الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استغفلونا

محمد كشكار

2010 / 4 / 1
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


استغفلونا ونحن صغارٌ وعلمونا أن العرب كانوا قبل الإسلام جاهلين وفاسدين ومنحطين. اخبرونا بأنهم كانوا يعيشون في حروب طاحنة، ويتقاتلون بسبب وبدون، وإنهم قتلة ومتوحشون. ثم عرفنا أنهم لم يكونوا كذلك أبدا، فقط فئة قليلة منهم كانت تفعل ذلك مثل سائر شعوب العالم في تلك الزمانات. الحقيقة التي تعمدوا إخفاءها عنا أنهم كانوا يعيشون في أجواء إلى حد كبير حرة و ديمقراطية، وكان كل واحد منهم يحترم معتقدات الآخر. كانوا متعددي الأديان والطوائف. بينهم الوثنيين والمجوسيين والحنفيين واليهود والمسيحيين وعابدي الشمس والملحدين، جميعهم عاشوا في وئام وانسجام. كانت الحريات الشخصية والحريات الدينية مقدّرة ومحترمة، ولا احد له شأن بالآخر. كانوا أناس يهتمون بالثقافة والشعر ولديهم مهرجانات ثقافية وتسوق دورية مثل مهرجان "المربد" ومهرجان "عكاظ"، حيث يأتي إليها كل من يهمه الشأن الثقافي ويرغب في التعرف على منابع الأدب والفن والشعر، وإنهم كانوا يقدّرون الشعر، وعُرف عنهم مسابقة القصائد المعلقة التي سُميت بالمعلقات. القصيدة التي تنال رضا واستحسان الأكثرية تـُعلق على ستائر الكعبة بجانب ألهاتهم لعام بكامله، وأن من أشهر شعراء ذاك العصر وأكثرهم قريحية امرئ القيس، والنابغة الذبياني، ولبيد بن ربيعة العامري، وعنترة بن شداد.

* استغفلونا ونحن صغارٌ وعلمونا أن المرأة في الجزيرة العربية في زمن ما قبل الإسلام والذي يُسمى "بعهد الجاهلية" كانت محتقرة وليس لها أية قيمة في قبيلتها أو بين رجال عشيرتها. وان الإناث يوأدن في مهدهن لأنهن عار. لكن عرفنا انه فئة من الناس كانت تمارس تلك السلوكيات وليست ظاهرة اجتماعية، وانه ثمة منهم من يقتلون إناثهم وذكورهم على حد سواء خشية الفقر وليس العار كما ذُكر في أية 151 الإسراء "وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَـٰقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا." أيضا تيقنا أن المرأة كانت رمز الآلهات التي يعبدونها، فكانت مقدرة ولها مكانة كبيرة بين القبائل ذات الصيت والسمعة الحسنة، ولها دور سياسي واجتماعي بارز مثل "هند بنت عتبة" و"سجاح بنت الحارث بن الأسود"، وفي الشعر والثقافة "ليلى الأخيلية"، و"الخنساء" و"مية بنت ضرار بن عمرو الضبيه" وغيرهن. وانه كان لها حقوق في بعض القبائل نفس حقوق الرجل، حيث تمارسها بحرية في الحياة العامة والخاصة، إلى درجة انه كان يحق لها تعدد الأزواج أسوة بالرجل، وانه كان الأبناء ينسبون لها ويحملون اسمها مثل الصحابي "الزبير بن صفية" و الشاعران "عمرو ابن كلثوم" و"زهير بن أبي سلمى"، وثمة قبائل تـُنسب لنساء مثل قبيلة بني "عذرة" التي اشتهرت بالحسية والغزل حيث قالوا عن أنفسهم "نحن من قوم إذا أحبوا ماتوا." ينحدر من تلك القبيلة شاعر الغزل الناعم "جميل بثينة"، ونُسبت إلى النساء أيضا تضاريس جغرافية مثل "وادي فاطمة" و"جبل سلمى" حيث يقطن فيه من اعرق القبائل العربية "بني شمّر".

* استغفلونا ونحن صغارٌ وعلمونا أن اليهود والنصارى والمجوس وأصحاب المعتقدات الأخرى كانوا أعداء للمسلمين منذ ظهور الإسلام، وأنهم أناس أشرار وسيئي الطباع وأرادوا قتلنا والغدر بنا، مع أننا خير امة أخرجت للناس. ثم اكتشفنا أن كل امة تعتقد أنها هي الأمة الأفضل، وان دينها هو الأخير والصائب. وعلمنا أن المسلمين لم يكونوا أفضل من غيرهم، فقد سببوا أذى لغير المسلمين بما يُسمى بالفتوحات الإسلامية. هجموا على الناس الآمنين في ديارهم وانتهكوا حقوقهم، وقتلوهم واجبروا من بقي منهم على اعتناق دين الإسلام أو دفع جزية. أدركنا أن الحروب الإسلامية مثل الحملات التبشيرية المسلحة في بعض أجزاء من العالم، ومثل الحروب الصليبية حيث جيوشها قامت بقتل وتشريد وانتهاك حقوق الناس في تلك الحقبة من التاريخ من اجل فرض دين جديد على الآخر وإجباره على ممارسة طقوسه.

* استغفلونا ونحن صغارٌ وعلمونا أن الديانة اليهودية ديانة كالمسيحية محرّفة وإنها ديانة تحرض على كره الآخر وإقصاءه، فاليهود يعتقدون أنهم "شعب الله المختار" لذلك تقلصت ديانتهم لأنها غير صالحة، لكننا عرفنا فيما بعد بأن الديانة اليهودية ليست ديانة تبشيرية، لذلك لم تُنشر بالسلاح مثل الإسلام والمسيحية، وأنها هي أول ديانة سماوية توحيدية وإنها الأصل، وان المسيحية والإسلام أديان مقتبسة منها مع بعض الرتوش هنا وهناك، فالسيد المسيح (عليه السلام) كان يهودياً، وأن السيدة خديجة ذات الغنى والنفوذ زوجة النبي محمد (عليهما السلام) ربما كانت مسيحية، حيث أن عمها "ورقة ابن نوفل" حبر وقس جليل من قساوسة المسيحيين، هو من ساند الرسول (صلى الله عليه وسلم) فكريا واستراتيجياً، وزوجته دعمته مادياً ومعنوياً في بداية بزوغ الدين الإسلامي، حين كان في اشد الحاجة للدعم والمساندة.

* استغفلونا ونحن صغارٌ وعلمونا أن من ثوابت الإسلام "حد الردة" وأن من يترك الإسلام، يحق لباقي المسلمين قتله وإهدار دمه، لذلك قام الخليفة أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) بقتل من ارتدوا بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه وسلم). ثم عرفنا انه لا يوجد أي نص شرعي في القرآن الشريف يبين "حد الردة" فليس له أية دلالة على انه بند في الإسلام، بل العكس نهى القرآن عن إكراه الناس على اعتناق الإسلام حيث ذكر في(آية 256 من سورة البقرة) "لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " وأيضا في آية 144 آل عمران "َمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ" وبالنسبة لحروب الردة كان سببها الحقيقي سياسي واقتصادي وليس ديني، لأن المسلمين الأوائل تمردوا ورفضوا دفع الزكاة، وغير المسلمين كفوا عن دفع الجزية ،مما هزّا اقتصاد دولة الإسلام الوليدة، وخلخل قواعدها، لذلك وجد الخليفة الثاني أن الحل هو مقاتلتهم وإجبارهم على دفع ما طلب منهم من مال.

* استغفلونا ونحن صغارٌ وعلمونا أن غطاء الرأس للمرأة أو ما يُـسمى بالحجاب أمر ديني وفريضة مؤكدة، وانه لا يـُقبل إيمان المرأة المسلمة سوى بقطعة القماش تلك. ثم اكتشفنا أن غطاء الرأس فريضة في الصلاة والحج فقط لا غير، وانه لم يرد ذكر تغطية شعر المرأة في أي نص آخر ديني سواء في القرآن الشريف أو في السنة النبوية، وأن الآية الكريمة من سورة الأحزاب " يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً" كانت بسبب تعرض نساء المسلمين للمضايقات ومحاولة قتلهن من قبل محاربي الدين آنذاك، فكان لا بد من حمايتهن بهذه الطريقة، أي أن الأمر انتهى بانتهاء الحدث. كل ما أمر الله المسلمات به هو "لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ على جُيُوبِهِنَّ" والجيوب هي الصدور، أي أن يكن محتشمات في لبسهن ولا يظهرن مفاتنهن للآخرين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نعم استغفلونا
مايسترو ( 2010 / 4 / 1 - 16:02 )
وليت استغفالنا توقف على الأمور التي ذكرتها هنا فقط، فكل فكرة الأديان الابراهيمية هي استغفال للبشرية وضحك عليها، لكن استفعال الاسلام كان له الوقع الأشد على النفوس، التي أصيبت بأمراض نفسية من جراء هذا الدين، وما تزال البشرية تعاني من تبعات هذا الأمراض حتى اليوم.


2 - الكاتبة هي الناشطة السعودية وجيهة الحويدر
محمد كشكار ( 2010 / 4 / 1 - 16:09 )
أعتذر عن هذا السهو الذي يتمثل في عدم ذكر كاتبة النص المعنون -استغفلونا-و هي الناشطة السعودية وجيهة الحويدر و أطلب بكل لطف من القائمين على هذا الموقع تدارك الخطأ و إضافة اسمها في آخر المقال أو في أوله و شكرا جزيلا و المعذرة للكاتبة على هذا الخطأ غير المقصود و السلام


3 - وجيهة الحويدر هي كاتبة هذا المقال
محمد كشكار ( 2010 / 4 / 1 - 16:16 )
أرجو تغيير اسم الكاتب. أعتذر للكاتبة و للحوار المتمدن عن هذا الخطأ غير المقصود


4 - هل هذا تجديد للاستغفال؟
محمد البدري ( 2010 / 4 / 1 - 21:39 )
من الذي استغفلنا؟ القرآن وكتابات العرب هي ما نتداوله بين ايدينا. هذا الاسلام سنه وقرآنا اتانا بقوة السلاح مع اناس من جزيرة العرب. فكيف نحل هذا اللغز والقول بانهم استغفلونا بالكذب علينا؟ ربما لو ان التخلي كليا عن ما يسمي اسلام وعروبة هو ما نقصده. عندها اتفق معك ان العرب كذبوا ودلسوا والفوا قرآنا ودينا والهه وهو بالفعل ما اعتقد فيه.

اخر الافلام

.. مصطفى البرغوثي: الهجوم البري الإسرائيلي -المرتقب- على رفح -ق


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. تطورات في ملفي الحرب والرهائن في غزة




.. العراق.. تحرش تحت قبة البرلمان؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. إصابة 11 عسكريا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية




.. ا?لهان عمر تزور مخيم الاحتجاج الداعم لغزة في كولومبيا