الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قانون -يانتا- الاسكندنافي

محمد الحاج صالح

2010 / 9 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


قانون "يانتا" الاسكندنافي
عادت ابنتي من المدرسة باكيةً وأغلقتْ عليها غرفتها. نظرنا في وجوه بعضنا البعض، واشتعلت في رؤوسنا الأفكار. فنحن مهاجرون جدد، وللهجرة ضريبة ثقيلة. بعد إلحاح ووقوف بالباب فتحت لنا، ولمّا سألناه عن الأمر؛ تناولت حقيبتها وأخرجت بحركاتٍ عصبية كتاباً مدرسياً، ثم أشارت على صفحة فيه. وبين دموعها وشهقاتها كانتْ تقول:
ـ لازم نرجع إلى يلدنا "الرقة"... اليوم اليوم.
شرعنا جميعاً بالقراءة
قانون "يانتا"
• لاتعتقد أنك شيء
• لا تفكر أنك مساوٍ لنا بشيء
• لا تفكر أنك أذكى أو أشطر منّا
• لا تتصور إنك أحسن منّا
• لا تتصور إنك تعرف أكثر منّا
• لا تتصور إنك أكبر بشيء منّا
• لا تتصور إنك تليق بشيء أكثر منّا
• لا تتصور إنك تقدر على أن تضحك علينا
• لا تفكر أن أحداً منّا يهتمّ بك
• لا تتصور أبداً أن لديك شيئاً نتعلمه منك
صدمةٌ. ووجوم. نقرأ وننظر إلى بعضنا البعض ونتساعد في فهم الجمل. صدمة... لأننا نعلم مما قرأنا عن البلدان الاسكندنافية قبل أن نأتي، ومما تعلمناه هنا بأن الناس في هذه البلاد يعبدون القانون. القانون عندهم الأعزّ والأقوى والأجدر بالاتّباع مقارنةً بأي شيء آخر. وهاهو مكتوبٌ هنا كلمة "قانون" بحروف كبيرة. أما النص تحت كلمة قانون، فهو نص عدائيّ يُشعر كل واحد منّا أنه المقصود تحديداً. فهو يعتمد على ضمير المخاطَب كفردٍ "أنت"، وضمير الجمع "نحن" المخاطِبين. هذه الـ"نحن" المُرعِبة وتلك الـ"أنت" المَرعُوبة لها صدى في نفوس المهاجرين، وأي صدى! تلقائياً اشتغلت الآلة النفسية. هاهم النرويجيون جَمْعاً يخاطبوننا ويشيرون إلينا واحداً واحداً بإصبع مُهدّدة عبر هذا القانون. ابقَ خارجاً أيها الأجنبي الذي لا يساوي شيئاً! صورةٌ مشهديّة مخيفة. صورةٌ تجعل الواحد يحسّ بالانسحاق وبأنّه صغير وتافه وعاجز ومُحتقر.
لكن مهلاً... لِمَ لا نقرأ ما يتعلّق بهذا القانون. شرع أفراد العائلة بالبحث في الانترنيت والقواميس. أما أنا فقلبْتُ صفحةَ الكتاب المدرسيّ وبدأت أقرأ.
شيئاً فشيئاً، كلمة من هنا وكلمة من هناك اتضحت الصورة. فهذا القانون ليس قانوناً. هو نتاج عقل الكاتب الروائي الدانمركي "آكسل ساندموسا" Aksel Sandmose. وهذ القانون "النصّ" جاء في روايته "اللاجئ الذي يقطع إثره" En flyktning krysser sitt spor والمنشورة في عام 1933. هذا القانون هو أفكار سكان بلدة "يانتا" المُفترضة من قبل الكاتب والواقعة في السويد. تتلخّص فكرة الرواية في أنّ الجمع الذي هو "نحن" سكّان بلدة "يانتا" لا نقبل أحداً غريباً بيننا، ولدينا من الوسائل ما يجعله مُستلباً مَنبوذاً ومحتقراً. والكتاب المدرسيّ النرويجي يتناول هذا "القانون!" من زاوية إدانته وليس تمجيده.
آنها هدأنا بعد توتّر. خمدت النار في صدورنا ورحنا نتبادل الابتسامات كما لو أننا ندين تصوّرنا الأوّلي الذي شدهنا وأرعبنا. لكن ثمة جمرة بقيتْ تَنِسّ. ومع مرور السنين اكتشفنا أننا لم نكن مخطئين تمام الخطأ، وأن الجمرة التي ظلت تعسّ في نفوسنا هي الحدسُ الغامض الذي أنذرنا باكراً.
صحيحٌ أن قانون "يانتا" ليس بقانونٍ صادر عن سلطة تشريعية، وإنما هو "قانون" صدر عن أعماق نفسيّة ووجدانية لكاتب. لكن صحيح أيضاً أن كثراً هم الذين يؤمنون ويتبنّون ويمارسون هذا "القانون" هنا. كثيرون يحفظونه ويعملون به بسريّة وصمت مثيرين للغضب والخوف بآن. قانون "يانتا" أقوى "قانون" غير معترف به رسمياً في اسكندنافيا لأن من يتّبعونه وإن لم يكونو أكثرية عددية، فإنهم دود الخل الذي ينخر في هذه البلاد الجميلة والمتقدّمة. إنه تلك الروح المُتغطرسة والمتعجرفة لما يزيد ربّما عن الثلاثين بالمائة من السكان.

محمد الحاج صالح








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - وهل هناك مأخذ علئ رواية ؟؟؟
الحكيم العراقي ( 2010 / 9 / 17 - 01:08 )
يا أخي

تريد خلاصة أن تقول بأن هذه الشعوب عنصرية ... أليس هذا مقصدك ؟؟؟

إختصارآ أسئلك : إن كانوا أغلبهم علئ هذه الشاكلة ,, فما الذي يضطرهم لأستضافتنا وقبولنا
بينهم .. يمدوننا بكل سبل العيش ...بدون منية .. وبدلآ من أن نشكرهم بعملنا .. وخدمة البلدان التي حمتنا .. وأستضافتنا .. تجدنا نتفنن بسرقتهم والتحايل بشتئ الوسائل عليهم .. والتهرب من التعليم والأندماج في المجتمع .. ناهيك عن الجرائم التي يشيب لها الرأس التي يفعلها شبابنا ... والكثير .. الكثيــــر

ثم يا أخي العزيز : من الذي يجبرك أنت والعائلة الكريمة علئ العيش بين ظهرانين هكذا دول وشعوب ؟؟؟ بأمكانك العودة والعيش بكل رغد وكرامة في الرقة .. أو في الدول العربية .. والتي تفتح ذراعيها لتحتظن أي أخ لها ... وتجود وتبذخ عليه بالهبات .. والكرم الحاتمي

عجيـــــب أمـــــــور .... غريـــــب قضيــــــــة




2 - العودة للرقة لتزداد رقة
سمير فريد ( 2010 / 9 / 17 - 05:48 )
الاستاذ محمد الحاج صالح اشد على يدك واْهنئك على هذا التحليل الرائع واني ادعوك للعودة للرقة لتزداد رقة واْني على استعداد لدفع تذاكر سفرك انت والعائلة الكريمة وبالمناسبة اي من تلك الااْت لم يكن صحيحا وبغد عشرة سنوات ارجوا ان نتقابل هنا لتكتب عن انطباعاتك عن الرقةوكيف كان التعامل معك من قبل اخوانك في الدين والوطن


3 - السيد الحكيم العراقي
محمد الحاج صالح ( 2010 / 9 / 17 - 09:02 )
أعلم جيداً قصد اعتراضك... ولو قرأت الجمل التالية من النص لأعفيت نفسك من أن تسأل..هذه هي: أننا نعلم مما قرأنا عن البلدان الاسكندنافية قبل أن نأتي، ومما تعلمناه هنا بأن الناس في هذه البلاد يعبدون القانون. القانون عندهم الأعزّ والأقوى والأجدر بالاتّباع مقارنةً بأي شيء آخر. أنا من المؤمنين بسياسة الاندماج والتفاعل في البلد الذي نعيش فيه. لكن لنا رأي ونحب أن نقوله
أنا وعائلتي نعمل وندفع الضريبة ونخدم هذا البلد بما يفرضه القانون وبما يمليه علينا وجداننا. نحن ستة أفراد ...خمسة منا يعلمون بالرغم من أن ثلاثة يدرسون في الجامعات. وأنا رغم تعليمي كطبيب عملت كموزع جرائد وعملت في دور للمسنين. قيمة العمل عندنا هي العليا. أما فيما يتعلق بالرأي السياسي والثقافي فإني أرى ولعلك ترى مثل رأيي أننا نعيش في دولة ديمقراطية لنا آراؤنا وأفكارنا ولسنا إمعات عندما نتناول سياسة الاندماج وسياسة العمل ونظرة المجتمعات الاسكندنافية للمهاجرين. أحييك
..


4 - تحية إلى سمير فريد
محمد الحاج صالح ( 2010 / 9 / 17 - 11:21 )
في تعليقك -إنّ!- . اشكرك على عرضك بدفع ثمن البطاقات. لعلك تعلم أننا في هذه البلاد معززون مكرمون مادمنا تحت سقف القانون والأهم أنه لا ينقصنا ثمن بطاقات الطائرة مادمنا نعمل. ونحن نعمل. أما الرقة والوطن فهو وهي في قلوبنا ما حيينا. ليس لدي شك في نوعيّة المعاملة التي يفترض أن نتلقاها من أبناء -ديننا!- ووطننا ، فالأمر معلوم ويومي وما من سوري إلا ويعرفه ويخبره . تحياتي لك


5 - احمد الله انك في النرويج
فواز محمد ( 2010 / 9 / 17 - 12:20 )
عزيزي الكاتب اعتقد لو انك حدثت ابنتك عن المظالم الموجودة في بلدك والبلدان العربية لما قالت لك انها تريد العودة للرقة لانه في اسوء الظروف في النرويج هو افضل من احسن الظروف في بلدك وانا اريد ان اسأل لو ان العملية معكوسه اي ان الاسكندينافيين هم من جاء لبلدك وباعداد كبيرة والدولة تقدم لهم الخدمات والسكن والمعاشات ورغم ذلك يقوم البعض منهم بالسرقة والاعتداء واخلال بالنظام بالله عليك هل يبقى واحد منهم على قيد الحياة من شعوبك العربي فبل حكوماتهم اما تكن فئة قليلة منهم لها نظرة عنصرية هذه شيئ طبيعي ولكن القانون هو السائد


6 - ماهذه العنصرية ونكران الجميل
يوسف علي ( 2010 / 9 / 17 - 14:42 )
انا انصحك يادكتور لو ترجع الى بلدك الحبيب سوريا الاسد وسوف تنعم انت وبنتك وعائلتك بالرقة والحنان والدفئ الفياض .ماذا تعمل عند شعب عنصري حسب تصورك ويعاملك معاملة سيئة. هذه دولة وشعب ليس لك لانه ليس لديه التقاليد والنظام الجميل والدين الاسلامي المتسامح و تحت ظل قيادة المغوار بشار الاسد وبلدك محتاجك وانت طبيب.وبعدين انت غير مجبر ان تبقى في هذا البلد العنصري وانا متأكد ان البلدية في المدينة التي تقيم بها سوف تقوم بدفع بطاقة سفرك وتكون مشكورة اذا سافرت الى بلدك الحبيب سوريا واذا رفضت البلدية ان تدفع لك فاننا نحن المقيمين في الدول الاسكندانافية سوف نجمع لك ثمن البطاقة ولايهمك خيو
مع التحياة


7 - إلى يوسف علي وفواز محمد
محمد الحاج صالح ( 2010 / 9 / 17 - 15:23 )
كيف قرأتم النصّ من اليمين إلى اليسار أم من اليسار إلى اليمن
هذه بعض الجمل من المقال. لكن الرجاء قراءتها من اليمين إلى اليسار
ـ والكتاب المدرسيّ النرويجي يتناول هذا -القانون!- من زاوية إدانته وليس تمجيده

ـ لأننا نعلم مما قرأنا عن البلدان الاسكندنافية قبل أن نأتي، ومما تعلمناه هنا بأن الناس في هذه البلاد يعبدون القانون. القانون عندهم الأعزّ والأقوى والأجدر بالاتّباع مقارنةً بأي شيء آخر

ثمّ يا شباب العار على من لا يعمل ولا يدفع ضرائبه وليس على من يعمل. ثمّ أيضاً نحن نعيش في دولة ديمقراطية والدولة الديمقراطية تتطلب الشفافية والرأي الحر وليس المحاباة. والنصّ شأن ثقافي رأيت فيه رأياً. وأنت ترون أن ليس في الامكان أبدع مما كان هذا رأيكم أما أنا فسأقول رأيي في سياسة الاندماج التي أؤيدها وأعمل لها .وقد كتبت بعض المقالات وساهمت ببعض النقاشات في يخصّ سياسة الاندماج وأحوال المهاجرين وبالمناسبة أنا أعمل الآن تطوعاً في منظمة معينة من الحكومة المركزية ومهمتها أن تكون صلة وصل بين الأجانب والحكومة وتقدم النصائح فيما يخص المهاجرين. المنظمة تدعى
. أيKIM
Kontaktutvalget mellom innvandrerbefolkning


8 - إكمالا لما قلته منذ قليل
محمد الحاج صالح ( 2010 / 9 / 17 - 15:27 )
Kontaktutvalget mellom innvandrerbefolkningen og myndighetene

وهذا هو رابط اللجنة لتروا النقاشات والمواضيع التي تطرح.تفضلوا
http://www.kim.no/
تحياتي لكم. وأنا أعلم أنكم حريصون على الذي تعيشون فيه. ولا تنسوا أن حرصي عليه مثلما هو حرصكم وربما أكثر


9 - الغالبية يسوء فهم قانون الينتا
مكارم ابراهيم ( 2010 / 9 / 17 - 17:10 )
في الواقع ان قانون الينتا لاعلاقة له كما يفهم سطحيا باللاجئين لانه يتناول اضطهاد سكان القرية لاشخاص في نفس المجموعة نعم لقد بناها الكاتب النرويجي الدنماركي على قصة اللاجئ الذي ينتقل للعيش في قرية ينتا.
فقد نشا القانون في المجتمعات القروية الصغيرة حيث الكل يعرف بعضهم وسلوكهم متشابه و يتناول سلوك الناس الغير عقلاني والنفسي حيث يحاولون سكان القرى دوما ان يكونوا متشابهين في سلوكهم ويرفضون الشخص الذي يحاول ان يكون يميزا عليهم بالضبط مثلما هو في القرى العربية فالكل يعرف الكل والشخص الغريب سيكون مختلف لذلك هم يحاولون ان يكونا جميعا على نفس المستوى بدون تمييز. وهو لاينطبق على الطبقة البرجوازية التي تضطهد الطبقى الوسطى كلا وانما السيطرة والتحكم على الافراد في نفس الطبقة
واصل كلمة ينتا هي قطعة النقود لذلك فانه قانون الينتا غالبا مايستخدمه الدنماركيون في مايتعلق بالحالة الاقتصادية ومشاريع العمل فكثير من الناس اذا فشلوا في مشروعهم الاقتصادي يربطون فشلهم بفي حالة نجاح الشخص في مشروع عمل ما فيستخدم هنا قانون الينتا بان لايسمح للشخص الناجح بان يتصور ان الفضل يعود له في النجاح

اخر الافلام

.. السيسي ينصح بتعلم البرمجة لكسب 100 ألف دولار شهريا!


.. تونس.. رسائل اتحاد الشغل إلى السلطة في عيد العمّال




.. ردّ تونس الرسمي على عقوبات الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات


.. لماذا استعانت ليبيا بأوروبا لتأمين حدودها مع تونس؟




.. لماذا عاقبت الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات تونس؟