الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


11 أيلول، ذريعة مخطط لها

نجم الدليمي

2004 / 9 / 29
الارهاب, الحرب والسلام


هذه مجموعة من الأدلة الدامغة، في الحد الأدنى، حول أن الاعتداءات «الإرهابية» التي وقعت في 11 أيلول «ضد» الولايات المتحدة كانت منظمة، جزئياً على الأقل، من قبل السلطات الأمريكية، كذريعة لشن حرب، خطط لها منذ أمد بعيد ضد جنوب آسيا، وإطلاق أوسع حملة اعتداء على الحريات المدنية في الغرب، منذ حقبة الفاشية.

تتوزع الأدلة على أربعة أنماط:
1. الدليل على أن خطة العدوان على أفغانستان كانت مصممة قبل 11 أيلول.
2. إلقاء نظرة متفحصة إلى أحداث صباح 11 أيلول، تثبت أن الدوائر العليا في السلطة الأمريكية تركت، عن وعي، تلك الاعتداءات تحدث.
3. الروابط الوثيقة بين عصبة بوش وعائلة بن لادن والـ C.I.A.
4. عدم مصداقية التقارير الرسمية الأمريكية، وعدد من الأحداث المريبة.

أولاً:
يؤكد نياز نك، وهو دبلوماسي باكستاني، على أن موظفين أمريكيين، من أعلى المستويات أنبؤوه، في منتصف تموز عام 2001 بأن هجوماً وشيكاً على أفغانستان جرى إقراره وتحديده في منتصف تشرين الثاني. وفي ابعد حد، قبل فترة هطول الثلوج، (تقرير إخباري، BBC، جورج أرني، 18 أيلول 2001).
إن الأشخاص الذين لديهم خبرة في الشؤون العسكرية، وكذلك الأبحاث التي قمت بها عبر تاريخ الحملات العسكرية السابقة، من العيار ذاته، يثبتان بجلاء أن من المستحيل على الإطلاق إعداد عملية عسكرية، بمستوى الهجوم الأمريكي على أفغانستان خلال خمسة وعشرين يوماً، أي خلال الفترة الزمنية التي تفصل 11 أيلول عن بدء العدوان على أفغانستان. ومهما بلغت حدة غضب الولايات المتحدة، فقد كان من المستحيل، لوجستياً، تنفيذ هذا الهجوم. يطرح البعض، أن الولايات المتحدة كانت على الدوام مستعدة للهجوم على كائن من كان، وفي أي وقت من الزمن، ولكن هذا مستحيل أيضاً، وحتى على بلد غزير الموارد، كالولايات المتحدة. فعلى سبيل المقارنة، حين هاجمت الولايات المتحدة العراق عام 1991 احتاجت إلى أربعة أشهر ونصف، لإعداد هجومها، وهي لم تنفذ الهجوم إلا بعد مفاوضات طويلة، وعقد تسويات وترتيبات لا حصر لها. وكانت تلك المفاوضات تجري خلال الفترة التي كانت فيها الولايات المتحدة تعد العدة لهجومها. ولم يبدأ ذلك الهجوم إلا في اللحظة التي كان الجيش الأمريكي فيها قادراً على القيام به. وإذا كان ينبغي التسليم بأن الجيش الأمريكي هو من الجاهزية إلى هذا الحد، وأنه قادر على تجهيز مثل هذا الهجوم خلال خمسة وعشرين يوماً، فإن ذلك يتناقض تناقضاً صارخاً مع عجزه الذي لا يصدق حبال أحداث الصباح الشهير في أيلول، وسنعود إلى ذلك في البند الثاني.
كذلك فإن من المحال التسليم بأن في وسع الولايات المتحدة التعرف على هوية الجاني الذي يختفي خلف اعتداءات 11 أيلول في مثل هذه المدة القصيرة جداً، التي تزعمها. ففي حين أن من المعقول وجود لائحة من المشبوهين، يمكن أن تكون في أذهان المسؤولين فوراً، ولكن هذا يختلف تماماً عن حالة اليقين الكامل من مسؤولية شخص ما، إلى حد القول، إن الولايات المتحدة مستعدة للهجوم على بلدآخر استناداً إلى هذه الشكوك والشبهات. من المفيد جداً استعراض التسلسل الزمني لـ «التحقيق» حول اعتداءات 11 أيلول. إذ لم تكد تمضي بضع ساعات حتى كان بن لادن هو المتهم الحقيقي، وخلال اثنتي عشرة ساعة ثم الإعلان عن مسؤوليته بدرجة من اليقين تبلغ مئة بالمئة، من خلال العبارة التي جرى تردادها: «بصمات بن لادن موجودة في كل مكان»، ثم جرى بعدها إطلاق التهديدات بالهجوم على أفغانستان، وهو ما كان أكثر مدعاة للسخرية، دون أن يخصص من الوقت ما يكفي لتشكيل لجنة يفترض بها مناقشة النواحي اللوجستية في التحقيق، واختيار المحققين. وهو ما سنناقشه في البند الثاني.
ولكن من الواضح تماماً أن السلطات الأمريكية، أعلنت، بما يشبه قرع الطبول، عن معرفتها للجناة الذين اارتكبوا الاعتداءات،وكانت سعيدة جداً بإمكانبة استخدامهم كذريعة لمهاجمة كل الذين تحددهم، ولكننا نمتلك معلومات كافية لن نزعم بأنها كانت قد أعدت خططاً مسبقة ضد أفغانستان.
تشكل النقاط المذكورة أعلاه، منظوراً إليها بمجموعها سيناريو لا يدحض،يسمح لنا بالتأكيد على أن الهجوم على أفغانستان كان مقرراً قبل 11 أيلول، غير أن هذا بحد ذاته، لا يشكل دليلاً دامغاًَ على أن الولايات المتحدة كانت ضالعة في تنظيم أحداث 11 أيلول، وهو ما سنعود إليه في البند الثاني، ولكن ذلك يسمح لنا بالقول بأن هذا هو التفسير الأكثر معقولية. وإذا ما قبلنا بأن الهجوم على أفغانستان كان مقرراً، ولكننا لم نشأ، في هذه الحالة الإقرار بأن الولايات المتحدة كانت ضالعة في تنظيم أحداث 11 أيلول، فسيكون علينا أن نصدق بأن الاعتداء الإرهابي الأكثر مشهدية في التاريخ حدث في اللحظة المؤاتية إلى أبعد حد، من أجل الدعاية لحرب كانت الولايات المتحدة قد خططت لها سابقاً. وف يحين أن هذا ممكن، فإنه غير مرجح الحدوث. وهو ما سيوضح الأمور إلى حد بعيد.
ستتوضح الأمور حول هذه النقطة، بوضع قائمة من السيناريوهات الممكنة، مع افتراض تسليمنا بأن ثمة خطة مبيتة تم إقرارها للهجوم على أفغانستان:
1. لم يكن للولايات المتحدة أية علاقة في تنظيم اعتداءات 11 أيلول، وأنها فوجئت بالفعل، ولكنها وجدت فيها فرصة للدعاية من اجل حربها القادمة، واعتبرت أ، ذلك كان اكثر أهمية من تحديد هوية الجناة الحقيقيين.
2. لم تكن الولايات المتحدة متورطة فعلياً في تنظيم الاعتداءات، ولكنها كانت تعلم مسبقاً بأنه ستحدث، وقد سمحت، عمداً، بحدوثها. لتوفير حاجات الدعاية لحربها.
3. كانت الولايات المتحدة ضالعة فعلياً في تخطيط اعتداءات 11 أيلول وكان ذلك جزءاً من خطة متكاملة تتضمن حربها على أفغانستان.
وفي حين أنني لم أقدم دليلاً محدداً على كل من هذه السيناريوهات الثلاثة، فإن الحس السليم يدلنا ـ إذا ما سلمنا بأن الهجوم على أفغانستان كان مقرراً مسبقاً ـ على أن السيناريو رقم 3 يشكل التفسير الوحيد المقبول عقلياً. لأن السيناريو 1 و2 يطلبان منا التسليم بأن توقيت الاعتداءات الذي كان مؤاتياً، بوجه خاص، جاء بمحض الصدفة. أما فيما يتعلق بالسيناريو رقم 2 فسيمكن القول أن تاريخ منصف أكتوبر كان هو ذاته مقرراً مسبقاً تبعاً للاعتداءات الإرهابية التي كان معلوماً بأنها ستحدث، ولكن هذا لا يبدو معقولاً أيضاً، لأن تاريخ أكتوبر يتفسر بطريقة أكثر معقولية بكثير ، من خلال تصريح نياز نك، وسيكون علينا أن نصدق دوائر الاستخبارات الأمريكية بشأن هجوم إرهابي ـ لم تكن هي ضالعة فيه ـ هجوم نوعي، بحيث أنها كانت قد قررت في تموز، أي قبل شهرين من 11 أيلول، تاريخ هجومها على أفغانستان بناء على توقيت 11 أيلول بالذات، وهذا بعيد الاحتمال إلى حد بعيد. فإذا سلمنا بأن الهجوم على أفغانستان كان مجهزاً مسبقاً يكون السيناريو الثالث هو التفسير المرجح الوحيد.
وإذا رفضنا التسليم بأن الهجوم على أفغانستان كان مبيتاً، فعلينا الاعتقاد بأن:
1. نيازي نك كان كاذباً.
2. الأمريكيون قادرون على تنفيذ هجومهم في فترة زمنية تتحدى القوانين المقررة للوجستيك العسكري.
3. وإذا سلمنا بأنهم عاجزون عن معرفة الجاني خلال ساعات فقط، فإنهم قد اختاروا أفغانستان، ببساطة لأنهم يريدون أن يظهروا للعالم كله أن بمقدورهم فعل شيء متا، وهكذا، فغ، بن لادن كان كبش الفداء المثالي بالنسبة إليهم.
ترتبط عناصر الأدلة التي سنقدمها في البند الثاني بهذه السيناريوهات مع الاستناد الدائم إلى مصادر متوفرة. وستثبت في نهاية المطاف بأن تواطأً فعالاً من قبل السلطات الأمريكية في التخطيط لهذه الهجمات هو التفسير الوحيد الممكن.

ثانياً:
في صباح الحادي عشر من أيلول حدثت أخطر أزمة طيران شهدها تاريخ العالم وقبل أن نتابع مجريات هذه الأزمة، من المهم، بوجه خاص، أن نتحرى الإجراءات العادية المألوفة التي تتخذ في حال اختطاف طائرة، أو اقتراب طائرة، من دون إذن، أو غير معروفة الهوية، أو فشل الاتصالات بها، أو أي طارئ غير مبرمج، بغض النظر عن الارتياب أو عدم الارتياب، بسبب ملاحظة تهديد مباشر.
في مثل هذه الحالة. يستنفر سلاح الطيران، وتقلع الطائرات النفاثة على الفور. فبحسب تقرير منشور عن القوات الجوية الروسية، يقول قائد القوات الجوية الروسية، بأن الرد على مثل هذا النوع من المواقف لا يستغرق أكثر من دقيقة واحدة، ويتابع بأن من المستحيل ارتكاب اعتداءات الحادي عشر من أيلول لو أن إجراءات الأمن العادية كانت قد اتخذت، ثم أضاف، بأن روسيا قد عالجت، بكل سهولة، موقفاً مماثلاً حدث فيها، مع أنه لم يقدم أية تفاصيل.
إن هدف اعتراض طائرة هو متابعتها من مسافة قريبة جداً، وتزويدها بمعلومات صحيحة عن تحركاتها، والاحتفاظ بالاتصال بها عبرالراديو، والتعرف قدر الإمكان على الموقف، وعلى نوايا الملاحين، وتقديم فرصة الهبوط ـ وليس الإجبار على الهبوط، أو إسقاطها ـ إذا بات واضحاً أن لها نوايا عدائية.
والاعتراض، بحد ذاته، ليس عملاً عدائياً، فثمة إشارات مقننة تشكل جزءاً من مدونة رموز الطيران، يرسلها طيار سلاح الجو إلى الطائرة المدنية، حين يكون الاتصال بها عبر الراديو متعذراً. فحين يخرج الطيارون عن خط طيرانهم المعتاد، أو يضلون عن وجهتهم، يقودهم قائد الطائرة المطاردة إلى خط طيرانهم الصحيح. غير أن القوات الجوية واجهت حالات ايضاً اجبرت فيها طائرات مدنية على لاهبوط، أو أسقطتها، وذلك حين تصرفت بطريقة اعتبرت استهتاراً مقصوداً وعدوانياً بقوانين الطيران. أو حين شكلت خطراً محتملاً. وفي حين أن النتيجة النهائية لاعتداءات 11 أيلول: (طائرات تتحطم فوق مبان) لا سابق لها، فإن الظروف التي سبقت الاصطدامات كانت ظروفاً عادية وروتينية: (طائرات مختطفة، توقف أجهزة الإستقبال والاتصال، تقرير عن اختطاف طائرات)، فقد جرى التعامل مع هذه الظروف، بنحو مألوف، من قبل القوات الجوية الأمريكية ولكن بفعالية معدومة تماماً.
لقد كان من الطبيعي أن يجري اعتراض هذه الطائرات تبعاً للقواعد المعروفة قبل أن يتكشف بأن نواياها كانت عدوانية، وهو مالم يجر، حسب المعتاد في 11 أيلول.
وبكل بساطة، فإن هذه التدابير العادية للقوى الجوية، والتي يجري تفعيلها آلياً، دون الحاجة للرجوع إلى السلطات العليا لم تحدث، فقد أهملت الإجراءات الروتينية بصدد كل طائرة من الطائرات المشاركة في الاعتداءات.
لقد جرى متابعة الطائرات الأربع المختطفة عبر أجهزة الرادار من قبل سلطات الطيران الفيدرالية، وعبر أجهزة مراقبة حركة الطائرات في كل مكان من البلاد وظلت على اتصال فيما بينها، ولأن أي موظف مرؤوس لا يملك سلطة إلغاء الإجراءات الروتينية، فإن عدم الشروع بتنفيذ هذه الإجراءات لا يمكن أن يتم، إذن إلا من خلال أوامر معطاة بهذا الشأن، وصادرة من أعلى السلطات في البلاد.
وبصدد الطائرة التي اصطدمت بالبنتاغون، أي الرحلة 77 لشركة أوينتد إيرلاين، فقد كان من المفترض اعتراضها، من قبل الطائرات المطاردة في قاعدة أندروز، في اللحظة التي اقتربت فيها من واشنطن، فهذه القاعدة تقع على بعد عشرة أميال (16) كم على الأكثر من مبنى البنتاغون. والواقع أنه كان ينبغي اعتراضها في وقت أبكر ايضاً. ففي الساعة التاسعة وخمس دقائق، على أبعد تقدير، كان البنتاغون على اطلاع بأن طائرتين مختطفتين قد اصطدمتا ببرج التجارة الدولي، وأن هناك طائرة أخرى قد اختطفت. من الجائز أنه لم يكن واضحاً بعد بأن الرحلة 77 كانت متوجهة شطر واشنطن، ولكن أمراً كان مؤكداً بأن هجوماً إرهابياً، واسع الأبعاد، كان على وشك الوقوع، وأن ثمة طائرة أخرى، على الأقل، كانت تعتزم ضرب مكان ما. وقد بقيت مطاردات قاعدة أندورز جاثمة على الأرض.وأياً كان الأسطول الجوي المسؤو لعن تغطية المنطقة التي اختطفت فيها الطائرة، لحظة اختطافها، فإن هذا الأسطول لم ينطلق إلى مهمته. ففي الساعة التاسعة وإحدى وأربعين دقيقة، أي قبل دقيقتين من ارتطام الطائرة بالبنتاغون، كان المجال مفتوحاً أمام طائرتي ف16، من قاعدة لانجلي، لاعتراض هذه الطائرة. وقاعدة لانجلي تقع على بعد 130 ميل (210) كم من واشنطن، وهذا يعني بأنه لم يكن ثمة نية إطلاقاً لاعتراض الطائرة فقد ظلت أيضاً مطاردات أندروز جاثمة على الآرض. وقد زعم التقرير الرسمي بأنه لم يكن أي طيار جاهز للطيران في ذلك اليوم،وهذا كذب مفضوحح، فالمهمة المحددة لمطاردات ا،دروز هي حماية واشنطن، وإذا لم يكن أي من الطيارين جاهزاً ، فباي معجزة ظهرت تلك المطاردات فوق واشنطن بعد دقائق من ضرب البنتاغون؟ وهل يأملون، بجد، في أن نصدق بأن البنتاغون ليس محمياً إلا بقاعدة عملياتية واحدة، في الظروف المشابهة؟ ثمة رواية رسمية أخرى تزعم بأن السلطات ظنت في تلك اللحظة بأن الطائرة المخطوفة كانت تسعى لضرب البيت الأبيض.
وإذن؟ أفلا يشكل ذلك سبباً لتدخل سلاح الجو؟ وإذا كان هذا ما ظنته السلطات فلماذا لم يجر إخلاء البيت الأبيض إلا قبل ارتطام الطائرة بدقيقتين فقط؟ وحسب ما أمكنني استنتاجه من التسلسل الزمني للأحداث، فقد انقضت عشر دقائق بعد تحلييق الطائرة فوق الهدف الذي كان يظن بأنه متجهة نحوه، وفوق ذلك، مرت خمس وأربعون دقيقة بين اللحظة التي انقطع فيها الاتصال مع الرحلة 77 (أي اللحظة ذاتها التي كان ينبغي أن تنطلق فيها التدابير التلقائية لاعتراض الطائرة، وهو التوقيت الطبيعي) وبين اللحظة التي تحطمت فيها الطائرة فوقو البنتاغون. إن عدم حدوث أي اعتراض للطائرات أمر يثيرالعجب، مادام أنه منذ اللحظة الت يانقطع فيها الاتصال بإحدى الطائرات هي الرحلة 175 لشركة أوينتد إيرلين مرت عشر دقائق، قبل أن تتحطم هذه الطائرة فوق برج التجارة العالمي. ومرت خمس دقائق أخرى، بعد ذلك، علمنا بعدها أن طائرة ثالثة هي الرحلة 11 لشركة أميركان إيرلين، كانت قد اختطفت في الساعة التاسعة وثلاث دقائق، قد تحطمت، هي بدورها فوق البرج الثاني للمبنى، ولم يكن ثمة حركة في قاعدة أندروز الجوية، وفي الساعة التاسعة وخمس وعشرون دقيقة لم يكن هناك أدنى شك بأن الرحلة 77 تتوجه صوب واشنطن. ولم يكن هناك، أيضاً أي حركة في قاعدة أندروز، ولا إخلاء لمن كانوا في البنتاغون أو في البيت الأبيض، وأخيراً، وبعد أن حدث ما حدث أقلعت الطائرات المطاردة من قاعدة أندروز، وثم إخلاء البيت الأبيض، ولكن على نحو شكلي، كما بدا ذلك، بعد أن نفذت طائرة الرحلة 77 مهمتتها فوق البنتاغون. هكذا إذن. فإن هذه الطائرة وفي وقت حدثت فيه أحداث أمنية بالغة الخطورة (ضرب برجي التجارة) قطعت اتصالها بهدوء وعدلت خط طيرانها، وقطعت 300 ميل (حوالي 500 كم) متابعة بالرادار في كل لحظة، دون أن يتم اعتراضها، واقتربت في النهاية من عاصمة الأمة وحومت فوق البيت الأبيض، ثم تجاوزته لتتحطم فوق البنتاغون، دون أن تواجه أدنى مواجهة. وفي الساعة العاشرة وعشر دقائق علمنا بأن طائرة رابعة هي الرحلة 93 لشركة أونتيد إيرلين قد اختطفت.
وهذه الطائرة أيضاً لم تواجه بأي تدبير اعتراضي روتيني، وقد تحطمت في بنسلفانيا في الساعة العاشرة وسبعة وثلاثين دقيقة (ملاحظة: هناك تضارب في روايات العديد من المصادر الإعلامية حول المسار المحدد لهذه الطائرة. وسالقي الضوء على تلك الساعات المحددة في توضيح لاحق، ما أن أتمكن من تحديدها بدقة)، من الصعب القول بالضبط ماذا كانت تحتوي التقارير الرسمية حول عدم اعتراض الطائرتين اللتين اصطدمتا ببرج التجارة العالمي، لأن التقارير ما انفكت تتبدل، غير أن قيادة السلاح الجوي (نوارد) اعترفت بأنها أبلغت بعمليات اختطاف في الساعة الثامنة وخمس وثلاثين دقيقة، ولكنها لم تباشر باية عملية للقوى الجوية قبل أن يتعرض البنتاغون للاعتداء، وأقرت أيضاً، بأن اعتراض الطائرات المدنية من قبل الطائرات النفاثة هو إجراء روتيني، وأوردت التقارير بشأن طائرة الرحلة 93 بأن القوى الجوية كان باستطاعتها إسقاطها لو أرادت ذلك، ولكن هذا لا يقنع أحداً.
«كان بإمكانها إسقاطها» لماذا، إذن، لم يباشر، على الأقل، بالتدابير الروتينية في الاعتراض والمراقبة؟ لقد كان لدى هذه القوات 27 دقيقة كي تفعل ذلك،وفي نهاية المطاف، كان هنالك ثلاثة اصطدامات انتحارية في ذلك الصباح ذاته. ولكن كيف ستتصرف القوات الجوية، بالتحديد، لإسقاط تلك الطائرة؟ هل بطائرة نفاثة لم تكن حتى موجودة في الجو؟ أم بصاروخ بعيد المدى؟ وفي حين أن الاعتراض بطائرات مطاردة أسلم بكثير، كما أنه يوفر إمكانية إجبار الطائرة على الهبوط، فقد كان هذا الخيار هو الخيار الوحيد. ومتى سيسقطونها؟ وكم سينتظرون من الوقت؟
حين أجاب نائب الرئيس تشيني، على الأسئلة المتعلقة بهذا السيناريو العجيب، حاول أن يخلط ـ عن عمد ـ بين اعتراض الطائرة وبين تدميرها محاولاً بذلك أن يخلق انطباعاً بأن السبب في عدم أي إجراء يعود إلى أن كبار الموظفين كانوا عاجزين إلى حد اليأس عن معرفة ما إذا كان عليهم أن يتقدموا خطوة مأساوية في إسقاط طائرة مكتظة بمدنيين أبرياء، إن تشيني يعلم، حق العلم، بأن الاعتراض حين يتيح فرصة لإسقاط الطائرة لا يجعل هذا الإجراء حتمياً لا مناص منه، كذلك، ففي الوقت الذي ينشر فيه تشيني هذا الستار الدخاني يأتي آخرون ليقولوا لنا بأن السبب الوحيد في عدم اللجوء إلى اعتراض الطائرات هو عدم وجود أية مطاردة جاهزة للانطلاق في قاعدة أندروز، علينا أن نتفاهم الآن. لقد قالوا لنا بصدد الرحلة 93 بأن «باستطاعتهم إسقاطها»، حتى لو لم يحدث أي اعتراض لها،وهذا يتفسر ربما، كدلالة على أنهم يستطيعون غطلاق صاروخ عليها، فإن كان الأمر كذلك، فلماذا كانوا قلقين، إلى هذا الحد من القيام باعتراض الطائرة. وكيف يمكن أن يتفق تصريح تشيني مع إقرار (نوارد) بأن الاعتراض يشكل عملاً روتينياً؟. ليس هناك تفسير ممكن لهذه الأحداث ولا للالتباس المخادع في التصريحات الرسمية غير المقنعة على الإطلاق إلا في القول، بأن واحدا ًمن أعلى قيادات القوى الجوية، أو في إدراة بوش كان قد قرر بحزم عرقلة عمل القوات الجوية، وتوفير النجاح للإعتداءات.
سنوجه اهتمامنا الآن إلى الرئيس، وندلل في نهاية المطافن على أنه كان ضالعاً في هذه الأحداث.
في الساعة الثامنة و46 دقيقة، وفي اللحظة التي تحطمت فيها الطائرة الأولى فوق برج التجارة العالمي كان الرئيس في فلوريدا، في مدرسة إبتدائية، يتنقل بين المعلمين والتلاميذ. عجباً. إن أقل ما يمكن قوله، أنه بعد 14 دقيقة، أي في الساعة التاسعة تحديداً لا يبدو بأن شخصاً قد أبلغ الرئيس بالحالة الداهمة التي اكتسحت الأمة. لم يكن برج التجارة قد ضرب وحسب، بل إن أجهزة المراقبة الجوية كانت على علم باختطاف طائرة أخرى، على الأقل،كانت في تلك اللحظة تحلق في الجو، لا بل طائرتين. وثمة أمر ينبغي حينئذ أن يكون واضحاً كل الوضوح، وهو أن القوى الجوية كانت في حالة من الشلل المطلق، ولم تبادر إلى اتخاذ أي إجراء من إدراءات التدخل العادية. في الساعة التاسعة كان الرئيس واقفاً بين أطفال السنة الثانية، يقرأ نصاً يدور حول عنزة الفتاة الصغيرة. وفي الساعة التاسعة وخمس دقائق، أي بعد مرور دقيقتين على الإعتداء على البرج، همس أندريه كارد كبير مرافقيه. شيئاً ما في أذن الرئيس. وحسب الصحفيين الموجودين آنذاك «أظهر الرئيس تقطيبة صغيرة» غير أن آخرين من الذين يدعون بأنهم شهدوا كافة المراحل المتعاقبة لهذا الحدث وصفوا رد فعله بنحو آخر، كما لوكان توكيداً لحدث يتوقعه. هنا تغدو القضية أعجب وأغرب. إذ أن الرئيس لم يبد أي استجابة للحدث، بمغادرته للمدرسة، وعقد لاجتماع مستعجل، بل إنه لم ينطق بكلمة عن الأحداث الاستثنائية التي حدثت في نيويورك،وإنما تابع، بكل طيبة، زيارته لفصل القراءة، في نفس اللحظة أي في الساعة التاسعة و6 دقائق التي أذاعت فيها وزارة البوليس في نيويورك بلاغاً يقول: «إن ما جرى كان اعتداءاً إرهابياً، أبلغوا البنتاغون بذلك» (ني ديلي. نيوز، 12 أيلول)
وباختصار، فقد كان الموقف في الساعة التاسعة وخمس دقائق على النحو التالي: ثلاث طائرات على الأقل، كانت مختطفة، ذلك الصباح. والجميع يعلم أنها تقوم بتنفيذ مهمات انتحارية إرهابية، اثنتان من الطائرات كانت قد أصابتا هدفهما، وأديتا إلى نتائج مروعة.وعرف أيضاً بأن طائرة أخرى تحلق في الجو، ولايبدر عن سلاح الطيران أية حركة. وخلال ذلك الوقت فإن الرئيس الذي أبلغ بكل ذلك على نحو ظاهري ومكشوف، قرر أن يتابع حصة القراءة في صف مدرسة الأطفال،وكان موضوع الدرس حول العنزة الأثيرة لدى فتاة صغيرة. وسيظل مشغولاً بالعنز أيضاً طوال 24 دقيقة إضافية.
في مقابلة مع صحيفة نيوزويك يتذكر بوش اللحظة التي أبلغ فيها الخبر قائلاً: «إنني القائد العام، وقد تعرضت البلاد للاعتداء»، فلماذ إذن، واصل طوال 24 دقيقة أخرى افتتانه الشديد بعنزات الأطفال في صف الأطفال؟ ألا يثبت هذا، بالأحرى أنه لم يكن مؤهلاً لمواجهة مسائل الأمن الوطني، ولذلك فهو يستحق الملاحقة بتهمة الخيانة الوطنية؟ وفي الساعة التاسعة والنصف، كان لدى الرئيس الكثير من الماعز داخل البلاد، فقرر أنه قد حان الوقت،ليقول شيئاً ما حول الاعتداءات الإرهابية. ولم يقرر أي شيء مع ذلك، في حديثه القصير، وبدلاً من أن يدعو إلى اجتماع مستعجل، ويتسلم زمام القيادة المباشرة للقوى الجوية، أو أن يطلب على الأقل، معرفة أي شيطان يعيق حركة سلاح الطيران، قرر أن يبقى في المدرسة، وأن يوجه خطاباً متلفزاً للأمة يعلن فيه لمواطنيه مايعرفونه كل المعرفة، بأن هناك «اعتداء إرهابي واضح» ياله من رد فعل عديم الجدوى،, من تملص صارخ من الواجب الذي كان يملي عليه أن يضع الأمور في نصابها، بأن يتسلم زمام الموقف،وحتى ف ياللحظة التي كانت فيها طائرة الرحلة 77 قد وصلت إلى وشنطن الآن، والتي بات معروفاً بأنها اختطفت منذ أكثر من نصف ساعة، وكان الرادار يتابعها باستمرار، وكانت مطاردات قاعدة أندروز ماتزال جاثمة على الأرض.
وسواء اكان بوش لا يعلم عن الأمر شيئاً، أو أنه لايريد أن يعلم. أو أنه يعلم ولكنه لا يجرؤ على فعل شيء فقد كان حتى الساعة التاسعة والنصف قد بدد وقته في خطاب أجوف تماماً، إلى الأمة، في الوقت الذي كانت فيه الطائرة الثالثة تحوم فوق واشنطن، كانت قد تجاوزت البيت الأبيض، دون أن تكف اجهزة الرادار عن متابعتها، وقد انعطفت بزاوية مقدارها 360 درجة فوق البنتاغون الذي لم يتم إخلاؤه بعد، مع أن رئيس الأركان الموجود داخله كان على اطلاع بحدوث اعتدائين على برجي مبنى التجارة،وكان قلقاً بسبب أن البنتاغون مهدد أيضاً بأن يكون هدفاً، حتى قبل أن تقترب الطائرة من واشنطن. وهكذا وبعد أربعين دقيقة مرت في إثر ضرب البنتاغون علمنا بأن طائرة رابعة أيضاً، هي الرحلة 93 كانت قد اختطفت. وهذه الطائرة أيضاً لم يجر اعتراضها، ولم يتفضل الرئيس بالتدخل في هذه الخيانة السافرة المتمثلة في سلبية القوى الجوية.
من الواضح بأن الرئيس كان ضالعاً في التواطؤ الفعلي في هذه الاعتداءات، وكان يسعى إلى ضمان ان تتكلل بالنجاح. والقول بأن ردود الأفعال السليبة هذه كانت ناجحة، ببساطة، من عدم الكفاءة، ومن الارتباك والبلبلة لا يمكن تصديقه على الإطلاق. وإلى اولئك الذين يتشبثون بهذا التفسير غير المعقول بالمرة، المتمثل في عدم الكفاءة، أعود الآن إلى البند الأول، وإلى النقطة التي تتحدث عن عدم إمكانية التصديق بأن الولايات المتحدة تمكنت من أن تنظم هجومها على أفغانستان خلال 25 يوماً.فإذا طلب منا التصديق بأن الجيش الأمريكي هو من الجاهزية بحيث يمكنه أن ينفذ عملية من هذا النوع، وفي مدة تتحدى كل ما هو ممكن لوجستياً، فكيف يمكننا أن نتوقع إذن، في الوقت ذاته، من هذا البلد الذي يملك كل هذه القدرة المذهلة التي تفوق التصور، عدم الكفاءة في تنفيذ إجراءات روتينية للحفاظ على أمنه الداخلي؟ لقد أفسح المجال، دون أدنى مواجهة، لنجاح اعتداء، مثلما زعم قائد القوات الجوية الروسية أن من المستحيل حدوثه في بلده.
هذا الحذق المشوش، والعديم النفع والارعن الذي يسمونه سلاح الجو الأمريكي، هل تحول، إذن، فجأة، وحلال خمسة وعشرين يوماً إلى قوة مقاتلة فعالة ومميتة قضت على طالبان في مدة من الزمن قصيرة إلى حد مذهل؟ إن السيناريوهين الأول والثاني يستبعدان بعضهما بعضاً، فلكي نضفي أقل مصداقية على أن هذا الهجوم على أفغانستان، المنظم أفضل تنظيم، والناجح بوجه خاص، تمكن أ، يتحقق خلال خمسة وعشرين يوماً فقط، رداً على أحداث 11 أيلول هي الدليل القاطع على تواطؤ يثير السؤال الشائك حول معرفة، لماذا كان هناك ردانتقامي على حدث كانت لاسلطات الأمريكية متورطة فيه، هي ذاتها، أو، بالإضافة إلى ذلك، إذا كان علينا أن نؤكدأ دنى تأكيد على أن أحداث 11 أيلول حدثت بفعل انعدام كفاءة بالغ الحد ولكنه بريء، فسيكون علينا أن نشكك في سرعة هجومها على أفغانستان، وفي نجاحه، على الأقل، وهوأضعف الإيمان، وأن نشتم رائحة أن هذا الهجوم كان خليقاً أن يكون في حالة من الإعداد الكامل، سابق على تاريخ 11 أيلول، وسيكون علينا في هذه الحالة أيضاً أن نصدق بأن الاعتداء الإرهابي الأكثر مشهدية في التاريخ، حدث، ببساطة بنحو متزامن مع لحظة ليس هناك هو أنسب منها للدعاية لهذه الحرب المخططة.
إن هذه الوقائع البسيطة وحدها، لما حدث فعلياً صباح 11 أيلول، كافية لأن تثبت، بنحو قاطع، أن السلطات الأمريكية كانت ضالعة في هذه الاعتداءات. غير أن هناك عنصراً أكثر أهمية أيضاً في هذه الأدلة وهو يدعم قطعاً ما قلناه.وهو يتمثل في أنه إذا شئنا أن نصدق بأن السلطات الأمريكية بريئة من أي تورط في أحداث أيلول، وأن الهجوم على أفغانستان كان فقط رداً على هذه الأحداث نجد أنفسنا، بخصوص كل جانب من الجوانب التي تفحصناها حتى الآن، في موقف محير يتمثل في أن علينا أن نختار من بين هذه السيناريوهات ما يمليه علينا الحس السليم، على أنه الأكثر معقولية، بدلاً من اختيار سيناريو أكثر تعقيداً واختلاطاً. ولكننا حين نصوغ الافتراض المضاد فإن كل الأحداث تغدو واضحة كل الوضوح.
على ضوء هذه البداهو، يتبدى لنا بأنه ليس هناك من أساس معقول وموضوعي، يمنعنا من القول بكل يقين. بأن السلطات الأمريكية كانت متورطة في اعتداءات 11 أيلول، وأنها قررت القيام بها قبل هجومها على أفغانستان. إن الأساس الوحيد الذي يسمح لنا بأن نرفض الذهاب بهذا الاتجاه يقوم على آراء مسبقة أكثر مما يقوم على محاولة حقيقية واقعية لفحص بداهة الوقائع، بنحو موضوعي. فإذا كان الدليل على براءة السلطات الأمريكية يقوم على يقين بأن ما من بلد من البلدان يمكنه أن يقوم بمثل هذا العمل ضد مواطنيه، فيحسن بنا أن نلفت الانتباه بصدد إلى أن إمكانية القيام بهجمات إرهابية من قبل ا لـ CIA ضد المواطنين الأمريكيين، مسألة تحفل بها الأرشيفات العامة. فوثيقة الأرشيف القديمة حول قضية «نوثوود» تكشف أن الـ CIA كانت قد درست بعمق وبأكبر قدر من الجدية إمكانية شن هجمات إرهابية ضد المواطنين الأمريكيين، وإلصاقها بكوبا من اجل إلقاء اللوم عليها، ولكن الخطط تجمدت، ولم توضع موضع التطبيق. وكان الخيار المفضل يقوم على تدمير طائرة أو أكثر من طائرات الخطوط الجوية المدنية الأمريكية وهي في الجو.
ويمكن أن نذكر العديد من الأمثلة الأخرى، أما معضلة السيناريوهات التي يلغي بعضها بعضاً بصدد الكفاءة أو عدم الكفاءة، من جانب القوات الجوية الأمريكية فقد دأبت على تكرارها دوائر ا لمخابرات الأمريكية. ترى، كيف حدث أن هذه الدوائر لم تتمكن من تلقي أي إنذار عن هذا الاعتداء الإرهابي الأكبر والأقسى والأكثر تعقيداً في تاريخ العالم. ولكنها كانت بعد حدوثه بوقت قصير جداً على تحديد الفاعل، بحسب زعمها، من دون شك تقريباً، في أقل من يوم واحد،ومن دون شك على الإطلاق، بعد يومين اثنين.
إن لم تكن قد يبلغت بأي إنذار بصدد الاعتداء، فلا يمكننا إلا أن نقول شيئاً واحداً، في هذه الحالة، وهي أنها تكذب حينما تزعم بأنها، وخلال يومين، كانت على يقين كامل من مسؤولية بن لادن، بحيث أنها بدأت تهدد بالهجوم على أفغانستان، على سبيل الانتقام. أو، إذا كان لديها إنذار مسبق بصدد الاعتداء وحتى لو لم يكن محدداً، وكانت في حالة تأهب لمواجهة «شيء ما» من طرف بن لادن، فما تفسير الجمود الذي أبداه الرئيس والقوى الجوية صباح 11 أيلول، إن هذا الجمود يتفسر على نحو أكثر حسماً، بوصفه دليلاً علىالتتواطؤ أكثر من كونه دليلاً على عدم الكفاءة. ثمة أدلة دامغة جداً فيما يخص قرينة الإنذار المسبق والتواطؤ يقدمها تفصيل ثانوي غريب حول الاعتداء على البنتاغون. فلو أن الطائرة التي تحطمت فوق البنتاغون فعلت ذلك قبل أسبوع لكانت ضربت الموقع نفسه، على نحو يشل العمليات المفتاحية للبنتاغون ويزهق أرواح باقة جميلة من ضباط المراتب العليا. غير أنه بفضل صدفة سعيدة، بلا شك، كان البنتاغون قد طرأ عليه تعديلات هامة قبل أسبوع (المصدر، تقرير عن قناة CNN، صباح 12 أيلول).
كان جميع الأشخاص من ذوي الشأن، وجميع العمليات المهمة قد نقلوا إلى جهة أخرى من البنتاغون، وحل محلهم في هذا الجناحالذي سيتعرض للتدمير ملاك الموظفين والعمليات الأقل شأناً في البنتاغون. وهكذا فإن العمليات المهمة التي يضمها البنتاغون تعرضت إلى قدر يسير جداً من الأضرار. بعد أن جرى تبديل مكانها قبل اسبوع من الاعتداء، وهذا دليل دامغ على أن شخصاً ذا موقع رفيع جداً في البنتاغون كان يعلم بالاعتداء الذي سيحدث. ومرة أخرى فإن تصوير المسألة خلاف ذلك يعني اختيار أكث رالتفسيرات لا معقولية، بناء على ىراء واستنتاجات مسبقة، فكم رمة نحن مستعدون للتصرف على هذا النحو؟
سندخل الآن في التفاصيل، أي أننا سلنتفت إلى المزاعم التي لا أساس لها إطلاقاً حول مسؤولية بن لادن. تذكروا أنه منذ اليوم الأول، لم يكن هناك ذرة من دليل جاهز ضد بن لادن، والواقع أنه منذ بداية كانون الأول لم يعد لدينا أي حق من الحقوق سوى الترديد دون كلل ولا ملل لاسم بن لادن كما لو أن في تكرارنا لشيء عدداً كافياً من المرات، يمكننا أن نجعل منه شيئاً حقيقياً. ثم كان هناك شريط الفيديو، التمثيلية الهزلية، في الواقع.
إننا نعيش في حقبة تكنولوجية يمكن فيها لفيلم ذي نوعية نقية نقاء الكريستال أن يعرض علينا شخصية فوريست غومب وهو يضغط على كلابة JEK كما يمكن إثارة إعصار مصطنع فوق حلبة الممثلين، ويمكن عرض الديناصورات المنقرضة منذ 200 مليون سنة بوضوح تام، حتى لنقسم أغلظ الإيمان بأنها موجودة أمامنا وكل هذا يتم إنجازه بواقعية مثيرة للبلبلة. بحيث أن الطريقة الوحيدة لدينا لمعرفة أنها غير حقيقية، هي أننا نعلم مسبقاً بأن مانراه لا يعدوأن يكون مختلقاً.
بالقياس على ذلك، فإن شريط فيديو بن لادن من نوعية رديئة، بحيث أننا لانملك وسيلة للتأكد، سلباً أو إيجاباً بأن بن لادن هو من ظهر حقاً في الشريط. ففي تلك الأفلام الطويلة وذات النوعية الرفيعة هناك ممارسة عامة وشائعة تتمثل في استخدام ممثل بديل ليحل محل الممثل الحقيقي في جزء كبير من التصوير. له قصة الشعر نفسها، والمشية ذاتها، بحيث أن من المستحيل، بوجه الاحتمال تمييز احدهما عن الآخر. وهذا الإبدال أكثر سهولة في شريط من نوعية رديئة. وحينما يكون للشخصية الرئيسية لحية طويلة وغطاء للرأس وثياب فضفاضة، فإن عملية الإبدال تغدة لعبة أطفال. وبالنسبة لشريط بن لادن، فإن نوعيته الرديئة تحول دون تحليل يرمي إلى تمييز ما إذا كانت الحوارات قد سجلت حقاً بشكل مباشر، أم أنها مدبلجة.
لقد كان علينا الاستناد إلى ترجمة هذه الحوارات والتي تحوم الشكوك حول استقلاليتها، بالتأكيد. فالفترة واللحظة اللتان يفترض أن الشريط قد سجل فيهما، وكذلك المكان الذي يزعم أن الشريط عثر عليه فيه، كلها تثير العجب، مع أنها ممكنة. لقد زعموا بأن الشريط صور في قندهار في 9 تشرين الثاني وعثر عليه في أحد منازل جلال أباد. والواقع أن جلال أباد سقطت في أيدي القوات المعادية لطالبان في 14 تشرين الثاني، وهذا يعني أنه ليس ثمة سوى أربعة أيام ليكون الشريط المسجل حديثاً قد انتقل ن قندهار إلى جلال أباد التي كانت تتعرض إلى حصار مشدد، وكانت مهددة بالسقوط فعلاً في ذلك الوقت. هكذا إذن يطلب منا، أن نصدق، أنه بالإضافة إلى صحة الشريط، فإن شخصاً ما قد نقله فوراً تقريباً، ,من دون سبب ظاهر إلى جلال أباد التي كانت على وشك السقوط ثم تركه هناك، كما لو بالصدفة، كي يتم اكتشافه من قبل القوات المعادية لطالبان.
ليس هذا مستحيلاً، في الواقع، ولكنه إخراج فني واضح، فبحسب صحيفة «ويك أند» الأسترالية في 14 و15 تشرين الثاني، فإن سلسلة الأحداث خلال الزمن الواقعي جرى تعديلها على الشريط، وهو ما يعني أنه كان منسوخاً حتماً. لماذا؟ ومن قبل من؟ (ذلكم سؤال امتنعت الصحافة عن طرحه بكل وضوح، على الرغم من أن علينا الاعتراف بالجميل لها لأنها ذكرت هذا التفصيل، على الأقل) كذلك فإن التاريخ المذكور، أي 9 تشرين الثاني، كما ذكر التلفزيون، هل يحيل إلى تاريخ التصوير أم إلى تاريخ الانتهاء من نسخ الشريط؟ في هذه الحالة فإن ذلك لا يترك سوى قليل من الوقت لنقله إلى قندهار، وهي الموقع المفتاحي لطالبان، إلى جلال أباد التي كانت على وشك السقوط، وهذا مشكوك فيه إلى حد كبير. فهل جرى نسخ هذا الشريط من قبل السلطات الأمريكية؟
تقر السلطات الأمريكية بوضوح بأن «الترجمة» كانت محرفة، لم يقولوا ذلك بالألفاظ نفسها، ولكنهم حاولوا تشويش الأمر باللجوء إلى التوريات «ليست ترجمة الشريط، كلمة كلمة، لكل الأقوال التي قيلت في الاجتماع ، ولكنها كررت الرسائل ومضمون الحقائق والمعلومات» ذلك ما قاله الناطق بلسان وزارة الدفاع. أما البنتاغون فأضاف: «لتكن قيمة الترجمة ماتكون، لقد قلنا صراحة بأننا لم نقدم ترجمة حرفية».
ولكن هل سيقدم البنتاغون ترجمة أكثر كمالاً؟ لا، وهل سينقل التسجيل الكامل إلى الجمهور؟ لا.
لكي نكون موضوعيين، فإنه ما من شيء يثبت بأن شريط الفيديو كان مفبركاً ولكن، بالمقابل، من الصعب التأكيد على أصالته،وحتىإن كان أصيلاً، فإن ما عرض علينا هو عبارة عن نسخة «مختارة» فإذا كان هذا هو الدليل الوحيد ضد بن لادن، فإن القضية تطرح معضلة كبيرة. وماذا هناك من أدلة أخرى ضده؟ ليس ثمة ما يدهش، في النتيجة، إذا لم يقدم دليل اتهام دامغ ضد بن لادن، ذلك لأن الإجراء القانوني العادي يتطلب، في الواقع، وجود أدلة، لتوجيه الاتهام، وللسخرية، فإن هذا الشريط، حتى لو كان أصيلاً، فإنه لا يصلح لإثبات أن ين لادن كان هو العقل المدبر لهدذه الاعتداءات. ففي حين أن الشريط يشير إلى أن بن لادن كان لديه بعض المعرفة المسبقة بالاعتداءات، وأنه كان، بالنتيجة ضالعاً فيها إلى حد معين، فقد صرح بن لادن بجلاء: (إذا سلمنا بصحة الشريط) بأنه كان قد اطلع على وشك حدوث الاعتداءات قبل حدوثها بخمسة أيام، فإذا كان ذلك كذلك، فإنه لن يتمكن إطلاقاً من أن يكون المنظم الرئيسي لها. فمن الذي كان يتحدث عنهم بن لادن بهذا الشأن؟ إنهم حسب كل الاحتمالات، الشخص أو الأشخاص الذين نظمووا هذه الاعتداءات، والذين هم مجهولون دائماً، ولكن ذلك بالتحديد، يضع بن لادن خارج الاتهام.
من خلال كل الشهادات المفعمة بالسخط ضد بن لادن والتي تولدت عن عرض هذا الشريط السماوي الذي جاء في وقته المناسب، يبدو أن قليلاً جداً من الأشخاص، في الواقع، قد تمعنوا بنحو كاف في الشريط، كي يطرحوا السؤال المهم من بين كل الأسئلة التي نجمت عن اعتراف بن لادن نفسه، بأنه كان قد أبلغ بالاعتداءات قبل خمسة أيام من وقوعها. من هم، في الواقع، الذين نظموها؟ بشريط الفيديو، أو من دونه يبدو لنا حين نفكر بوضوح وبنحو منطقي أن احتمال تورط بن لادن في الاعتداءات أمر مستحيل، إلا إذا كان بن لادن متورطاً في ا لتواطؤ مع السلطات الأمريكية. أو في الأكثر، إذا كانت الولايات المتحدة، على علم دائماً، بما يخطط له بن لادن،وهي تسمح له، عن عمد، بارتكاب هذه الاعتداءات.
لقد ركزنا على المدة القصيرة إلى حد السخرية، التي انقضت قبل أن يجري الإعلان عن أن بن لادن هو الجاني، وركزنا أيضاً على السيناريوهات التي جرى إخراجها بناء على هذه التهمة، والتي يستبعد بعضها بعضاً. فإذا كان بن لادن متورطاً في الاعتداءات فإن ذلك بن يشكل اية مفاجأة، وهذا يثبت بدوره، فيما لا يخالجه الشك بأن جمود القوات الجوية عن الحركة، وكذلك الرئيس في 11 أيلول يشكلان تواطأً أكثثر مما يشكلان علامة على عدم الكفاءة، ولكن الدليل لا يكتمل هنا. من العجيب أنه لم يجر التفكير بأي مشبوه على الإطلاق، حتى لو كان خطره داهماً جداً، في حين أن للولايات المتحدة عدد كبير منالأعداء. يبدو هذا مثيراً للريبة إلى حد كبير، إذا ما تأملنا ملياً في ا لجانب اللوجستي في أي تنظيم لتحقيق حقيقي حول أحداث أيلول.
أولاً، لنضع الأمور في نصابها. لقد احتاج الأمر إلى سبعة عشر عاماً لمعرفة الشخص الذي وضع القنبلة في مبنى الأمم المتحدة، ولم يحتج إلا إلى سبعة اسابيع في اعتداءات 11 أيلول كي يجري بكل يقين، تحديد جنسيات سبعة عشر من قراصنة الجو المفترضين، في حين أن العقل المدبر للقضية، كان معروفاً، كما زعموا، بعد بضع ساعات فقط، فهل يمكن الموافقة على هذا الرأي.
لنتصور الآن، أننا سنقوم، في الواقع، بفتح قضية تحقيق في اعتداءات 11 أيلول في اللحظات الأولى التي تلت الهجوم، في الوقت الذي لم تستوعب فيه المأساة بعد، فكم من الوقت نحتاج تحديداً، ماداموا يزعمون بأنهم اكتشفوا الجاني بعد بضع ساعات من الحادث تقريباً. ولكن من هو الذي قام بهذا الاكتشاف العجيب؟ ففي حين أن قائمة المشبوهين يمكن أن ترد إلى الذهن، فليس الأمر من البساطة، كما لو أن باستطاعتنا أن نتسكع قليلاً في الخارج ثم نكتشف حروف اسم «بن لادن» مرسومة على شكل غمامة في كبدالسماء. ألا يمثل صدام حسين مشبوهاً أيضاً؟ أو ليبيا؟ أومنظمة فلسطينية؟ أوكوبا، أو روسيا، أو الصين، أو ميليشيا محلية من اليمين المتطرف، أو أن أعداء العولمة المتطرفين أو سورية، أو أي شخص ما غير معروف بالمرة أو غير متوقع…إلخ. إن قائمة الممكنات التي ترد إلى الذهن خليقة بأن تكون طويلة، ولن يكون بن لادن غلا واحداً منها. ترى بأي شيء نبدأ حتى نفتح مثل هذا التحقيق؟
لابد لنا من أجل البدء بالتحقيق من أن نجند أشخاصاً من أهل الخبرة بالطيران، هم ضروريون جداً لهذا التحقيق. ولابد لنا أيضاً من أن نجند أشخاصاً آخرين لديهم تجربة واسعة في شؤون الأمن. يلزمنا إذن، أن نضع قائمة بالأشخاص الذين من الممكن أن يكونوا مفيدين في هذا السياق. سنكون بحاجة إلى خبراء بالأمور الهندسية ليفحصوا طبيعة انهيار البرجين فحصاً دقيقاً، وهل كانت الطائرات وحدها هي التي أحدثت الانهيار، أم أن هناك متفجرات قد استخدمت أيضاً؟ ومرة أخرى أيضاً، ينبغي وضع قائمة. ويحتاج الأمر أشخاصاً ينحصر عملهم الرئيسي في سؤون أمن المطارات. من هو الشخص الذي ترك القراصننة عن عمد ليصعدوا إلى الجو؟ ولابد هنا من قائمة جديدة أيضاً. ونحتاج إلى خبراء ماليين ليحددوا من أين جاءت، كلياً أو جزئياً، الأموال الهائلة التي أنفقت على إعداد هذه العملية. وقائمة أخرى هنا أيضاً. ولابد لنا أن نفتح ملفات الهجرة،ونحصل عن طريق مقارنة المعلومات، عن أولئك الذين يمتلكون رخصةلتوجيه الطائرات من الأرض. نحن في حاجة إلى وضع لائحة أمن داخلية، في الحالة التي يتعلق الأمر بقضية «داخلية» والمهمة الوحيدة من وضع هذه اللائحة هي تنفيذ عملية خطرة وحساسة لأنها تتم في داخل الأجهزة العليا. وهذا أقل ما يمكننا قوله.
وكما يمكن أن تتأكدوا بأنفسكم، فإن ذلك هو العمل كله، تشكيل قوائم بالمشبوهين المحتملين، وبالأشخاص الذين يمكن أن يكونوا مفيدين في التحقيق،وحساب الزوايا الرئيسية لانطلاق التحريات الخاصة بهذا التحقيق وبعد ذلك لابد من عقد الصلة بين جميع هؤلاء الأشخاص، وجمعهم في فريق واحد، أو على الأقل، الربط فيما بينهم عبر الاتصالات الممكنة. ولكن تمالكوا أنفسكم فالطائرات كلها جاثمة على الأرض،وحتى طائرة الرئيس بسبب أخطار الانتقال. والعديد من شبكات الاتصال منهكة بالعمل، ومعظم المؤسسات المالية مغلقة، ومناطق شاسعة من نيويورك وواشنطن يتعذر الوصول إليها، ولابلاد كلها في حالة من الجمود في المكان بسبب حواجز الأمن، فكيف يمكن العثور على الأشخاص الذين نحن بحاجة إليهم من أجل التحقيق؟ وكيف نفعل من أجل جمعهم معاً، وإسناد المسؤوليات إليهم؟ ترى، هل انطلقت كل تلك المسؤوليات التي أسندت إلى هؤلاء الأشخاص، بنحو معجز، من بيوت أصحابها لتلتقي في مكان واحد، هو المكان ذاته الذي اختاره منسق التحقيق، بحيث لم يعدهناك من حاجة في انتظار أن يتمكن جميع هؤلاء الأشخاص من مغادرة تعييناتهم الخاصة في مختلف مناطق الوطن، بل وفي الخارج؟ إن وضع قائمة خلال يومين بالمشبوهين المحتملين،وبأعضاء فريق العمل الضروري للتحقيقات ولاستراتيجيات التحقيقات هومهمة حاذقة وربما مستحيلة، في مثل هذه الظروف.
والواقع أن عقد اجتماع للأشخاص المكلفين بالبدء في التحقيق خلال مهلة ثلاثة أ يام سيكون على الأرجح مستحيلاً. مع كل ذلك، فقد زعمت الولايات المتحدة أنها استكملت هذا «التحقيق» وأسندت المسؤولية إلى بن لادن. كيف؟ هل رأى أحد قيام السلطات بما يشبه الإخراج لهذا التحقيق، بطريقة من الطرق. فما إن وضعت القواعد الثابتة للتحقيق حتى حدوث تفاصيل العملية للتحقيق وللقائمين به، وانتهى التحقيق خلال ساعات. ترى، كم من الأسابيع يقتضيها الوصول إلى هذه المرحلة. وليس الأمر كما لو أن جميع أفراد الفريق المكلف بالتحقيق قد اجتمعوا حول طاولة واحدة من أجل القول: «ماذا تظنون؟ بن لادن؟» ويجيب الجميع «ياه» فيهتف رئيس الفريق إلى الرئيس قائلاً له: «بن لادن» ويجيب الرئيس «بالنسبة إلي، هذا جيد جداً»، وعلى الفور يطلق التهديدات بالهجوم على أفغانستان، نعم ليس الأمر هكذا، بل إن هناك عملاً ميدانياً ضخماً، وكذلك عملاً إعلامياً كان لابد من إنجازه. كما أن التقارير يجب أن تكتب وتختصر، وأن تراقب لأسباب أمنية،وتطبع، ثم ترسل إلى الرئيس، وكبار المستشارين الذين يتوجب عليهم أن يقرؤوا خلاصة هذه التقارير، على الأقل، وأن يناقشوها مع فريق المحققين. وكل هذا كما يبدو جرى في أقل من 12 ساعة، في بلد مدمر، في تلك اللحظة المحددة، بلد غارق في سديم واضطراب لا عهد له به.
ذلكم واحد من أكثر الاقتراحات عبثية في هذه القضية. في هذه الحالة التي لا يمكن أن يلوح فيها أي دليل، ولو بوجه الاحتمال، لم يعد الأمر أن اتخذتم قراراً بتركيز الاهتمام على مشبوه رئيسي، وشعرتم أنه سيكون في وسعكم الاقتراب من الحقيقة، ولكن ذلك لا يجعلكم واثقين من أنفسكم إلى الحد الذي تطلقون فيه التهديدات بالحرب تجاه بلد آخر. ليس ذلك ممكناً،وحتى لو كان كذلك، فإنه يعيدنا مرة أخرى إلى السيناريوهات التي يستبعد بعضها بعضاً بالتبادل، أعني كيف يمكن لأحد أن ينظم عملية إرهابية بهذا الحجم، وبهذه السرية المطلقة، على نحو يفاجئ فيه السلطات مفاجأة تامة، ولكنكم تحتجون بالدليل الذي بين أيديكم «لقد ترك بصماته في كل مكان» إلى حد أن المسؤولية كانت بادية للعيان، بعد بضع ساعات تقريباً، ,حتى ضمن الظروف القاسية التي وجدت فيها الولايات المتحدة نفسها غارقة فيها طوال الأيام التي تلت الاعتداءات.
لقد أكد توني بلير أن كل هذه القضية (اتهام بن لادن) كانت كذبة، عبر تصريح له في بداية شهر تشرين الثاني، جواباً على استقصاءات أظهرت أن دعم الحرب كان يتصاعد في بريطانيا العظمى. قال تونين بلير: «إن مسؤولية بن لادن لا يطالها الشك، فالدلائل ضده كانت قطرة قطرة في البداية، ثم صارت مداً منتظماص، وهي الآن تتدفق مثل سيل عارم». لقد جرى هذا التصريح على لسان بلير بعد شهرين تقريباً من أحداث أيلول، والكلمات المفتاحية فيه هي: «قطرة قطرة» و «مداً منتظماً» و«سيلاً عارماً». وبما أن الأمريكيين أعلنوا بصورة مؤكدة تقريباً عن مسؤولية بن لادن بعد ساعات فقط، وهو مايعرفه بلير، فقد سلم، ساهياً،بأنها كانت كذبة، فهل تدرجت الأدلة فعلاً من «قطرة قطرة» إلى «مد منتظم» إلى «سيل عارم» خلال بضع ساعات فقط؟.
لقد كانت هذه الطريقة عجيبة جداً في وصف مثل هذا التدرج، وعلى الأخص حينما لم يستعمل العبارات المذكورة أعلاه إلا بعد شهرين تقريباً، وقد جاءت مزينة بكلمة «الآن» («هي الآن تتدفق مثل سيل عارم»). سلم بلير، إذن، وعن طريق السهو، بأن الأمريكيين كانوا قد أعلنوا عن مسؤولية بن لادن، وأنهم كانوا يهددون بالهجوم على أفغانستان، في اللحظة التي لم تظهر فيها الأدلة بعد على مسؤولية بن لادن إلا «قطرة قطرة».
إن بلير هو من قال ذلك، على كل حال، ولست أنا (أم أنهم كانوا يعلمون بطريقة أو بأخرى، في تلك اللحظة، بأن الأدلة ستتدفق مثل «السيل» بعد وقت قصير؟). ولكن هذا السيل في الأدلة، ألم يكن كافياً بعد من أجل إسناد أي تهمة دامغة، ومن أجل الكشف أيضاً للجمهور عن عناصر هذا «السيل».
تبقى مسألة مهمة تحتاج إلى توضيح: من الواضح أن الطيارين كانوا ينفذون مهمة انتحارية، ونحن نعلم أن تلك موضوعة مشتركة لدى الإرهابيين المسلمين في الشرق الأوسط، ولكنها غريبة عن الثقافة الأمريكية. من الصعب التصديق بأن الأمريكيين، أو أي أشخاص مخلصين للولايات المتحدة كانوا سييقدمون عن وعي على الاشتراك بمهمة انتحارية. ولكن كون الخاطفين من المعادين للولايات المتحدة فإن ذلك لا يثير أية معضلة حقيقية داخل السيناريو المعروض من قبل السلطات. فالتفسير البديهي هو أن بعض قراصنة الجو كانوا معادين حقاً للولايات المتحدة، وأنهم كانوا يقومون باعتداء، يعتقدون بأنه سينزل أفدح الأضرار بالولاياتالمتحدة، دون أن يعلموا أدنى علم، مع ذلك، بأنهم كانوا بيادق في لعبة مزدوجة، تشكل جزءاً من خطة أكبر وأوسع. خططت لها الـ CIA والواقع أنه منذ تشرين الثاني، بدأت بعض تقارير الصحف الأمريكية تلمح إلى أن بعض قراصنة الجو، يمكن أن لا يكونوا واعين، على الأرجح، لما سيقدمون عليه خلال مهمة انتحارية. لست أعلم كيف ظهر هذا الدليل لهم، ولا على أي أساس يستند، ولكن هذا ما زعمته الصحف، على كل حال (نشرة BBC.أخبار الإذاعة). وهذا يتفق كل الاتفاق مع المعلومات التي نمتلكها. ذلك أنه هؤلاء البعض، من قراصنة الجو الذين لمن يكونوا على وعي من أنهم سيشتركون في عمل انتحاري هم من عملاء الـ CIA الذين تلقوا الأمر بتجنيد الإرهابيين والمشاركة في عمليات خطف الطائرات، دون أن يكون هؤلاء مطلعين على كامل الخطط المرسومة، أما أولئك الذين وافقوا عن وعيبتنفيذ الأعمال الانتحارية فقد كانوا من اشد المعادين كرهاً للولايات المتحدة «وإذا كانت تلك هي الحال فقد كان من المثير الاستماع إلى اللحظات الأخيرة في معطيات الرحلة المسجلة داخل الصندوق الأسود. أليس هذا هو السبب في التزام الصمت المطبق حول هذه المعطيات؟»
من الواضح جداً بأن العملية ما كانت يمكن لها أن تكون منظمة على هذا النحو، من دون الاعتماد على أشخاص مأمورين وتابعين، يعتقدون أن في وسعهم توجيه ضربة قاصمة إلى الولايات المتحدة. وهاهنا كان دور بن لادن يتسق تماماً داخل الحكاية، فقد خدع وضحى بشعبه، بالطريقة ذاتها التي خدع الأمريكيون شعبهم وضحوا به. لقد ورط بن لادن شعبه وضحى به، والدليل على أن بن لادن والـ CIA على تعاون تام وفعال في هذه الاعتداءات الوحشية سيغدو اكثر وضوحاً في القسم الثالث من هذا المقال، وهو ما يمكن أن يفسر أيضاً، السيناريو غير المفهوم الذي يفبرك فيه بن لادن شريط فيديو يدينه، ثم ينقله فوراً بعد تسجيله إلى مكان كان متأكداً بأنه سيقع في يد الأمريكيين.
ثالثاً:
ثمة في الواقع وفرة من الدلائل يمكنها أن تشير إلى تورط بن لادن،ولكنها تورط أيضاً إدارة بوش والـ CIA، وجورج بوش الأب، والباكستان والعربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة. أما التاريخ الرسمي لبن لادن فهو تاريخ إرهابي مخيف مفعم بمقت شديد تجاه الولايات المتحدة وحلفائها. يخالطه ما تبقى من ثراء عائلته السعودية ذات الصداقة الحميمة مع الولايات المتحدة. هذا هو التاريخ الرسمي الذي تعلنه أمريكا وحلفاؤها. أما أنه «إرهابي مخيف» فهذا صحيح ولاخلاف عليه، وأما ما تبقى، فليس هناك ما هو أبعد منه عن الحقيقة. لقد عرف بن لادن بوصفه عميلاً من عملاء الـ CIA خلال أعوام الثمانينات، وكان بينه وبين الـ CIA علاقات عمل وثيقة.
لن يكون هذا متناقضاً مع شخصية بن لادن. وقد جرى الزعم بأن علاقته بالـ CIA قد انقطعت منذ تلك الفترة. لقد أثار بن لادن في البداية. وعلى نحو مزعوم، زوبعة من المعارضة العنيفة ضد القواعد العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط، وقد جرى بناء هذه القواعد على يد شركة بناء بن لادن. وثمة خط أحمر يعمل باستمرار، فعلاقات العمل الوثيقة بين عائلة بوش وعائلة بن لادن ترقى إلى أكثر من عقد، وماتزال مستمرة حتى أيامنا هذه (ويل ستريت جورنال 27 أيلول 2001) وقد حاولت إدارة بوش أن تلقي غلالة من الدخان على ذلك زاعمة أن بقية أفراد العائلة قد تبرؤوا منه. ولكن،ومثلما نرى فإن هذا زيف مطلق.
يعد ابناء عائلة بن لادن من كبار المستثمرين داخل شركات الأسلحة الضخمة وعلى الأخص مجمع كارليل الذي افتخر بأنه جنى ثروة ضخمة من المال من حرب أفغانستان، كما أن جورج بوش الب شخصية رفيعة الشأن داخل مجمع كارليل. وضمن العديد من المستثمرين نجد الوزير البريطاني السابق جون ماجور، وجيمس بيكر، الذي ان سكرتيراً لوزارة الدفاع في إدارة بوش الأب، وكولين باول، وكذلك سكرتير وزارة الدفاع السابق والمدير المساع للـ CIA. فرانك كارولتشي، وزميل دراسته في الجامعة، وزير الدفاع الحالي دونالد رامسفيلد.
إليكم استشهادات مقتطفة من تعريف لشركة كارليل مثلما وجدناها على موقع هوفر أونلين: «إن إدراة كارليل تشبه تمام الشبه قائمة المدعوين إلى حفل الرقص اثناء تنصيب جورج دبليو بوش» فهل يمكن الحديث عن مجمع عسكري ـ صناعي، إن مجموعة كارليل نفسها تستطيع ذلك.
لم يعد ممكناً الزعم بأن جورج بوش الأب لم يكن مطلعاً على نفوذ بن لادن بوصفه أحد المساهمين في مجمع كارليل، وقد التقى بعائلة بن لادن مرتين على الأقل في عام 1998 وفي عام 2000، وذلك بعد وقت طويل من الإعلان رسمياً من قبل الولاياتا لمتحدة عن أن بن لادن هو على رأس قائمة المطلوبين في العالم بسبب نشاطاته الإرهابية المزعومة. ترى. لماذا كان جورج بوش يلتقي بعائلة هذا الرجل، في حين أن الحكاية الرسمية تقول بإن إدارة كلينتون كانت قد أصدرت قرارها القاضي بالقضاء على منظمة القاعدة وعلى بن لادن بأي ثمن، وبكل الوسائل الضرورية.
في عام 1995 صرحت السلطات الأمريكية بأن بن لادن متهم بالمشاركة في الاعتداء بالقنابل على برج التجارة العالمي، ولكن بعد عام من هذه التهمة،وحينما ألقت الحكومة السودانية القبض على بن لادن، واقترحت على الولايات المتحدة أن تتسلمه، ردت الحكومة الأمريكية بأن ذلك لا يعنيها، ومنذ ذلك الوقت والحكومة الأمريكية دائبة على تقديم بن لادن بوصفه المشبوه الرئيسي في الاعتداءات الإرهابية ضد السفارات الأمريكية، والاعتداء ضد سفينة الحرب الأمريكية، مثلما ضد القواعد العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط ( والتي شاركت مؤسسة بن لادن في بناء إحداها)
على الرغم من كل ذلك، يسمح لبن لادن عن طريق عائلته بالاستثمار في مجمع كارليل، أضف إلى ذلك أ، جورج بوش الأب قد التقى بعائلته قبل وقت قريب. أما الزعم بأن عائلة بن لادن قد تبرأت منه فهو كذبة مفضوحة، فالجميع يعلم أن بن لادن يتبادل الحديث بصورة منتظمة مع والدته، ومع آخرين من أفراد عائلته، في الفترة التي يعلن فيها عن التبرؤ المزعوم لعائلته منه. والواقع أ، بن لادن حين دخل المستشفى في دبي في تموز عام 2001 فإن أفراداً من عائلته كما يعلم الجميع، قاموا بزيارته، ومن ثم، فما الذي كان يفبركه في مستشفى دبي أول المطلوبين في العالم على قائمة الإرهاب، ولماذا لم يتم اعقاله فوراً، بدلاً من تلقيه العلاج الطبي، ثم مغادرته للمستشفى بحرية؟ ويزعم البعض أنه تلقى، خلال فترة استشفائه، زيارة من العميل المحلي للـ CIA، وكذلك للعديد من السعوديين والإماراتيين البارزين من حلفاء الأمريكيين أيضاً (الفيغارو عدد تشرين الثاني عام 2001).
إضافة إلى ذلك فإن الاقعدة، شبكة بن لادن، قاتلت كما هو معروف إلى جانب قوات حلف الأطلسي في صفوف جيش تحرير كوسوفو، وهو جماعة إرهابية مدعومة من الـ CIA. وليس صدفة أيضاً إن كان الأسترالي (افيدهيكز الذي جرى توقيفه في أفغانستان لقتاله مع طالبان، قد قاتل أيضاً إلى جانب القاعدة في صفوف جيش تحرير كوسوفو، ومع جيش طالبان في آن معاً. هكذا تتكشف قاعدة بن لادن كعدو لنا في أفغانستان وكحليف لنا في يوغسلافيا وعلى ما يبدو فإن الاقعدة هي قوة تحرير في يوغسلافيا، ولكنها مجموعة إرهابية في كل مكان آخر من العالم. بالإضافة إلى ذلك، فإن باكستان، أحد حلفائنا في «المعركة ضد الإرهاب» دعمت أيضاً منظمة القاعدة، وليس من قبيل الصدفة، أن الأسترالي دافيد هيكز قد تلقى تدريبه، هو أيضاً في باكستان. ونحن نعلم أن اعتداءات 11 أيلول، مولت جزئياً من قبل شيخ باكستاني ذي موقع رفيع في الدوائر السرية الباكستانية، ومع ذلك فلم يتهم ولم يلاحق. ومع أننا بأن عائلة بن لادن كانت تزوره في مستشفة دبي، فإن من المثير للعجب أن إدارة بوش ووسائل الإعلام واصلت التركيز على هذه الكذبة، زاعمة أنه كان منبوذاً من عائلته، ولكن إذا أمكن أن يبدو هذا غريباً، فإن ما يصل إلى حدود الغرابة القصوى بلو الفضائحية وجود العديد من أفراد عائلة بن لادن في أمريكا يوم 11 أيلول، وقد سمح لهم بمغادرتها بعد أيام، حتى دون أن يسألهم أحد اس سؤال، خاصة وأن الولايات المتحدة أعلنت أن بن لادن هو الجاني (من دون محاكمة، ومن أدنى تهمة).ولمرات عديدة اشتكت الـ FBI نم أنها مكممة الفم، وخاضعة لقيود وعراقيل خلال محاولات التحقيق في ا لمسائل المتعلقة ببن لادن وبالقاعدة. وعبرت عن إحباطها بسبب الرفض الصريح لأن تتولى هي التحقيق بحرية في أحداث 11 أيلول.
لن يكون مفاجئاً إذا ما هرب بن لادن بمعجزة إلى بلد آخر ووفر بذلك ذريعة للولايات المتحدة لمهاجمة هذا البلد، بدوره، وفي الوقت الذي أكتب فيه هذه الاسطر (20 تشرين الثاني 2001) فإنني أضمن بأنه فر إلى إيران وسنرى إن كنت على حق.

رابعاً:
ثمة معلومات وملاحظات تسهم في السينارريو الذي ركزنا عليه سابقاً. من الطبيعي أنه في كل مرة يجري فيها اختطاف طائرة أو تحطمها، فإننا نشهد تغطية إعلامية واسعة بشأن اكتشاف وفحص تسجيلات الصندوق الأسود للطائرة.
لقد تابعت الأمر عن كثب، في وسائل الإعلام،ولا أذكر، في أي وقت من الأوقات أنني سمعت أو قرأت كلمة واحدة حول معطيات هذه العلبة السوداء. وهذا مخالف للمألوف بصورة استثنائية. فهل خضعت هذه المعلومات للرقابة؟ لقد ألمحنا من قبل إلى أسباب محتملة لتدخل هذه الرقابة المتوقعة، ففي الساعتين الأوليين اللتين تلتا الاعتداءات، كان هناك مباشرة تقارير على قناة الـ CNN يتعلق بجرائم كشف أسرار في بورصة الأسهم في نيويورك.
وبكلام آخر، فقد ظهر أن كتلة ضخمة من المستثمرين باعت أسهمها قبل وقوع الاعتداءات بوقت مبكر، وتخلصت منها بأسعار منخفضة قبل أن تقع الأحداث. وتحدثت وسائل الإعلام عن الإرهابيين المتورطين في جريمة كشف أسرار البورصة ليكون بإمكانهم جني أرباح طائلة من أفعالهم الإرهابية.
والآن استبدلو كلمة «الإرهابيين» بكلمة «بن لادن». وبعد مضي بضع ساعات انهالت وسائل الإعلام بهجوم هستيري شرس على بن لادن، بنحو خاص، لأنه وحده الخليق براتكاب جريمة كشف أسرار البورصة. وهذا ما قيل لنا. ثم أقفلت الحلقة، من خلال تحصيل الحاصل أو البينة الواضحة. فمن تحصيل الحاصل أن كل من ارتكب أعمالاً إرهابية سيقوم حكماً بجريمة كشف أسرار البورصة، وما دمنا علمنا أن بن لادن هو الذي يقوم بالاعتداءات، فحري أن يكون بن لادن هو من قام بجريمة كشف الأسرار، فقد كان من الممكن أن يكون المسؤول عن الاعتداءات فيما بعد، وقد أكد لنا المحققون فيما بعد بأنهم كانوا يقتفون أثر هذا الخيط البالغ الأهمية.
تشير أرقام بورصة نيويورك بوضوح، كما يبدو، إلى أن أحداً قام بكشف الأسرار، ولكن من هو،بالنسبة إلى السلطات التي كانت تتمسك بزمام التحريات فإن من قام بذلك هو أحد المشبوهين الأكثر سهولة في التعرف عليه في التحقيق. فإذا كان بوسعنا العثور على من قام بجريمة كشف الأسرار، فسيزودنا ذلك، بالتأكيد بفكرة صائبة عن الشخص الذي كان مطلعاً مسبقاً على الاعتداءات الإرهابية، والذي يمكنه أن يعطينافكرة صائبة جداً عن مرتكبي هذه الاعتداءات. والغريب أن هذه المسألة اختفت من وسائل الإعلام بالسرعة التي ثارت فيها تقريباً، ولم يعد أحد يتطرق إليها مطلقاً. أما الوعود السخية التي وعد بها المحققون فأصبحت نسياً منسياً بعد إطلاقها. من المؤكد أن ذلك كان سيتيح الفرصة المنشودة للتأكيد، بيقين تام على مسؤولية بن لادن، وكانت تلك المفومة البسيطة هي التي قدمت للجمهور لأنها خالية من أي توريط لأمن البلاد، ثم أحكم تغطية هذا الجانب من التحقيق بكل عناية.
لا يمكننا إلا أن نخمن بأن التحقيق الذي نحن بصدده، بدأ في العثور على أجوبة لا ترغب السلطات الأمريكية في أن يطلع عليها أحد، وبما أننا نعلم العلاقات الوثيقة بين عائلة بن لادن وبين بن لادن فإن موقف السلطات كان بعيداً عن أن يفاجئ أحداً.ومع ذلك فإن واقعة مالية كانت قد شاعت وأصبحت معروفة للجميع. وهي أن ثمة إرهابي باكستاني معروف، يحتل موقعاً رفيعاً في المخابرات السرية الباكستانية (حلفاؤنا في الحرب ضدالإرهاب) قدم مئة ألف دولار لمحمد عطا الذي وصف بأنه زعيم مجموعة 11 أيلول، وعلى الرغم من أن هذه الواقعة كانت معروفة، وجرى تداولها على رؤوس الملأ، فقد أهملتها الولايات المتحدة كلياً، ولم تبادر إلى ملاحقة هذا الشخص، على الرغم من الهدير الذي أطلقه الرئيس بوش زاعماً فيه «كل من يمول إرهابياً بالمال فسيكون هو نفسه إرهابياً» غير أن هذا، في الظاهر، لا ينطبق على حلفائنا.
وقد أجبر الشيخ المعني على تقديم استقالته، بمجرد أن فضح تورطه في اعتداءات 11 أيلول، أجبر على الاستقالة؟ لم يكن هناك أي قصف على باكستان لأنها لم تسلم الشخص المعني؟ وليس ثمة أي تصريح يعلن أن الباكستان حكومة إرهابية؟ على النقيض من ذلك، فقد غدت الولايات المتحدة جسدين في ثوب واحد، وغدت الباكستان الصديق الأثير، رغم أنه البلد الوحيد الذي توجد ضده أدلة لا تدحض على تورطه في اعتداءات 11 أيلول.
أعدت الولايات المتحدة عدتها كي تجعل من أفغانستان كومة من الأنقاض على الرغم من أنه لم يكن لديها أدنى دليل ضد بن لادن، وأهملت في الوقت ذاته إهمالاً كلياً، ملاحقة فرد واحد، كانت شراكته في الاعتداءات معروفة على الصعيد الشعبي الواسع، ولكن الولايات المتحدة لم تبال على الإطلاق بملاحقة البلد الذي يؤويه، فقد اعتبرت، في الواقع، هذا البلد، حليفاً قريباً كل القرب في «حربها ضد الإرهاب».
حينما نتأمل فيما أحدثته الاعتداءات، يحسن بنا أن نلاحظ، لم كانت الخسائر التي لحقت بالولايات المتحدة بخسة وقليلة الأهمية. وبعد أن وقعت اعتداءات 11 أيلول، من المفيد أن نفكر فيما إذا كان بمقدور قراصنة الجو أن يفعلوه فيما لو أرادوا إلحاق أكبر قدر من الأضرار والخسائر. ويبدو لي أن خطة لتدبير اختطاف طائرات، في لحظة يمكن فيها أن ينقضوا بطائراتهم فوق مجلس الشيوخ أو فوق الكونغرس، أثناء اجتماع الأعضاء، كانسين بذلك جزءاً مهماً من الحكومة الأمريكية، كان يمكن لها أن تتحقق فعلاً، أو لو أن الطائرات قد تحطمت فوق مركز نووي، محدثة بذلك انفجاراً كارثياًَ، وانطلاقاً للإشعاعات، مسببة نقصاً خطيراً في إمدادات الطاقة. لايمكننا أن نصدق أن التلميحات التي تقول بأن هذه الخطط لم تنفذ لأن الخاطفين كانوا متأكدين بأن الأمن كان مشدداً جداً على هذه المواقع، أو أنهم كانوا من الثقة بأنفسهم بحيث اتخذوا البنتاغون كهدف لهم. تخيلوا المجزرة الرهيبة التي سيسببها ذلك لو قادوا طائرة واحدة إلى (غازودوك) (مركز تخزين الغاز) ذات الأهمية من الدرجة الأولى: توقف كامل في إمدادات الطاقة، انفجارات هائلة الأبعاد، حرائق من المستحيل السيطرة عليها، وفي التحليل الأخير، فعلى الرغم من الصدمة العنيفة، والهلع الشديد والحزن العميق الذي سببته اعتداءات 11 أيلول، فما من عضو واد من أعضاء الإدارة الأمريكية قد قتل، أو جرح، ولا حتى سيناتور واحد، أو عضو في الكونغرس، أو حاكم ولاية، أو موظف محلي واحد في المواقع العليا. ليس ثمة أدنى ضرر لحق بالقواعد النووية، ولا أدنى ضرر حلق بمنابع الطاقة، وبمحطات النقل والاتصالات، وشبكات توزيع المياه.
والواقع أن الخسائر والأضرار كانت طفيفة جداً بحيث أن الولايات المتحدة تمكنت (زعماً وزوراً على الأقل) من تنظيم حرب في وقت قياسي، على الرغم من أن طائرة تحطمت فوق البنتاغون (من الطريف مع ذلك، الطريقة التي أتاحت فيها تلك التبديلات داخل البنتاغون في أن يتابع مهماته بعد أسبوع من دون أية عقبة تقريباً) وفي حين أن الخسائر «المدنية» والأضرار الرمزية والسيكولوجية للجمهور العادي كانت فادحة، فإن هذه الاعتداءات، التي وفرت للولايات المتحدة سلاحاً دعائياً من اجل حربها، كان تأثيرها معدوماً على قدرة الولايات المتحدة في أن تواصل دورها بوصفها القوة العالمية العدوانية العظمى. أما النتائج المترتبة، في النهاية، فكانت ضعيفة إلى أبعد حد، نظراً للإتقان شبه الكامل للعملية، في حين أنه كان من الممكن أن تتمخض عن خسائر أكثر هولاً بكثير، فيما لو تم اختيار الأهداف بمزيد من الروية والفطنة.

التورط:
من المفيد، قطعاً، أن ندرك بأن الحرب في جنوب آسيا هي أكثر من استمرار لسياسة الـ C.I.A الخارجية، والتي زعمت عناصر قديمة ساخطة في هذه الوكالة عام 1990، بنحو يمكن تصديقه، أنها قتلت، في الحد الأدنى، ستة ملايين مدني في أنحاء العالم خلال الثلاثين سنة الأخيرة، ومولت باستمرار منظمات إرهابية في ثلاثين بلداً في الكرة الأرضية ، حتى الآن ( «الحرس البريتوري» من قبل «جون ستوكويل» ) وقد ظل الغربيون في مأمن من هذه الشرور. فقد تغيرت اللعبة اليوم، ليس فقط، لأن رجال الـ C.I.A قد اغتالوا، بنحو أعمى ودون تمييز، آلافاً من مواطنيهم، بهدف إطلاق موجة عاتية من الإرهاب، بقوة جديدة، لم يسبق لها مثيل ضد شعوب آسيا الجنوبية والشرق الأوسط، ولكنهم استخدموا قتلاهم الأمريكيين كوسيلة للحد من الحقوق المدنية ومن حرية الرأي والكلام في الغرب، وذلك في مستويات لم يشهدها أحد منذ الحقبة الفاشية.
لنتأمل، الآن، تطور الوضع الداخلي منذ 11 أيلول. ففي الولايات المتحدة، سنت قوانين تسمح بالاعتقال بلا حدود، من دون محاكمة، ومن دون اتهام، ومن دون أدلة، قوانين سيباهي بها أي دكتاتور في بلدان العالم الثالث: سلطة لا محدودة، لمراقبة وتجميد الأموال، سلطة لا محدودة لمراقبة واعتراض الإيميلات وحركة مرور الانترنيت. اعتمادات مالية ضخمة جداً للوكالات المتنكرة شتى الأقنعة، والمكلفة بتطبيق هذه القوانين، مزيد من السلطات المطلقة الجديدة أيضاً، لتطبيق مهمات الاعتقال، ومراقبة الأشخاص، والتنصت على المكالمات الهاتفية، وتم تعريف المنظمات «الإرهابية»،تبعاً لمبدئها السياسي والإيماني، لا تبعاً لأدلة تثبت ضلوعها في أعمال إرهابية. وأنا استنتج من ذلك، بأن مناضلين ضد العولمة، من أمثال ناومي كلين يمكن أن يكونوا منذ الآن مصنفين كإرهابيين. إذا ما جرى الاستناد إلى القوانين الجديدة.. وقد بلغني أن رئيس حزب الخضر الأمريكي يعتبر منذ اليوم، ممنوعاً من السفر عبر الخطوط الجوية. أما المتهمون الأجانب بالإرهاب فمن المفترض أن يحاكموا أمام محاكم عسكرية، بدلاً من محاكم مدنية، دون أدنى مراقبة عامة، ودون أدنى استئناف، مع إمكانية مراقبة المحادثات بين المتهمين وبين محاميهم (إن كانوا يملكون الحق بإقامة دعوى).
وفي بريطانيا العظمى، حاول توني بلير إدخال قوانين مشابهة، ولكن مجلس اللوردات رفض بعضها. ومع ذلك، فإن تقليصاً شديداً للحريات المدنية جرى تطبيقه، وقد وصف موظف كبير، في الحكومة البريطانية، منذ وقت قريب، حالة الحريات المدنية، في عالم ما بعد 11 أيلول بأنها «أشباح وهمية تنتمي إلى الماضي».
وفي أستراليا، وضعت قوانين تسمح باعتقال أي شخص كان لمدة 48 ساعة، دون تفويض قانوني، وحتى لو لم يكن الشخص مشبوهاً بالإرهاب، بل يمتلك معلومات يمكن أن تكون مفيدة، بوجه الاحتمال. وفي اللحظة التي أكتب فيها هذه السطور أعلن أن الحكومة الأسترالية ستجمد أموال 200 فرد ومنظمة قرر الرئيس الأمريكي بأنهم كانوا يدعمون الإرهاب. وإذا فهمت هذا جيداً، فلن يكون هناك ثمة اتهام، ولا أدلة، ولا محاكمات، ولا حق استئناف. وفي الغرب اليوم، فإن كل شخص يتهم بالإرهاب يفقد أتوماتيكياً كافة حقوقه المدنية، كما أن أي شخص، كائناً من كان، يمكن أن يكون متهماً على النحو الأشد تعسفاً. لابد أن هتلر وموسوليني وستالين كانوا سيستحسنون ذلك بحماس (هذا الكلام لا يلزم أحداً إلا المؤلف، الذي هو من دون شك قليل المعلومات بشأن ستالين). إن كل ذلك مفزع، بحد ذاته، بما يكفي، وحتى لو كان ا
لأمر يتعلق فعلاً، برد فعل مفرط على عمل إرهابي خارجي، ولكن حينما ندرك أن هذه القوانين كانت مجهزة ومقرة بالتصويت ومطبقة من مثل الأشخاص أنفسهم الذين نظموا، في الواقع هذا العمل الإرهابي الذي أتاح لهم فعل ذلك، فإن السيناريو يبعث على القشعريرة ويجمد الدم في العروق. وفيما يتعلق برئيس الولايات المتحدة، فمن المناسب أن نلفت النظر بأنه ولأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة، فإن الرجل الذي كسب الانتخابات في معركة الرئاسة لم يكن منتخباً ليكون رئيساً، وحينما نضيف ذلك إلى المبالغ المالية الهائلة التي أنفقت دون حساب من اجل ضمان ترشيحه إلى رئاسة الجمهورية، داخل الحزب الجمهوري، في مواجهة مرشحين آخرين من الحزب. أكثر جدارة منه لمجابهة آل غور، ,ما تبع ذلك من انتخابات مزورة بكل وضوح، داخل الحزب، يغدو واضحاً بأن جورج دبليو بوش سيكون الرئيس مهما كانت العقبات.
من الواضح في المحصلة، بأن هذه الخطة تعود إلى ما قبل تشرين الثاني عام 2000، وأن الأحداث الفظيعة، في 11 أيلول كانت، أو لم تكن مخططاً لها في تلك الفترة، فأنا لا أستطيع الجزم بذلك. ولكن من الجلي بأن كل البرنامج الواسع الذي تنامى حول هذه الأحداث يرقى إلى تلك الفترة. لاحظوا بأن الرئيس الحالي الذي لم يكن منتخباً بعد، ابن لرجل هو أيضاً مساهم كبير في المجمع الجبار كارليل، الذي هو شركة لصنع الأسلحة، ومن المؤكد أنه حصل على فوائد مالية ضخمة من هذه الحرب. فهذا الرجل عينه هو المدير السابق للـ C.I.A، الذي ساعد طالبان في الوصول إلى السلطة، في أفغانستان، وهو أيضاً نفس الرجل الذي التقى بعائلة أسامة بن لادن (وهذا الأخير لم يكن منبوذاً من عائلته على الإطلاق) لأسباب تتعلق بصفقات تجارية، من دون شك، وقبل وقت قريب، ما دام أن هذه الخطة وضعت عام 2000. والجانب الفاضح في القضية، هنا هو أن الرئيس الحالي هو الوريث المفترض لثروة تراكمت من وراء هذه الحرب، وسيتبدى أيضاً بأن الهدف المفترض لهذه الحرب خليق هو أيضاً أن يكون مصدراً ثراً لاجتناء المزيد من الفوائد. والأمر ذاته ينطبق على وزير الدفاع. ثمة تضارب في الآراء كما يبدو بين أبطال هذا المخطط حول السيناريو الذي جرى، وضعه وتحديد موعده. ولكنهم سيكونون جميعاً الأشخاص الوحيدين الذين لن يتأذوا منه قيد أنملة.
لماذا؟
لقد ذكرنا الدافع إلى الربح الذي يحرك مجمع كارليل. والواقع أن دونالد رامسفيلد أوعز منذ بعض الوقت إلى البلدان الأوروبية، بأن عليها أن تزيد من ميزانيات دفاعها. أريد الوصول هنا، إلى أن مجموعة كارليل والصديق ا لقديم المقرب لها رامسفيلد، رئيس المجمع، سيجنون بالتأكيد حصة طيبة من صفقات الأسلحة. ويبدو أن كولن باولو نفسه، سيلتقط بطرف صنارته صيداً ثميناً، هو أيضاً، إلا إذا أنهى علاقته بمجموعة كارليل، وصفى أسهمه في المجمع، وفي هذه الحالة سأقدم له اعتذاراتي. ولكن هل من أحد يمكنه أن يقول لي إن كانت تلك هي الحال فعلاً؟ كذلك فإن والد الرئيس سيحصل على كمية كبيرة من المال، في حال زيادة ميزانيات الدفاع الأوروبية. (من المعروف أن جد الرئيس أيضاً كان هو أيضاً تاجراً للمدافع، ولم يتردد لحظة في أن يعقد صفقات أسلحة مع النازيين).
غير أن البرنامج البعيد المدى يطمح إلى الاستيلاء على الاحتياطات الهائلة غير المستثمرة من النفط والغاز الطبيعي من بحر قزوين، والتي هي الآن في حوزة الروس والإيرانيين، ولكن على المدى البعيد، وفيما لو تابعت الولايات المتحدة أطماعها. إن النهج السياسي للولايات المتحدة منذ عام 1996، على الأقل يقضي ببناء خط أنابيب، عبر أفغاستان، لنقل هذا لاغاز وهذا البترول باتجاه المحيط الهندي، ومن ثم نحو الغرب. ومن يتحكم بأفغانستان يتحكم أيضاً باحتياطي بحر قزوين. وقد عمدت السياسة الخارجية السرية للولايات المتحدة منذ سنوات إلى تمويل منظمات إرهابية في جنوب الاتحاد السوفييتي القديم، من أجل أن تقضم كلياً بقعة الأرض الروسية الواقعة على شواطئ قزوين، وكذلك أفغانستان. وقد أنجزت هذه السيرورة الآن تقريباً، من خلال تثبيت حكومات منشقة معادية لروسيا في كازاخستان وتركمانستان وأوزبكستان وطاجيكستان وقرغيزيا، وجورجيا ,اذربيجان. ولم يبق الآن سوى قضم المنطقة الواقعة إلى الشمال من البلدين الآخيرين حتى تفقد روسيا حقوقها الإقليمية حول بحر قزوين.
سألفت نظركم إلى أنني لست، حيث المبدأ ضد قيام حكومات إقليمية محلية تحرر شعوبها من هيمنة القوى العظمى مثل روسيا، ولكن الواقع هوأن هذه الحركات المحلية المنشقة، التي ربما كانت أصيلة في البداية، أفسدت حتى النخاع،وغدت هي ذاتها، حركات إرهابية، منتفعة من العمل تحت عباءة الـ C.I.A، وهكذا فإن البلدان المستقلة الجديدة، المتشكلة على هذا النحو ستنحاز ببساطة إلى الهيمنة الأمريكية، بدلاً من الهيمنة الروسية. وبدلاً من أن تصبح تعبيرات أصيلة عن الثقافة المحلية والهوية المحلية وعن تقرير مصيرها الذاتي، ستغدو خاضعة لعملاء طغاة، ولإرهابيين محليين يعقدون صفقات مشبوهة وعفنة بدافع مصلحتهم الشخصية أساساً. وستكون الولايات المتحدة أكثر من سعيدة من توفر إمكانية التحدث عن صفقات.
تلكم في الواقع هي الفكرة الوحيدة التي يقوم عليها تثبيت هؤلاء الطغاة المحليين في هرم السلطة. وفي الفترة التي احتلت فيها روسيا أفغانستان وصف مستشار جيمي كارتر لشؤون الأمن القومي زبينغيو برجينسكي بشعور من التباهي، النجاحات السياسية للولايات المتحدة في أفغانستان بألفاظ سنذكرها بعد قليل. ذلك أن الولايات المتحدة، بإذكائها نيران الفتن المحلية في هذا البلد، قامت بكل ما يلزم، كي تدفع السوفييت إلى اجتياح أفغانستان، وبمجرد أن حققت هذا الهدف، قدمت دعمها الكامل لأولئك الذين سيقفون في مواجهة السوفييت (طالبان). لقد كان الهدف مزدوجاً. إذ استنفد هذا الاجتياح الموارد السوفيتية في حرب استنزاف، لم يكن بمقدور السوفييت كسبها، وخلق حالة عدم استقرار في جزء من العالم ذي أ همية استراتيجية لا مثيل لها بالنسبة إلى الولايات المتحدة.
بضع شواهد على واقعية بريجنسكي:
«نحن لم ندفع الروس إلى التدخل، ولكننا خلقنا مزيداً من الاحتمالات لكي يقوموا بذلك»، «أسف؟ أي أسف. لقد كانت العملية السرية فكرة رائعة. فقد نجحت في جذب الروس إلى الفخ الأفغاني، وأ،تم تريدون أن نأسف؟ ففي اليوم الذي اجتاز فيه الروس رسمياً حدود أفغانستان كتبت إلى الرئيس كارتر: لقد أتيحت لنا الفرصة منذ ا لآن لأن نحيك للاتحاد السوفييتي حربه الفيتنامية الخاصة.»
وهكذا فإن العشرين سنة من الحرب الأهلية التي دمرت أفغانستان وبذرت فيها الموت والفقر والبؤس بأبعاد مروعة، كانت جزءاً من سياسة منشودة من قبل الولايات المتحدة، التي دعمت طالبان طيلة تلك الفترة، والتي تنعم عليهم اليوم بـ «مكافأتهم» الأخيرة. والتي هي بالإضافة إلى ذلك ماتضمنه الاستشهاد الأخير لبريجنسكي حول الإقرار الضمني بأن جزءاً كبيراً من مشاعر العداء التي يكنها المسلحون تجاه الغرب يجري تنسيقه عن عمد وتصميم، من قبل الولايات المتحدة، وأن ذلك كان يشكل جزءاً من خططها الرامية إلى زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، وفي آسيا الجنوبية.
لن أطيل أكثر حول هذه النقطة، ولكن هذا الجانب من التاريخ جرت تغطيته إلى حد كبير على موقع الإنترنيت: HTTP.// emperos-clothes.com/articles/Randy/Swas5.him. , والذي سأحيل إليه في نهاية هذه الوثيقة. والواقع أن هذه الخطة تذهب بعيداً جداً بحيث بات من الممكن أن تكون الولايات المتحدة قد أرتأت من الضروري تحويل مجموع آسيا الجنوبية إلى قطعة من الخرائب والأطلال، كي تتحكم بها جيداً. وبطريقة أو بأخرى، ينبغي على الولايات المتحدة أن تسيطر على سائر البلدان السالفة الذكر، وكذلك على إيران وباكستان، وفيما يتعلق ببلدان أخرى فسيتحتم، ربما مهاجمتها، فقد أعطت أحداث 11 أيلول للولايات المتحدة شيكاً على بياض يسمح لها بمهاجمة أي بلد في العالم كائناً من كان، ملوحة بكلمة واحدة «الإرهاب».
إن البلدان الثلاثة التي جرى ذكرها (في اللحظة التي كنت أكتب فيها هذه الأسطر) كأهداف للحرب ضد الإرهاب هي: اليمن والصومال والسودان. وهي ثلاثة بلدان لم نعرف عنها عملياً، أو حتى من قريب أو بعيد، بأن لها علاقة بالإرهاب. ولكن يا للمفاجأة، يا للمفاجأة. إذ يكفي إلقاء نظرة على خارطة العالم حتى نعرف أهميتها الاستراتيجية.
فالصوما ل واليمن، كلاهما يشكلان فكي خليج عدن الذي يمثل المدخل إلى البحر الأحمر وإلى قناة السويس، وبالتالي، الطريق الأقصر بين أوروبا وبين المحيط الهندي الذي يحيط بجنوب آسيا. والسيطرة على هذين البلدين من قبل الولايات المتحدة يشكل، أيضاً، ضغطاً إضافياً على العربية السعودية وعلى مصر كي تتابعا سياستهما المدموغتين بدمغة الصداقة، للولايات المتحدة.
أما السودان فيشكل الجزء الأعظم من الشاطئ الجنوبي للبحر الأحمر. كذلك فإن العراق بلد استراتيجي، لأنه يجاور إيران من الغرب. وقد منحت اعتداءات 11 أيلول للولايات المتحدة أيضاً، ولحلفائها، مثل بريطانيا العظمى، توقيعاً على بياض كي تضييق على الحريات المدنية إلى الحد الذي لو نطق فيه أي من مواطنيها بصوت، لألزم الصمت فوراً، وذلك، ببساطة، باستخدام كلمة واحدة «الإرهاب». وهذا أيضاً يمثل ضغطاً شديداً إلى أبعد حد على الحلفاء، مثل استراليا، كي يطبقوا إجراءات مشابهو. فما من شك في أن الولايات المتحدة تتذكر الدرس الذي تعلمته جيداً حول سلطة المعارضة الداخلية أثناء حرب فيتنام.
وحينما قال الرئيس بوش «إما أ، تكون معنا، أو ضدنا» فقد كان ذلك تحذيراً، يكاد يكون مقنعاً لكل بلد في العالم، بما فيها أستراليا، بحيث أن الولايات المتحدة إذا ما تلقت الطاعة المطلقة والعمياء، فستسير الأمور بنحو أفضل. ما من أدنى شك، في أن جميع الزعماء العالميين، بمن فيهم الأستراليون فهموا الدرس جيداً، ويبدو أيضاً، أن حزب العمال الأسترالي (= الحزب الاشتراكي الديمقراطي الأسترالي) فهمه، هو أيضاً، فخلال الحملة الانتخابية، تذلل كيم بازلي وتصاغر، ليؤكد بأن حكومة حزب العمال الاشتراكي ستتمثل، كلياً للولايات المتحدة، دون أن يطرح للبحث أية مسالة مهما صغرت. وربما كان دافعه إلى ذلك أكبر بكثير من مجرد حرص انتهازي على شعبيته الانتخابية، إن العمليات العسكرية التي قامت بها الولايات المتحدة في أفغانستان ليست استراتيجية وحسب، بل إنها تطلق أيضاً تحذيراً بالغ الجد، لكل بلد في العالم: «عليكم أن تمتثلوا».

المصادر:
إن كل ما أهملت ذكر مصادره المباشرة موجود بكامله على المواقع المذكورة أدناه، باسثناء بعض الأشياء التي بثتها الإذاعات. فها هنا وحيثما كان ذلك ممكناً، حاولت إعادة تدوين بعض التفاصيل، بحيث أن باحثاً دؤوباً سيكون قادراً على العثور عليها في ملفات الأرشيف.
لا يقصد هذا العمل إلى أن يكون أكاديمياً، ولا أن يقدم مراجع شاملة. وكل هدفه هو تقديم الحقيقة. أما أولئك الذين يأملون في الانكباب على مهمة تدقيق المعلومات التي عرضتها، فقلما سيصادفون صعوبات في القيام بذلك، وفي إعطاء هذا العمل بعدأ أكاديمياً. وف يحين أن التاريخ بأسره يتمفصل حول عدد من الوقائع المفصلية، فإن جزءاً كبيراً من هذا العمل يستند إلى تأويل أملاه الحس السليم و المعارف العامة.
لقد تركت إدارة بوش آثاراً دامغة الدلالة، بصدد أحداث 11 أيلول، والسبب الرئيسي الذي يفسر عدم ظهور هذه الدلائل بصورة واضحة، لعيون أغلبية الناس، هو أنه، وبغض النظر عن التأثير الواضح لوسائل الإعلام في تغييب الحقائق، فإن العالم بأسره كان مصدوماً كلياً بسبب سرعة ووحشية الأحداث، التي كان من الصعب جداً رؤيتها بوضوح كامل وفيما يخصني، فقد احتجت إلى خمسة عشر بوماً، من الانفصال عنها بما يكفي، حتى تغدو بعض الأمور التي كان حرياً أن تبدو بديهية لي، تغدو بديهية حقاً، وهكذا، فما إن تم إنجاز المخطط العام، في هذا الصدد حتى بدأت الأراجيف البعيدة عن التصديق، والتفسيرات المتهافتة تتطور، مروراً بـ «النقطة نقطة»، إلى «تيار منتظم»، كي تتدنق أخيراً في «سيل» فقد ظهر مثلاً في موقع على الأنترنيت « Ninemsn» في 28 تشرين الثاني مقالة تقول بأن موظفين أمريكيين كباراً تلقوا معلومات تزعم أن بن لادن كان يعد، على الأرجح، لعمل إرهابي، واسع المدى ضد تجهيزات الطاقة الأمريكية، وعلى الأخص غاز دوك، ومع ذلك، فقد ذكرت المقالة بأن «العقدة المشدودة حول عنق بن لادن» قد انشدت الآن إلى الحد الذي كان محاصراً فيه داخل منطقة لا تتجاوز مساحتها 30 كم مربع، وأن الموت يلاحقه أينما ذهب، وأنه ينتقل دون توقف، في محاولة يائسة للإفلات من الموت أو الأسر، أعذروني، ولكن كيف يمكن لشخص في مثل هذا الوضع أن يطلق عملية إرهابية بالغة التعقيد ضد أهداف تقع في الجانب الآخر من العالم.
إن الأشخاص الذين هزتهم الصدمة، حتى الأعماق، هم وحدهم الذين لا يرون بأن مثل هذه المزاعم ليست أكثر من أكاذيب مضحكة. وفي اليوم التالي رووا بأن «من الممكن» أن يكون في حوزة بن لادن أسلحة كيماوية، لا بل ونووية (على الرغم من أن كاتبي المقالة يقرون في نهايتها، بوضوح بأنهم لا يمكلون مطلقاً أي دليل على ما قدموه).
وهكذا، فإن هذا الرجل، مثلما يفترضون، يصطحب معه دائماً، خلال هروبه اليائس، شحنة من الصواريخ العابرة للقارات، وقاذفات ينقلها من كهف إلى مغارة، وكل هذا من دون أن تراه أنظار الأقمار الصناعية التجسسية الأمريكية، التي، كما يزعمون لنا، تكتشف أدنى تبدل في الجو داخل كهف، يحتمل أ ن يختبئ فيه، إلا إذا كان لديه محطة إذاعية معقدة جداً تتيح له أن يرسل تعليمات إلى أنصاره، كي يشنوا هجماتهم انطلاقاً من مواقع، آمنة وسرية؟! إشارات يمكن لأنصاره التقاطها من مكان بعيد جداً، بمنحى عن سيطرة الأمريكيين في حين لا يمكن التقاطها من قبل الأمريكيين والبريطانيين الذين يحيطون به مثل «عقدة مشدودة حول عنقه»؟
إن الأكاذيب والمزاعم الواهية لهذه الحملة التضليلية هي من الوضوح بحيث أشك بأن الأشخاص الذين يقفون خلفها هم بحاجة إلى استراتيجية معقدة تهدف إلى إبقاء الناس في حالة دائمة من الصدمة ومن الخوف، ومن التشويش، ومن دون ذلك، فإن الحقيقة الواضحة وضوح الشمس ستظهر إلى السطح، ولذلك فإن حملة الأنتراكس (الجمرة الخبيثة) تخطر إلى الذهن على الفور.
وما القول في الإنذارات الزائفة المتواصلة بصدد اعتداءات جديدة صادرة عن بن لادن (تذكروا الإنذار الكاذب حول جسر غولدن غيت) وكذلك الإشاعة المستمرة، المحاكة بصورة واهية جداً، عن الهجمات النووية أو البيولوجية. وعما قريب سيكون هناك اعتداءات أمريكية على بلدان أخرى، مترافقة بسيل من البروباغندا، بصدد تهديدات إرهابية من أي مجرم لا على التعيين، يشار إليه بأنه المجرم الأخير المطلوب والذي ينبغي مطاردته بأي ثمن.
بما لم يعد هناك جدوى من بن لادن، وأنه سيقتل، على الرغم نم أنه سيفلت، ربما، بطريقة أو بأخرى ويفر إلى بلد آخر، معطياً على هذا النحو ذريعة كاملة للولايات المتحدة كي تهاجم ذلك البلد. وكل هذا سيضاف إلى التشويش، وإلى الخوف، وإلى الاضطراب. ينبغي أن تظل الرصاصة مندفعة بأي ثمن. وإذا اقتضى الأمر، فمن الممكن دائماً أن يشنوا اعتداءات إرهابية أخرى ضد مواطنيهم الأمريكيين، وذلك لتجديد حالة الصدمة والفزع.
وبعد كل حساب، فهم يجازفون من أجل رهانات يمكن أن تتحقق بسهولة، إذ ليس هناك سوى ما يأملون بكسبه من الأرباح، والذي هو دافعهم الأصلي. ولكنهم اليوم، وبناء على ما فعلوه، بوش الأب وبوش الابن، وشانسي ورامسفيلد، وميري، وآخرون، على الأرجح أيضاً، مواجهون جميعاً بإمكانية اتهامهم بالخيانة والقتل، وسيكون عليهم بالتأكيد أن يتكبدوا عقوبة الموت، لست على يقين مما يمكن فعله ولكن أول مرحلة تتكون من أن الناس يجب عليهم معرفة الحقيقة.

ملاحظة: إذا رغبتم بمعلومات أكثر تفصيلاً حول القضية. انظروا إلى المواقع:
WWW-emperos-clothes-com
http/nyc.indymedia.org
ترجمه عن الإنكليزية:
جان ـ ماري فليمال








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -عفوا أوروبا-.. سيارة الأحلام أصبحت صينية!! • فرانس 24


.. فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص




.. رمى المقص من يده وركض خارجًا.. حلاق ينقذ طفلة صغيرة من الدهس


.. انقلاب سيارة وزير الأمن القومي إيتمار #بن_غفير في حادث مروري




.. مولدوفا: عين بوتين علينا بعد أوكرانيا. فهل تفتح روسيا جبهة أ