكم الذاتي في اية بقعة من اراضيهم وامريكا تغض النظر عن جرائم جنرات الجيش التركي في عمليات الابادة الجماعية في كردستان الخاضعة تحت سيطرتهم حيث ان اكثر من 3000 الاف قرية قد تم تدميرها وتم تشريد اكثر من مليونين من سكانها وراحت الالاف غيرهم ضحايا سياسة الارض المحروقة التي تنتهجها ولا تزال السلطات التركية  بالمساعدة المباشرة من امريكا وبقية دول الناتو واسرائيل كما تمت الاشارة اليها سلفا.                                                                                     

تتجه السلطات التركية الى صرف مبلغ 25 بليون دولار لتطوير قواتها المسلحة، وتأتي اسرائيل في مقدمة الدول المستفيدة من هذه الفرصة الى جانب امريكا وبالاخص بعد عقد الاتفاقية العسكرية بينهما في شباط 1996 والتي اعقبتها معاهدة التعاون الاستراتيجي الصناعي والعسكري والتي بموجبها يسمح احد الطرفين للطرف الاخر استخدام القواعد العسكرية والجوية وتبادل المعلومات الاستخبارية فيما بينهما، وكذلك بمقدورالطائرات الاسرائيلية بموجب المعاهدة الطيران على طول خطوط الحدود الفاصلة بين تركيا وكل من سوريا وايران والعراق بهدف جمع المعلومات العسكرية. احد العقود التي ابرمتها تركيا مع اسرائيل هو بمبلغ 750 مليون دولار لتطوير كفاءة طائرات اف 4، اف5 و تجهيز الرادارات ذات التقنيات الحديثة مع تطوير القدرات العسكرية لتركيا وانتاج الصواريخ المختلفة. في هذا السياق سبق وان اعلن اسحق مردخاي وزير الدفاع الاسرائيلي  السابق في اجتماع ثلاثي في وزارة الدفاع الامريكية " البنتاغون" بعد توقيع المعاهدة  بان التعاون الثنائي بين البلدين كان مبعث ارتياح لامريكا وان علاقاتنا مع تركيا هي امتداد للتعاون الاستراتيجي الذي يجري بالمشاورة مع امريكا.                  

                                               يتبع..................                                                                          

 

[email protected]

صلاح كرميان/ سيدني

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمين العام للأمم المتحدة للعربية: عملية رفح سيكون لها تداع


.. الأمين العام للأمم المتحدة للعربية: أميركا عليها أن تقول لإس




.. الشارع الدبلوماسي | مقابلة خاصة مع الأمين العام للأمم المتحد


.. اعتقال متضامنين وفض مخيم داعم لفلسطين أمام البرلمان الألماني




.. الحكم بإعدام مغني إيراني بتهمة «الإفساد في الأرض»