الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البطريرك الروسي كيريل - سياسي بامتياز

حبيب فوعاني

2011 / 5 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


يعد بطريرك موسكو وسائر روسيا كيريل نموذجا كنسيا عصريا، ونسخة جديدة عن البطريرك المصلح والنافذ نيكون (1605-1681)، الذي كان يلقب بـ"الحاكم الأكبر" ويتمتع بسلطة روحية وسياسية في آن معا على الناس.
فالبطريرك الحالي يشدد على الشراكة بين الدولة والكنيسة، ويحاول القيام بدور المرشد الروحي للسلطة. وقد أصبحت فكرة "التناغم" بين الدولة والكنيسة الموضوع الرئيس في أول خطاب لكيريل خلال حفل استقبال أقيم له في الكرملين بعد انتخابه مطلع عام 2009 بطريركا في معمعان الأزمة الاقتصادية العالمية، حين ازداد الطلب الاجتماعي على دور الكنيسة المطمئن، وكان البطريرك أهلا لهذه المهمة.
ويشتهر البطريرك بتوقه إلى التجديد وبميله إلى السلوك العلماني ونبذه الطقوس المفرطة والتقاليد المتحجرة. وخلافا لأسلافه، لا يريد كيريل للكنيسة الروسية الاكتفاء بدورها التقليدي الهامشي، الذي مارسته في القرن العشرين. لكن اجتذاب جمهور أوسع من المواطنين إلى الإيمان يصطدم بتقادم الطقوس الكنسية والعادات الدينية المترهلة، التي لا تتوافق مع المظهر المعاصر للحياة، والتي تتطلب "ترويسا" وحلة حضارية.
وقد لفت انتباه المجتمعين في فعاليات المجمع الكنسي المحلي أن المشاركات لأول مرة حضرن الجلسات من دون أغطية للرأس.
وفي مستهل الصوم الكبير، صرح أحد مسؤولي قسم السينودس لشؤون الشباب الكاهن المترهب دميتري بيرشين بأن التعفف الجنسي ليس من المتطلبات الحتمية للصوم. وفي الوقت نفسه لم يعد نادرا رؤية أسقف يبشر في حفلة روك أو في زِيـَّاح على دراجة نارية، ما يخالف شعائر الورع الأرثوذكسية المعروفة.
والبطريرك كيريل من أنصار وسائل الإدارة القيادية المباشرة لتنظيم عمل الكنيسة. ويأخذ عليه التقليديون إعجابه بالنهج الكاثوليكي الغربي، وبخاصة النظام الأوتوقراطي لسلطة الفاتيكان، وطموحه إلى إدخاله إلى الكنيسة الأرثوذكسية. وليس من المصادفة أن أول ما فعله كيريل عندما أصبح بطريركا لروسيا كان إجراء إصلاح كنسي إداري، تم دعم جهاز البطريركية الموسكوفية بموجبه بهيئات جديدة، وقُلص بشكل حاد دور المؤسسات الديمقراطية للإدارة الكنسية بدءا بالمجمع الكنسي المحلي وانتهاء بمجالس الأبرشيات.
وقد تزامن مجيء كيريل إلى البطريركية مع زيادة كبرى في تمويل ترميم مجمع "القدس الجديد" في ضواحي موسكو وذلك لتحويله إلى مركز روحي ذي أهمية وطنية، وهو الذي أنشأه البطريرك نيكون ليكون مضاهيا للقدس القديم في عظمته، ولتحويل موسكو إلى مركز عالمي للأرثوذكسية ونيكون إلى بطريرك مسكوني.
والبطريرك كيريل أيضا يطمح إلى ممارسة دور بارز في العالم الأرثوذكسي ويريد تحويل موسكو إلى فاتيكان أرثوذكسية.
وعندما كان كيريل متروبوليتا شُكلت لجنة خاصة في البطريركية بشأن الزعامة الأرثوذكسية في العالم وتحولت بعد اعتلائه سدة البطريركية إلى مجموعة عمل لا يُفصَح عن نشاطها.
وفي المهمات، التي يعتمد تنفيذها على رؤوس السلطة الروسية، أحرز البطريرك في عاميه الأولين نجاحات كثيرة. من بينها – الاختراق المفاجئ في إدخال تدريس "أسس الثقافة الأرثوذكسية" في مناهج المدارس الروسية الحكومية بعد سنوات من الممانعة الحكومية، وإعادة العقارات "ذات الأهمية الكنسية" إلى ملكية الكنيسة.
وتسمج هذه الامتيازات السخية من جانب الدولة بالاستنتاج بأن "التناغم" بين البطريرك كيريل والسلطة قائم على قدم وساق. لكن من السابق لأوانه التأكيد أن الكنيسة استطاعت الدخول في شراكة حقيقية مع السلطة الروسية واستعادة دور منبرها الإيديولوجي. فالدولة وإن كانت تحتاج بالفعل إلى سد الفراغ الإيديولوجي الناتج من انهيار الاتحاد السوفياتي، وإلى إلقاء هذه المسؤولية على عاتق الكنيسة، إلا أنها لا تزال تفعل ذلك بحذر. إذ من الممكن عاجلا أم آجلا أن يتغير التوزيع الموسيقي في هذا التناغم بين الدولة والبطريرك السياسي المحنك والمستقل، والمعجب بالبطريرك نيكون، الذي كان يقول إن "إن الديني أعلى من الدنيوي".
وكذلك، فالكنيسة الروسية فقدت نفوذها الاجتماعي الفعلي قبل قرنين من ظهور الاتحاد السوفياتي، ويتساءل خبراء لماذا يجب أن تكون الكنسية فعالة في القرن الحادي والعشرين، حتى ولو بالشكل العصري، الذي يمنحها إياه البطريرك كيريل؟ ولاسيما أن استطلاعا للرأي بين أولياء التلاميذ أظهر أن غالبيتهم يفضلون أن يدرس أبناؤهم مكارم الأخلاق الدنيوية وليس أسس الثقافة الأرثوذكسية.
وعلى أي حال، إذا نجح البطريرك في إيصال البطريركية الروسية إلى مواقع ريادية في العالم الأرثوذكسي فإن ذلك سيعزز وزنه السياسي في روسيا نفسها. وعندئذ يمكن برأي الخبير بالشؤون الكنسية أناطولي تشيرنيايف أن يحظى البطريرك بوضع المرشد الروحي الرسمي للدولة مثل آية الله الخميني في إيران، ولاسيما أن ألكسندر دوغين المفكر الأوراسي المقرب من البطريرك يرى أن تجربة الجمهورية الإسلامية جديرة بالتأمل.
ولكن لا داعي للجري طويلا وراء سيناريوهات المستقبل، فقد جاء في إنجيل متى: "فلا تهتموا للغد لأن الغد يهتم بما لنفسه"، فيما يتابع البطريرك العصري نشاطه الحثيث لإعادة الإيمان إلى القلوب الخاوية في روسيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف إسرائيلي على مركز رادارات في سوريا قبيل الهجوم على مدينة


.. لماذا تحتل #أصفهان مكانة بارزة في الاستراتيجية العسكرية الإي




.. بعد -ضربة أصفهان-.. مطالب دولية بالتهدئة وأسلحة أميركية جديد


.. الدوحة تضيق بحماس.. هل تحزم الحركة حقائبها؟




.. قائد القوات الإيرانية في أصفهان: مستعدون للتصدي لأي محاولة ل