الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العرب أمام تحدي الديمقراطية

فؤاد سلامة

2011 / 4 / 12
مواضيع وابحاث سياسية



توقف الزمن العربي طويلا على محطات التاريخ الغابرة . اذا شئنا أن نسمح لأنفسنا أن نتكلم عن حضارة عربية جامعة فيها قدر كبير من الوحدة والتماسك, فيجدر بنا الاقرار بأن الحضارة تلك لم تغادر مرحلة الطفولة مقارنة بباقي الحضارات الانسانية . ما زالت حضارتنا ’’المجيدة’’ تحبو على بطنها حبوالأطفال ولم تبلغ سن الرشد بعد , وليس في ذلك انتقاص من قيمة العرب بل اعتراف بحقيقة بديهية مهما كان في ذلك من المرارة .
لطالما اعتدنا على المديح الذاتي , واذا شاء أحدنا ممارسة قدر يسير من النقد لشعوبنا ومجتمعاتنا وثقافتنا لوجدنا من يتصدى لهذه المحاولة بادعاء جهل الناقد, أو باعتبار ذلك النقد نوعا من جلد الذات أو عقدة نقص أمام الغرب وثقافته . وكم اعتدنا على الزهو بعظمة حضارتنا وكم رأينا كثرة المتنطحين لمحاربة الغزو الثقافي ومقارعة المستعمرين الطامعين بأرضنا . واذا كان من الطبيعي أن يحارب الحكام العرب طواحين الهواء في معاركهم الخيالية, فيما هم يمارسون هوايتهم المفضلة في سحق شعوبهم و تكديس الثروات في خزائن الغرب المذموم على حساب مواطنهيم , فما هو ليس مفهوما أن ينبري بعض أبناء الوطن ومثقفيه وإعلامييه الأشاوس للتهجم على الغرب حائك المؤامرات بحضارته الزائفة وديمقراطيته الناقصة , دفاعا عن بعض هؤلاء الحكام بحجة وطنيتهم ووقوفهم في وجه الأطماع الخارجية !!!
يتساءل المواطن , هل أن الوطنية لا تستقيم من دون الحرية , وهل أن الشعارات القومية تسوغ الإستبداد , وهل أن مقاومة المحتلين لأرضنا والطامعين بثرواتنا لا يقيض لها النجاح في حال إنصاف المواطنين وإشراكهم في السلطة وفي الثروات؟ هل إعطاء المواطن حرية التعبير ستدفعه الى التمرد والإرتماء في حضن الأعداء المتربصين بالأمة ؟ ما سبب عدم الثقة بالمواطن إن لم يكن معرفة أن المواطن المسحوق سيثور حالما يمنح فرصة التعبير أو يحظى بغطاء داعم من الخارج ؟ ذلك القدرالذي يغلي في صدور المواطنين من شدة القهر ومن تجمع مشاعر النقمة واحتباسها سينفجر حتما في أول فرصة تلوح فيها فرصة للتحرر من كابوس الأمن ومن جلادي السلطان ومحترفي الإغتيال والتعذيب في أقبية السجون .
السؤال الآخر الذي لا بد من طرحه في وسط معمعة التحولات العاصفة في المنطقة العربية هو في امكانية التحول نحو الديمقراطية لمجتمعات بقيت ردحا طويلا من الزمن تغرد خارج سرب الحداثة . لا يعدم المشككون حججا تدحض امكانية التحول تلك وتلقي ظلالا من الشك على قابلية شعوب ,عاشت لقرون في فيء ثقافة قروسطية منغلقة ومتمحورة حول سؤال الهوية, قابليتها للانعتاق من أسر المقدس والمحرم, والانطلاق في فضاء الحرية الرحب . وان لم يكن العائق ثقافيا محضا كما يضيف البعض بحق , فان اتقان الطغاة أساليب القمع والتدجين وأغداقهم الوعود حينا وأطلاقهم الوعيد معظم الأحيان , يجعل من الصعب على المواطنين التطلع الى مستقبل ينتفي فيه الخوف من آلة القمع العمياء , وينعم فيه الأنسان الفرد , بفضائل الديمقراطية وآفاقها المفتوحة .
واذ نعيش في عصر لم تعد الديمقراطية فيه استثناء بل نمطا عاما للمجتمعات المتقدمة , يحق لنا التساؤل عن مدى قدرة الأنظمة المتكلسة والمجتمعات المتحنطة في عالمنا العربي على مقاومة جاذبية الديمقراطية بحجة الخوف على الهوية أو حجة خطر الفتنة الطائفية أو تهديد من تسول له نفسه دعم الديمقراطية ببعبع التطرف الأسلامي . يحلو للطغاة المتمرسين بأساليب القمع والأبتزاز أن يحذروا الغرب من خطر الاسلام المتطرف ˸ أما نحن أو الفوضى . ويشارك الكثير من الأعلام الوطني ومن الساسة في هذه اللعبة التي انطلت في الماضي على القادة الغربيين . اذا كان الخيار بين’’القاعدة’’ والأخوان من جهة , والديكتاتورية من جهة أخرى , فيبقى من الأنسب الحفاظ على أنظمة فقدت الشرعية الشعبية تجنبا لانتفاضات أو انتخابات تحمل الأسلاميين الى السلطة . ذلك كان الجواب الوحيد المتوقع من قادة غربيين تواطأوا دهرا مع الديكتاتوريات .
لن يكون العرب بمنأى عن مواجهة التحدي الذي تطرحه الديمقراطية على مجتمعات لم تألف طعم الحرية ولم تنعم فعلا بمنجزات الحداثة , وهي ما زالت أحيانا تعتبر الحرية مرادفا للانحلال والتهتك , ولا زالت متمسكة بثقافة العائلة والقبيلة والطائفة . واذ يدرك الطغاة أهمية هذه البنى البدائية في حماية منظومة القمع التي يستندون عليها فانهم لا يدخرون جهدا في تغذية روابط الولاء التقليدية وتعزيزها بكل ما يتوافر لهم من امكانات مالية وتحريض اعلامي وتخويف من الفوضى ومن الخارج وشحن للكراهية في نفوس الأتباع والموالين . وكم يبدو مضحكا وتافها ما نشهده مرارا وتكرارا من لجوء لأبواق الأعلام الرسمي الى نسب الحراك الشعبي ومطالبته بالحرية أولا, الى المؤامرات الخارجية أو العصابات التي تحركها الأيدي الأجنبية تحت جنح الظلام .
يراهن البعض على أهمية شبكات التواصل الحديثة والأعلام الحر في مد الشعوب المغلوبة على أمرها بوسائل الدعم الضرورية لتجاوز حاجز الخوف , وردع الطغاة عن الأمعان في القتل والتدمير . يشكل ذلك من دون شك عاملا مساهما في تعديل موازين القوى بين الحكام المستبدين المستنمرين وشعوبهم المقهورة والمستكينة , ولكن يبقى أن نقر بأهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه الخارج الأممي في توفير مظلة أمان وحماية للشعوب في مواجهة آلة القمع الهمجية لحكام لا يتورعون عن ارتكاب المجازر ليحولوا دون خسارة ملكهم وخروج’’رعاياهم’’ عن الطاعة .
نحن ولا شك نشهد حاليا بوادر تحول ملموس ومحسوب ربما للقوى الغربية في طريقة تعاملها مع العرب يحتاج الى الدراسة والتحليل من دون التسرع في الإستنتاج بأن القوى الكبرى أصبحت صديقة للشعوب المضطهدة . فبعد عقود من التواطؤ المصلحي مع الطغاة ومن التجارب المريرة مع الشعوب التي خذلت في انتفاضاتها , وبعد الخسائر التي منيت بها الجيوش الغازية في حروبها الفاشلة , يبدو أن القادة الغربيين بدأوا يجربون طريقا آخر لتغيير صورتهم الإستعمارية الكريهة عبر تحسين علاقتهم بالشعوب ومد يد العون لها في مواجهة تنكيل الطغاة بها . ربما يكون هذا هو الطريق الأقصر والأجدى لكسب تعاطف الشعوب وتأمين مصالح القوى الكبرى في الوقت نفسه, ومن الأرجح أن تكون هناك نوايا مضمرة وأسوأها التقسيم كأمر واقع يفرضه الطغاة , وتكرسه الحماية الأجنبية التي تصبح شرا لا بد منه بالنسبة لشعوب مهددة بأجهزة أمن الحكام وأعوانهم .
لا يتورع بعض الحكام المستبدين عن المجازفة بخوض حروب أهلية وتعريض بلادهم لمخاطر التقسيم من أجل إطالة عمر أنظمة متهاوية فقدت كل أشكال التعاطف الشعبي وقد لا يبقى أمامها غير التقسيم للإحتفاظ بقطعة أرض تقيم فوقها حكما على مقاس طائفة أو عائلة أو قبيلة , ولو مرهذا التقسيم على جثث الآف من أبناء الشعب وتم على حساب الوطن الواحد الموحد. هذا قد يكون ما فهمته النخب الغربية الحاكمة ودوائر الأبحاث والقرار في البلدان الغربية بعد مراجعتها لتجاربها الفاشلة , وبعد انتهاء صلاحية استثمارها لشعار محاربة الأرهاب ودعم ’’الإعتدال’’ على حساب الديمقراطية . الى أي مدى نستطيع المراهنة على سلوك داعم ’’وإنساني’’ لقوى غربية اعتادت على احتقار شعوب الجنوب وسلب ثرواتها بالتضامن والتشارك مع من نصبتهم رعاة قساة للشعوب وحماة أذلاء لمصالح الأسياد, على ما تردد أدبياتنا اليسارية والوطنية من زمان ؟ الرهان الأول يبقى على الشعوب العربية التي بدأت تذوق طعم الحرية وصارت تعرف بأي يد تطرق بابها , وكيف تدك حصون الديكتاتورية وأسوارها العالية , بالقبضات المرفوعة والصدور العارية .
ذلك لا يعفي من طلب دعم القوى المؤيدة للديمقراطية في العالم يسارا ويمينا . تلك القوى ستكون ولا شك أمام امتحان قاس للمصداقية , بعد كل ما أشاعته في الماضي حول عدم استعداد الشعوب العربية والإسلامية لتقبل الديمقراطية . الحجة القديمة والجاهزة حول الطبائع الشرقية المحبة للإستبداد والمستبدين والتي لاقت رواجا في الأوساط الغربية لصدورها عن فلاسفة ومفكرين مرموقين , تلك الحجة التي كانت بدأت تتسرب إلى عقول المثقفين العرب سقطت سقوطا مدويا تحت أقدام الشعوب المنتفضة كما سقطت وستسقط عروش الطغاة في بلدان العرب . لذلك لن يكون مستبعدا أن تجري مراجعة نقدية شاملة لكثير من المواقف السلبية تجاه العالم العربي . هذه المراجعة ستستفيد منها المجتمعات العربية , ويمكن اعتبارها عنصرا إضافيا رافدا للثورة العربية المعاصرة يساعد في تأمين مظلة الحماية الخارجية للتحركات الشعبية العربية وإن كان حتما لا يحل مكانها .
فؤاد سلامة . في 2011 04 12








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا تعلن استهداف خطوط توصيل الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا |


.. أنصار الله: دفاعاتنا الجوية أسقطت طائرة مسيرة أمريكية بأجواء




.. ??تعرف على خريطة الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريكية


.. حزب الله يعلن تنفيذه 4 هجمات ضد مواقع إسرائيلية قبالة الحدود




.. وزير الدفاع الأميركي يقول إن على إيران أن تشكك بفعالية أنظمة