الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المجاز طوق نجاة المؤمن عندما يغرق

بسام البغدادي

2011 / 1 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الاعتقاد بأن مصطلحات دينية مثل الله أو الشيطان أو الملائكة هي مصطلحات مجازية فقط للدلالة على الخير المطلق أو الشر المُطلق أو التفاني المُطلق للهروب من المشاكل التي يتسببها تجسيد هذه المُصطلحات في شخصيات حقيقية موجودة أعتقاد يسقط تحت ثقل النظرية الدينية نفسها, فلماذا الخير المُطلق سيهدد مجازياً بسلخ جلود مجازية أذا الشر المُطلق رفض أن يسجد مجازياً لآدم لهذا تم عقابه في نار مجازية تنتظره وتنتظرنا مجازياً.

المجازية هي طوق نجاة المؤمن عندما يجد أن النصوص المقدسة والتي لايستطيع أن يرفضها أو يضحك عليها مثيرة للضحك أو التقزز أو الاثنين معاً... فالسيف الذي يتحدث عنه المسيح هو سيف مجازي وضرب المرأة في القرآن هو ضرب مجازي وسفينة نوح هي سفينة مجازية بل حتى الله و الشيطان تصبح مصطلحات مجازية عندما لايجد المؤمن من تفسير منطقي لأسباب وجودهما كشخصيات مُستقلة تخطط وترسم وتفرح وتغضب وتعاقب وتطالب بالولاء وتهدد بالجحيم.

بل يذهب المؤمن أبعد من هذا بكثير, فهو يصلي ويصوم لأشياء مجازية, بل يعتقد بأن هذه الاشياء المجازية تريد أن تخاطبه وتتحدث معه من خلال كتاب حقيقي, وفي هذا الكتاب الحقيقي توجد خطابات مجازية مهمتها تسهيل وتنظيم حياة المؤمن بهذه الاشياء المجازية كي يصل الى ذروة الطاعة و الايمان بها وبعد موته تقوم بأدخاله في جنة مجازية أو تعاقبه في نار مجازية. والاغرب من كل هذا هو أن هذا المؤمن المسكين يجوع حقيقة ويعطش حقيقة بل ويقاتل ويقتل ويذبح آخرين من البشر من الذين لايؤمنون بهذه الاشياء المجازية على أمل أن تكافئه هذه المجازيات في دخول الجنان المجازية والتهليل لأبنه المجازي في المسيحية أو نكاح 72 حورية مجازية والشرب من أنهار من الخمر و اللبن المجازي. وفي أقسى حالات المجاز المثيرة للضحك يذهب المؤمن من بلده ويترك أهله كي يزور بيت مجازي لله وفي اثناء زيارته لهذا البيت المجازي لله يقوم برجم الشيطان المجازي بسبعة أحجار حقيقة وهو يصدق في هذا بانهُ فعلاً قام برجم شيطان حقيقي ولكن عندما نواجهه بالحقيقة يهرب مرة أخرى الى المجاز وبأن الشيطان هو تعبير مجازي للشر المطلق والذي يعني غياب الله والذي هو كذلك مجاز للخير المطلق.

الهروب الى المجاز كان ولازال الملجأ الاول للمؤمن الذي يريد تفسير النصوص الدينية القاسية أو الركيكة كي يستخرج منها نصوص أعمق و أبلغ تتوافق مع حسهُ الإنساني الرهف و أخلاقه العالية نسبياً مقارنة بالنص الديني المقزز على الغالب. أنها حالة تصادم مؤلمة و جريئة تجدها في عقل المؤمن المُتمدن والذي يرفض الفكر الديني جملة وتفصيلاً لكنه واقع تحت ثقل الضغط الاجتماعي و الديني, والضغط الاكبر من كل هذا هو ضغط الرعب من الموت أو ما يتوعده هذا الإله المجازي بهِ بعد موتهِ أن لم يؤمن كلياً بما جاء ونشأ عليه هذا المؤمن المتمدن منذ مراحل طفولته الاولى وحتى اليوم. فاللجوء الى المجاز يأتي كحل وسط بين الاعتقاد بعنف وصرامة وغرابة الخطاب الديني المقدس وبين عقلانية المؤمن التي طالما دافع عنها وآمن بصلاحيتها في قضاء حاجاته في حياته اليومية العادية.

فلا اليهودي ولا المسيحي ولا المسلم العادي يؤمن حقيقة بأن الارض عمرها ستة الالاف سنة, أو بأن حواء جائت عندما تكاثر آدم بالانشطار أو بأن نوح جمع ستة مليارات زوج من الحيوانات ابتداء من القطب الشمالي الى ادغال افريقيا وغابات الامازون وأستراليا نزولاً الى القطب الجنوبي أو بأن موسى حقيقة قام بشق البحر الاحمر بعصاه نفسها التي تحولت الى افعى يوماً ما أو بأن المسيح حقيقة بالجسد قام بالطيران الى السماء قبل 2000 عام أو بأن محمد قام بالطيران على ظهر دابة الى السماء السابعة بسرعة الضوء. جميعهم يؤمن بشكل من الاشكال المُبسطة بفعل المنطق لنفس هذه القصة, ويحاول تجاهل الاجزاء التي تبدو مضحكة أو خرافية كي يبدو إيمانه عقلانياً ومنطقياً وكي يكون متوازناً في إيمانه بالماورائيات الغير قابلة للتعليل او الاثبات وبين حياته اليومية الواضحة والمادية جداً. المُشكلة أن النصوص الدينية هذه ثابتة وتفضح نفسها بنفسها حتى دون أن يلمسها أحد, لهذا فأن المجاز يصبح أداة فعالة للسماح بـ(عقلنة) و (منطقة) الغير عقلاني و اللامنطقي الموجود في النص الديني.

أما اليهودي أو المسيحي أو المُسلم المُتعصب من أمثال بن لادن على نسخته اليهودية أو المسيحية وكل من يؤمن بمشروعه الديني وفقاً لمنهجه المنصوص عليه في كتابه المقدس, فأن العقل و المنطق لاعلاقة لهُ في تفسير الظواهر الكونية بالاساس, لهذا فهم لايحاولون ولايلجأون حتى الى أستخدام المجاز في تفسيراتهم للنص الديني, بل لايحتاج حتى أن يكون هناك توازن نفسي بين بشاعة النص الديني أو ركاكته الفاضحة وبين حسهُ الإنساني الذي يمتلكه. فهو ينكر كل الاخلاق الإنسانية وكل القيم وكل العلوم وكل المبادئ و الاسس التي لاتتوافق و النص الديني. النص الديني لمثل هؤلاء الاشخاص هو المصدر الاساسي و الوحيد للأخلاق و القيم و العلوم. بل يجب وفقاً لفكر هؤلاء الاشخاص المُتدينين أن يتم أدارة العالم و المصالح بل حتى قوانين الطبيعة وفق النص الديني حتى وأن لم ننجح فهذا يعود دائماً الى فشل التطبيق وليس فشل النص الديني في وصف الواقع الحقيقي الذي نتعايش معهُ نحن.

أخيراً, فأن لجوء المؤمن بالنص الديني الى المجاز ومن ثم مخالفته من باب التأويل القابل للتغيير هو على الغالب الصفعة الاخيرة التي يوجهها المؤمن للنص الديني قبل أن يقوم بتمزيقه ومن ثم تركه. أنهُ صراحة مؤشر جيد على رفع الحس الانساني وثبات القيم الاخلاقية المدنية في هذا الشخص ورفضهِ المبدئي الانصياع الى نصوص قادمة من زمن مختلف عن زماننا تتحدث بلغة تختلف عن لغتنا وتحمل قيم و أخلاق الزمن الذي نشأت فيه. أنهُ رفض صريح للعنصرية التي تؤسس عليها النصوص الدينية وفقاً للانتماء العقائدي أو العشائري, أنهُ لجوء أكيد الى مبدأ أكبر و أعم من تلك المبادئ الضيقة و الخاصة جداً التي تدعو لها الاديان الابراهيمية عامة, لجوء المؤمن بالاديان الابراهيمية الى المجاز لتفسير بشاعتها هو لجوء واضح الى الإنسانية ورفض لنزعة العدائية و الدماء التي تسبح بها الكتب المقدسة دائماً.


بسام البغدادي
http://www.facebook.com/Bassam.Albaghdady








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ما رأيك؟
مازن البلداوي ( 2011 / 1 / 6 - 16:19 )
عزيزي بسّام
ماهو برايك الطريق الأمثل لمخاطبة الناس كي يصحوا من غفوتهم ويفكروا جديا؟

تحياتي


2 - صدمه
اياد أبو أمين ( 2011 / 1 / 8 - 12:26 )
يحتاج العقل المؤمن ان يتصارح مع نفسه ليعرف اولا موقعه بين عقول المجتمع الانساني وثانيا عليه ان يجد الحلول بنفسه للارتقاء للوصول الى الانسانيه بدون اوهام وخرافات وخزعبلات الاديان


3 - الدين ليس هو الخير كما يتوقع العالم
mushtaq linn ( 2011 / 1 / 9 - 17:48 )
اخ بسام كلامك منطقي وعقلاني ولكن للاسف هنالك فقط قلة مدركة من البشر بهذه الحقائق اغلب البشر يحبون الاشياء الجاهزة والحاظرة حتى لوكانت ضد مبادي النفس البشرية وحتى ضدهم انفسهم الذين يهللون بلمنابر باعلى اصوات الرجعية ويدعون الناس بلصلاة والصوم وعدم سفك دماء الابرياء ولكن مصالحهم ان اقتضت على فعل كل هذه الافعال فلا يترددو في فعلها وهم مطمئنين ومتاكدين ان الاله معهم المشكلة ان كلما تحدث الملحدون عن عدم وجود اله فان اغلبية البشر يظنون ان هذا الملحد هومجرم وقبيح وما الى ذلك من الصفات السيئة ذلك لانهم تربوا على مبدا ان الدين هوالخير وكل من يضده هو الشر وهذا العكس بلطبع فاأنا في مدينتي بغداد ارى مئاتٍ من الناس تقتل من مليشيات دينية وينتهكون كل حقوق الانسان ويحرمون الانسان من كل شي من طبيعته وهم يظنون ان الجنة تنتظرهم وسوف يجازيهم الله باحسن الماوى ولكن ان ابديت رايك البسيط فسوف تقتل على الفور


4 - صدفة
صدفة ( 2011 / 12 / 1 - 10:51 )
طبعا نظرا للملحد الذي الذي يعتقد ان العالم جاء عن طريق الصدفة من خلال نشوء ذاتي للمادة الى ان نشوء كل هذا الكم الهائل من المجرات والكواكب بالصدفة وصولا الى كوكبنا التي اختارنه *المصادفة*لتنشاة عليه الحياة الى نشوء الانسان العاقل الذي جاء بالصدفة وصولا الى النبي ابراهيم قبل ان يأتي رجل اسمه موسى ظهر عن طريق الصدفة والذي اتبعه ملايين البشر عن طريق الصدفة وصولا الى المسيح الذي ظهر عن طريق الصدفة واتيعه مليارات البشر عن طريق الصدفة وصولا الى محمد والقرأن الذي صار اعجاز في البلاغة عن طريق الصدفة قبل ان يتنشر الاسلام حول العالم عن طريق الصدفة وانا ايضا كتبت هذا التعليق عن طريق الصدفة لهذا لا تغضب مني

اخر الافلام

.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية


.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-




.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها


.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الدكتور قطب سانو يوضح في سؤال مباشر أسباب فوضى الدعاوى في ال