الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العصيان المدني وسبحة وشواهيد اثنين

انتصار الميالي

2011 / 2 / 19
حقوق الانسان


تسيطر على مجتمعاتنا ثقافة الطاعة. فمنذ طفولته الاولى " يبرمج" صغير الانسان على الطاعة، عليه ان يطيع في اسرته وفي المدرسة، وعندما يصير راشدا عليه كذلك ان يطيع في حياته المهنية وفي حياته كمواطن، وعند اللزوم في الجيش.
واذا كان ملتزما دينا فأن الطاعة تزين له كضمانة على اخلاصه للدين وبهذا فأن على الفرد دوما ان يطيع السلطة العليا، فيما المعصية توصم بوصفها خطيئة فادحة والعصيان بما هو كذلك، وستوجب العقوبة على شكل قصاص وهكذا يستبطن الفرد منذ حداثة سنه تهديد القصاص الذي يعاقب به على عصيانه فيطيع حتى يتفادى المشاكل.
بحسب نظرية الدولة التي سادت حتى الوقت الحاضر في مجتمعاتنا تعد طاعة المواطنين لقانون الاكثرية (احد اركان الديمقراطية). ان قانون العدد هو الذي يحكم الديمقراطية عمليا.غير ان من الممكن الا يتوافق قانون العدد مع مقتضى الحق وفي هذه الحالة ليس من ادنى شك في ان الحق يجب ان ينتصر على العدد.
ويعلمنا التاريخ ان الديمقراطية يهددها في اغلب الاحيان طاعة المواطنين العمياء اكثر مما يهددها عصيانهم وفي الواقع تصنع طاعة المواطنين المنفعلة قوة الانظمة الاستبدادية والتوتاليتارية.
كل حياة في المجتمع جزما تتطلب وجود قوانين، حتى في اللعب هناك قوانين وقواعد لايكون اللعب ممكنا دون احترامها.
فالقانون يؤدي وظيفة اجتماعية لايجوز انكارها، وظيفة تجبر المواطنين على السلوك العاقل بحيث لايفسح مجال للعسف ولا للعنف. ومن غير الصحيح اعتبار قيود القانون بوصفها عوائق دون الحرية ليس غير، انها اولا ضمانات للحرية، فعندما انتهي من سرقة ممتلكات غيري يضمن لي القانون امن ممتلكاتي انا والامثلة كثيرة لااريد الخوض فيها.
وبمقدار مايؤدي القانون وظيفته في خدمة العدالة على اعتبار ان القوانين العادلة هي اساس دولة القانون، يستحق احترام المواطنين وطاعتهم،هذا ومن الطبيعي في الديمقراطية ان تستفيد السلطة السياسية من قرينة الشرعية لكن هذه القرينة قابلة للطعن أي انه يمكن الاتيان ببرهان على بطلانها عندما يؤيد القانون نفسه للظلم او يسببه.
القانون يتطلب مواطنين مسؤولين وليس منضبطين، فما يصنع الظلم ليس قانون جائر بقدر ماهي طاعة قانون جائر، عندئذ لفضح الظلم الناجم عن انتهاك الحق ولمقاومة جور القانون لامفر من معصية القانون. عندما يشعر المواطن ان هناك تضاربا بين القانون والعدالة تجعله يختار العدالة ويخالف القانون.
وينص القانون بحكم منطقه على انزال العقوبات بحق المواطن الذي يتهرب من الالتزام به فكيف ونحن في دولة تتجاهل مبدأ التزامها؟؟؟؟!.
وللعصيان شكلين يجدر التمييز بينهما، الاول مباشر يعارض قانونا جائرا بهدف الغائه او تعديله، والاخر غير مباشر يعارض قرارا سياسيا جائرا ينتهك القانون يطلب ابطاله او تغييره،فيكون العصيان بالشكلين الوسيلة التكتيكية المختارة لأظهار ظلم القرار المتخذ في وضح النهار ولممارسة الضغط على صناع القرار حتى يغيروا سياستهم.
مثلا... كأن يقوم عمال سكك الحديد بتعطيل حركة القطارات بتنظيمهم اعتصاما على سكة الحديد، لا لنيل تعديل للقانون الذي يحرم عرقلة السير على الطريق العام بل لنيل تغيير في سياسة السكك الحديدية التي يعترضون عليها فأذا لوحقوا قضائيا على جنحتهم – وهو مايتمنونه على الارجح.... فأنهم سيجعلون عندئذ من المحكمة منبرا يشهدون منه الرأي العام على صواب قضيتهم.
ولايكفي ان يكون عمل العصيان المدني مبررا بل يجب ان يكون فعالا، ان العصيان المدني بصفته عملا سياسيا هو مبادرة جماعية منظمة تهدف الى ممارسة الضغط على السلطات العامة لأجبارها على رد الحق الى نصابه.
ويكون العصيان مدنيا بمعنى انه لاعنفي ويمارس وفق السلوك المتمدن معتمدا فضيلة المواطن ووجدانه.
يمكن النظر ايضا من نافذة اخرى ، لم يعد من داع لمعارضة قانون جائر في مجتمع ديمقراطي، بل بات يجب مقاومة سلطة جائرة تنتهك عمدا مبادئ الديمقراطية.
يمكن للعصيان اذ ذاك ان يتخذ شكل ( انتفاضة سلمية) حقيقية للمواطنين الذين يتخذون هدفا لهم لاتغيير هذا القانون او ذاك، بل تغيير السلطة ذاتها،تقوم شرعية العصيان المدني اذ ذاك على حق الشعب في مقاومة الطغيان، وكما ان في الامكان التطلع الى اعتراف دستور نظام ديمقراطي بحق الفرد في اعتراض الضمير فأن في الامكان تصور الاعتراف دستوريا بحق الشعب في مقاومة الطغيان بما ينطوي ضمنا على الحق في العصيان المدني.
وحديثي في اول مقالي عن عصيان وسبحة وشواهيد اثنين (بس)؟؟؟!!
سبحتنة (حكومتنا) المتكونة من رئيس البرلمان ونائبيه ورئيس الحكومة ونائبيه ورئيس الجمهورية ونوابه الثلاث ورئيس المجلس السياسي ونائبيه والوزراء ( 42) ووكلائهم (42) او أكثر وياخوفي سبحتنة يضيع بها العد.
جميعهم اضافة الى الرأي العام المتكون من ( الجامعة العربية – الامم المتحدة – مجلس الامن) لم يستوقفهم الوجدان يوما امام أي انتهاك يقع لا بل تجدهم هم من يبادرون في انتهاك القانون ويحمون به انفسهم وهذه مفارقة.
وشاهدنا الاول هو الامام الحسين وثورته التي لم يخرج لها الا لأصلاح الامة فهو خرج لنصرة المظلومين والتصدي لطاغية فهو كان يستمع لوجدانه وضميره الذي لم يطع حكم ظالم وطاغية واستشهاد الحسين لم يحدث الا ليُّشهد الرأي العام على ظلم الطاغية وجوره.
وشاهدنا الثاني بوعزيزي الذي عبر بثورة وجدانه عن عصيانه لكل القوانين الوضعية والالهية ليحرق نفسه ويشعل الشرارة لأنتفاضة الوجدان التونسي جاعلا من محرقته منبرا يُّشهد به الرأي العام على ظلم وجور نظام بن علي.
مااحوجنا اليوم للوجدان الذي يصنع ثورة ويعصي ظلم الحاكم بأسم القانون ، لو ان السائرين في درب الحسين مشيا على اقدامهم يملكون وجدانا وضميرا عاصيا لكل مايقع من ظلم على بني امتهم بغض النظر عن لون المظلوم وجنسه وديانته مسلما كان ام من ديانات اخرى وخرجوا معلنين عصيانهم لجور حكامهم وظلم قوانينهم التي تنتهك الدستور بدلا من خنوعهم .
هم يسيرون طلبا للشفاعة والمغفرة والرحمة وابتغاء الجنة الموعودة والحسين خرج ابتغاء مرضاة ضميره ووجدانه فهو الذي خطب قائلاً " لم اخرج أشرا ولا ضالا ولا مفسدا، وإنما خرجت طلبا لإصلاح أمتي".
نحن امام ازمة وجدان وازمة طاعة عمياء وازمة عصاة قلة وازمة قادة كثر يشرعون مايحلو لهم وشواهد راسخة كنموذج لثورة الوجدان لايحتذى بها قدر الحديث عنها في المنابر.
اذا ونحن في مجتمع ديمقراطي يتعرض الجميع فيه للانتهاك فالمسيحي والصابئي والايزيدي يهدد ويشرد من بلاده وتنتهك حرمة داره ويقتل فيها والجهات الامنية والاعلام تختلف في تصريحاتها كونه مسيحيا ام مسلما، فماالفرق وهو انسان سلبت روحه واحد مواطني هذا البلد أي كان دينه؟؟!!، والمسلم شيعيا ام سنيا كرديا ام عربيا يموت جوعا وحرمانا وممثليه يدخرون منافعهم الاجتماعية، والنساء العراقيات يتعرضن الى ابشع صور الانتهاك من خطف واغتصاب وتهديد واتجار وقتل بحجة جرائم الشرف امام انظار الجميع وسلطة القانون تقف عاجزة لاحول لها ولاقوة مدعية انها ليست ظاهرة بل حالات نادرة ولاادري كيف يفسر المسؤولين ذلك لحالات تصل ضحاياها إلى الآلاف رغم إن الإحصائيات الدقيقة غير متوفرة بسبب العرف الاجتماعي، والبطاقة التموينية رغم انعدام مفرداتها ووئدها مؤخرا ومن المضحك ماصرحت به وزارة التخطيط انها السبب في ارهاق الاقتصاد العراقي فيما مخصصات الوقف الشيعي تصل الى 63 بالمية من موازنة المحافظات الشيعية (النجف) مثلا.. ومخصصات الرئاسات الثلاث تفوق ميزانية خمس وزارت معاً.
هذه الانتهاكات وغيرها تؤكد انه لابد للمواطنين شرعاً رفض انتظار تغيير افتراضي في السلطة لتغيير قانون جائر لأنه لايجوز المماطلة في احقاق العدل.. بل يمكن للعصيان المدني ان يقوم على تغيير قانون جائر قبل التمكن من تغيير الحكومة أو العكس كما حصل في ثورة الشعب المصري مؤخراً.
حيث يبقى العصيان المدني ضروريا لتنفس الديمقراطية، وهو ابعد من ان يكون مضعفا لها، بل هو يحميها ويعززها، بما يلزم من العصاة ( المدنيين) لصنع شعب حر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان.. مدينة الفاشر بين فكي الصراع والمجاعة


.. إعلام إسرائيلى: إسرائيل أعطت الوسطاء المصريين الضوء الأخضر ل




.. كل يوم - خالد أبو بكر ينتقد تصريحات متحدثة البيت الأبيض عن د


.. خالد أبو بكر يعلق على اعتقال السلطات الأمريكية لـ 500 طالب ج




.. أردنيون يتظاهرون وسط العاصمة عمان تنديدا بالحرب الإسرائيلية