الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لن يصلح الدهر ما أفسد العّطار

زهير الأسعد

2010 / 12 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


برغم وجود كافة مسببات التقدم من انفتاح إقتصادي ، توفر فرص التعليم ، وحرية الإنتفاع من الثورة المعلوماتية لم يصعقني الحالة التي آلت اليها طبقات المجتمع الاردني ، كبعض من عاصروا إنزلاق المجتمع ككل الى حفرة التخلف الحضاري .
في بقعة جغرافية يقطنها جزيء من هذا المجتمع ,- التي سنتجنب الاعلان عن إسمها- وبرغم إمتلاكها لأعلى نسبة على مستوى العالم - مقارنة بعدد السكان- من الحاصلين على درجة الدكتوراة ، إلا ان القيم الاجتماعية والتربوية تكاد تنعدم بالكامل من افراد مجتمعها ، فبذائة التصرف والإستهتار بالمسؤلية وتخريب ونهب المال ، عام كان ام خاص ،والتبجح بمفردات لا حصر لها ، تبداء بــ " أنا حُر" ولا تنتهي عند " اللي مش عاجبه يـــرحل" ، ناهيك عن العنصرية الدينية المستترة خلف نقاب الرياء الإجتماعي ، كلها ستجدها بأقرف الصور ، وأما قذارة المكان وسوء الادارة المحلية ، فلن أقربهما ، لأن لغتي تأبى أن تنحدر الى مستنقع المفردات لتفيهما الوصف .
فقرابة خمسة عقود خلت ، كان على قيد الحياة مجموعة أفراد– ولا زال البعض- ممن اضطلعوا بمسؤلية إدارة شؤون المجتمع على اعتبار انهم عقلاء القرية ، عندما كانت آنذاك قُرَيّة وقبل إنفجارها السكاني و وصول أسس التحضر والمدنية - والذي كان أولى لوجود هذه الاسس في متناول اليد ، هو إرتقاء الفرد من خلالهما بمستواياته وخصوصا الانسانية – رفضوا وبشدة إستحداث صفوف للمرحلة الاعدادية في مدرسة الإناث ، حجتهم كانت ،أن بإستحواذ بناتهم على ملكة الكتابة والقراءة ، سيصبحن قادرات على كتابة الرسائل الغرامية في مجتمع تنخر الامية قادته . لم تكن تلك إلا حجة واهية يكمن خلفها سبب تربوي أساسي متغلغل في شخصيةٍ تنكر أنها تعاني من حالة إنفصام مزمنة هو: الخوف من ان تصبح المرأة ، ناقصة العقل والدين اكثر معرفة وأوسع مدارك من الرجل الذكوري العادات والعقيدة .
وها هو ذات المجتمع في زمن آخر، حيث تغص صفوف المدارس المحلية - لكافة المراحل – ومقاعد الجامعات – على إمتداد رقعة الأردن – باعداد لا يستهان بها من بناتهم- وابنائهم-، الا ان المرأة لا زالت مداسة بسنابك التربية الرجعية ، رازحة أبداً تحت نير الجانب المستبد من العادات والعقيدة . ما ربطنُا بين الاستبداد والعقيدة والعادات الا لأن شرعتي تقول: إن للعقائد والعوائد - كونهما من نتاج الفكر البشري- جوانح إنسانية أيضاً وليس العكس ، بل ان العقايد والعادات قد جعلت من الاستظلال بها مسألة مزاجية ، تباعاً لضروف الحدث والمُحدث ،زماناً ومكاناً .
السؤال الذي يطرح نفسة هنا هو: أين هذا المجتمع من قول مَن قال فأجاد القَول (الأم مدرسة إذا أعددتها......أعددت شعباً طيب الأعراف) ؟؟؟ ، إن واقع الحال يثبت بما لا يقبل التشكيك ، أن التعليم مسألة ثانوية ، و أن التربية هي الاساس ، والاصل والمُنتج الوحيد لشخصية الفرد وخصوصاً المرأة ، فهي ليست نصف المجتمع الآني فقط ، بل وأُم أجيال الغد. فبرغم تحصيل أجيال هذا المجتمع وبالأخص الإناث على درجات عليا من التعليم ، إلا انهن لا يدخرن جهداً لإضطهاد اطفالهن بذات وسائل الجانب المستبد آنف الذكر ، وما على من لا يدرك مسببات هذه الحقيقة الواقعية ،متوهماً اننا نرمي اليه بأحجية ، سوى أستشارة "سيغموند فرويد" ، وعندها ستنجلي له الاسباب القابعة خلف ما آلت اليه حال هذا المجتمع من تراجع حضاري و إختلال في ميزان القيم الانسانية ، فنحن نرى في طالع كل صباح ، أن تربية الأمس قد انتجت أماً و أباً ، أثمرا بنات و أبناء اليوم ، و لا يعوزنا للحكم على هذه الأثمار ونسلها - إن لم يتدخل في تربيتها ما يضارع علم تحسين جينات البذور- تجنيد مراكز للبحث و متخصصين ، فانفصام الشخصية و إنعدام التوازن النفسي و الأمراض الأجتماعية و العنف بكل وسائله ، سواء كان الأسري ، في الشارع ، حتى في المدارس والمستشفيات و التي لولا فضل أبناء الخنازير والقردة ، كما يصفهم متصلبي الأعناق لم و لن ينعم بها اكان المجتمع المحلي و الاردني بشكل خاص ، او العربي والسلامي بشكل عام .
باختصار ، أطلق لخيالك العنان ليسبح في "ميتركس" الخصائص الأجتماعية السلبية ، ستجد أن هذا المجتمع - على اعتبار ان " نييل" جدلياً سلبي - . هو "نييل"- قلباً و قالب .
ما هو مدعاة لخليط من الأحاسيس الانسانية ، تنتهي دوماً بالأشمئزاز ، أن هذه العينة الاجتماعية ما هي إلا جزء من صيغة المادة المُشكلة للمجتمع العربي والاسلامي، أذاك المتواجد على رقعاته الجغرافية أو خارجها ، فخصائصها الحقيقية أصبحت واضحة لعالم اليوم ، ليس بسب ثورة المعلومات و "الانترنت" وحسب ، بل لأن حاملي هذه الخصائص لم يعد بمقدورهم إخفاء جوهرهم التربوي في شوارع عواصم ومدن ، انوارها الانسانية لا الهمجية ، و أرصفتها الحرية المسوؤلة لا التسلط ، ومعابر مشاتها دولة القانون لا العقيدة والعادات . نحن لا يحوجنا كي نبررما ندعية ، الاستشهاد بما يحدث في العراق من سفك لدماء وسحق لأرواح سواء كانت مسيحية أو شيعية أو سُنية ، ولن نجلب الى ساحة الاثباتات بالألغاز التربوية للتنظيمات الاسلامية - جهادية أو غير جهادية - الطابع ، كما أننا لن نزج محاججين بما حدث في دافورأو أعمال التفجيرات في نيويورك ، لندن ، كراتشي ، عمان - والقائمة لا تنتهي ولا أحسبها ستنتهي - برغم ضلوع التربية العقائدية بكل ما سلف ، ولكنني سأكتفي هذه المرة بثلاث من العناصر و التي كيفما بحثت ستجدها واقع حقيقي متملك في شخصية اي فرد من أفراد الطبقات الثلاث للمجتمع العربي و الإسلامي ، هنا لا بد أن ننوه أن ما نقصدة بالطبقات الثلاث ليس ما هو متعارف عليه كطبقات إقتصادية ، بل كطبقات أجتماعية من حيث التحصيل التعليمي (متدني التعليم ، متوسط التعلم ، عالي التعليم).
أحد من أشار ال هذا الا صطلاح وعلاقته بالتربية العقائدية لضمان استمراريتها هو البرفسور " A C CRAYLING " ، إ ذ إعتبر أن تلقين العقيدة كمادة دراسية لليُفع ، في مدارس منشأة على أساس عقائدي ، ما هي إلا عملية غسل أدمغة . ليس لأحد أن يُفند ما أشار اليه البرفسور " A C CRAYLING " كونه صحيح و واقعي ، إلا أننا نعتقد أنه اخفق حين ضارع بين ما يُعرف بـــ " Al Madrasa" -أو ما يماثالها في الدول العربيه والغربية - و مدارس الكنيسة الانجليزية ، فمخرجات الاولى يشهد عليها دم الأبرياء ، أما الثانية ، فتحت اي ضرف من الضروف سيبقى المتخرج منها صاحب قرار حر في رفض أو قبول العقيدة دون ان يتملكه الخوف من التعرض لمحاسبة مادية الصيغة والنتيجة من الدولة والناس ، الحقيقة الاخرى هي ، أن ما قامت به الكنيسة أبان عصور التسلط من قتل واضطهاد وتشريد لمن وصفوا بالهراطقة ، لم يكن إستناداً الى نصوص إنجيلية او سنن يسوعية او تآويلهما .
إن إستعارتنا للإصطلاح ( فكر طفولي ) يتأتى من إدراكنا المطلق ، ان فرد المجتمع العربي والاسلامي يحيا دوما في حالة فكر طفولي تجاه العقيدة والعادات ، سواء كان على مقاعد المرحله الابتدائية أوان تعرضه لعملية غسيل الدماغ أو برفسوراً في علم الأجنة ، هذا البقاء القسري للفرد العربي والمسلم في حالة من الفكر الطفولي – ونادراً ما تجد من يؤثر الانتقال الى مرحلة سن الرشد - يوصلنا الى العنصر الثاني من مكونات شخصية الفرد في المجتمعات العربية و الاسلامية .
يُعرف قاموس "أكســـفورد" الخوف كالآتي:( شعور غير مستحب ، سببه التهديد ، بالخطر أو الألم أو الأذى ) انتهى . ما تعنية هذه الكلمات هو ان الخوف ، عبارة عن إدراك عقلي لتهديد مادي الوجود والنتائج ، وعليه ، فإن من يعتقد أو يحاول أن يوهم الآخرين بأن شعور الخوف يمكن أن يسببه تهديدات قوى ميتافيزيقية ، نتائجها لن تتبلور مادياً وستبقى مجرد نسج من الخيال ، لا يمكن أن يكون سوى جاهل أو مُغرض .
ألربما و لأدراك القائمين على تجسيد الخوف - للفرد العربي والمسلم – لحقيقة اسباب الشعور به ، راحوا يدأبون لربط الخوف بمترادفات كالخشية و الرهبة والرجاء والمغفرة... ! وكلها لتجنيب هذا البائس الشعور بالخوف من ما لا وجود له ، حتى أوصلوه الى حالة من الازدواجية المستمرة ، فهو محافظ ملتزم – من حيث ما تعنيه المحافظة والالتزام من وجهة نظر العقيدة والعادات – وخاصة في أيام الجُمعة والأعياد والمناسبات الأجتماعية ، وفي ذات الآن فرد غريزي – من حيث الأنانية ، الجنس ، المال والشهرة - ليس لمكتسبات إنسان القرن الحالي أي وجود في طبائعه ، كيف لا و مجمل القواعد التي ترتكز عليها عاقلته لتبرير إزدواجيته الباطنية هي خليط ما بين العقيدة والعادة .
< عنصر الإستبداد > ( أكاد ان أجزم بأن منطق الواعظ الافلاطوني هو منطق المترفين الظلَّمة ) هذا ما قاله الدكتور علي الوردي في وصف مَن يودون الإبقاء على إنسان القرن الماضي والحالي والقادم ، متقمصاً لخصائص الخارجين من بين أصابع رمل الصحاري . فهم ما برحوا ينفثون في مسامع اصحاب الفكر الطفولي بنات أفكار من سفكوا الدماء ليبدونوا شعوباً غدت اليوم حجر عثرة في طريق من يحلم أن يحيا ككائن إجتماعي إنساني . الطغمة الكبرى هي ، أن منطق الواعظ الافلاطوني ، لم يعد يقتصر على دور وعاظ السلاطين اللذين كانوا يزرعون الخوف والرهبة والخشية والرجاء ...الخ ، في نفوس الكادحين فنبتت الازدواجيه في شخصياتهم ،الى أن غدا حالهم كحال سلاطينهم اللذين تقدسهم أجيال هذه الايام ، بل أصبح دور الأب والأم ، فالأبناء و البنات ودور فدور ، وليس بمقدور أحد ان يستنكف عن القيام به ، لا بل قد أصبح الإبداع فيه مسألة توجب الثناء ، كيف لا وللإستبداد بنود خاصة في دستور العقيدة و ملف العادات ، يفرضها القانون و العُرف في شتى مناحي الحياة ، تبداء بغسل أدمغة الأطفال ، فاللباس ، الزواج ، الانجاب ، الطلاق ، الميراث ...الخ ، وحتى في إحترام ما لا يستحق ومن لا يستحق الإحترام . خلاصة الحديث ، إن مقولة لا يصلح العطّار ما أفسد الدهر لا يمكن ان يقاس على اساسها الحال التي يؤول اليه أي كينونة إجتماعية بشرية ، ولكن إن قلنا لا يُصلح الدهر ما أفسد العطار ، فهي الأصوب لتكون الميزان في ذلك ، وعليه يحق لنا أن نقول : لسبب أن " القاري و الــ ..." من عطارين المجتمعات العربية و الإسلاميه ، كانوا ولا زالوا ، يطبخون وصفاتهم من جذور ولحاء شجرة نصوص اتلفتها دورة التطور ، وبقدور منطقيات نُشلت من مقابر الفكر الإنساني ، هيهات أن يَصلُح حال مجتمعاتها على مر الدهور .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العطر معتًق
آمال صقر مدني ( 2010 / 12 / 3 - 14:08 )
الكاتب العزيز : معروف أنً النبيذ المعتًق أغلى و أجود ، و شرب كمية قليلة منه كفيلة لتعديل الرأس التنح ، لكن يبدوا لي أنً العطًار لم يتقن صنع عطره ، و مع تقادم الزمن تعتق العطر و ازداد سؤاً ، و مع سؤ الاستعمال و كثرة الفسًايين اختلط الحابل بالنابل ، و الكل يعرف فسًا بخرًب على مئة عطًار...!؟ مع الاحترام و الشكر

اخر الافلام

.. مظاهرات الطلاب الأمريكيين ضد الحرب في غزة تلهم الطلاب في فرن


.. -البطل الخارق- غريندايزر في باريس! • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بلينكن في الصين.. مهمة صعبة وشائكة • فرانس 24 / FRANCE 24


.. بلينكن يصل إسرائيل الثلاثاء المقبل في زيارة هي السابعة له من




.. مسؤولون مصريون: وفد مصري رفيع المستوى توجه لإسرائيل مع رؤية