الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العيب الكبير

ابتسام يوسف الطاهر

2010 / 4 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


وصلني خبر عن تأسيس حركة منحها مؤسسوها اسم (عيب) لتنظم لأخواتها الكثيرات من منظمات المجتمع المدني لمحاربة الفساد السياسي والإداري في العراق .
وكلمة (عيب) هي الأحرف الأولى للكلمات الثلاث (عراق يد بيضاء) وهي حركة تضم عددا من ناشطين المجتمع المدني. اللهم زيد وبارك. قيل إنها حركة تشبه حركة (كفاية) المصرية التي كانت امتدادا لصرخة كوكب الشرق "كفاية بئا تعذيب وشئا". ونذكر انطلاقتهم الأولى بمظاهرات عارمة تصرخ بما كان يعني(كفاية خداع كفاية شقاء، كفاية..ياعين).
فهل ستنفع صرخة (عيب) أمام وزارة الكهرباء التي واصلت مهمة القائد بجعل الكهرباء مكرمة من الدولة بالرغم من انه واجبا على الدولة توفيره بأي طريقة وبشكل يحفظ كرامة المواطن وصحته الجسدية والنفسية؟.
هل تنفع صرخة (عيب) أمام وزارة البيئة التي اكتفت بالتصريحات والمؤتمرات وتركت البلد خاصة بغداد عرضة لهجوم العواصف الترابية والأمطار الغبارية، ولم تبادر بحملات إعادة البساتين ولا تشجير الساحات قبل أن تُزرع مساكن عشوائية؟.
هل تنفع صرخة (عيب) بوزارة الإسكان والأعمار التي وعدت منذ سنين ببناء مجمعات سكنية في الثورة والشعلة وغيرها من المناطق الشعبية لإنقاذ العائلات من العلب السردينية!؟ واكتفت بعد كل هذه السنوات بكنس الساحات لجعلها مرآبا لسيارات النقل وبشكل بعيد عن راحة المواطن.
هل تجدي صرخة (عيب) أمام دوائر الدولة التي لا تهتم بمعاملة المواطن إلا بوصية من فلان أو برشوة تذل الانسان!؟
وقبل ان أفكر بتحرير طلب الانتماء لحركة (عيب).. وقد مُلأت ساحاتنا السياسية والاجتماعية والفكرية والخدمية بكل العيوب التي عرفها التاريخ! قرأت مقال (مناضل أم مغفل) للكاتب (علي دنيف) عن احد تلك العيوب التي جعلت المناضلين الذين ضحوا بالكثير، من اجل الحفاظ على المبادئ والقيم والأخلاق جعلتهم يشعرون كما لو كانوا مغفلين، وقد استغفلهم الساسة وأصحاب الأمر . وهم اليوم يلتفتون لسنوات العمر معتذرين عن تبديدها، معتذرين لأطفالهم الذي حرموهم من كل متع الحياة من اجل اليوم السعيد، يوم الخلاص من النظام البائد والخروج من كهوف الجهل والظلام والحرمان لنور الحرية والعيش الكريم. ينقل الكاتب بعض من رسالة لأحد هؤلاء المواطنين المناضلين: " لسنوات طويلة، كنت أسير بين أهلي وأصدقائي وأقاربي مرفوع الرأس، تحيطني هالة من البطولة والفروسية وأمجاد الزهد والصبر. وكل ذلك بسبب عدم انتمائي للحزب الحاكم، وعدم سعيي للحصول على وظيفة، فذلك السعي يتطلب الانتماء للحزب قبل كل شيء. كان البعض يسمونني مناضلا، وآخرين مجاهدا، وأنا أزهو وأفتخر بجهادي ونضالي وعزة نفسي. وقد عاشت عائلتي حياة التقشف والكفاف نتيجة تقلب الأعمال الحرة واهتزاز أسعار السوق .. و.. امتهنت بعض الأعمال الشاقة وأخرى لا أطيقها، وتركت دراستي الجامعية مبكرا من أجل لقمة العيش الصعبة في ذلك العهد".
هناك الملايين من مثل ذلك المواطن، فهل كانوا مغفلين، دونكيشوتيين، صارعوا طواحين الهواء!؟ أم هو (العيب) الذي غطى العملية السياسية بمعارضيها وقوانينها وحكامها وحتى ديمقراطيتها التي عولنا عليها الكثير؟
سنوات تبخرت من عمر هؤلاء المواطنين الذين لم يكونوا مغفلين أبدا، بل كان لهم من العزة والكبرياء ما لم يقدر أن يهزها ظلم ولا جبروت النظام السابق بكل أسلحة التدمير الذاتي التي أبدعوا باستخدامها. ولا ظلم الحصار الذي فرض عليهم. بل هؤلاء هم من قوّم البلد بعد سقوط الدولة البعثية في 2003، وفراغها من الجيش والدولة التي لم تسمح بنشوئها أمريكا في ذلك الوقت! هم من سير شؤون البلد بعفوية، سلاحهم كان تلك المبادئ والقيم، وحموا مستشفياتها ومراكزها من النهب والسلب الذي سمحت فيه قوات الاحتلال.
ليكون جزائهم بما يمكن أن نعتبره من العيوب الكبيرة، حيث يقول المواطن المناضل ذاك كما جاء في مقال الأستاذ دنيف " .. كنت معارضا مثاليا للنظام، ولم انتم لجهة معينة، وكنت أساند وأدافع عن جميع قوى المعارضة، ولهذا لم أتوجه إلى أية جهة سياسية، وأنا الجندي المجهول للمعارضة. كما أني لم أكن مفصولا سياسيا لأطالب بحقوق أهدرت في وقت سابق. لذا سارعت بمراجعة الكثير من الدوائر بحثا عن تعيين، لكن تجاوزي السن القانونية للتوظيف وقف عائقا أمامي!. وفي نهاية المطاف حصلت على وظيفة بنظام العقد!". أي ليس له تقاعد، ولا مخصصات خطورة، ولا حوافز، ولا إمكانية الحصول على قرض من أي بنك. وفوق ذلك، هو مهدد بالاستغناء عن خدماته بغض النظر عن خبرته وإمكانياته ومهارته وإخلاصه بالعمل.
فهل هذا المواطن ومثله الآلاف كان مغفلا ويجب أن يندم على معارضته النظام وتجنب مكرماته بالوظيفة؟ فمؤسسات الدولة كلها كانت كأنها ملك طابو لعشيرة القائد وتابعيه!
حتما لم يكن مغفلا، لم نكن مغفلين ، نحن من ننتمي لذلك الطابور من الملتزمين بالقيم والمبادئ، لكنه الـ(عيب) في تلك القوانين وفي منفذيها لاسيما الآن في حالة الفوضى والفساد الإداري، تلك العثة التي تنخر بجسد الدولة منذ عقود صارت تسير بسرعة وحرية بكل المفاصل بلا رادع ولا ضمير ولا تنفع فيها صرخات (عيب).
في البلدان التي تعرف وتخشى من كلمة عيب، لو رفضت أي مؤسسة تشغيل مواطن بحجة العمر لعوقبت وغُرّمت وفقا لقوانين تحترم العمر وكرامة المواطن وحقوقه. لذا تلجأ بعض المؤسسات لحيل ما تموه على القانون فتفتعل أسبابا أخرى، لكن القانون وضمائر المخلصين لها بالمرصاد.
ولكن..اذا كان العمر عائقا امام تعيين هؤلاء المواطنين الذين هم أولى بمكافأتهم على تعبهم ومعاناتهم، بالرغم من خبراتهم العالية وحرصهم على العمل أكثر من المتهربين من العمل ويستغلون قرابتهم لهذا وذاك من المتنفذين. لماذا لا يشمل ذلك القانون أعضاء البرلمان؟ الذين تغير القانون بين ليلة وضحاها لتصبح رواتبهم بالملايين.. وتقاعدهم مدى الحياة بملايين أخرى من جيب ذلك المواطن وغيره، بالرغم من فقدان الكثير منهم للخبرة والإخلاص بالعمل!. بل وتحسب لهم مخصصات للأكل والحج والسفر، لكي لا تثلم ملايينهم تلك! أين قانون العمر من هؤلاء!؟ ذلك هو العيب الكبير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -عفوا أوروبا-.. سيارة الأحلام أصبحت صينية!! • فرانس 24


.. فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص




.. رمى المقص من يده وركض خارجًا.. حلاق ينقذ طفلة صغيرة من الدهس


.. انقلاب سيارة وزير الأمن القومي إيتمار #بن_غفير في حادث مروري




.. مولدوفا: عين بوتين علينا بعد أوكرانيا. فهل تفتح روسيا جبهة أ