الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الملك .. بلوتوث!!

الصديق بودوارة

2010 / 1 / 22
العولمة وتطورات العالم المعاصر



(1)
لم يخطر في بال ( بلو توث ) ملك الدانمرك الذي حكمها مابين 910 ـ 940 أن يصبح اسمه مقترناً بالاستباحة والعموم وكشف المستور على هذا النحو الذي يُمارس الآن .
(2)
انها ثقافة النقيض اذاً ، فمن كلاسيكية الملكية المتزمتة الى طبيعة البلو توث المتحررة المنفلتة من كل قيد ، ولعل سخرية القدر شاءت أن يطلق اسم الملك الغابر للدانمرك القديمة على هذه التقنية الشيطانية التى انطلقت في زمن قياسى تدك حصون التحفظ دكاً لم يحلم به أكثر دعاة الانفتاح على مسلمات المحاذير المؤبدة ، لكن هذه ليست المفارقة الوحيدة .
( 3)
الملك ( بلو توث ) كان قد حظي بهذا اللقب الغريب الذي يعني اسمه حسب الترجمة الحرفية للكلمة ( الناب الأزرق ) نظراً لأنه كان مختلفاً عن بني جلدته الشقر البيض بسحنته الداكنة وشعره الأسود ، لكن البلوتوث ( التقنية ) أثبت استعداه للتلون بشتى الألوان وانتهاج كافة السبل للوصول وكشف النقاب ، وهناك أيضاً مفارقة أخرى .
(4)
البلوتوث ( الملك ) قُتل في معركة مع ابنه الذي تمرد علـى سلطانــه ، والبلوتـوث ( التقنية ) بذرة متمردة على كافة السلطات ، فلا مجتمع الأم ولا سلطة الأب ، ولاحتى هيبة الدين بإمكانها كبح جماح هذه التقنية التي تحررت حتى من وسائل الاتصال العادية وامتطت موجات الراديو وشرعت ترسل عبرها الصور الثابتة والمتحركة كاشفةً بذلك مستور الغرف المغلقة ، ناشرة غسيل الإنسان على مرأى ومسمع من الدنيا كلها .
(5)
( البلوتوث ) أيضاً يحمل رائحة الثقافة المفروضة ، لأن الشركات التي ابتدعت هذه التقنية هي شركات اسكندنافية في الأصل ( النوكيا ) من فنلندا .. و ( أريكسون ) من السويد .. لذلك وعندما فكرت بإطلاق اسم على اختراعها الكبير اختارت أن تصدر لنا اسماً لشخصية تاريخية اسكندنافية هي شخصية ملك دانمركى فصرنا نردد ليل نهار اسم ملك الدانمرك مؤكدين بذلك أن التقنية ابنة مطيعة للثقافة .
(6)
( البلوتوث ) .. ثقافة العصر .. كلمة السر التي مكنت الأجهزة الصماء من السعي نحو بعضها البعض ، انها تتعرف على بعضها ، ويبحث الواحد منها على الآخر ثم يتواصل معه مرسلاً اليه ومستقبلاً منه ، هكذا دون حواجز أو موانع ، يحدث هذا رغم انف الملك الميت منذ مئات السنين .
(7)
( بلوتوث ) .. لا محل للستر بعد اليوم .. انه اختراع دائرة الضوء التى تفضح ما يتكتم على سره الظلام ، فالنقل هنا لا يقيم وزناً للمادة موضوع التداول ،انه ينقلها فحسب وهنا بالتحديد موضع الصخب ومحل النقاش .
(8)
تمكن هذا الاختراع من اجتياح حدود المسموح به والممنوع عليه ، انه يقدم لنا نموذجاً لفضاءٍ لا يؤمن بقبعات العسكر ولا حواجز الأسلاك الشائكة ، ولا يقيم وزناً لثقافة حرس الخليفة المتأهبين على بابٍ مغلق مدجج بالأسرار ، فالبلوتوث هو تقنية معدة بإتقان للفضح ، وكأن من تفننوا في صنعه كانوا يقصدون منذ البداية تحطيم حواجز التكتم والدعوة الى نشر مفاهيم إباحة المعلومات حتى ولو كانت هذه الإباحة تشمل الأسرار البالغة الخصوصية .
(9)
في عالم يسيطر فيه البلوتوث ، تصبح الدنيا صغيرة حقاً ، اصغر من قرية ، وهل ثمة من قرية تستطيع الاحتفاظ بسرها لأكثر من دقائق معدودات ؟ البلو توث أضيق صدراً من أية قرية في العالم ، فهو لا يحتفظ بسرك إلا ريثما يستطيع نقله إلى آخر ، أو بالأحرى آلاف آخرين .
( 10)
السؤال الآن .. ما هي حدود الكون بالنسبة لحدود التقنية ؟ شخصياً لا أعرف إلى أين ستتوقف بنا عربة هذه المعامل المثابرة ، وأنتم ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -عفوا أوروبا-.. سيارة الأحلام أصبحت صينية!! • فرانس 24


.. فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص




.. رمى المقص من يده وركض خارجًا.. حلاق ينقذ طفلة صغيرة من الدهس


.. انقلاب سيارة وزير الأمن القومي إيتمار #بن_غفير في حادث مروري




.. مولدوفا: عين بوتين علينا بعد أوكرانيا. فهل تفتح روسيا جبهة أ