الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دون رجْع

صباح محسن جاسم

2010 / 7 / 3
الادب والفن


قصة قصيرة

هنا مبعث لأقوام جديدة. يبدأ بالصراخ بأفواه محتجة تنادى بأعلى ما فيها لسد جوع عبر طول تجواب.. داخل نفق طويل ، وصراخ نسوة موجوعات يؤتين العناد لاستجلاب ما خفي من المجهول. هذا الذي يشترط لوجوده البكاء أولا وفي منتهاه. فيواجه بمقاومة مسالمة متماسكة يتوّجها بالضحكة والابتسام. غير أن المرأة العجوز المجرّبة لم تأل جهدا في البحث عن منقذ لعسر ولادة لكنّتها البكر الهلعة المتهالكة على أريكة قريبة من صالة العمليات. ما فتأت العجوز تداري من وضع كنتها فتستر ما انكشف من بطنها المنتفخة كبيضة رخ تحت ضوء خافت في ليلة تنذر بعواصف ترابية لم تفقه عاملة النظافة من رعب ما يدار من تقولات وحديث عن ما يعرف بعاصفة الصحراء فتداري سخرية من على شفتيها فيما تسر زميلتها " وهل بقي فضاء لعواصف جديدة!"
نسوة أخريات فاضت بهنّ قاعة الانتظار، يتوسلنّ الفرَجَ لقريباتهن اللواتي أدخلن الردهات منذ باكر الصباح . رائحة ٌ تبشّرﹸ بالقرية والريف لولا أبخرة بعض معقمات تشرّب بها المكان. دعاءٌ ﹸيسمع على طول رواق المستشفى الجديد وأرجل تطوي الأرض مسارعة بحفايات وأحذية بلاستيكية كالحة الألوان متربة مجهدة لا تلوي على شيء كما لو تفرّ من شيء يلاحقها.
الانتظار كالعادة طويل. أطول بكثير من تلك الباب المنتصبة خلف المرأة العجوز التي لم ينقطع دعاؤها والاستنجاد بالشفيع ، يرتفع كلما تناهى صراخ طلق أحدى النسوة من داخل الصالة ، دون أن تميّز إن كان الطلق لكنتها أم لسواها .
الآ أن ما أثار انتباهها هو تساوق دعائها الاستثنائي والتأوهات الصادرة من الغرفة المجاورة كـأنما يتزامن مع الطلق الصادر من هناك. بدا لها صوت متوسل حنون حتى راحت تكثر من الدعاء مع كل تأوه يهتز له القفل الذهبي المعلق على الباب.
عقربا ساعة الحائط المتميزان بحركتهما البطيئة يتراكبان فتغدو الساعةﹸ كلها عودا واحدا منتصبا. ما حاجتها لساعة هي لا تفقه من أرقامها شيئا؟ يكفي أنها تعرف ماهيّة الصندوق المثبت على الجدار؛ شكل مستدير كوجه "لعّابة" الصغار تتوزعه أذرعٌ تدور حول نفسها دون كلل.
على أن شغلَها ذلك الطَلقﹸ الخاص الصادر من مكان لا يبعد عن ظهرها أشبارا معدودات. فيما راح دعاؤها يخفت كلما وهن التأوه ، من ثم يعلو على نحو مفاجئ حتى يتماهى مع الصراخ الصادر من ردهة الولادة فيكاد يقطع لها أنفاسها ويخرج لها عينيها من محجريهما لولا أن أسقط بالقفل الذهبي على غرة فيطل من وراء الباب رجلٌ بلحية خفيفة بدا عليه الارتباك راح يعدل من وضع ملبسه فيغادر على عجل كاللائذ بالفرار متلفعا صدرية بيضاء يمانع كمها من الاستسلام لليد التي تجاهد للانسلال.
وسط حيرة المرأة العجوز وآلية حركة لسانها بالدعاء هدأ تماما صراخ الغرفة المجاورة بخلاف الصراخ القادم من صالة العمليات الذي أقلق النسوة المجتمعات اللواتي عضضن على شفاههن فيما عيونهن تتوسل النجدة َ والخلاص.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ألصدى
محمد الرديني ( 2010 / 7 / 3 - 12:21 )
قرأت قصتك الجميلة ودعني ادعي انني قاريء جيد ولكن لست ناقدا بل ولا اميل الى قراءة النقد مهما كان بناء خصوصا من جيل السيتينات والسبعينات

اشد على يدك فمساحة التامل واطلاق العنان للافكار جعلتني احلق معها بعيدا
بالمناسبة لي صديق بهذا الاسم فارقته منذ اكثر من 30 سنة فهل هو تشابه اسماء ام .. ان؟؟


2 - ما يهم انك استذكرت صديقا
صباح محسن جاسم ( 2010 / 7 / 4 - 17:15 )
اخي محمد الرديني
مرورك يسعدني ويضيف الى يومي نأمة ذكريات محببة وأنا أحاول عصر ذهني كي أسعف نداءك. نحتاج الى جلسة نعناعية كي ننشط الذاكرة .. ربما جمعتنا بغداد او الديوانية وربما صحراء تذر فيها رياح التغريب. المهم نحن هنا فتمسك بصاحب جديد قبل أن يتسربل من بين أصابعك وتعود تبحث عنه ثانية.
مرحبا بك ..

اخر الافلام

.. الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: تكريمي من الرئيس السيسي عن


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: نفسي ألعب دور فتاة




.. كل يوم - دوري في جمال الحريم تعب أعصابي .. والمخرجة قعدتلي ع


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: بنتي اتعرض عليها ب




.. كل يوم-دينا فؤاد لخالد أبو بكر: أنا ست مصرية عندي بنت-ومش تح