الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل من مصلحة الحركة الديمقراطية المصرية أن يخوض البرادعي انتخابات الرئاسة في ظل القواعد الظالمة؟

سامر سليمان

2010 / 6 / 28
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


يختلف كاتب هذه السطور مع الدكتور محمد البرادعي في أن دخوله في الانتخابات الرئاسية 2011 بدون تعديل قواعدها الدستورية يصب في خدمة نظام الحكم. في هذه السطور يحاول الكاتب أن يشرح المزايا الكثيرة من دخول الانتخابات.
ما هي الأضرار التي طرحها البرادعي من المشاركة؟
يقول الدكتور البرادعي بما معناه أن الشيء الوحيد الذي يملكه هو ورفاقه هو عدم الاعتراف بشرعية نظام الحكم غير المبني على الاختيار الحر من قبل الشعب. لذلك فدخوله الانتخابات الرئاسية وقبوله المنافسة في ظل الأطر القائمة الظالمة يعني الاعتراف بشرعية الانتخابات ومن ثم بفوز مرشح المجموعة الحاكمة الذي سينتصر بالتزوير. بعبارة أخرى، أن المجموعة الحاكمة تفضل دخول البرادعي الانتخابات لأنه من مصلحتها له أن يفوز مرشحها (الأب أو الابن) على منافس في قيمة وثقل محمد البرادعي بدلاً من الفوز على منافس تافه من المعارضة الضعيفة والتابعة للحكم. ومن هنا فإن دخول الدكتور البرادعي الانتخابات مفيد للنظام أكثر مما هو مفيد للمعارضة الديمقراطية.
هذه الفكرة تحتاج إلى مراجعة للسبب الأتي: إذا كان مفهوم الشرعية يتضمن قبول من جانب المحكوم لحق الحاكم في الحكم كما يتضمن بعض التأييد له، فإن الشرعية في النظم الديمقراطية تقوم أساساً على طريقة اختيار الحكام. فشرعية الرئيس الأمريكي مثلاُ تقوم أساساً على انتصاره في انتخابات نزيهة على منافسه. ولكن الشرعية في النظم السلطوية والديكتاتورية لا تتأسس على الانتخابات. بعبارة أخرى، الشرعية (القبول) التي يتمتع بها الرئيس مبارك لدى قطاعات من الشعب المصري (تزيد أو تنقص) لا تأتي من إيمان هذه القطاعات بأن الانتخابات في مصر نزيهة، وإنما تأتي إما من مصالحها مع النظام القائم، أو من قناعتها بأن التغيير السياسي في مصر قد يأتي بوضع سياسي قد يعصف بمصالحها أو يهدد وجودها ذاته.
ومن هنا فأن دخول الدكتور البرادعي الانتخابات لا يمكن أن يزيد شرعية (التأييد) مبارك ونظامه إلا في حالة واحدة. أن يجرى مبارك انتخابات حرة ونزيهة بشهادة مراقبين دوليين وأن يخوضها أمام خصم حقيقي مثل الدكتور البرادعي ويفوز فيها فوزاً مستحقاً. هنا يمكن للرئيس مبارك أن ينتقل من الحديث عن شرعية الانجاز (البنية الأساسية وغيرها) وشرعية درء المخاطر (الحيلولة دون وصول الإخوان أو المعارضة المغامرة إلى السلطة) إلى الحديث عن شرعية قانونية وديمقراطية. وفي هذه الحالة ستخسر المعارضة فعلاً الانتخابات، وسيخسر البرادعي كرسي الرئاسة، ولكن الرابح الأساسي سيكون مصر التي تكون بذلك قد عرفت أول انتخابات حرة نزيهة منذ أكثر من 60 عاماً. وفي هذه الحالة علينا أن نتقبل أن أغلبية الشعب المصري تريد مبارك، ومن ثم عليها أن تتحمل نتائج ذلك. فالشعوب – بمعنى ما – تستحق حكامها.
ولكن بعيداً عن هذا السيناريو البعيد يجب التأكيد على إن المشاركة في الانتخابات وفقاً للإطار القانوني الموجود بالفعل لا تعني بالضرورة الموافقة عليه ولا التسليم بشرعية الانتخابات نفسها. والدليل على ذلك أن الحركات الثورية في كثير من البلاد كانت تمزج بين المشاركة في المؤسسات القائمة وبين العمل على تغيير هذه المؤسسات. فهل نحن أكثر ثورية من حركات ثورية مثل البلاشفة في روسيا الذين كانوا يشاركون في انتخابات البرلمان؟ نحن نتحدث عن حركة إصلاحية. لذلك فمن الأدعى لها أن تمزج بين المشاركة من خلال الأطر القائمة، والعمل ضدها من خارجها.

ماذا تكسب الحركة الديمقراطية من دخول البرادعي الانتخابات؟

الفائدة الأولى: زيادة نسبة المشاركة والحد من التزوير:

ليس هناك من أحد في مصر أو في خارجها يأخذ الانتخابات المصرية على محمل الجد. لذلك لم يكن من الغريب ألا تزيد نسبة المشاركة في الانتخابات على 20% أو 25% في الانتخابات البرلمانية والرئاسية الأخيرة، مع العلم بأن هذه النسبة مبالغ فيها بفعل التزوير. أظن أن معظم مؤيدي الرئيس مبارك ونظامه لا يصوتون. التصويت في مصر – كما اشارت العديد من الدراسات - يتركز أساساً في الفئات الفقيرة وغير المتعلمة التي تكون الانتخابات بالنسبة لها موسماً للحصول على العطايا والمنح. هذه السلبية الشديدة في التعاطي مع الانتخابات في مصر لا ترجع إلى طبيعة خاصة للشعب المصري. والدليل على ذلك أن أخر انتخابات قبل انقلاب يوليو 1952 وصلت فيها نسبة التصويت إلى 60% بالرغم من الانتخابات في العصر الملكي كثيراً ما كان يشوبها التزوير. لكن الفارق بين انتخابات ذلك العصر وعصر يوليو يكمن في أن انتخابات العصر الملكي كانت تأتي أحياناً ببعض التغيير والذي كان يتمثل في تشكيل حزب الوفد للحكومة.
هذا الضعف الشديد في المشاركة بالتصويت في ظل نظام يوليو لا يرجع فقط إلى تزوير الانتخابات وإنما يعود أيضاً إلى غياب بدائل حقيقية مطروحة أمام الناخبين. فالحقيقة أن تزوير الانتخابات يزيد بقدر ما تغيب الناس عن المشاركة. فإذا كانت الحركة اليمقراطية تريد الحد من التزوير فهي تحتاج إلى دفع الناس إلى الإقبال على صناديق الانتخاب على أساس أن هناك بديل للنظام القائم.
لقد رفض الدكتور البرادعي المشاركة في الانتخابات بناء على تشبيه الانتخابات المصرية بمبارة كرة قدم يتحيز فيها الحكم لأحد الفريقين. فهل يصح الدخول في مبارة معروف سلفاً أن الحكَم فيها غير نزيه وأن نتيجتها شبه محسومة؟ الإجابة في الحالة المصرية نعم. فالمعارضة لا تعلب المبارة فقط للفوز بكاس السلطة، وانما للفوز بإعجاب وتأييد الجماهيرة المشاهدة للمبارة. المعركة في مصر هي على قلوب وعقول الشعب. المبارة الانتخابية في مصر تدور تقريباً بلا جماهير وبلا مشاهدين لأنها تكاد تكون تهريج. لو دخل الدكتور البرادعي الانتخابات فإن ذلك سينقل نسبة التصويت من 20% (بعد التزوير) إلى نسبة أعلى بكثير قد تصل إلى 50%. هذا هو الفوز الأساسي لأنه سيقلب المعادلة السياسية في مصر وسيأتي بالخير ولو بعد حين. إذا كان تلويح البرادعي بالدخول في انتخابات الرئاسة قد أحدث كل هذا الزخم، فماذا يكون الحال لو دخل فعلاً في المنافسة؟

الفائدة الثانية: بناء تحالف ديمقراطي في قلب معركة حقيقية:

المعادلة الأساسية لاستقرار نظام مبارك تقوم على خلل هيكلي في تركيبة المعارضة المصرية يجعل التيار الإسلامي القوة الأساسية فيها. هذه القوة الكبيرة للمعارضة الاسلامية والضعف الشديد للمعارضة المدنية (لبرالية ووسطية ويسارية) هي الضمانة الأساسية لكي تتكتل وراء مبارك جماعات كثيرة (بعض أوساط رجال الأعمال + المسلمين المعتدلين + الأقباط + المثقفين + الفنانين + العلمانيين، جماعات المرأة، الخ) خوفاً من أن تأتي الديمقراطية إلى الحكم بحركة دينية متعصبة ومتشددة تعصف بمستقبل البلاد. هذه الفئات غالباً لا تحب مبارك ولا نظامه. ولكنها تخشى من البديل الأقوى له.
إن دخول البرادعي إلى معركة الرئاسة ببرنامج ديمقراطي مدني فرصة لمحاولة سحب العديد من الفئات التي تصطف وراء مبارك ودفعها إلى المشاركة الفعالة في بناء نظام ديمقراطي جديد. فدخول البرادعي إلى الساحة في الشهور الأخيرة قد أثبت أن هناك بديل أخر غير الإسلاميين. هذا هو المكسب الأساسي من ظهور الدكتور البرادعي. لكن هذا المكسب لن يأتي بفوائده الحقيقة بمجرد التلويح بالمشاركة في الانتخابات، ولكن بالمشاركة فيها وبطرح برنامج قادر على اجتذاب قطاعات كبيرة من الشعب، وبالذات من بعض أوساط الاسلاميين الميالين مؤخراً إلى الاعتدال والتي سأمت من لعبة القط والفأر بين النظام والإخوان المسلمين.
باختصار، المعارضة الديمقراطية تمتلك مرشح قوي قادر على المنافسة على الرئاسة، وهذا ما لا يتوفر للحركة الإسلامية. هذه فرصة تاريخية يجب استثمارها من أجل حلحلة الوضع السياسي في مصر وتصحيح الخلل الهيكلي في المعارضة المصرية بتقوية الجناح المدني فيها. قيام الديمقراطية واستقرارها يقوم على توازن بين قوى سياسية مختلفة. ومن المؤكد أن الاختلال الفادح في موازين القوى بين المعارضة المدنية والاسلامية هو أحد العقبات الأساسية لقيام الديمقراطية في مصر.
المعارضة المدنية والديمقراطية في مصر موجودة، ولكنها ضعيفة ومفتتة. معركة الرئاسة هي فرصة ذهبية لكي تقوى وتتوحد خلف راية واحدة، ومرشح واحد، على الأقل لمرحلة انتقالية.

الفائدة الثالثة: شق تحالف المجموعة الحاكمة:
نظام مبارك ليس الرئيس وأسرته فقط. صحيح هذا النظام يقوم على تحالف ضيق، لكنه في النهاية يمتلك تحالف ما. هذا التحالف ظهرت فيه تشققات منذ فترة ليست بالقليلة. هذه التشققات لا تظهر كثيراً للعيان لأنها تدور كصراعات قصر. فهي لا تجري في الشارع كما هو الحال في إيران مثلاً. دخول الدكتور البرادعي الانتخابات الرئاسية سيساهم في تفاقم تناقضات المجموعة الحاكمة وفي نقل صراعاتها خارج القصر.
يتمتع مبارك بتأييد جزء من جهاز الدولة. فمبارك هو كبير البيرقراطية المصرية. لكن من محاسن الصدف أن الدكتور البرادعي ليس خارجاً عن جهاز الدولة، بل هو إبن لأحد أهم مؤسساتها العريقة وهي وزارة الخارجية. لذلك فهو قادر على الحصول على تأييد قطاع من البيروقراطية المصرية بخطابه العقلاني القانوني. والحقيقة أن الانتخابات الرئاسية هي فرصة لمخاطبة هذا القطاع، وهي فرصة أيضاً لبيان أن مشروع البرادعي ليس هو الفوضى، ولكنه مشروع دولة.. دولة النظام والقانون. هذه الفكرة لا تزال غير ظاهرة في خطاب الدكتور البرادعي. نحن نحتاج إلى مرشح قادر على طرح مشروع دولة، مرشح مدرك أن مصر تمتلك أقدم دولة في التاريخ، وأن أهم ما يمكن أن تقدمه مصر لمنطقتها هو نموذج لدولة/أمة.. دولة راسخة لا محل لتفككها. دولة ضعيفة وتمر بمحنة نعم.. ولكنها في النهاية الدولة الوحيدة في المنطقة التي تحتفظ بنفس حدودها التي قامت عليها أول دولة بها، دولة الوحدة التي تأسست عام 3200 قبل الميلاد.
البيرقراطية المصرية اليوم مفككة ومترهلة، ومن هنا فإن برنامج انتخابي للبرادعي يقوم على إعادة الاعتبار للوظيفة العامة، وعلى إصلاح هيكل أجور العاملين في الدولة هو بالتأكيد قادر على جذب قطاعات منها.
الخلاصة:
إن دخول الدكتور البرادعي الانتخابات الرئاسية القادمة قد لا يأتي بكرسي الرئاسة إلى الحركة الديمقراطية، ولكنه بالتأكيد سيكون قفزة هائلة في نضال الشعب المصري من أجل التحرر.

أعلم العبء الهائل الذي وضعته الظروف على كاهل الدكتور البرادعي. لكن كلي أمل أن يراجع الدكتور البرادعي موقفه وأن يجري مشاورات واسعة مع العقول المخلصة للتطور الديمقراطي لمصر. عله يجد في المشاركة في الانتخابات الرئاسية فوائد تفوق تكلفتها عليه وعلى أسرته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن ينهي زيارته إلى الصين، هل من صفقة صينية أمريكية حول ا


.. تظاهرات طلابية واسعة تجتاح الولايات المتحدة على مستوى كبرى ا




.. انقلاب سيارة وزير الأمن الإسرائيلي بن غفير ونقله إلى المستشف


.. موسكو تؤكد استعدادها لتوسيع تعاونها العسكري مع إيران




.. عملية معقدة داخل المستشفى الميداني الإماراتي في رفح وثقها مو