الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإستشراق ومحاولة الإلتفاف على المصطلح

محمد عبد الفتاح السرورى

2010 / 9 / 5
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الأستشراق ...إنه أحد المصطلحات الوعرة فى وجدان وفكر عموم العرب والمسلمين .. وقد لا يجانبنا الصواب عندما نقول أن الفكرالإسلامى العام لم يعرف مصطلحا أشد وعورة من هذا المصطلح (الإستشراق ) ... فما إن يأتى ذكره حتى ترى عروق الكثير من السامعين أو الحاضرين إلا وقد إنتفضت وتنمرت وإستعدت للمقاومة والإنقضاض
ومن هنا جاءت الحاجة الى إعادة صياغة مفهوم جديد لهذا المصطلح والمفهوم الجديد هنا ليس معناه صياغة مصطلح جديد بلفظ آخر ولكن المعنى ها هنا هو أن المطلوب هو صياغة مفهوم جديد فى وجدان العامه تجاه نفس المصطلح لقد أضحى هذا لفظ الإستشراق من أشد المصطلحات كراهية عند عموم العرب والمسلمين كما ذكرنا آنفا
ولكن قبل أن نبحر قليلا فى لجى الأفكار وغباب المعانى يجب أن نطرح السؤال التالى ... لما إكتسب مصطلح الإستشراق هذا المعنى السلبى فى الوجدان ويجيبنا على هذا السؤال الدكتور محمد الشاهد بقوله (كثر الحديث فى العقدين الأخيرين من القرن العشرين عما يسمى فى بلادنا بظاهرة الإستشراق شارك فيه المتخصص وغير المتخصص من يعرف لغلت الإستشراق ومن لا يعرفها فجاء معظم الحديث نقولا عن نقول أخذت ترجمات فيها الثواب والخطأ وأصبح ميدان الإستشراق أو كاد حلا لمن يريد التأليف السريع ؛لا يتطلب من طالبه سوى جمع بعض ما سبق , وتوليفه وتزيينه بعناوين جذابه ترضى ذوق متوسطى الثقافة ) ويؤكد محمد الشاهد أن الباعث لهذا التوجه فى كراهية الإستشراق هو الإعتقاد بأن الإستشراق إنما ظهر للمكر والخداع ومؤازرة الإستعمار كما أنه إرتبط فى أذهان الكثيرين بحركات التبشير فى الشرق
كانت المقولة السابقة هى ما مهد به محمد الشاهد للكتاب القيم الذى خطه الأستاذ الدكتور (على بن إبراهيم الحمد النملة ) وعنوانه الإلتفاف على الإستشراق ... محاولة التنصل من المصطلح

من المهم أن نسوق هنا أن مصطلح الإستشراق قد دخل القاموس الإنجليزى فى عام 1779م الموافق 1204 من التاريخ الهجرى ثم دخل بعد ذلك الى القاموس الفرنسى فى عام 1839م الذى يوافق 1245 من الهجرة وهذا يعنى ان الإستشراق قد تم توثيقه أولا فى القاموس الإنجليزى
ويؤكد الأستاذ على النملة أنه يمكن القول بأن مفهوم الأستشراق هو إسهام علماء ومفكرين غير مسلمين شرقيين أو غربيين فى العلوم الإسلامية وفى تقاليد الشعوب الإسلامية وعاداتها وآدابها بغض النظر عن وحهه هؤلاء العلماء الجغرافية وبقطع النظر عن مكان الشعوب الإسلامية من الأرض وعن اللغة التى تتكلم بها هذه الشعوب بحيث يشمل المفهوم الآسيوين بعامه والأفارقة والعرب من غير المسلمين ... ومما يلفت النظر فى هذا المفهوم أن الصياغة إعتمدت أن العرب من غير المسلمين ممن يتحدثون عن الإسلام بالمنهجية التى يتحدث بها المستشرقون إنما يعدون مستشرقون وهذا التحديد لم يأت من فراغ بل هو مستقى من إحدى الدراسات الموسوعية عن الإستشراق لكاتبها نجيب العقيقى والتى تتضمن فصلا كاملا عن المستشرقين الموارنة وأوردت هذه الموسوعة مجموعة من العرب عدتهم من المستشرقين منهم على سبيل المثال لا الحصر ( المطران بطرس صفير - الأب ميخائيل الفغالى - آل سمعانى - نصر الله شلق ) وليس هذا فقط بل إن مؤلف الموسوعة قد ترجم لنفسه على أنه أيضا مستشرق عربى حيث أنه مارونى عربى ...و يؤكد باحث آخر وهو يوهان فوك فى كتابه تاريخ حركة الإستشراق أن الآب لويس شيخو واحدا من المستشرقين وهكذا نجد أن مما سبق أن صفة مستشرق لا تطلق فقط على غير الناطقين بالعربية أو الباحثين الذين لا ينتمون جغرافيا الى الشرق ولكن من الممكن أن يوصف بها أيضا العرب والشرقيين الذين ينتهجون نفس النهج الإستشراقى فى البحث والتقصى
وتقتضى الأمانة هنا ونحن فى رحاب كتاب (الإلتفاف على الإستشراق ... محاولة الإلتفاف على المصطلح ) أن نقول أن هذا المفهوم عن المستشرقين لم يمر مرور الكرام بل أن هناك من تصدى له ورفضه رفضا قاطعا وفى هذا المقام نسوق شهادة -عمر فروخ- وهو واحدا ممن إهتموا بدراسة الإستشراق حيث يقول أن المستشرق قد لا يكون شرقيا ولا عربيا , مسلما أو غير مسلم إن (محمد على الهندى ) الذى نقل القرآن الى اللغة الإنجليزية ليس مستشرقا بينما القس ج.م.رودل الذى نقل القرآن الى الإنجليزية هو الآخر يعد مستشرقا وكذلك بلاشير الذى نقل القرآن الى اللغة الفرنسية إنما هو أيضا مستشرق وبناءا عليه لا يمكن إعتبار الأب لويس شيخو مستشرق رغم أنه سلك فى التأليف وفى نشر المخطوطات ووقف من الإسلام موقف المتحاملين ومع ذلك لا يمكن إعتباره مستشرق لأنه شرقى الأصل عربى عربى اللغة وكذلك لا يمكن إعتبار الدكتور (طه حسين ) من المستشرقين بأى حال من الأحوال رغم أنه سلك فى كتابته لكتاب (فى الشعر الجاهلى ) مسلك المستشرقين وكان فى كتابه (مستقبل الثقافة فى مصر ) اشد على العرب والمسلمين من نفركثير من المستشرقين .
وبناءا على ما سبق فإن المستشرق من وجهه نظر مقابله يجب أن يكون شخص غير مسلم يرس اللغة العربية وبعض من وجوه الثقافة الإسلامية وأيا كانت وجهه النظر التى يتبناها المتلقى ففى الحالتين سوف تؤدى الى نفس النتيجة والتى تتلخص فى كراهية لفظ الإستشراق ورفض ما يتوصل اليه من نتائج ومقاومة كل سبله فى البحث والإمتناع عن مد يد العون للباحث طالما عرف بميوله الإستشراقية ولهذا كان لابد من البحث عن بديل لهذا المصطلح الذى يتوجس منه الجميع وفى هذا المقام يقول الدكتور رضوان السيد فى نقد الإستشرلق (مع صعود الحركة الإحيائية فى النصف الاول من القرن العشرين وتفاقم سوء العلاقة مع الغرب وثقافته صار الإستشراق بصورة متزايدة جزءا من العلاقة السيئة بين الشرق والغرب وبذلك تضاءل الإهتمام بقراءة التطورات المنهجية الجديدة فى الدراسات العربية والإسلامية فى الجامعات الغربية)
ومنذ أن نشر الدكتور إدوارد سعيد كتابه الذائع الصيت (الإستشراق ) فى عام 1978م ومن قبله عبد الله العروى بحثه القيم الأيديولوجية العربية المعاصرة فى عام 1967 والمستشرقون المعاصرون يحاولون الإلتفاف على مصطلح الإستشراق ؛ ويستبدلون به مصطلحات قد تكون أكثر خصوصية ..ويمضى بنا الكاتب (على بن ابراهيم النمله ) فى توثيقه لحركة محاولات الإلتفاف على مصطلح الإستشراق بتوثيقه للمؤتمر الذى عقده المستشرقون فى باريس عام 1973م وذلك بمناسبة مرور مائة عام على بداية عقد مؤتمرات المستشرقين حيث يؤكد الباحث ان فى هذا المؤتمر دارت النقاشات بل والتصويت على تغيير الأسم ليكون الإسم الجديد للمؤتمر هو ( مؤتمر العالمية الإنسانية الآسيوية) ونقلا عن الكاتب محمد الأرناؤوط المتخصص فى الشأن اليوغسلافى يقول الكتاب أن الاستشراق فى أزمة منذ كتاب أنور عبد الملك (الإستشراق فى أزمة ) وكذلك كتاب إدوارد سعيد مما أخذ بالكثيرين أن يجدوا حرجا من إستخدام مصطلح الإستشراق وأن يستعيضوا عنه ببدائل أخرى مثل (اللغات الشرقية وآدابها ) ( الدراسات الشرق أوسطيه) والسؤال هنا ... هل هذا الإلتفاف الواضح على المصطلح يعنى نهايه المضمون ؟ ومن ثم إزاله هذا المضمون من الخريطة الفكرية المعاصرة وإنتفاء أن يكون الإستشراق عاملا فاعلا من عوامل الحوار بين الشرق والغرب ... السؤال هنا للباحث الدكتور على النملة أما الأجابة فهى للدكتور رضوان السيد حيث يقول ( إن الإستشراق فى حالة ركود فعلا , ولا ينفصل ذلك عن حالة الركود الأقتصادى والثقافى بالغرب القديم لكن ذلك لا يعنى نهاية له , إذ أن الظواهر السالفة الذكر تبقى خارجية لا تمس جوهر التخصص ومتفرعاته إنما يتهدد الإستشراق حقيقة مسائل أخرى فالذين يتحدثون عن نهاية الإستشراق الوشيكة يذكرون ثلاثة أسباب هى
1- تخلف المناهج لدى المسلمين
2- فقدان الخصوصية بين المستشرقين
3- تعدد مجالات إهتماماتهم
وعلى ما يبدو أن عدوى الإستشراق وكراهية الصطلح الدال عليه قد إنتقل الى بعض المستشرقين أنفسهم فلقد تنصل من هذا المصطلح البعض منهم وأورد لنا الكاتب (على النملة ) بعض الأمثلة على ذلك :
فهذا أندريه مايكل يقول أنا لست مستشرقا أنا عروبى . سحرنى الأدب العربى فأنكببت علية بحثا ودراسة
والمستشرق الفرنسى جاك تونى يؤكد أنه مؤرخ للشرق فحسب وليس مستشرقا
ومستشرق فرنسى آخر هو دانيال ريج يعترف صراحة بكراهية المسلمين والعرب لمصطلحى الإستشراق والمستشرقين ويشير الى الغموض الكامن فيهما والى تطابق مصطلح الإستشراق فى الجرس والوزن مع لفظ الإستعمار فى أذهان الشرقيين
أما المستشرقة الرومانية ناديا أنجليليسكو تقر أن شخصية المستشرق أصبحت مشئومه الى حد كبير فى وجدان أهل المشرق
يتضح لنا مما سبق أن الكثير من المستشرقين رفضوا المصطلح وحاولوا الإلتفاف علية .. وهنا يبرز سؤال ماهى ملامح هذا الإلتفاف ؟ تتبلور السمة الأساسية للألتفاف على مصطلح الأستشراق هى توجه معظم المستشرقين الى العلوم الأخرى بجانبها الإجتماعى لاسيما (الأنثروبولوجى ) مما يولد مصطلحا جديدا بديلا عن المصطلح القديم .
أما الدكتور محمد خليفة حسن وهو صاحب كتاب كبير عن الإستشراق فيؤكد أن هجرة مصطلح الإستشراق لا معنى له لأن الإستشراق لا يزال هو التخصص العام فى مجال دراسات الشرق وشعوبه والهروب من التسمية لا يغير من الوضع شيئا ولأن لكل فعل رد فعل فلقد ظهرت فكرة قيام حركة مضادة تعنى بالغرب ثقافة وفكرا وأدبا وعادات وتقاليد مما حدا ببعض المفكرين العرب الى الدعوة الى قيام علم الإستغراب
occiedentalism
وإنبرى الدكتور حسن حنفى ونشر كتابا بعنوان (مقدمة فى علم الإستغراب ) ولقد نبعت الدعوة -آنذاك- من الشعور بأن الساحة العربية الفكرية والثقافية تكاد تخلو من معرفة ثقافية بالآخر والعلم به حيث لم يكن يتعدى العلم بهذا الآخر أن يكون حوارا أو ردا على شبهه من الشبهات التى تحوم حول الشرق ولكنه لم يرقى بأى حال من الأحوال أن يكون علما ممنهجا .
ويقول الدكتور محمد النيرب وهو احد المهتمين بالغرب فى تنظيره لعم الإستغراب (لا أريد أن يكون الإستغراب مثل الإستشراق بل أريد أن يكون أرقى فى التفكير وأنبل فى الأهداف وينبغى أن يكون هدف الإستغراب هو إعطاء القارىء العربى معرفة أفضل وأدق بالبلدان الغربية ودرجة تطورها .
والسؤال الآن -من عندنا - ترى هل نجح ما يسمى بعلم الإستغراب و أثر فى التعامل مع الغرب كما أثرت حركة الإستشراق رغم كل المؤاخذات عليها فى إستبيان العقلية الغربية وفى سبر أغوار المجتمعات الغربية؟
وسؤال آخر يلح على ذهنى ...رغم كل مساوىء الإستشراق وكراهية الشرقيين له ألا يعد الإستشراق علما ساهم بالفعل فى إستبصار الشرق بكثير من مفردات حياته والتى كان من المستحيل عليه أن يصل إليها أو أن يجرؤ على أن يتقول بها .. وهل من الممكن لنا أن نتخيل المكتبه العربية وقد خلت من الكتب التى خطها المستشرقون ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة و17 دولة تطالب حماس بإطلاق سراح الرهائن الإ


.. انتشال نحو 400 جثة من ثلاث مقابر جماعية في خان يونس بغزة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن قصف 30 هدفا لحماس في رفح • فرانس 24


.. كلاسيكو العين والوحدة نهائي غير ومباراة غير




.. وفد مصري يزور إسرائيل في مسعى لإنجاح مفاوضات التهدئة وصفقة ا