الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جمهورية الخوف والغموض تقصف جمهورية الفرح والشفافية

عبدالله المدني

2010 / 12 / 7
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


كتبنا الكثير عن جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية التي ليس لها من إسمها نصيب. فلا هي ديمقراطية، ولا هي شعبية، ولا هي يسارية. ومن رأى ليس كمن سمع. إذ قدر لكاتب هذه السطور أن يزور الشطر الجنوبي من شبه الجزيرة الكورية مرارا وتكرارا، مقابل زيارة يتيمة لشطرها الشمالي. ولاداعي هنا للإستطراد في ذكر الأسباب.
يكفي أن نعلم أن الشمال يعيش تحت نظام ديكتاتوري حديدي، لا مثيل له في عجرفته وطيشه، فيما نفض الجنوب عن نفسه رداء الديكتاتورية وأستبدلها قبل عقدين بنظام ديمقراطي مدني تعددي، يتميز بالشفافية وتعزيز سلطة القانون، ومطاردة الفاسدين.
ويكفي أن نعلم أنه في الوقت الذي يعيش فيه مواطنو الشمال في خوف وفقر مدقع ومعيشة بائسة لا مكان فيها للفرح والحبور والتواصل مع العالم الخارجي بحرية، وفي ظل نظام يجير مقدرات البلاد للإنفاق على الإستعراضات العسكرية الضخمة، وصناعة أدوات التدمير والقتل والتخريب، ورسم اللوحات الجدارية العملاقة التي تمجد القائد العزيز الملهم، شمس القرن الحادي والعشرين الرفيق "كيم جونغ إيل" وعائلته، وإطناب المديح للزعيم الفرد، يعيش إخوتهم في الشطر الجنوبي في بحبوحة من العيش، فيما ثروات بلادهم تنفق على التنمية المستدامة، والتصنيع، والبناء، والابحاث العلمية المؤدية إلى خير البشرية جمعاء.
بطبيعة الحال، قد لا يعجب هذا الكلام البعض ممن لا يزال يراهم على نظام "بيونغيانغ" وأشباهه من الأنظمة المشاغبة، فقط لمجرد أنها تقف، بعنترياتها وشعاراتها وتهديداتها، في "زور" المخططات الإمريكية الشريرة. لكن مهما قال هؤلاء، ومهما تمادوا في إعجابهم بالنظام الكوري الشمالي، ودافعوا عنه بالحق والباطل، فإن حقيقة البؤس الذي يعيشه مواطنو الشمال، والذي وصل حد تقنين الإنارة في محاولة لتوفير الوقود، وبالتالي جـَعـَل تلاميذ المدارس يراجعون دروسهم ويحلون واجباتهم المدرسية إعتمادا على أنوار الشوارع، أمر لايمكن إخفاؤه، خصوصا في هذا العصر المتميز بالثورة الإعلامية العابرة للقارات.
نعود اليوم لنكتب مجددا عن شبه الجزيرة الكورية على خلفية ما حصل مؤخرا حينما سخنت "بيونغيانغ" فجأة خط الحدود الفاصل بين الكوريتين، والذي ظل هادئا بصفة عامة منذ إنتهاء الحرب الكورية المعروفة في عام 1953 . ففي الثالث والعشرين من نوفمبر الجاري أطلقت "بيونغيانغ" نحو 180 قذيفة على جزيرة "يوونبيونغ" الكورية الجنوبية والواقعة في البحر الأصفر(ظلت هذه الجزيرة مكانا لحوادث وإشتباكات متكررة بين قوات الكوريتين منذ عام 1999 بسبب ما يدعيه الشماليون من أن الخط الذي يفصل بلادهم عن الشطر الجنوبي يجب أن يبدأ في موقع خلف الجزيرة المذكورة)، الأمر الذي أفضى إلى مقتل أربعة كوريين جنوبيين (مدنيان وعسكريان)، علاوة على إصابة 18 آخرين بجروح (15 عسكريا و3 مدنيين).
إن أكثر ما أضحكني وأنا أتابع هذه الأخبار هو المبررات التي ساغها نظام "بيونغيانع" للقيام بتلك العملية الطائشة. إذ قيل أن الأمر يتعلق ببيان سيطرة وشرعية الزعيم المقبل لكوريا الشمالية، أي "كيم جونغ أون" الذي فضله والده على أخويه الآخرين قبل أكثر من شهر ليكون وريثه وخليفته على عرش البلاد، حينما يوافيه الأجل المحتوم، ولكأنما شرعية الإبن وبيان سيطرته على الأوضاع لا يتحقق إلا بإستعراض العضلات ، قصفا للآخرين وقتلا للأبرياء وتوتيرا لأجواء السلام في منطقة شمال شرق آسيا.
الأمر الآخر الذي أثار ضحكي هو أن "بيونغيانغ" إعتدتْ على جارتها، ووصفتها عبر إعلامها المسيـّر بالعدو، ثم راحت تتهمها بالتباطيء في إرسال المعونات والمساعدات الإقتصادية لإخراجها من مآزقها الإقتصادية التي أوصلت البلاد والعباد إلى شفا المجاعة كما يـُجمع كل المراقبين والمحللين.
ومما لا شك فيه أن زعماء "بيونغيانغ" يراهنون كثيرا على عقلانية قادة "سيئول" في قيامهم بمثل هذه الأعمال الصبيانية، وأعمال أخرى من قبيل الإعلان من وقت إلى آخر عن بنائهم لمنشأة جديدة لتخصيب اليورانيوم، أو تدشينهم لصاروخ نووي عابر للقارات. هذه الأعمال والتصرفات التي أحرجت حتى أقرب حلفائهم، بل الحليف الدولي الوحيد لهم ونعني به الصين.
فسيئول، كما إتضح في مناسبات سابقة، تحرص على ضبط النفس وعدم الإنجرار إلى حرب شاملة في شبه الجزيرة الكورية، رغم إمتلاكها لجيش قوي منضبط وقدرات قتالية معتبرة، خصوصا في ظل إتفاقياتها العسكرية مع حليفتها الإمريكية. والأسباب تكمن في إكتراثها الشديد بأرواح مواطنيها، وإهتمامها بالمحافظة على ما حققته من إنجازات رائعة في ميادين التصنيع والتعليم والتدريب والبنية التحتية، على الأقل، منذ وصول الجنرال "تشونغ بارك هي" إلى الحكم في أواخر السبعينات. هذا الرجل الذي رغم قمعه وحكمه الديكتاتوري، صار يـُذكر في الأدبيات الكورية الجنوبية كواضع للبنات الأولى لما تتمتع به البلاد اليوم من نهضة صناعية جبارة ورخاء، ومستويات معيشية جيدة، على إعتبار أنه كان صارما، لا يسمح بالتسيب والفساد، ومطبقا لمبدأ مكافأة النجباء ومعاقبة الكسالى والفاسدين.
على العكس من ذلك، لا يهتم نظام "بيونغيانغ" الشمالي بدروس الماضي وكوارثه وآلامه، لأن ليس لديه ما يخسره إن أحرق الأخضر واليابس، فضلا عن أن مواطنيه يقاسون الآلام سواء بالحرب أو بدونها.
والحال أن الجهة الوحيدة التي تستطيع اليوم لجم "بيونغيانغ" وتحجيمها هي بكين. فهذه الأخيرة لها دالة على "بيونغيانغ"، كونها المنفذ الوحيد للأخيرة إلى العالم الخارجي. كما أن الصينيين، بحسب بعض التقارير، باتوا منزعجون أكثر من أي وقت مضى من طيش "كيم جونغ إيل" وبطانته وتصرفاتهم الحمقاء، ويحبذون أن يعززوا دورهم الدولي وموقعهم الدبلوماسي في العالم من خلال التجاوب مع النداءات الدولية لتثبيت السلام في شبه الجزيرة الكورية والمنطقة المجاورة لها. وربما إنطلاقا من هذه الفرضية، توقف المبعوث النووي الإمريكي "ستيفن بوسوورث" في بكين بعد زيارة سريعة له إلى طوكيو و سيئول، وذلك من أجل التنسيق مع الصينيين وحثهم على إتخاذ خطوات حاسمة في كيفية التعامل مع "بيونغيانغ". ومما قيل في هذا السياق، أن توقيت حادثة قصف جزيرة "يوونبيونغ" معطوفا على توقيت الإعلان عن تدشين منشأة نووية جديدة، يشيران إلى مدى إمتعاض "بيونغيانغ" من جولة المسئول الإمريكي، بل جاءا كرسالة تحد منها للعالم أجمع بما في ذلك الصين.
د. عبدالله المدني
* باحث ومحاضر أكاديمي في الشأن الآسيوي من البحرين
تاريخ المادة: ديسمبر 2010
البريد الإلكتروني: [email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قادة الجناح السياسي في حماس يميلون للتسويات لضمان بقائهم في 


.. دعوات أميركية للجوء إلى -الحرس الوطني- للتصدي للاحتجاجات الط




.. صحة غزة: استشهاد 51 فلسطينيا وإصابة 75 خلال 24 ساعة


.. مظاهرات في العاصمة اليمنية صنعاء تضامناً مع الفلسطينيين في غ




.. 5 شهداء بينهم طفلان بقصف إسرائيلي استهدف منزلا في الحي السعو