الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إرتباك العقل الصهيوني وأزمة قلقه

نضال الصالح

2010 / 10 / 24
القضية الفلسطينية


بعد سقوط النظام الشيوعي في تشيكوسلوفاكيا عام 1989 تحول الإعلام من مؤيد لقضايانا العربية وخاصة القضية الفلسطينية إلى عدو شرس لقضاينا وخاصة القضية الفلسطينية. حتى أولئك الذين دافعوا عن قضاينا وكانوا اصدقاء لنا زمن النظام الشيوعي انقلبوا ضدنا. وأصبح هناك وسيلتان لإثبات حسن السيرة والسلوك بالنسبة للإعلامي وهما الهجوم الشديد على الشيوعية والهجوم والعداء للعرب والقضية الفلسطينية. أصبح الإنتماء لليهودية فخر واعتزاز ومصادقة ودعم إسرائيل ومعاداة الفلسطينيين والعرب هدف بحد ذاته. وفجأة عادت أعداد كبيرة كنا نظن أنها مسيحية إلى يهوديتها بعد أن أخفتها أعوام طوال بتغيير الدين والإسم. حصل اكتشاف جديد للهوية اليهودية والتي برزت بوضع نجمة داوود على الصدر والتباهي بالرموز اليهودية.
الصحفيون الصهاينة استولوا على الإعلام المرئي والمقروء ولم يبق لنا ولا لمن بقي لنا من الأصدقاء الخلص أي مكان حتى ولو صغيرا في هذا الإعلام نشرح فيه قضايانا. وبدأت القضية الفلسطينية تختفي من الساحة وظهر مكانها اليهودي الديموقراطي المسالم الذي عاد إلى أرضه فلسطين، أرض الميعاد. الفلسطيني في هذه الصورة إرهابي يريد أن يسلب حق اليهود التاريخي في فلسطين ويحرمه من حق العودة إلى أرض الميعاد. وانتشرت الأفلام التلفزيونية والسينمائية التي تتحدث عن معاناة اليهود وعن المحرقة أو الهولوكوست وصدرت القوانين التي تحرم التشكيك بالصيغة الرسمية للهولوكوست إلى جانب القوانين التي تمنع أي مظهر من مظاهر اللاسامية وتعاقب بالسجن المتهمين بها. لقد نشأ جيل جديد من الشباب لا يعرف عن الفلسطينيين وقضيتهم إلا ما يشاهده وما يقراه في الإعلام. أما في جبهة الجاليات العربية والفلسطينية فلقد وقع العرب في حالة تخبط غذتها الإنقسامات المزمنة والخوف على الوضع الإقتصادي والإجتماعي إلى جانب الجهل المعلوماتي عن القضية وكيفية مخاطبة العقل الشرق أوروبي الذي أصبح مهوسا بالديموقراطية الجديدة وكانت القضية الفلسطينية مربوطة في ذهنه بالنظام التوتالي الشيوعي.
قررت أن أكتب كتابا عن قضية الصراع العربي الصهيوني في فلسطين موجها للقراء التشيك والسلوفاك، ولقد عملت على الكتاب أكثر من عام. يتكون الكتاب الذي صدر باللغة التشيكية من ثلاث أجزاء الأول يتحدث عن التوراة التي بينت أنها لا تعتبر كتاب تاريخ وإنما كتاب دين يستعمل الأسطورة لشرح أهدافه الدينية، ولذا فإن ما يسمون بالعبرانيين والإسرائيليين التوراتيين هم شعوب أسطورية ليس لها أي واقع تاريخي على أرض فلسطين وليس ليهود اليوم أي علاقة أثنية بهم أو بشعوب المنطقة. كما يتحدث عن الأصول الخزرية لأغلبية اليهود الشكناز الشرق أروبيين. الجزء الثاني يتحدث عن الفكر اليهودي التلمودي الذي تتسلح الصهيونية به رغم إدعاءها بالعلمانية والذي يقوم على رفض الغير وكراهية الآخر. القسم الثالث يتحدث عن القضية الفلسطينية منذ الحكم العثماني إلى ما بعد حرب ال 67 والإحتلال الصهيوني للضفة والقطاع وبعض الأراضي العربية الأخرى، و يتحدث كذلك عن الظروف الاإنسانية التي يعيشها الشعب الفلسطيني تحت الإحتلال الإسرائيلي، وحاولت أن أكشف عن الصورة الحقيقية للإسرائيلي كمحتل عنصري يحمل في جنباته كل العناصر الفاشية والنازية التي يدعي محاربتها.
حملت مخطوطة الكتاب ودرت على دور النشر واحدة بعد الأخرى وكانوا يرفضونني أحيانا بلطف وأحيانا أخرى بعنف ووقاحة. بعض دور النشر أثنت على الكتاب ولكنها اعتذرت عن نشرة. لقد وصل الأمر أنني وقعت اتفاقية مع دارين للنشر اعتذرتا عن نشر الكتاب بعد التوقيع بيومين. لقد عرف الكثير من الأصدقاء السلوفاك بقصة الكتاب وحاولوا مساعدتي ولكنهم فشلوا. حتى دار نشر الحزب الشيوعي والتي أثنت على الكتاب ووضعته بعد نشرة على لائحة مصادر الحزب المعلوماتية عن قضية الشرق الوسط، رفضت نشرة فلقد كانوا هم بدورهم يخوضون معركة بقاء ضد الهجمة الجديدة. لم ينفع أنني تنازلت عن أي حق مادي لي في الكتاب ولم يفد أنني تبرعت بالمشاركة المادية أو حتى تحمل كامل مصاريف نشر الكتاب. لقد وصل الأمر حدا أن بعض العرب ومنهم فلسطينيون هددوني بأن يتبرؤوا مني ومن الكتاب علنا وفي الصحف بحجة أن الكتاب سيخلق العداء ضد الجالية العربية والفلسطينية مما سيكون له نتائج وخيمة على الظروف الحياتية للجالية.
بعد مرور أكثر من عام من التسول أمام أعتاب دور النشر زارني في بيتي رجل وزوجته يملكان دار نشر صغيرة، عرضا علي نشر الكتاب إذا تنازلت عن أي أجر أو ربح للكتاب وإذا وقعت على وثيقة تخلي الناشر من أي مسؤولية قانونية عن محتويات الكتاب، فوافقت. وفعلا بعد عدة أشهر وبالتحديد في نهاية شهر مارس لعام 2002 خرج الكتاب إلى الوجود بعنوان " لماذا القتل في إسرائيل؟ صرخة فلسطينية". وبيعت نسخه الألفين خلال شهر ونيف. ومع ذلك ظل الكتاب محدود الإتشار بين مجموعة محدودة من القراء الذين لديهم فكرة مسبقة عن القضية ولهم موقف رافض للحركة الصهيونية.
بتاريخ 11 أكتوبر من نفس العام وقع حادثان مرتبطان ولكن ليس بشكل مباشر ولا أعتقد أن الأول هو نتيجة للثاني. الأول أن مجموعة من الجنود الإسرائيلين قاموا بإطلاق النار على أختي شادن الصالح وعلى زوجها الدكتورجمال أبو حجلة وابنها سائد المدرس في جامعة النجاح في منزلهم في نابلس و كانت النتيجته مقتل أختي وجرح زوجها وأبنها.
في نفس اليوم والتاريخ قامت مؤسسة فيزنتال اليهودية العالمية بإرسال رسالة رسمية للحكومة السلوفاكية تطلب منها منع كتابي وسحبه من الأسواق ومحاكمتي بتهمة العداء للسامية وإنكار الهولوكوست وتصفني في الرسالة أنني أقوم بما قام به الإعلام النازي وأكتب كما كتبت الصحف والمجلات النازية. هددت فيزنتال في رسالتها الحكومة السلوفاكية بوقاحة بأن عدم تلبية طلبها يمكنه أن يسبب منع دخول سلوفاكيا إلى الإتحاد الأوروبي. حولت الرسالة إلى وزير العدل السلوفاكي الذي حولها بدوره إلى المدعي العام. على إثر ذلك قام الناطق باسم الجالية اليهودية برفع شكوى قضائية ضدي إلى المدعي العام يطلب نفس المطالب التي وردت في الرسالة.
تحرك الإعلام كالكلب المسعور وخرج على شاشات التلفزيون بعض الإعلاميين مطالبين برأسي ودعي المدعي العام إلى التلفزيون وانهالت عليه الأسئلة والتي ركزت على وجوب عقابي لكي أكون عبرة لغيري وامتلأت الصحف بالمقالات عن الموضوع وأصبح كتابي خبر الساعة. ما لم يتوقعوه هو أن الكتاب أصبح محط أنظار القراء فانهال الناس على شراء الكتاب حتى اصبح أكثر الكتب مبيعا في وقته في سلوفاكيا.
لقد مر على ذلك التاريخ ثمان سنوات وما زال الكتاب يطبع و يباع في الأسواق بل قام بعضهم بوضعه على صفحات الإنترنت حيث يسحب بدون مقابل. وفي الناحية الأخرى ما زال ممثلي الجالية اليهودية يقدمون الشكوى تلو الأخرى والإحتجاج تلو الآخر لسحب الكتاب ومنعه وعقاب صاحبه إلى جانب ادعاءات كثيرة منها إثارة الكراهية والعنصرية ضد اليهود. لقد قام المدعي العام بكل ما يلزم واستشار مجموعات عدة من المختصين وقام بتوزيع الكتاب على مجموعاتا من الإستشاريين القانونيين والمؤرخين والباحثين الإجتماعيين لقراءته والبحث عن ممسك قانوني للإستناد إليه قانونيا لمنع الكتاب وتقديم صاحبه للمحاكمة ولكن بدون نتيجة. ومع مرور الزمن لا تزال القضية قيد التحقيق يبقيها حية الشكاوى والإحتجاجات المتتالية من قبل الناطق باسم الجالية اليهودية الذي أعلن عدة مرات أن مكاني هو السجن ووجودي خارجة راجع لقصور في النظام القضائي السلوفاكي.
السؤال الذي ما زال يحيرني هو لماذا هذا الإصرار على منع الكتاب ومحاكمة صاحبه؟ أنا رجل عادي فلست زعيما سياسيا ولا قائد حزب أو فصيل عسكري ولا حتى عضو في أي منهما. كتابي لا يهدد ولن يهدد أمن الدولة اليهودية ولن يحرر شبرا من الأرض المحتلة ولن يمنع الإستيطان اليهودي لأرض فلسطين كما أنه لن يؤثر على موقع اليهود في أوروبا ولا حتى في سلوفاكيا والجمهورية التشيكية. كتابي صدر مثله أو مشابه له في العالم كثير وهو لم يكشف عن سر خفي ولم يحدث قنبلة معلوماتية جديدة كان يجب أن تبقى مخفية، مع أنه كشف عن حقائق جديدة بالنسبة للقارئ التشيكي والسلوفاكي. إذا لماذا هذا الإصرار الذي لا يكل ولا يمل؟ ولماذا هذا الخوف من الكتاب؟
لقد وصلت من خلال قصة الكتاب وتطوراتها إلى نتيجة مآلها الكشف عن مدى ارتباك العقل الصهيوني وشعوره الداخلي بالقلق والعزلة رغم كل السلطة التي يتمتع بها في الغرب. العقل اليهودي الصهيوني قلق ويعيش حالة قلق وخوف دائمة ويخاف حتى من خياله. ثقافة الغيتو التي عاشها اليهود طوال مئات السنين لا تزال راسخة في ضميره وشعوره. لقد وضع نفسه في غلاف أسطوري هولوكوستي ظن أنه سيقيه ويحميه، وأي محاولة خارجية لشق هذا الغلاف وإن كانت بسيطة تثير الرعب فيه. الإسرائيليون مع كل القوة العسكرية التي تملكها دولتهم هم قلقون وخائفون ويتملكهم شعور داخلي بأنهم ذاهبون إلى حتفهم. هم في داخلهم يشعرون أن دولتهم ليست إلا ورما سرطانيا غريبا عن الجسم الفلسطيني والعربي وأنه في النهاية سيقتل نفسه. وأكبر برهان على ذلك هو شرائهم البيوت والعقارات خارج إسرائيل. براغ عاصمة التشيك تعج اليوم بهم وأصبحوا يملكون عددا هائلا من بيوتها. لقد أصبحت أحدى ملاذاتهم الكثيرة خارج دولتهم في حال إنهزام هذه الدولة وتفككها وهم في داخلهم يشعرون بأن ذلك قادم لا محالة. إنهم يشعرون أنهم يسيرون في مركب فقدت فرامله ويسير بسرعة هائلة نحو الهاوية. إنه شعور المقدم على الإنتحار قبل وقوعه.
د. نضال الصالح / فلسطين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رائع
سعاد خيري ( 2010 / 10 / 24 - 14:34 )
لقد عبرت عن كل هذه الحقائق بمناسبات مختلفة


2 - سننتصر ولو بعد حين
عدنان زيدان ( 2010 / 10 / 24 - 17:22 )
كم جميلٌ أنتَ في مُداخلتك , الضريبة التي ندفعها كفلسطينيين مزروعين في هذي الأرض المقدسة أو مُؤقتا في المنافي, هي ثمنٌ بخسٌ لما سيأتي بعدُ. يجمعنا الأمل والألم, ولكننا سننتصر ولو بعد حين.
عدنان زيدان

اخر الافلام

.. الصين تحذّر واشنطن من تزايد وتراكم العوامل السلبية في العلاق


.. شيعة البحرين.. أغلبية في العدد وأقلية في الحقوق؟




.. طلبنا الحوار فأرسلوا لنا الشرطة.. طالب جامعي داعم للقضية الف


.. غزة: تحركات الجامعات الأميركية تحدٍ انتخابي لبايدن وتذكير بح




.. مفاوضات التهدئة.. وفد مصري في تل أبيب وحديث عن مرونة إسرائيل