الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنقلاب 8 شباط 1963 البعثي الفاشي الدموي

عدنان الظاهر

2010 / 2 / 8
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


[[ لمناسبة إنقلاب الثامن من شباط 1963 ]]


شباط 1962

حين كسروا رأسي
وتناثر دمي على رصيف شارع الثقافة والمكتبات
دنا منّي ملازم الإنضباط البعثي الفاشي ( شريف صبيح )
ـ مسدسه العسكري الضخم يتدلى من حزامه ـ
قال ، ووجههُ الجميلُ يقطرُ لؤماً وجبناً ونذالةً :
(( تستاهل )) أكثر .
تركَ ميدانَ المعركة مُسرِعاً
وكان العريفُ المسلّحُ يجري كالكلب خلفه.

في الطريقِ إلى مركز الشرطة
إعترضتُ سيارة متصرف اللواء ( المحافظ ) خيري الحافظ
ـ عقيد متقاعد ومتآمر سابق ـ
لم يتبينْ سائق سيارته ملامحي ـ وكان زميلاً لي في الإبتدائية ـ
كذلك نائب العريف حمدان... مرافق السيد المحافظ
كان الدمُ الحار ما زال يسيل بغزارة
قلتُ للمحافظ هل أستأهلُ هذا ؟
ـ وأشرتُ إلى رأسي النازف وملابسي المغطاة بالدم ـ
إفتعلَ الجِدَّ وهزَّ رأسهُ الضخم موافقاً.

خلالَ ساعةِ إستجوابي دخلت عصابةُ الحرس الأسود
وأمام حاكم التحقيق وضباط الشرطة بنجومهم اللامعة
وجّهوا لي إهانات كلامية سوقية. لم يعترض أحدٌ من المسؤولين
وكان علمُ الدولة ما زال يرفرفُ فوق السطوح.

في غرفة العمليات الكبرى في المستشفى الجمهوري
خدّرني الطبيب المُناوب وخاط جروح رأسي
ـ وكنتُ ما زلتُ أنزفُ بين يديه ـ
تناهى إليَّ فجأةً صوتُ شقيقتي باكيةً تصرخُ
أين أخي ؟؟ قتله الفاشيست ؟؟
رجوت طبيبي أنْ يفتحَ الباب كي تراني جريحاً
لا قتيلاً
دخلت فرأتني مُمَدداً غارقاً في بِركةٍ من دم
لطمتْ وجهها وناحت وبكتْ
طلبتُ منها الرجوع إلى البيت
قلتُ لها لم أُقتّل بعد ، لكنهم سيقتلونني فيما بعد !!

في منتصف الليل...
جاء حاكم التحقيق السيد ( فاروق محمد السامي )
زميل الدراسة الثانوية
أيقظني من نومي وكنتُ ما زلتُ تحت تأثير المُخدِّر
قرأ عليَّ أمراً لم أفهم فحواه ثم قال : إنكَ موقوف !!
أمر شرطياً جاء معه أنْ يضع القيود في معصمي
وأن يأخذني مقيّداً إلى حُجرة التوقيف !!
ـ حتى في المستشفيات حُجرٌ للموقوفين ـ
ربطوني بالسلاسل إلى قوائم سرير الحديد
أطفأوا النور ومضوا .

سمعتُ عند الفجر صوتَ المرحومة والدتي
تحاول إقناعَ الشُرَطي حارس الموقف بالدخول لرؤيتي
وبعد شِجارٍ عنيف
دخلتْ مع شقيقتي تحملان لي فطوراً وشاياً
أمسكت والدتي بالسلاسل ثم قالت :
(( أَمُصابٌ ويخشونك ؟؟ ))
(( مزنجليك يمّه بالحديد ))
فأنشدتها للجواهري :

سلامٌ على مٌثقَلٍ بالقيودِ
ويشمخُ كالقائدِ الظافرِ

كأنَّ القيودَ على معصميهِ
مفاتيحُ مستقبلٍ زاهرِ


شَفيتْ جروحُ الرأسِ والصدر
فإستأنفتُ التدريسَ في المدرسة المتوسطة
على ساحل نهر الفرات
أُدرِّسُ الكيمياء وعلم الأحياء وسحرَ بابلَ
وشرائعَ حمورابي والمسيح ومحمد وماركس
قام طالبٌ ضئيل الحجم وإقتربَ منّي ثم قال :
هذه ساعتكَ أُستاذ
ساعتي !! أين وجدتها يا صباح مهدي السعيد ؟؟
أجهشَ صباح مهدي السعيد بالبكاء
أعدتُ عليهِ سؤالي : أين وجدتها ؟؟
قال بين الدموع والنشيج :
كنتُ أُراقبُ ما دار بينك وبين عناصر العصابة السوداء
في المقهى ، قريباً من مكتبة أبي
رأيتكَ جريحاً تنزفُ بغزارةٍ
وكنتُ أبكي أراكَ وحيداً ولا مَن يُدافعُ عنك
{{ تذكّرتُ الحُسينَ في كربلاء }}
إلتقطتُ ما وقعَ منك
فإذا هي ساعتكَ التي تضبطُ بها حصصنا المدرسية .
شكرتهُ . واصلَ البكاءَ والنحيبَ حتى كدتُ أنْ أبكي معه
طلبتُ منه مغادرة حجرة الدرس ليغسلَ وجهه
رفضَ...
وضعَ رأسهُ على ذراعهِ وظلَّ ينتحب بصوتٍ عالٍ.

من خلال الدم الذي سال منّي غزيراً
وما تبعَ ذلك من محاكمات وتوقيفات ومحاكم
رأيتُ أنَّ الدولةَ وكلَّ البلاد آلتْ إلى أيدي
> التي خططتْ لقتلي
رمزاً لحرية التنظيم النقابي في مسقط رأسي :
جبهة العهد الملكي والدين وحزب البعث والقوميين والوحدة
نوري السعيد + الحكيم + عفلق + ناصر
((( علامَ وكيف يجتمع هذا الخليط الغريب ))) ؟؟!!
........... ؟!

أما الزعيمُ الأوحد ....
فكان وحيداً يحصِّنُ عرينه في وزارة الدفاع
[[ هل كان حقّاً فوق الميول والإتجاهات ؟؟ ]]
كان العراق... كل العراق في وادٍ
وكان الزعيم الأوحد
وحيداً .... في وادٍ آخر .

8 شباط 1963

وظلَّ العراقُ ينزف ....يتوقّع... لكأنما ينتظر
ينتظرُ حلولَ كارثة اليوم الثامن من شهر شباط 1963
ليرى حريته ومصيره يتوقفان على معركة واحدةٍ فقط
تدور حول وفي قلعة الأسد الحصينة
وليسمع أنَّ الزعيمَ الأوحدَ يستسلم للخصوم
ولا يموتُ كما أُستشهِدَ عبد الكريم الجدّة ووصفي طاهر
ولا ينتحر كما فعل قادةٌ قبله خسروا معاركهم
وإنه يُساوم من أجل إنقاذ رأسه
ثم يؤخذُ في مدرّعة عسكرية أسيراً حاسرَ الرأس
ليُعدَمَ في مبنى الإذاعة والتلفزيون في بغداد
ويراهُ العالمُ قتيلاً وسطَ بركةٍ من دم
محاطاً بأجسادِ ثلاثةِ ضبّاطٍ قتلى
كانوا آخرَ من تبقّى معه في معركة وزارة الدفاع
وظلّوا معه حتّى لَحَظات الحياة الأخيرة :
طه الشيخ أحمد وفاضل عبّاس المهداوي
والملازم الشاب كنعان خليل.

البيان العسكري رقم 13

حرسٌ قوميٌّ أسود
دم...دم... دم... دم ... دم.... دم....

جسد الزعيم يطفو
على سطح نهر ديالى
ثم يغوصُ عميقاً في قاع النهر

ويغرقُ العراق بالدمِ والسواد
ويظلُّ غارقاً ....
حتى اليوم !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حتى لاننسى
ابو العلا العباسي ( 2010 / 2 / 8 - 08:30 )
لنلعنهم في صبيحة هذا اليوم الاسود... 8 شباط, لنلعن البعثيين قتلة العراقيين ومخربي العراق وقاتلي الانسانية والاخلاق, يجب ان يحاكم التاريخ حزب البعث والبعثيين كما حوكم القتلة النازيين في نورنبرغ, حتى لاينسى شعبنا ظلم البعثيين يجب فضحهم والمرور علىجرائمهم كل يوم كي يعرف ابناءنا والاجيال القادمة ان هناك طاعونا اسود ضرب العراق في موجتين قاتلتين واهلك الحرث والنسل وان يجب التلقيح والمناعة ضد هذا المرض الوبيل حتى لايضرب بلدنا بموجة وبائية ثالثة حيث لاتنفع الوقاية ولاعلاج ناجع للشفاء منه.ا


2 - تحية للدكتور عدنان الظاهر
خالد عبد الحميد العاني ( 2010 / 2 / 8 - 20:22 )
في عام 1967 إلتقيت بأحد ضحايا 8 شباط وهو مواطن كان موظفا في وزارة الري قبل إعتقاله بعيد إنقلاب شباط وأبلغني أن من قام بإعتقاله هو إبن مدينته وكان يعمل موظفا معه وتربطه به علاقات زمالة وصداقة تعود لأيام الطفولة ولا تشوب علاقاته به أية شائبة بالرغم من إختلاف المواقف الفكرية والسياسية. يقول عن تجربته أنه صدم لموقف زميله منه وممارسته لصنوف الأهانة والشتائم ولا تفسير لديه لمابدر عن صديقه. تدور الدوائر ويسقط البعث في تشرين 63 وبعد خروج صاحبنا من المعتقل إلتقى جلاده فأبلغه الجلاد عن السبب وهي التربية البعثية الفاشية والتي غرست في ذهنه شهوة الأعتداء وكسر الرقاب. إنه البعث فلا وجود لبعث صدامي وأخر غير صدامي فكلهم ينهلون من منابع مدرسة ميشل عفلق وفكره الوضيع.

اخر الافلام

.. مفاوضات القاهرة بين الموقف الاسرائيلي وضغط الشارع؟


.. محادثات القاهرة .. حديث عن ضمانات أميركية وتفاصيل عن مقترح ا




.. استمرار التصعيد على حدود لبنان رغم الحديث عن تقدم في المبادر


.. الحوثيون يوسعون رقعة أهدافهم لتطال سفنا متوجهة لموانئ إسرائي




.. تقرير: ارتفاع عوائد النفط الإيرانية يغذي الفوضى في الشرق الأ