الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الليبرالية المتطرفة والعلمانية المستبدة

رائد قاسم

2010 / 3 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تعرف العلمانية بأنها نظرة تنظيمية لدور الدين والقيم الروحية في المجتمع ، وتعرف الليبرالية بأنها نظم الحريات العامة ، ومن الممكن أن يتطرف طرح كلا المفهومين تأصيلا وتطبيقا كأي مفاهيم ونظم أخرى في المجتمع الإنساني ، فالعلمانية من الممكن أن تكون متطرفة إذا ما أصبحت شكلا واضحا من أشكال محاربة القيم الروحية وإقصائها الشامل، وسن تشريعات وأحكام قضائية متناقضة مع حيثياتها وجذورها اللاهوتية ، وتتطرف الليبرالية أيضا عندما تتجاوز منظومة الحريات العامة الأنماط الاجتماعية المكونة للنسيج الاجتماعي والقيمي الاستراتيجي .
ومن الأطروحات التي تناقلتها وسائل الأعلام الالكترونية ما عرضته الكاتبة وجيه الحويدر من مطالبتها للنساء السعوديات بترك الحجاب بكافة أشكاله ، بدعوى انه ليس من الدين ، وبأنه استعباد وقهر ، ومن وجهة نظري فان دعوى الناشطة الحقوقية وجيهة الحويدر تتحرك من منطلق متطرف لليبروعلمانية ، تمثل ردة فعل غير واعية على التطرف الديني السائد في العالم العربي، إذ لا يمكن اعتبار نساء إفريقيا وأمريكا اللاتينية وبعض دول أسيا التي تديرها أنظمة استبدادية ، بأنهن يتمتعن بحرياتهن وحقوقهن الإنسانية لأنهن فقط لا يرتدين الحجاب ! ولا يمكن اعتبار النساء والفتيات الفرنسيات من الجالية المسلمة من الالتي يخضن معركة حق ارتدائهن للحجاب في فرنسا بأنهن إماء لأنهن يرتدينه ، وخاصة إذا كن يرتدينه كقناعة دينية ، وفي إطار الحرية الشخصية التي من المفترض أن يكفلها القانون.
إن الحجاب بغض النظر عن وجوبه وعدم وجوبه في الشرع الإسلامي، والجدل الدائر حوله، فانه في الإطار القانوني المعاصر جزء من الحرية الشخصية والقناعة الذاتية التي يكفل ممارستها القانون ، والحجاب بشكله المعتدل لا يشكل عائقا أمام الإنتاج والإبداع وكافة أنواع المشاركة والمساهمة في التنمية والأعمار ، وكل امرأة تريد أن ترتدي حجابا يمثل عائقا قانونيا أو اجتماعيا أمام مشاركتها الاجتماعية فان ذلك جزء من الحرية الفردية التي يوفرها القانون أيضا ، فالعالمة السعودية حياة سندي ، امرأة عربية ترتدي الحجاب ، ورغم ذلك فإنها علم يشار له بالبنان ، وفي الخليج العربي تبرز وزيرة التجارة الدولية الدكتور لبنى القاسمي ، وهي مرتدية للعباءة الخليجية التقليدية، وتظهر عدد من النساء الإماراتيات وهن بكامل زيهن الخليجي المتعارف عليه في اجتماعات الحكومة الاتحادية ، بل وتعمل المرأة الإماراتية في سلك القضاء والشرطة والجيش والطيران المدني ، ولم يمنعها الحجاب عن الالتحاق بكافة هذه المجالات ، وتبرز الدكتورة الكويتية معصومة المبارك بحجابها كذلك ، وفي الدول الأوربية تعيش آلاف النساء العربيات من الملتزمات بالحجاب ، ويمارسن حياتهن الشخصية والأسرية والاجتماعية بكل ايجابية واندماج، خاصة وأنهن يلتزمن به في إطار الحرية الشخصية لا الإكراه القانوني أو ضغط العرف الاجتماعي ، إلا إني أتعجب من طرح الناشطة وجيهة المتطرف ، أو لم تسمع عن زوجة مصطفى كمال أتاتورك ، مؤسسة الجمهورية التركية وكيف أنها كانت محجبة! أو لم ترى زوجة رئيس الجمهورية الحالي عبد الله غول وهي بكامل حجابها ، أو لم تقرا عن معركة الحجاب التي خاضتها ضد السلطات التركية بكل تحضر واعتدال، حيث اقتصرت مطالبها بالسماح للمرأة التركية بارتداء الحجاب في المؤسسات الرسمية ، وعندما رفضت السلطات طلبها ، لجأت إلى الاتحاد الأوربي، وعندما فشلت في كسب تأييده ، ظلت مصرة على مواقفها ونضالها في إطار الاعتدال والقانون ، فكل ما تطالب به هو منح المرة التركية الحق في ارتداء الحجاب .
إن دعوى الكاتبة وجيهة الحويدر ومن قبلها الإعلامية نادين البدر تصب في خانة واحدة ، الاستبداد باسم الليبرالية والتطرف باسم العلمانية ، إذ لا يحق لأحد أن يفرض وجهة نظره محاولا تغيير شاملا لمسلمات تشكل إجماعا محكما وجزء من الهوية القيمية والأخلاقية المحورية للمجتمع ، ومن متابعة النهج التي اتبعته الكاتبة وجيهة الحويدر، فأنني أرى إنها محاولة اجتهاد في مقابل النص المحكم ، المجمع عليه والسعي إلى تغييره من دون أدنى إلمام بثغرات التشريع الديني ! حيث إن الأحكام الدينية تنقسم إلى قسمين، أحكام تشكل مدخلا ومستلزما لاعتناق الإسلام ، يقينية الصدور وحتمية الإتباع ، ولا يمكن الاجتهاد في صحتها ، وإنما في مسارات تطبيقها في إطار الواقع ألزماني والمكاني، وهناك أحكام الفقه الاجتهادي ، المبني على الظن والتخمين في إطار منظومة اجتهاد وضعية اصطناعية ، لا يمكن التعويل عليها أو الجزم بصحتها، وهي الثغرة العميقة في الفكر الديني المعاصر .
وقد غاب عن وجيهة انه في جميع المذاهب الإسلامية فرض الحجاب على الحرائر دون الإماء ، بيد إن محاولتها مخاطبة المرأة السعودية من الخلفية الدينية أوقعها في حرج شائك واعتراف ضمني بان الدين يشكل احد القواعد الأساسية والنظم المركزية ، التي تستند عليها البيئة العربية مهما حاولت حصره في نطاق ضيق لا يتناسب مع ما يمتلك من إمكانيات من الممكن تسخيرها في الإصلاح والتنمية .
وبغض النظر عن مدى جدية الإعلامية نادين البدر في رأيها بحق المرأة بالزواج المتعدد والشيوعية الجنسية، فإنها وقعت في مطب مدمر حينما ربطت رأيها هذا بالعلم ! حيث إن الأنظمة الحقوقية الأكثر تطور ورقيا في الدول المتقدمة تحظر على المرأة الزواج بأكثر من رجل واحد ، وبالعكس، بينما تجعل ممارسة الجنس متاح بعد البلوغ في إطار القانون ، حيث يعتبر جزء من الحريات الفردية ، وفي اغلب الدول يحظر الاتجار بالجسد في سبيل الحصول على عائد مالي ، ودعوتها علاوة على كونها ضد العلم فإنها كذلك ضد فطرة الكائنات الحية ، حيث لا تقترن الأنثى إلا بذكر واحد ، إلا ما شد ، حيث لا يمثل الشدود قاعدة يعتد بها، ويتقاتل الذكور للظفر بالأنثى في بعض المخلوقات الحية ، وللذكر أكثر من أنثى في العديد منها ، إلا أنها أصرت أن يكون اتجاهها هذا مربوط به ، في دلالة على المأزق الذي يمر به الفكر الليبرالي العربي بشكل عام، بيد إن نادين وغيرها لها مطلق الحرية في إن تترك الإسلام أو المسيحية أو اليهودية وتعتنق إي دين وثني ( كما في النيبال ) وتتزوج بعشرة رجال دفعة واحدة إن أرادت! ولكن أن تفرض قناعتها على أكثر من 4 مليار موحد ما بين مسلم ومسيحي ، وعربي وعجمي وإفرنجي يرفضون زواج المرأة المتعدد ، فهذا ليس سوى استبداد مبطن باسم الليبرالية وطغيان باسم العلمانية ، يدلل عليه محاولة قلب الأحكام الدينية القطعية ،والسيرة الاجتماعية الإنسانية ، والسنن البشرية المتوارثة بحكم الفطرة والطبيعة .
وتطالب وجيهة بحرمان الرجل من الزواج بأكثر من امرأة ، وهذا ما لم تفعله حتى دولة إسرائيل، فعندما يقر الرجل المسلم العربي برغبته الرجوع في أحواله الشخصية للتشريع الديني فانه يسمح له بالزواج بأكثر من امرأة وفقا للشريعة الإسلامية ، وفي بريطانيا يحق للمسلم والمسيحي واليهودي الاحتكام للقضاء الديني في قضايا الأحوال الشخصية ، ومن ضمن ذلك الزواج المتعدد، وذلك فيما يسمى بالأحكام البديلة ، حيث يوقع على وثيقة يوضح فيها رغبته بالرجوع إلى المحاكم الدينية ، وعلى التزامه بأحكامها القضائية ، وهذه المحاكم معترف بها في بريطانيا وإسرائيل كذلك !! فهذه الدعوة ليست سوى شكلا متطرفا موغلا بالاستبداد ! ولا يقوم على أي منهجية علمية يعتد بها ، ففي إيران يحظر الزواج بالثانية إلا وفقا لإجراءات قانونية ، لا تشكل بأي حال إقرارا شرعيا بحرمة الزواج المتعدد ، وكذا في الكثير من البلدان العربية ، كاليمن وتونس، ولو جاءت دعوة وجيه الحويدر في نطاق الالتزام الاختياري بأحكام الأحوال الشخصية المدنية ، الذي يحظر الزواج المتعدد من دون موافقة قضائية ، أو موافقة الزوجة الثانية ، أو حتى حظره تماما ، لكان الأجدى بها ، إذ إن كلا من وجيهة ونادين كان عليهما طرح أنظمة قضائية بديلة في إطار من التوازن الاعتدال ومراعاة وجود تيارات أخرى في المجتمع ترغب بهذه الأنماط الحقوقية والأطر القضائية والتشريعية ، ولكنهما ايغلتا في التطرف والشذوذ.
إن من أهم مميزات القانون المدني مراعاته للأنماط الاجتماعية المختلفة والمتضاربة والمتزاحمة ، ويعتبر آخر ما توصل إليه الفكر البشري من ابتكارات حضارية ، وارى إن التنظيم المدني الحل الاجذر والأنجع للمجتمع العربي، ولعل تجربتي الشارقة ودبي مثالين نموذجيين للاعتدال والتنوير في المنطقة العربية، ففي الشارقة يحظر على المرأة مثلا التبرج وفقا للتعريف القانوني للتبرج ، ولكن في نفس الوقت لا تجبر النساء على ارتداء الحجاب.
في دبي مساحات الحرية بمساراتها المختلفة أوسع نطاقا من الشارقة، وذلك يعود إلى الكم الكبير من الأنماط الاجتماعية التي تعيش فيها إذ انه كلما تعددت الأنماط الاجتماعية تطلب ذلك حتمية شمولها في منظومة الحريات والحقوق ، لذلك فان الكثير من المفاهيم الإنسانية وقواعدها التشريعية ومعاييرها القانونية نسبية وغير مطلقة ، لا يمكن إخضاعها لمعايير ثابتة ومقاييس جامدة وقواعد واحدة.
إن الحرية بالنسبة للمرأة ليست بإجبارها على ارتداء الحجاب أو خلعه ، وإنما تكمن في حقها ارتداءه من عدم ارتداءه ، عندما أكون في دولة ما تجبر النساء على ارتداء الحجاب فسوف أكون أول من يدافع عن حقهن في خلعه، وعندما أكون في بلد يلاحق النساء لارتدائهن الحجاب ، ويحظر عليهن حقوقهن لأنهن محجبات ، فأنني سأكون أول المدافعين عن حقهن في ارتداءه بكافة أشكاله وأنواعه .
علينا معاشر الليبروعلمانيين في عالمنا العربي الكبير أن لا ننسى نبي الحرية الخالد " فولتير " عندما أوصى بان يكتب على ضريحه " هذا قبر فولتير عدو المتطرفين الدينيين والطغاة الملاحدة" .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سؤال؟
أوروك ( 2010 / 3 / 23 - 21:38 )
السيد الكاتب عنوان مقالتك فضفاض جدا لذا حاولت ان تمرر من خلاله أفكارك المتزمته بدعوى احترام القوانين الأجتماعية والنظم التشريعية ونظم الاستبداد الديني القائمة في المنطقة وعلى راسها هذا النظام السلفي المشوه الذي يسمى مملكة ال سعود القامعة للحريات والرافعة لسيف التسلط الاحمق على رقاب الناس المساكين والمصدرة لافكارها الخرفة لجهات العالم الاربع وكأن لا احد سواها يرى الحق ولاعبة سيرك الدين المتطرف الاعمى في حلبة العالم العربي هل يكفي هذا الجواب لا واضيف دولة القهر الاولى في العالم بلا منازع والخارقة الاولى لحقوق البشر والمواطنة سالبة الحريات ومفرقة الجماعات ومشتتة المسلمين اينما وجدوا متحدين ومصدرة فتاوى القتل الجماعي للبشرو الانسانية جمعاء -كل هذا لأن وجيهه حويدر ونادين بدر دعتا السعوديات الى نزع الحجاب هما يعلمان جيدا ان لا أذن ستصغي وحتى ان صغيت المراة السعودية فلن تستجيب بسبب الة القمع الداخلي الموجودة في السعودية هما اذن يسجلان موقفا للتأريخ لا اكثر ويحركان الماء الراكد الاسن بحجر صغير عسى ان يتحرك الضمير البشري ليضم صوتا الى صوتيهما هذا كل ما في الامر ولا ضرورة لمقالة طويلة بلا طائل


2 - نحن ارفع حتى جاهليا من ان نخضع لوصاية غربية
حمادي بلخشين ( 2010 / 3 / 24 - 09:21 )
،
فالعلمانية من الممكن أن تكون متطرفة إذا ما أصبحت شكلا واضحا من أشكال محاربة القيم الروحية وإقصائها الشامل
هذا بعض ما ورد
اقول رادا
لا يمكن و لا يعقل و لا يتصور للعلمانية ان تكون غير متطرفة أي غير ذات مخلب و ناب و اسلاك شائكة و حراب، اذا ما اريد لها التطبيق في عالمنا الاسلامي وهذا ما يحدث بالضبط. لأن العلمانية كمنظومة حياة كاملة ذات رؤية مادية صرفة تحتاج الي كامل الفضاء الذي يحتله الإسلام كي تحقق ذاتها فالغمد الوطني لا يتسع لغير العلمانية أوالاسلام.
ـــــــــ
الليبرالية تقتضي الحرية التي تسلبها العلمانية... يمكن ان تكون علمانيا بشكل نظري اما اذا شاركت في السلطة فسيتحتم عليك ان تكون رهينة غربية اي الة مسلوبة الإرادة يستعملها الغرب لضرب شعبك و هتك قيمه و تحقير مقدساته
ـــــــــــــ
انظر ما يحدث من تطرف علماني في تركيا، فالحجاب ممنوع و بنات اردوغان يدرسن في امريكا كي يلبسن الحجاب .. دع عنك زوجة غول فقد سمح لها بالحجاب لانها ختيارة
ــــــ
الإسلام ليس حجابا فقط بل تشريعا
فاجبار دولة ما على تبني غير تشريعها الذي يعبر عن شخصيتها هو عين التطرف العلماني الكريه

مع تحياتي


3 - اول القصيده كفر
محمد البدري ( 2010 / 3 / 24 - 10:28 )
يبدا المقال بقول غير صحيح هو : تعرف العلمانية بأنها نظرة تنظيمية لدور الدين والقيم الروحية في المجتمع ، وتعرف الليبرالية بأنها نظم الحريات العامة. بهذا فقدت المقالة مصداقيتها من البداية. فالتعريفات الخاطئة والانطلاق منها كفيل بالوصول الي نتائج خاطئة. وهذا ما وضع الكاتب في مأزق لانه مضطر حسب واجبه الذي اختاره كاول واجباته بان يدافع عن خلع النقاب والحجاب لان هناك من يقمع المرأة بارتدائه وهو القرآن نفسه قبل ان يكون هناك دستور او حكومة او اولي امر يجبرون احدا علي ارتدائه.


4 - على الماشى
احمد ( 2010 / 3 / 24 - 11:27 )
اعتقد من وجهة نظرى ان الاسلام نهى المراة ان تتخذ ملابسها لغرض التبرج وهذا الاصل
اى ان اللباس العادى المحتشم لااعتراض عليه سواء كان جلباب او فستان وفقا لحضارة الزمان والمكان وماتراه ملائما للذوق العام
ولايلزمها بازياء القرن السابع وبيئته وهذا الذى نشاهده الان من تلوث بصرى
وتقبلوا مرورى

اخر الافلام

.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها


.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الدكتور قطب سانو يوضح في سؤال مباشر أسباب فوضى الدعاوى في ال


.. تعمير- هل العمارة الإسلامية تصميم محدد أم مفهوم؟ .. المعماري




.. تعمير- معماري/ عصام صفي الدين يوضح متى ظهر وازدهر فن العمارة