الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسرح المدرسي ..تعريفه..أهميته..مصادره..ومقوماته الفكرية والجمالية .

أحمد صقر

2011 / 2 / 20
حقوق الاطفال والشبيبة



يُعَدُ المسرحُ المدرسى فى عرف المختصين بالدراسات المسرحية نوعاً من أنواع مسرح الطفل غير أن بعضهم يعرفه بقوله " هو لون من ألوان النشاط الذى يؤديه الطلاب فى مدارسهم تحت إشراف معلميهم داخل الفصل أو خارجه فى صالة المسرح المدرسى وعلى خشبته .. أو خارج الصالة فى حديقة المدرسة أو ساحتها، وإذا كان المسرح المدرسى يقترب كثيراً من المسرح باعتباره فناً من الفنون الأساسية التى عرفها الإنسان ومارسها منذ العهود القديمة فإن المسرح المدرسى يحتفظ بفلسفة وأهداف خاصة تتناسب مع طبيعته ووظيفته الأساسية ".
يربط التعريف السابق بين المسرح المدرسى وبين المكان الذى يقدم فيه وهو المدرسة والقائم على هذا النشاط وهو المعلم كما يربط كذلك بين تعريف المسرح المدرسى وكونه يحتفظ بفلسفة وأهداف تجعلانه يتمتع بطبيعة ووظيفة تختلفان وهو ما يحقق له التفرد بين أنواع مسرح الطفل الأخرى كمسرح الأطفال الاحترافى أو مسرح الأطفال الاحترافى اعتماداً على الدمى والعرائس. يعرف أ.ف النجتون المسرحية المدرسية بقوله : إنها بطريقة ما " هى حصيلة عمل الطالب فى الفن المسرحى بالمدرسة . وبطريقة أخرى، فالمسرحية المدرسية هى جزء من تقدمه الدراسى الذى سوف يستمر مدى حياته، أما بالنسبة للفن المسرحى، فهذا الفن سيؤدى به إلى الحصول على مهنة بالمسرح أو الاستمتاع بوجود مجتمع مسرحى للهواة أو الانضمام إلى عضوية الجمهور التى تتسم بالنقد والفطنة للمسرح الفعلى والسينما والراديو والتليفزيون".
إن تعريف النجتون ينصب على مدى مشاركة الطالب ومدى ما حصله من معلومات دراسية استطاع أن يقدمها فى إطار فنى من خلال مشرف وهى تسهم بذلك فى تحقيق التقدم الدراسى الذى سوف يستمر معه طوال حياته القادمة، ومن ثم يربط المؤلف بين المدرسة وبين النشاط المسرحى وبين التحصيل الذى سيشكل ملامح الطالب المستقبلية ونظراً لأهمية المسرح المدرسى ينظر إلى المسرحية المدرسية من حيث كونها " حدثاً مدرسياً هاماً وفريداً. فالمدرسة فى عرض، حيث إن المشرفين المحليين وأعضاء هيئة الإدارة وأصدقاء المدرسة هم من بين الجمهور الأساسى للمدرسة . فهناك شئ فى هذا الأمر ككل. يجب أن تكون المسرحية جيدة بنفس الجودة التى تتسم بها هيئة الموظفين.
وعن أهمية المسرح المدرسى يقول البيارى: إنه " يسهم المسرح المدرسى فى تنمية استعداد التلاميذ وتوجيهم الوجهة الاجتماعية السليمة بالمشاركة مع بقية الاختصاصات وقد أدركت المدرسة الحديثة مسؤوليتها فى تربية التلاميذ وتنشئتهم تنشئة جيدة وفعالة. ورأت أن خير طرق التعليم ما يقوم على التجربة؛ ذلك لأنها حقل التفكير الخلاق الخصب، وخير ما يعين على التكيف الاجتماعى المطلوب والمدرسة الحديثة ".
وهكذا يحدد البيارى دور المسرح المدرسى فى التعلم وتنمية قدرات التلاميذ ومواهبهم الفنية، وتوجيهم وجهة اجتماعية صحيحة وسوية كثيراً ما تسعى لمعالجة بعض العيوب والنواقص الاجتماعية الداخلة فى تكوين وتنشئة التلميذ فى مرحلة ما قبل المدرسة وبعدها.
أما عن نشأة المسرح المدرسى فقد أكد الكثير من الدارسين والنقاد والمهتمين بمسرح الطفل أن القرن الثامن عشر هو البداية الحقيقية لظهوره- بالمعنى العلمى والفنى للمصطلح- ذلك أن البدايات الأولى التى قد يعلن عن بعضها المهتمون بمسرح الأطفال- كأن يحددوا القرن الخامس قبل الميلاد تاريخاً لمسرح العرائس- على اعتبار أنه أحد أنواع مسرح الأطفال، أو أن يتحدث بعضهم عن مشاركة الصبية فى الاحتفالات الدينية الكنسية، كل هذا لا يمكن أن يعطينا المعنى المقصود لمسرح الأطفال؛ حيث يعتمد العرض كاملاً من حيث النص والأداء على الأطفال وإن شارك فيه الكبار، لكنه يظل عرضاً مسرحياً يمكن أن يصنف بأنه يخص الأطفال. إن مشاركة التلاميذ والطلاب فى الأداء المسرحى طوال عصر النهضة تخطت حدود الكنيسة وامتدت خارجها، حتى إنه أصبح هناك مصطلح متداول يطلق على نوعين من المسرحيات كانت تشاهد داخل جدران المدارس هو مصطلح الدراما المدرسية القديمة School drama أو مسرحيات المدارس بإنجلترا وهى مسرحيات ذات صفة تعليمية " تطورت تحت تأثير الحركة الإنسانية، فى بداية تنشيط الحركات المسرحية ببعض بلدان أوروبا فى عصر النهضة وكان بعض الأدباء يكتبون تلك المسرحيات اللاتينية كى يقوم طلبه المدارس بأدائها ممثلة باعتبارها جزءاً من المنهج الدراسى.
هذا على المستوى العالمى أما على المستوى المحلى فقد عرفت مصر المسرح المدرسى منذ عام 1936م عندما تقدم رائد المسرح المصرى العربى زكى طليمات بمذكرة إلى وزارة المعارف العمومية بشأن الفرق التمثيلية بالمدارس الثانوية واقترح إنشاء عدد من الفرق المسرحية الملحقة بالمدارس، ولكن ظل" المسرح المدرسى مجرد جمعية للتمثيل داخل بعض المدارس يقتصر نشاطها على عدد قليل جداً من الطلاب، يقدمون حفلاً فى نهاية العام" . لكن مسرح الأطفال بالمعنى العلمى المتعارف عليه عالمياً لم يزدهر ويتطور فى ظل هذا النشاط المدرسى ولم تكتب نصوص مسرحية خاصة بالأطفال كما لم تتطور معايير العرض المسرحى الخاص بالأطفال وتتضح إلا منذ عام 1964؛ حيث أنشأت وزارة الإرشاد القومى شعبتين لمسرح الأطفال إحداهما: بالقاهرة والأخرى بالإسكندرية.
ولا تختلف أهمية المسرح المدرسى كثيراً عن أهمية المسرح بشكل عام باعتباره مكانا يقدم للمتفرج المتعة الحسية والفكرية ويجعله بعد أن ينتهى العرض، ويزول أثره اللحظى، يستدعى ويسترجع ما أحدثه هذا العرض فيه من استحضار الكثير من القضايا الحياتية المعيشة وإثارتها، ومن ثم بعد أن تنتهى لحظات المتعة الحسية الجمالية تبقى طويلا لحظات المتعة الفكرية . بينما إذا عدنا إلى أهمية المسرح المدرسى ندرك أنه يحقق أيضا للتلميذ جانبى المتعة الحسية والفكرية مع اختلاف درجاتها، أعنى بذلك أن المسرح المدرسى " يساعد الطفل على تحقيق التكيف المدرسى وتعديل سلوكه التعليمى بوساطة ما يبعثه فى الطفل من إحساس بالمتعة والنشاط وروح المرح فى العمل المدرسى؛ فيزداد دافعة الذاتى نحو الاندماج فى عالم المدرسة الذى أصبح بفعل الأنشطة الممارسة فيه مصدر متعة وأصبحت الحياة المدرسية مقبولة محبوبة ".
إن المسرح المدرسى بذلك يحقق جوانب المتعة الحسية، بل أكثر من ذلك، يزيل بعض المعوقات النفسية أو الاجتماعية الخاصة بالتلميذ، ويهذب سلوكه ويفجر الطاقات الزائدة فى سلوكه الذى قد يتصف بشئ من العنف أو العدوانية ويمتصها أيضاً أو قد يساهم بدوره فى تنمية قدراته التخيلية وازدياد قدراته على الإدراك والملاحظة، هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى فإن المسرح المدرسى يسهم بدوره فى تحقيق المتعة الفكرية، وأقصد توصيل المعلومات الدراسية التى تم تقديمها فى قالب ممتع وشيق وبذلك " يصبح هذا النشاط وسيلة لإمداد الطفل بمعلومات تاريخية واجتماعية جديدة ؛لأن أثر اللعب التمثيلى أعمق وأبقى من آثار الشرح التقليدى الرتيب، ولأن الطفل يكون فى حالة تلبية واستجابة تجعله أشد شوقاً وأعظم انتباهاً وإقبالاً على ما يمارسه.
ويرى بعض الباحثين إن النقاط السابقة التى أثارها حول أهمية المسرح المدرسى تأتى متفقة مع الآراء الأخرى التى حددت أهميته ومن بينها الآراء التى ساقها عبد العزيز السريع وتحسين إبراهيم بدير فى دراستهما " عن المسرح المدرسى إذ حددا أهمية المسرح المدرسى فى ست نقاط وهى:-
‌أ- يساعد الطلبة على زيادة قدرتهم فى التعبير والخطابة بسرعة البديهة والجرأة الأدبية.
‌ب- يوجه الطلبة نحو روح التعاون والمثابرة فى العمل والبناء؛ ذلك أن نجاح العمل المسرحى يعتمد على تضافر الجهود من كل مشارك لإيجاد علم فنى ممتع ومفيد.
‌ج- يزيد المسرح المدرسى من معلومات الطلبة الثقافية فى الأدب والاجتماع والسياسة؛ حيث تتعرض المسرحيات المدرسية لمختلف نواحى الحياة.
‌د- يتعلم الطلبة عن طريق المسرح المدرسى الكثير من المهارات والأمور الحياتية التى قد لا يجدونها فى البرامج الدراسية.
‌ه- يعمل المسرح المدرسى على زيادة خبرة الطلبة فى الأمور العلمية والتطبيقية نتيجة لتعامل الطلبة فى المسرح مع الأجهزة الكهربائية والصوتية، وممارستهم تطبيق الأنظمة والانضباط والإلتزام والقيادة.
‌و- يعمل المسرح المدرسى على تنمية الذوق الفنى والإحساس الجمالى لدى الطلبة مما يسهم فى رعايتهم الجسمانية والعقلية.
مصادر دراما المسرح المدرسى
إن كتابة مسرحية مدرسية أمر يختلف اختلافاً واضحاً عن مسرحية للأطفال المحترفين سواء كانت لمسرح الطفل الآدمى أم العرائسى؛ ذلك أن المواد التى يتمحور حولها المسرح المدرسى محددة ، ومرتبطة بطبيعة المناهج الدراسية ، خاصة ما يتعلق منها بالمسرح المدرسى فى المرحلة الأولى – رياض الأطفال والمرحلة الابتدائية -.
عند قراءة بعض الأعمال المسرحية لمسرح الأطفال فى المرحلة الابتدائية ندرك أن مضامين هذه المسرحيات ومصادرها تأتى من دروس العلوم أو الإسلاميات أو الأدب أو التاريخ أو الجغرافيا ولا تبتعد كثيراً عن هذه المصادر. فعند قراءة مسرحية تتعلق بدروس العلوم مثلاً فغالباً ما نجد أحداث المسرحية تدور فى إحدى الغابات ويقوم الأطفال بأدوار الحيوانات مثل الأسد، والثعلب، والقطة، والزرافة، والخروف وغيرها من الحيوانات وتحكى إحدى الشخصيات – ليكن المعلم الذى يشارك الأطفال والتلاميذ فى العرض – وتجسد موضوعاً يوضح جوانب الخير والشر والسعادة والتعاسة، وبذلك ينجح المدرس فى تعريف التلاميذ بالحيوانات وأشكالها وسلوكها فى أسلوب مسرحى محبب ومقبول.
وقد حدد بعض الدارسين المواد التى يمكن عرضها عن طريق المسرح المدرسى وهى:-
‌أ- مواد التربية الإسلامية: وهى المسرحيات التى تبين عظمة الإسلام وتخلد التاريخ الإسلامى كفتوحات فارس والروم وفتح بيت المقدس وفتح مصر.
‌ب- الأحداث التاريخية: التى تثير فى الطلبة الروح الوطنية وتبعث فيهم الهمة والرجولة كما فى موضوع صلاح الدين الأيوبى.
‌ج- المواد العلمية: حيث تساعد المسرحيات المتخيلة الطالب على فهم العالم من حوله وما فيه من عناصر أساسية للعلوم، والظواهر العلمية البسيطة فى الحياة يمكن أن تعلم الطالب الظواهر الأكثر تعقيداً.
‌د- المواد المتصلة بالبيئة المحلية: حيث يتم من خلال هذه المسرحيات معالجة شئون المجتمع والقيم الإنسانية.
‌ه- مواد القراءة العربية والإنجليزية: والتى من خلالها يمكن معالجة النواحى السلوكية والأخلاقية.
أما عن مقومات التأليف فى المسرح المدرسى فإن النشاطات المسرحية – مسرحة المناهج – تخضع شأنها فى ذلك شأن بقية الأعمال الأخرى-، إلى شرطين أساسيين لاكتمال العملية الإبداعية. وأول هذين الشرطين أن تشتمل على مضمون وهذا المضمون يتكون من مجموعة أفكار ومعان ومفاهيم يستمد وجودها من المناهج الدراسية المتاحة، أما الشرط الثانى فيقصد به الشكل وأعنى به البنية التركيبية والأطر الصياغية التى تتشكل منه المادة المراد طرحها، فلابد من أن تصب هذه المادة فى إطار وشكل اتفق على تسميته بالمسرحية هذا من ناحية.
من ناحية ثانية فلابد من أن يراعى فى هذا النشاط الفنى الإبداعى تحقق بعض المعايير الفكرية من خلال المضمون، هذا إلى جانب بعض المعايير الجمالية التى تتجلى من خلال الشكل الفنى للمسرحية.
أ- المعايير الفكرية:
من الطبيعى أن يعود المعد للمنهج الدراسى والمواد الدراسية المتاحة التى من خلالها ينجح فى استغلال ميل التلاميذ وحبهم إلى نوع من الألعاب المسلية والمفيدة أو بعض القصص والقصائد وينجح فى تحويل هذه النشاطات والألعاب المسلية إلى نوع من الإبداع " وهذا التحويل يفيد التلاميذ أن يتدربوا على مقومات العمل المسرحى وتزويدهم بما يحتاجونه من أدوات تساعد على إنجاح هذا الجهد الجماعى الذى يقوم به الأطفال" .
ومن ثم فلابد من أن يراعى المدرس أو المعد للمسرح المدرسى أن يختارالموضوعات والمضامين التى تتلاءم مع احتياجات التلاميذ التى تتحدد فى المصادر الآتية:-
‌أ- القصص التى تناسب مستوى إدراك التلاميذ.
‌ب- القصائد الشعرية.
‌ج- بعض الموضوعات التاريخية من كتب التاريخ.
‌د- بعض الموضوعات من كتب القراءة .
تتضمن هذه المضامين والمصادر السابقة بعض المعايير الفكرية التى لابد أن تراعى من خلال هذا الإبداع وأهم المعايير هى:-


1- المعيار السياسى:
إن مشاهدة أية مسرحية تاريخية تتحدث عن أمجاد العرب ومواجهتهم على مر التاريخ لأعداء بلادهم وحضارتهم يدفعنا إلى القول:
إن مثل هذه المسرحيات لابد وأن تشتمل على قيمة ومعيار سياسى، تحبب التلاميذ فى أوطانهم، وتوقظ بداخلهم قضايا أمتهم، وتوجههم توجيهاً عربياً سليماً، يهدف إلى تكوين الطفل والشاب العربى المؤمن بقضايا أمته.
2- المعيار الاخلاقى:
لا يخفى عن القائمين على العملية التعليمية والتربوية أن كل ما يقدم من أعمال مسرحية تخص الأطفال سواء منها ما يتعلق بالمسرح المدرسى أم باقى الأعمال المسرحية الأخرى، تتضمن الكثير من القيم والمعايير الأخلاقية مثل الشجاعة، والبطولة ، والأمانة ، والإخلاص، والعدالة ، وحب الخير، وكلها قيم تستأثر بمشاعر التلاميذ؛ نظراً لأنها تطرح الصراع بين قيم الخير والشر، ومن ثم يتمخض هذا الصراع عن شئ هام يقنع هذا الطفل ويجعله ينشأ نشأة سوية بعيدة عن التناقص. أعنى أنه لابد أن يكتشف بنفسه أن المقدمات تؤدى إلى النتائج، وأن قيم الخير والعدالة والبطولة كلها قيم حقيقية موجودة بين حوار شخصيات المسرحية – فى إطار المسرح المدرسى – وموجودة أيضاً على أرض الواقع.
وهو ما أكده " مارك توين " بقوله " إن كتب الاخلاق لا يتعدى تأثيرها العقل، وقلما تصل إليه بعد رحلتها الطويلة الباهتة، ولكن حين تبدأ الدروس رحلتها من مسرح الأطفال فإنها لا تتوقف فى منتصف الطريق بل تمضى إلى غايتها " وبذا يتأكد لنا أهمية المسرح المدرسى المعتمد على الكلمة والصورة والحركة فى جو تغلفه المشاعر الرقيقة العذبة وكل هذا يسهم بدوره فى ترسيخ الكثير من القيم فى نفوس الأطفال.
3- المعيار التعليمى:
أكدت مدام دى جيلنيس فى القرن الثامن عشر أهمية المعيار التعليمى من خلال المسرح الذى أنشأته بوصفها مربية للأمراء الصغار، وأدركت ما للمسرح من قدرة تعليمية عالية تفوق غيرها من الوسائل الأخرى. إن قدرات المسرح على تحويل الموضوعات الدراسية الصامتة الجافة إلى مادة تسترعى انتباه التلاميذ لما يتمتع به المسرح من قدرات بالغة التأثير متمثلة فى الصورة المتحركة والكلمة المسموعة فى إطار تعبيرى، كل هذا يؤكد مدى قدرة المسرح المدرسى على تحقيق حالة من حالات التوازن بين العلم الصامت الجاف وبين الفن، وفى هذا الصدد " تكتب للمدارس اليوم تمثيليات كثيرة بقصد نقل المعلومات الضرورية بصورة مقبولة، والإذاعات المدرسية تمسرح التاريخ أو الجغرافيا أو ترجمات حياة المشاهير لجعل هذه الدروس أعلق بالذاكرة، ومعظم التمثيليات التى من هذا القبيل ليست على شىء ذى بال من الناحية الأدبية، وأن يكون شيئاً فائقاً من ناحيته التعليمية .
ج- المعايير الجمالية:
إن انشغال الأطفال فى سنواتهم الدراسية الأولى – مرحلة الحضانة رياض الأطفال – أو ما بعدها من المراحل الدراسية الأخرى تؤكد أن اهتمامهم ينصب على اللعب والألوان وتكوين الأشكال والتعلق بكل ما يحقق نوعاً من الإشباع النفسى الطفولى التلقائى ، الذى يترتب عليه الابتعاد كلية عن جوانب العنف أو التدمير أو إثارة غضب الحاضرين عليهم، وقد تأكد من خلال دراسات المهتمين بالنشاط المدرسى أن الأطفال بطبيعتهم يعشقون الجمال فما بالنا إذا شاهد التلميذ مسرحية مدرسية يرتدى أطفالها من الملابس ما يثير اهتمامه ويحرك أحاسيسه، هذا إلى جانب سماعه للموسيقى أو مشاهدته بعض الرقصات أو الحركات الجماعية الكورالية الجميلة، كل هذا يجعله يتمنى أن يصبح معهم ليصير مثلهم.
هذا ما يتعلق بالنواحى الجمالية للإبداع المسرحى الخاص بالطفل لكن الأمر لا يقتصر على ماسبق ذكره ذلك أن أى تلميذ فى إمكانه أن يسجل حواراً دار بينه وبين زميله أو بينه وبين أكثر من تلميذ آخر ويعتقد بذلك أنه قد كتب مسرحية.
إن كتابة مسرحية للأطفال من الأمور الصعبة ؛حيث إن مؤلف مسرح الأطفال لابد من أن يتمتع ببعض الخصال التى تجعله مهيئاً للكتابة لهذا السن.
حدد بعض الدارسين بدءاً بأرسطو ومن جاء بعده من الدارسين والشراح أن العمل المسرحى لكى يتحقق من الناحية الجمالية، يجب أن تتوافر له ثلاثة معايير هى :-
‌أ- لغة الحوار.
‌ب- الملاءمة.
‌ج- البناء الدرامى.
1- معيار لغة الحوار.
إن الكتابة لمسرح الأطفال عامة سواء المسرح المدرسى أو مسرح الطفل المحترف بشقيه لابد من أن تراعى طبيعة اللغة المستخدمة لمخاطبة الأطفال ومستوياتها؛ ذلك أن الحوار المسرحى يختلف عن الحوار المستخدم فى الحياة اليومية ؛ فحوار الحياة اليومية الذى يدور ويطول إلى دقائق وساعات عندما ينقل بموقفه على خشبة المسرح لابد أن يختصر إلى دقائق سريعة، حتى يستطيع الحوار فى المسرحية أن يحقق ما تعارف عليه من وظائف كأن يوضح الموقف المسرحى، وأن يسهم بدوره فى عرض القصة وتقديمها، هذا إلى جانب أن للحوار دوراً مهم يتعلق بتعريفنا بالشخصيات المسرحية، ومن ثم فلابد أن يكون الحوار مناسباً للمسرحية ولشخصياتها، بحيث تتحدث الشخصية حواراً مسرحياً يلائمها ويتناسب مع سنها ومكانتها الاجتماعية والأدبية والثقافية، وإذا ناسب الحوار الشخصية جاء مقنعاً للممثلين ومن ثم ينجحون فى توصيله بشكل طبيعى وتلقائى إلى جمهور المشاهدين.
وقد استحوذت مشكلة لغة الحوار فى إبداعاتنا الأدبية على اهتمام النقاد والمتخصصين، ذلك أن بعضهم فاضل بين اللغة الفصحى والعامية؛ مفضلاً اللغة الفصحى؛ لما لها من قدرات تمكن أبناء العالم العربى كافة من فهمها، بخلاف اللغة العامية التى تخص كل تجمع عربى على حدة وتحمل من المعانى والألفاظ والدلالات ما يعجز عن فهمه أبناء الدول العربية الأخرى، هذا إلى جانب ضرورة أن تحقق اللغة المستخدمة فى الإبداع وظائفها وأدوارها المنوطة بها، لذلك اتفق البعض على أن اللغة العربية الفصحى – ليست الواردة فى أمهات الكتب البعيدة عن الفهم والتى لم تعد تستخدم – التى تحقق دورها وتفهم من قبل الجميع هى اللغة الأنسب للمسرحية.
أما عن المسرح المدرسى فإن قضية اللغة التى أثيرت لمسرح الكبار سرعان ما انتقل تأثيرها إلى مسرح الأطفال، وأصبح أمامنا أكثر من خيار: هل تستخدم اللغة العامية التى يتحدث بها الأطفال ويفهمونها فى المدارس أو المنازل أو فى حياتهم عامة ؟ أم تستخدم اللغة الفصحى الواردة فى الكتب والمجلات والأناشيد والموجهة أصلاً إلى الأطفال ؟ أم ينبغى أن تستخدم صيغة لغة عربية سليمة يحبها الأطفال وتكون مفهومة لهم فى كافة مراحلهم العمرية ؟ حتى لو امتزجت العامية بالفصحى وأنتجت لنا لغة سليمة صحيحة مقبولة أدبياً.
2- معيار الملاءمة:
كثر الحديث هذه الأيام بين أطفال المدارس- وبين طلاب الجامعات أيضا- حول استخدام بعض الجمل والتعبيرات والألفاظ اللغوية البعيدة كل البعد عن معيار الملاءمة فى الإبداع المسرحى الموجه للأطفال، هذه القضية أقصد معيار الملاءمة الذى يتحقق عندما يراعى المراحل العمرية للأطفال ذلك أن سن الأطفال الذين يتراوح أعمارهم بين السادسة حتى نهاية الثامنة غالباً ما يركزون اهتمامهم على الأعمال المسرحية المستمدة من القصص الخرافية بما تقدم من موضوعات تخص العمالقة والأقزام والعفاريت وعلاء الدين ومصباحه والسندباد وغيرها من الموضوعات التى تأتى ملائمة للأطفال، بحيث ندرك جيداً أن الأطفال سيسألون فى بعض الأحيان عن جمل وحوارات تتعلق مباشرة بما شاهدوه كأن يسأل الطفل هل صحيح أن السندباد يستطيع أن يطير وهو جالس على السجادة أو البساط السحرى؟ وهكذا تتراجع هذه الأسئلة والاهتمامات عندما يبلغ الطفل المرحلة العمرية التالية من التاسعة وحتى نهاية الحادية عشرة، حيث ينشغل الأطفال بالموضوعات الأكثر إقتراباً من الواقع ويبتعدون عن الموضوعات الخيالية وتظهر ميولهم واهتماماتهم بقصص الأبطال والبطلات، حيث يسعى الأطفال لمشاهدة مسرحيات تجمع بين الواقع والخيال، ويسعدون عندما يشاهدون الأبطال يكافأون، والأشرار يعاقبون، وهكذا تتراجع الواقعية إلى حد كبير فى الأعمال المسرحية المقدمة لأطفال المرحلة العمرية التالية التى تقع ما بين الثانية عشرة وصولاً إلى مرحلة السادسة عشرة ؛إذ يشعرون بأنهم أصبحوا كباراً ومنهم من وصل إلى مرحلة التغيرات البيولوجية فيشعر بالرجولة المبكرة أو الأنوثة المبكرة، ومن ثم تصبح المسرحيات ذات الصبغة العاطفية أكثر ملاءمة وتقبلاً لهؤلاء الأطفال من المسرحيات الخيالية والواقعية.
3- معيار البناء الدرامى:
تحدث أرسطو ومن جاء من بعده من الشراح عن معيار البناء الدرامى، وأكدوا ضرورة أن يحافظ كل إبداع وكل عمل فنى على هذا الشرط ؛ ذلك أن كتابة قصيدة شعر أو قصة أو مسرحية- مهما تنوعت هذه الألوان الإبداعية – إلا ما خالف منها المعايير التقليدية ويدخل فى إطار ما يسمى بالأعمال التجريبية أو الطليعية – فإنها تحافظ جميعاً على معيار البناء الدرامى. أقصد به ضرورة أن يحدث الانسجام بين الشكل والمضمون وأن يكون لهذا العمل بداية ووسط ونهاية تمكن العمل من التكامل وهو أمر بطبيعة الحال لابد أن يراعيه من يكتب أو يعد للمسرح المدرسى وإن كانت بعض هذه الأعمال – أو غالبيتها – تفتقد روح الانتشار والتداول مثلما هو الحال فى أنواع مسرح الأطفال الأخرى خاصة ما يعرف بمسرح الأطفال الآدمى الاحترافى البشرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المسرح المدرسي هو جء من مسرح الطفل
محمد ( 2013 / 4 / 3 - 23:44 )
الطفل ليس له افق محدد و كذلك المسرح .

اخر الافلام

.. عضو بالكنيست لنتنياهو: كفاك نكتات أنت تماطل بصفقة الأسرى لتب


.. هل يعتقل نتنياهو وغالانت عقب قرار المحكمة الجنائية الدولية؟




.. ما أصداء قرار المحكمة الجنائية الدولية ضد نتنياهو وغالانت دا


.. هل يمكن استئناف قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنياهو وغ




.. صدمة فى إسـ’ رائيل بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال